الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص - أمانى فؤاد - : سرد الدفاع عن المرأة والحياة

سمير الأمير

2023 / 2 / 6
الادب والفن




يكتسب الإبداع أهميته من براعته وجدته و قدرته على التعبير الإنساني الذي يرى القضايا المختلفة كقضايا الجنس والنوع والطائفة والطبقة ضمن منظور الحياة بشموليتها وقدرتها على استيعاب مفرداتها في أنساق مقنعة وطبيعية تثير فى النفس الإحساس بقيمة الوجود ومعناه، وهذا لا يعنى أن على الكاتب أن يكون محايدا حيال قضايا القهر بكافة تجلياته الطبقية والطائفية والسياسية ، ولكن المرأة المبدعة التي تصر على كونها نقيضا للرجل، تظل كتاباتها عاجزة عن اكتساب المعانى الخالدة التي تجعل منها أدبا قابلا للحياة وعابرا للنوع، يضاف إلى الأعمال العظيمة المجاوزة لحدود الجغرافيا والزمن ، وما يقال عن المرأة المبدعة يقال أيضا عن الرجل المبدع وبنفس الكيفية
ولعلي هنا مدفوع بالتذكير بذلك بسبب كثرة ترديد مصطلح "الأدب النسوي" على مسامعنا بشكل متواتر وممل وأحيانا مستفز، فالأدب لا يكتب أبدا من هذه المنطلقات المنغلقة على ذاتها، ولذا استمتعت كثيرا بقراءة ما تكتبه "أمانى فؤاد" من قصص قصيرة، تلك التي لم أتمكن من الحصول عليها إلا منشورة على صفحات التواصل الاجتماعي
وهذه المتعة مصدرها أنها أكدت على صحة موقفي من أن السرديات لا تكتب بالتستترون ولا بالا وستروجين وان كان الهرمونان موجودين بالضرورة ، ولعل بعض كتاب ونقاد ما بعد الحداثة سينزعجون من استخدامي لكلمة " استمتعت" باعتبار الناقد كيانا باردا يرصد ويحلل بغض النظر عما يحب وما يكره، وربما هم مخطئون لأنني لست ناقدا بهذا المعنى الذي يضع الناقد في مواجهة الكاتب ، فرؤيتي تتلخص في أن هناك نصوصا سردية وغير سردية قادرة على إثارة تفسيرات للحظات تاريخية أو اجتماعية أو إنسانية بعينها ومن ثم قادرة على إقناع النقاد غير الأكاديميين من أمثالي بإنتاج نصوص تتناولها وتجادلها وهنا يمكن لقاريء النصين الإبداعي والنقدي الحصول على فائدة ما، قد تكون مجرد مواساة أو وعيا جديدا يجعله قادرا على مواصلة حياته بشكل أفضل في نصه الواقعي الذي هو بالضرورة ليس نصا أدبي،
ورغم أن الطابع الإنساني المتجاوز للنوع هو الطابع الغالب في كتابات "أماني فؤاد" ، إلا أنها أيضا قد تتخذ موقفا نسويا من الرجل، ففي قصة " لم يقاوم الأخرى إلا نادرا"، ورغم براعة تدفق اللحظة وتكثيفها إلا أننا أيضا سنعثر على ما يثير الجدل، ولا سيما أن المرء لا يستطيع هنا أن ينفي ذكورته مقابل الحصول على لقب " ناقد موضوعي"
ولذا دفعتني الكاتبة لاتخاذ موقفا مع الجانب المدان لأتساءل : ما هي جوانب التناقض التي رصدتها الكاتبة عند بطلة القصة نفسها؟، إنها تكاد تكون غير موجودة ، وهو أمر يعمل هنا لصالح قضية النسوية لا قضية الحياة ، ومن ثم يدفعنا لنتساءل: كيف وبطلة قصتها تلك هي نتاج لنفس التربية الذكورية التي رعتها حاملات القرابين المتخلفات من هذا النوع من الجدات اللائي لايمكن إنكار وجودهم في الماضي والحاضر إلى جانب الجدات المستنيرات بالفطرة أو بغيرها في الماضي والحاضر أيضا،
أي أن "ميراث القهر" الذي تجادله وتسائله "أماني فؤاد" في كتابها الذي يحمل نفس العنوان قد انتقل في معظمه للأجيال عبر نساء مقهورات أيضا ، بنفس القدر الذي حملته لنا كتب القرون المظلمة التي كتبها الذكور "الصالحون"
"
في قصة بعنوان " بعض الرتوش البسيطة لكنها واضحة" نقرأ: "لم تهبني مساحة فبدأتْ رقصتي التي أعتدت أداءَها منذ طفولتي، ذراعَيَّ يضمان جسدي، وفي دائرتي أتصاعد، في كل مرة يضيق النفق ويزداد طولا، فأطلق صيحاتي المحرومة الغاضبة، منذ وعيت الحياة والأبواب بيننا تنغلق سريعا؛ مُصدِرة جلَبة وضجيجا يتركاني بلا أحد."
ونلاحظ أن الكلمات التى تصنع السرد هنا عبارة عن منحوتات من الجمال تحوي دلالات متعددة الطبقات ،إن أراد الغواصون الباحثون عن إشارات أو معادلات للموضوع ، ويا للعجب هي فى نفس الوقت تشكل هذه اللغة البسيطة والمحتملة جدا في الحوار بين الأم والبنت بين الماضي الماضي والماضي العائش في مستقبلنا والعابث في مصائرنا بلغة لا اصطكاك فيها ولا ضجيج ولا هتاف ولا معاظلة ولا ادعاء وذهنية
وفي قصة "فقط ملابس خاوية"، نجد أنفسنا أمام سرد حزين وشفيف وموجع وفاضح وكاشف لتناقضنا وأنانيتنا وترددنا وأزمة عواطفنا ومأزق لحظاتنا الاجتماعية والعاطفية وحسرة اللقاءات والافتراقات، والافتراءات الذكورية، التي تفض" التوهمات" لتدفعها إلى ادعاء" التفاهمات" ثم تفاصيل بديعة من الخيال عن الأوراق الذابلة التي تحملها تيارات المياه/الحياة

وفي قصة "ما لم تقله وما لم يقله ايضا"، رغم انبهاري بالجمل والحالة العامة إلا أنني عجزت عن فهم علاقة التناص الصريح بين قتل هاملت لبولونيس وإرساله للمائدة حيث يأكله الدود، وبين مخاطبات الرجل والمرأة، كأنني أمام كائنين يجسدان أفكارا حول العلاقة ولكنهما لا يتورطان فيها أبدا، هل حيرتهما التي وصلتني حقيقية، أم سوء قراءة لا أدري؟، هناك ما يمكن تسميته عندي- وأنا فلاح لا أمثل منبرا ف النقد - "تهويم السرد" أي جعله خطابا "إستبطانيا غائما"، بدعوى أو بحجة جعله مفتوحا علي التأويلات، وربما تكون " أماني فؤاد قد نحت هذا النحو، على العموم أنا قلت إني قارئ "قروي" يدهشني أكثر أن أرى الحياة وأن استبطنها أنا بنفسي وهذا عندي يساوي السرد البارع لأنه يدفعني للإيمان بأنني مبدع وشريك في تكوين المشاهد السردية وفي تخيلها وإعادة بنائها
وفي قصة " لم تكن هنا في يوم ما"، بعد قراءة هذه القصة التي توصي فيها البطلة ابنها بأن يدفنها في مكان لا يصل إليه أحد ، فهي تخشى أن تدفن تحت جذور الليمون فتصبح ليمونة يقتطفها المارة ، وهو معني جديد على ذائقتي باعتباري تربيت على مقولات من قبيل: " ليت قلبي رغيفا طازجا يتقاسمه الفقراء " ، بعد قراءة هذه القصة ، صحت قائلا: " ليتني بعد موتي أصبح ثمارا يلتقطها المارة" وتساءلت: ما خطب بطلة هذه القصة التى عانت قهر التراث المفروض عليها حتى ملت الحياة؟، ولعل عبقرية القص هنا تعمدت أن تقدم لنا حالة لم يعرفها الطب النفسي طبعا باعتبار بحثه لا يمتد لاختيارات الأفراد بعد أن يموتوا، إن ميراث القهر هنا يصاحب المرأة حتى فى قبرها " إنه اكتئاب ما بعد الموت ، والرغبة في البقاء داخل نفسها والتشرنق وهي رغبات مقترنة دائما بالرعب وغياب الحرية والشعور بالأمان
وفي " قصة حارسة الغياب" ورغم أن الرجل يبدو لي متمركزا حول ذاته يستدعي حبيبته للذاكرة ويخاف من استدعائها للحياة وتتحول علاقته بها إلى إنتاجها في الأطر الفارغة والخائفة إلا أنني ألمح تحيزا لرؤيته أو تقديرا وتسامحا مع موقفه وهذا هو الغريب، ولكن رغم غرابته يمكن أن يكون دليلا على ديناميكية الرؤية عند أماني فؤاد ، إذ يمثل في هذه الحالة انحياز الساردة للرجل وليس المرأة على عكس المتوقع
واتفق مع طرح القاصة "أماني فؤاد" في قصة " ضريح الجنين" في أن الخرافة في مجتمعاتنا العربية باتت لدى الكثيرين حقائق لا تقبل الشك، ولكن من الإنصاف أيضا أن نعترف أن سرعة الاستجابات في عصر السماوات المفتوحة ووسائط التواصل الاجتماعي تسرع بوتيرة التغيرات، ولو أن "يحيى حقي" لم يزل يشهد عالمنا اليوم لكتب مطوِرا "لقنديل أم هاشم" ولأضاف لها أبعادا جديدة ،إذ لم يعد توافق العلم والخرافة ممكنا، وقطعا أنا مع الرؤية التي عبرت عنها "أماني فؤاد"، لكن سرعة القضاء علي الخرافة بمبادرة يستجاب لها بهذه السرعة كما جاء في قصة " ضريح الجنين " ليست متوافقة مع المسارات المحتملة لمجتمع يعج بالخرافة والتخلف،ومع ذلك أجد أنه من الإنصاف لنفسي وللموضوعية أن أقرر أنني مأخوذ بسحر كتابتها وهذا المنحي الشعري في تصوير مشاعر الوقوع في الحب بطريقة تشعرك بمشاركة الطبيعة في المعزوفة الجميلة، لكن الاعتراف بدورها المستنير أيضا لا يجعلني أخفي انزعاجي من سيطرة ذهنية لدى معظم كاتباتنا لأفكار تدور حول إدانة الذكر وتثبيته في مرمي هذه الإدانة رغم اتفاقي طبعا مع التهمة، ولكني ضد اختصار التخلف في الرجل وفي رؤوسه المتعددة،
بكل حال يفجر سرد الكاتبة "أماني فؤاد" أسئلة كبيرة وأنا علي يقين أن عقلها المستنير سيخبرها ذات كتابة هي قادرة عليها أن الإنسان برؤوسه هو الإنسان لا أقول بغض النظر عن نوعه ذكر أم أنثى ولكن بإمعان النظر في أسباب التخلف التي تضع نوعيه في مقابلة مع بعضهما، وبقي أن أقول: إنني لا أمَل أبدا من قراءة ما تكتبه الدكتورة أماني فؤاد سردا أو فكرا لأنه جاد وحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته


.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع




.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202