الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زلازل عراقية

شاكر كتاب
أستاذ جامعي وناشط سياسي

(Shakir Kitab)

2023 / 2 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



الزلازل أنواع. منها الطبيعية كالتي أصابت أشقاءنا في سوريا وإخوتنا في تركيا ، نتائجها تدميرية كارثية ، ضحاياها بالآلاف من البشر بين شهيد وجريح ، تداعياتها خراب المدن والبيوت والمساكن والمؤسسات والاقتصاد من صناعة وزراعة وغيرها. ومن نتائجها أيضاً ان يتداعى الناس لمساعدة الضحايا وأسرهم ويهب المجتمع كله لدعم المتضررين كما تقف الدول والمنظمات الانسانية كلها للإسهام في التصدي لغدر الطبيعة وهجمتها الوحشية.
الشيء نفسه نقوله في حالات الفيضانات والحرائق وحوادث الطائرات والقطارات وانهيار السدود والثلوج. لا يمكن بحال من الأحوال الحيلولة دون وقوع هذه الزلازل الطبيعية لأنها عادةً ما تقع فجأةً دونما إنذارٍ مسبق. لكن يمكن التخفيف من عواقبها بشتى السبل الفنية والإدارية والإنسانية كما نرى في أحداث تركيا وسوريا والهبة الإنسانية الواسعة لتقديم الدعم والإسهام في عمليات الإنقاذ.
هناك زلازل من نوع آخر عدا عن الطبيعية أعلاه. منها السياسية التي غالباً ما تكون كارثيتها أكبر ودمارها أوسع وأعم وزمانها اطول وساحاتها أكبر بكثير. مثل الحروب. ودون النظر الى حجمها سواء أكانت كبرى مثل الحربين العالميتين الاولى والثانية او إقليمية كالحرب بين العراق وإيران والعرب والصهيونية والعدوان الثلاثيني على بلادنا والغزو الأمريكي لوطننا العراق وما سبقه من حصار لم تجد البشرية أكثر منه ظلماً لشعب من الشعوب ولا نتائج كنتائجه.
وتنتمي الى نوع الزلازل السياسية الطائفية كالتي جرت وتجري في العراق بتحريض الكثير من أحزاب وعناصر وتجمعات اعتاشت على الدم والذبح والقتل وسلخ الجلود واتبعت شتى سبل العنف ضد البشرية بإسم المذاهب والأديان. كما تقوم دائما بعض دول الجوار بتغذية هذه الصراعات وتزويدها بأسباب ديمومتها لما في ذلك من مصالح استراتيجية وتكتيكية تجنيها هي آجلاً أم عاجلاً.
وهناك زلازل سياسية اجتماعية من نوع آخر سيراني البعض مبالغاً في تسميتها بالزلازل. لنأخذ مثلاً لذلك ما اصطلح على تسميته في بلادنا بالفساد! والمقصود سرقات المال العام. كيف اكون مبالغا في تسمية هذه السرقات بالزلازل اذا كانت تقود البلاد الى الخراب والدمار الشاملين؟ كيف لا تكون زلازلَ إذا كانت تجري علناً جهاراً نهاراً وعلى أعين الناس وعلى مرأى ومسمع الحكومات المتتالية ؟ كيف لا تكون زلازلَ ويسهم فيها أحزاب سياسية تتلبس الدين بعد ان حولته الى مطيةٍ طيعةٍ عمياء؟ كيف لا أسميها زلازلَ وتكتفي الحكومة باستعادة ولو جزءٍ بسيطٍ من حجم السرقة الجبّار ؟ .
من الزلازل أيضا ما هو اجتماعي. فحين ينتشر الفساد يتحول شيئا فشيئا الى ظاهرة اجتماعية لتغدو انتكاسة حضارية ثقافية أخلاقية لا سابق لها في بلادنا وربما في بلدان العالم الأخرى إلّا ما ندر لتصبح هذه التسمية ملائمة جدا لهذا الواقع. خذوا هذا المثال: الغش. الغش أصبح مطلقاً في بلادنا. كان الطالب الذي يمارس الغش في الامتحان يطرد نهائيا من الدراسة للعام الدراسي الذي هو فيه على الأقل. الآن الغش في الامتحانات جماعي وشطارة وعلني تقريبا. القاعة كلها تمارس الغش. بواسطة النقل من طالب لطالب. او بالبراشيم. او بأجهزة الاتصال. ويجري كل ذلك بوجود الاساتذة المراقبين الذين لا يملكون القدرة على اتخاذ أي إجراء لأسباب عديدة.
ماذا يصح ان نسمي غش الطبيب لمرضاه كي يمتص جيوبهم؟ وكيف نفهم ان يقوم عامل الصيدلة بتسعير الأدوية كيفما يشاء ويرغم المريض على شرائها؟ ثم أيتها السيدات أيها السادة كيف ممكن ان تسموا تزوير وثائق دراسية يتقدم بها وزير او عضو مجلس نواب او طالب فيتربع بشهادته المزورة على مقاعد السلطة ومراكز القرار ثم يتحكم بمصيرنا ومصير بلادنا؟. ماذا يمكن ان نسمي الرشوة التي يتلقاها الموظفون من صغيرهم حتى كبيرهم في أغلب دوائر الدولة ويمارسها المحامي والمهندس والمدرس وغيرهم؟ تلك نماذج عديدة من الزلازل اليومية التي اصبحت عادية جداً ونعانيها باستمرار وما هو غير عادي وحالة شاذة هو ان لا تقع في مكان معين او في زمان معين.
يبقى ان نقول ان الزلازل الطبيعية تحدث وفقاً لخرق مفاجئ لقوانين الطبيعة التي ترسخت أصلاً وعبر ملايين السنين للحفاظ على استقرار وتوازن ودوام عطاء وتقدم الطبيعة ومطواعيتها للإنسان. ونتائجها تدمير مادي وشهداء وخسائر في الأرواح والأموال والمعدات. لكن الزلازل السياسية والاجتماعية إنما تأتي لخرق الانسان بكل وعي ودراية للقوانين التي تضعها البشرية في مجتمعاتها للحفاظ على استقرارها ايضا لكن لتضمن كذلك أمن المجتمعات والمواطنين وتسهم بفاعلية في تطور بني البشر عامةً ، وبني هذا الوطن خاصة ، حضاريا ويزدهر اقتصادها وتنمو حياتها برخاء وأمان. ومن نتائجها خراب المجتمعات وتدمير وحدتها وقوام وجودها ومسخ النفس البشرية وتحويل الانسان الى خواء تام في العقل والروح والنفس ولا تبقي على شيء منه سوى الجسد. والجسد وحده لا يمنح الانسان آدميته.
هؤلاء الطائفيون ولصوص المال العام والحكومات المتعاونة معهم والصامتة إزاء جرائمهم ، وهؤلاء الغشاشون والمزورون والمرتشون والراشون والساكتون عنهم كلهم ، كلهم ، كلهم ، عوامل دمار البلاد ومستقبل الأجيال الحالية والقادمة ورهن الوطن للأجنبي يدرون او لا يدرون.
لم اتحدث عن زلازل الشرف والشذوذ والمثلية رغم تحولها الى ظواهر لكنها لا زالت تحت السيطرة من قبل من تبقى من اشراف المجتمع ممن سيبقيهم الله حرّاساً أمناء على الوطن وثروات الوطن وقيم ومبادئ الوطن وعلى أبناء الوطن. هؤلاء هم ركّاب سفينة نوح في الطوفان القادم إن شاء الله تعالى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استهداف فلسطينيين أثناء تجمعهم حول نقطة للإنترنت في غزة


.. طلبة في تونس يرفعون شعارات مناصرة لفلسطين خلال امتحان البكال




.. الخارجية القطرية: هناك إساءة في استخدام الوساطة وتوظيفها لتح


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش خياري إيران ورفح.. أيهما العاجل




.. سيارة كهربائية تهاجر من بكين إلى واشنطن.. لماذا يخشاها ترمب