الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شباب إمرأة: ريف ومدينة ورغبة

دلور ميقري

2023 / 2 / 6
الادب والفن


1
في عام 1956، تم إنتاج فيلم " شباب إمرأة " للمخرج صلاح أبو سيف. عدا عن التقنية العالية لهذا العمل السينمائي، فإن فكرته كانت فريدة؛ وهيَ صراع المدينة والريف، وذلك من خلال عرض سيرة شاب قادم من القرية إلى القاهرة بهدف الدراسة. عام إنتاج الفيلم، شهدَ سياسياً ترسّخ سلطة طغمة إنقلابيي 52، شعبياً، على أثر إندحار العدوان الثلاثي. أما إجتماعياً، فإنه عزز قيَم أولئك الإنقلابيين، القادمين من أعماق الريف، المتمثلة عموماً بالمزاجية والمحافظة والتعطش للثروة والنفوذ.
أمين يوسف غراب ( 1912 ـ 1970 )، مؤلف قصة " شباب إمرأة "، ولد في قرية تابعة لمحافظة كفر الشيخ، وقضى في الريف أكثر من نصف حياته. لم يدخل مدرسة قط، بالرغم من أنه من أسرة ثرية، بل علم نفسه بنفسه. بدأ حياته الأدبية بكتابة الأقاصيص، وكان يرسلها بالبريد للصحافة في القاهرة. وفي مرحلة نضوجه ككاتب، ألّف عدة روايات تم تحويل بعضها إلى أفلام جيدة وناجحة؛ مثل " خلخال حبيبي "، " السفيرة عزيزة "، " سنوات الحب ".
رواية " شباب إمرأة "، تصادفَ نشرها مع إنقلاب العسكر على الملكية عام 1952؛ فكأنما كانت صدى لهذا الحدث الخطير، المقدر له أن يهز مصر ومنطقة الشرق الأوسط ككل. لكن ترييف المدينة، لم يكن قد حصل بعدُ في زمن نشر رواية " شباب إمرأة "، وإنما يُمكن ملاحظته عندما جرى تحويلها إلى فيلم سينمائي بعدَ نشرها بأربع سنوات. من ناحية أخرى، يجوز الإفتراض بأن أمين يوسف غراب كان أثناء تأليفه لهذه الرواية، واقعاً تحت تأثير رواية كلاسيكية فرنسية، هيَ " إمرأة في الثلاثين " لبلزاك. هذه الأخيرة، محور حبكتها أيضاً عن إمرأة أرملة، تعيش حرماناً جسدياً لأعوام، إلى أن تلتقي مع شاب يصغرها سناً، فتقع في هواه.
مثلما الأمر في معظم أعماله السينمائية، فإن مخرج " شباب إمرأة " تعهّد كتابة السيناريو وارتقى بالنص الأدبي ليحوله إلى واحد من أهم أفلام السينما المصرية. أيضاً، كان صلاح أبو سيف موفقاً في إختيار الفنانة الكبيرة، تحية كاريوكا، لأداء دَور " شفاعات "؛ المرأة القوية الشخصية والمتسلطة، التي تضعف أمام الحاجة الجسدية حينَ التقت مع شاب ريفي يصغرها سناً بكثير. وهذا ما يُمكن قوله، إزاء الأدوار الرئيسية الأخرى. وفيلم " شباب إمرأة "، من ناحية أخرى، عليه كان أن يرسّخ الإتجاه الفني في سينما صلاح أبو سيف، المعبَّر عنه في كونه رائداً للسينما الواقعية.
على الجانب التقني، علينا التنويه بالمصور الموهوب، كمال كريم، الذي أبدع في لقطات فيلم " شباب إمرأة "؛ وكان تحت إشراف وحيد فريد، مدير التصوير. هذا الأخير، هوَ أيضاً منتج الفيلم.

2
شارة الفيلم، تظهر على خلفية موسيقية للأغنية الريفية، " أيا زين ". الموسيقا التصويرية للفيلم، كانت للملحن فؤاد الظاهري. والملاحظ، أن اسم الفنانة شادية كان متصدراً الشارة، بالرغم من أن الدَور الرئيس في الفيلم كان للفنانة تحية كاريوكا؛ كما سبقَ القول. لأن المعروف أن شادية، كانت نجمة عقد الخمسينيات؛ حيث قدمت فيه ثلاثة وسبعين فيلماً.
المشهد الأول، كان يعكس بصدق العلاقة الحميمة بين الفلاح ومصدر رزقه الأساس، المتمثل بالحيوانات المدرّة للحليب. فأم إمام ( الفنانة فردوس محمد )، تعود باكية عقبَ بيعها لبقرتها الوحيدة لكي يستطيع ابنها بثمنها تدبر أمر معيشته في القاهرة، وكان سينتقل إليها بهدف الدراسة الجامعية. إمام ( الفنان شكري سرحان )، يركب القطار المتوجه إلى العاصمة وكان محملاً بعدة أحمال من المؤونة ولوازم المعيشة. بوصوله إلى القاهرة، وطوال الرحلة بالحنطور، نراه مندهشاً إزاء ما يراه من العمارة الفخمة والميادين المزينة بالتماثيل والشوارع الفسيحة و المحلات الأنيقة. يصل إلى حي القلعة، وهناك يلتقي مع عم حَسَبو ( الفنان عبد الوارث عسر )، الذي يستأجر منه حجرة في بناء كبير من دورين. من وجود الحيوانات والطيور الداجنة، كان واضحاً أن السكان بمعظمهم أصلهم من الأرياف. تتوقف الكاميرا لبرهة عند منظر بغل، يقوم بحركة دوران حول بئر لاستخراج مياهه الجوفية، يقع في قاعدة الدور الأرضي لذلك البناء: وستكون لهذه اللقطة رمزيتها، كما سنتبينه من سياق أحداث الفيلم وخاتمته.
" المعلّمة شفاعات "، ما لبثت أن ظهرت في المشهد التالي، وكانت نداً لأحد الرجال في نزاع معه بقضية تجارية. يتقدم منها العم حسبو، ليخبرها أنه قام بتأجير حجرة لطالب، فما كان منها إلا توبيخه والطلب منه استعادة الحجرة وطرد المستأجر. غير أنها ما لبثت أن تراجعت عن قرارها، بعدما شاهدت إمام وهوَ ينقذ عاملاً وقع تحت رحى الدولاب الحجري، الذي يجره البغل فوق ذلك البئر. غبَّ اللقاء الثاني مع إمام في حجرته، وكان قد أزعجها صباحاً بالقيام لصلاة الفجر، تنتبه إلى جمال جسده وقوة عضلاته. تعود إلى حجرتها، وتمكث برهة أمام المرآة كي تتفحص قسمات وجهها: لقد استيقظت فيها الرغبة الجسدية، هيَ المعانية من الحرمان كإمرأة أرملة. لكن من أكثر من إشارة، ثمة تلميح إلى أن عم حسبو كان عشيقها فيما مضى من الزمن.
إمام، كان يحمل رسالة لصديق والده الراحل، المدعو بالشرنوبي ( الفنان سراج منير )، فيتجه إلى منطقة العباسية، أين يقيم الرجل. هناك يقع في ورطة طريفة، عندما قرع بالخطأ جرس باب امرأة يونانية. من أوقعه بالورطة، كان ابن الشرنوبي الأصغر، الذي سيتسلى منذئذٍ بهكذا مقالب مع الشاب الريفي الساذج. ثم دخل إمام إلى بيت صديق والده، ليفاجأ بابنته سلوى ( الفنانة شادية )، وكان يعرفها في الصغر. كان لا بد أن تظهر شادية منذ اللقطة الأولى وهيَ تغني، كونها مشهورة أولاً كمطربة.
يرحبون به بحرارة في منزل أولئك المعارف، ثم يعرضون عليه إعطاء ابنهم دروساً خصوصية لمساعدته مادياً. مع مرور الأيام، يشعر إمام بعاطفة حب تجاه سلوى، وهذه تبادله عاطفته. على المنقلب الآخر، توقعه شفاعات بين براثن جسدها الجميل، وكانت هذه تجربته الجنسية الأولى. يبقى موزع العاطفة بين المرأتين، وفي أثناء ذلك صارَ يهمل الصلاة ويقبل على الخمرة. هذا التحول، يلاحظه عم حسبو، فيحاول ثني إمام عما يراه بأنه طريق الخطيئة؛ بالأخص عندما وجده يهمل دروسه ويمتنع عن الذهاب إلى الجامعة.
مشهد طريف في الفيلم، وله مغزى، عندما خرجت شفاعات مع إمام لزيارة الأولياء بحسب رغبته. يتقدم منها عجوز متسول، فتمنحه ورقة مالية. لكنه يزعجها، بالدعاء أن يحفظ لها ابنها؛ وكان يقصد إمام. وتكون كريمة بالطبع مع عشيقها الشاب، بأن تمنحه كل مرة مبالغ مالية فضلاً عن تقديم الطبخ الفاخر له في المنزل وفي مطاعم المدينة. تهديه في إحدى المرات ساعة ذهبية ذات حامل، وتتبعها بالتلميح إلى رغبتها بالاقتران معه.
تحية كاريوكا، كما هو معروف، كانت آنذاك تتربع على قمة فن الرقص الشرقي. في هذا الفيلم، ستؤدي رقصة واحدة وفي موقف معبّر. إذ تحل مناسبة المولد النبوي، والمصريون يحتفلون به على طريقتهم في ذلك الزمن، المتسمة بالبهجة ومظاهر الفرح والتسلية. فترى شفاعات إمام، يقف مبهوراً أمام فتاة تؤدي رقصة ضمن أجواء العيد. فتسحبه عشيقته إلى عش الغرام، وهناك تقول له أنها ستجعله يعرف الرقص الشرقي على أصوله.
يقع إمام مريضاً، وكان آنذاك في زيارة لمنزل آل الشرنوبي، وتهتم سلوى برعايته. يبدأ القلق يساور شفاعات لغياب عشيقها، إلى أن تهتدي لعنوان ذلك المنزل. أثناء حديثها مع إمام، تدرك سلوى جلية علاقته بالضيفة. لما انفرد بالفتاة، أقسم لها أنه يحبها وحدها ويرغب بالزواج منها. بعد ذلك، عندما أصر أمام شفاعات أن يهجرها وينتقل للسكنى في مكان آخر، تعمد إلى تدبير شرير: في أثناء غيابه، تدس بعضاً من مصاغها في أمتعته.
بعدئذٍ تقدم شفاعات شكوى في النيابة، تتهم إمام بسرقة مصاغها. ثم تقابله وتضعه أمام خيارين؛ إما السجن أو الزواج. يذعن للتهديد، وفي الأثناء تصل والدته إلى القاهرة وما أسرع أن علمت بخبر زواج ابنها من امرأة تكبره سناً بكثير. تعرف من الشرنوبي عنوان شفاعات، فيقرر الرجل مرافقتها لذلك المنزل.
المشهد الأخير في الفيلم، عندما تغادر الأم منزل شفاعات مع الشرنوبي، وتكون هذه الأخيرة واقفة على الشرفة، المطلة على صحن الدار. عند ذلك يدفعها عم حسبو إلى الأسفل، لتقع فوق قاعدة البئر وليسحق جسدها حجر الرحى، الدائر بقوة البغل. يتابع إمام مسيره مع العائلة، قابضاً على يد حبيبته سلوى.
لا شك أن الفيلم بالرغم من واقعيته، التزم بالقصة الأصلية للمؤلف؛ التي تدين شفاعات بوصفها امرأة شريرة، تلقى جزاءها في النهاية. لكن مجرد اختيار المخرج لدَور شفاعات، فنانة قديرة وذات شعبية عظيمة، كتحية كاريوكا، فإنه كان ولا شك يبتغي استجرار عطف المشاهدين عليها. لقد كانت بحسب الفيلم امرأة كريمة، روحاً وجسداً، وحتى في نهايتها المأسوية أفادت إمام وعائلته وحبيبته: إذ بموتها، يرث هوَ كل مالها وممتلكاتها بصفته زوجها الأرمل !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله