الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنوع الشكل الأدبي في مجموعة -خفايا- قصص قصيرة جدا حسين شاكر

رائد الحواري

2023 / 2 / 19
الادب والفن


تنوع الشكل الأدبي في مجموعة "خفايا" قصص قصيرة جدا
حسين شاكر
ليس من السهل مواكب أدب العصر، خاصة بعد أن أصبح القراء يميلون نحو الأدب الذي يقدم بصورة مختزلة ومكثفة، فهذا النوع من الأدب لا يقدر عليه إلا من يستطيع أن يقدم الفكرة بلغة وأسلوب مقنع للمتلقي، بحيث يوصل ما يريده بأقل الكلمات.
هذه المجموعة الثانية التي أطلع عليها لقاص "حسين حلمي شاكر" بعد مجموعة "ظلال الوهم" واستطيع القول أننا أمام قاص يعرف كيف يختار الشكل المناسب لتقديم مادته الأدبية، فهو من خلال "خفايا" يؤكد نجاحه وخطه القصصي المتميز، سنحاول التوقف قليلا عند ما جاء في "خفايا" لنرى فنية القصة القصيرة والمضمون الوطني/القومي الذي يحمله القاص، يقول في "بداية"
"قرر أن أعود طفلا لأمارس لعبة الكرة وأصقل مهاراتي بطابة ليست من قماش، حلقت بالفكرة إلى مستوى طموحاتي، فتخيلت أن أكون تارة حارس مرمى، وترة مدافعا، وتارة أخرى مهاجما وأن يصفق لي الجمهور، وتتناقلني وسائل الإعلام، وأسهم في خلق الفرحة لدى الشعوب المخنوقة والمنكوبة والمحاصرة والمجزأة تعثرت بعمري وبجسمي الهزيل وقلة حيلتي، وانتابني شعور بالحيرة، فقررت أن أبدأ ونمت على طريقة الأطفال" ص10، نلاحظ أن القاص يختصر الحديث عن طفولته البائسة من خلال "كرة ليست من قماش" ففي الزمن الماضي كان الأطفال يلعبون بكرة (الشرايط) لعدم قدرة أهاليهم على شراء كرة من الجلد، وهذه الفقرة كافة لجعل القارئ الذي لا يعرف هذه الكرة أن يتوقف عندها.
ومن جمالية القصة أنها تجمع زمنين زمن أحلام الطفولة والزمن الحاضرة الذي نجده في: "تعثرت بجسمي الهزيل، ونمت على طريقة الأطفال"، لكن طريقة التفكير عند بطل القاصة كانت واحدة، لهذا جاءت أحلامه كبيرة، تتجاوز بؤس الواقع، وتتجه نحو تحقيق الخير الشخصي المرتبط بالخير العام/خير للشعب/للأمة، وهذا نجده في: "وأسهم في خلق الفرحة لدى الشعوب المخنوقة والمنكوبة والمحاصرة والمجزأة" فهو بهذه الفقرة تجاوز القطرية الفلسطينية إلى الوحدة العربية، وهذا ما كان ليصل إليه المتلقي دون قدرة القاص على الاختزال والتكثيف، حيث جمع المنطقة العربية كاملة، حتى تلك التي تنعم بالثروة، فعندما قال "المجزأة" شمل كل المنطقة العربية.
وإذا ما توقفنا عند فاتحة القصة: "قرر أن أعود طفلا" وخاتمتها: "ونمت على طريقة الأطفال" نجد أن مرحلة الطفولة هي مركز القصة، وكل ما جاء في القصة من أحلام وواقع قاسي يخدم براءة الطفولة، فتلك الأحلام الجميلة/الوردية التي لازمت وما زالت تلازم القاص، تؤكد أن هناك حلم ما زال بحاجة إلى تحقيق رغم "عمري وبجسمي الهزيل وقلة حيلتي" فهو حتى عندما كبر استمر يحمل فكره هو طفل، ويريد أن يعطي عطاء الأطفال، بعيدا عن الأنا فقط، وهذا يمثل دعوة للمتلقين أن يحملوا/يستمروا في الأحلام التي لم تتحقق في زمن القاص، وأيضا يشير إلى تمازج فنية القصة مع نبل وإنسانية/ووحدوية الفكرة.
الفانتازيا
حجم المأساة التي مر ويمر بها المواطن العربي تجعله يتجه إلى (الجنون)، لكن أدبيا يتجه الكاتب إلى الفانتازيا التي بها يستطع أن يوصل ما يريد دون أن تلاحقه الرقابة، في قصة "مصادرة" نجد هذا الجنون/الفانتازيا:" شاهدت النكتة وهي تركض مسرعة إلى مكانها في المسرحية، وفي اللحظة التي من المفترض أن يضحك فيها الجمهور، غضبوا، لأنها كانت عارية! وبين نحيب وآخر تشتكي محاولات الرقيب في اغتصابها، وقالت بتحد لافت: لم يتمكن من ذلك" ص19، إذا ما توقفنا عند مكان الحدث نجده مسرح، فهناك "نكتة، المسرحية، الجمهور، الرقيب" لكن القارئ الذكي يتجاوزه إلى الوطن القطري ويصل إلى العربي، فكلنا في المنطقة العربية نعاني من الرقابة والملاحقة، إذن هناك فكرة عن القمع الرسمي العربي يقدمها القاص من خلال قصة تتحدث عن مسرح/مسرحية.
ومن جمالية القصة أن القاص أنسن النكتة وجعلها بطلة القصة، وكأنه بها يريد أن يثير القارئ ويحفز على التحرك والتصدي لذلك الذكر/"الرقيب" الذي حاول اغتصابها، وهذا يحسب للقاص الذي عرف كيف يخاطب العقل العربي الذي يستفز ويُثار عند تعرض للمرأة/للأنثى للاعتداء من قبل الذكر/الرقيب.
وفي قصة "عتق" نجد فانتازيا أخرى تحدث عن الطفل: "تهشم إطار اللوحة وخرج كل الذين فيها إلا طفلا لم ير منذ آخر قذيفة سقطت على المدرسة، رأيته بعيني المقلوعة وهي تحاول اللحاق به ليرى الطريق إلى الجهة الأخرى من الجدار، لولا ريشة تلونه بالأسود." ص40، اللافت في هذه القصة أن الفانتازيا لم تقتصر على خروج من هم في اللوحة، بل طال أيضا عين القاص "المخلوعة" وهذا التركيب المزدوج يشير إلى حجم المأساة، وحجم الألم/القسوة التي أصابت من نجى/شاهد (قصف المدرسة).
ولم تقتصر فنية القصة على الفانتازيا فحسب، بل طالت أيضا الرمزية التي نجدها في فاتحتها "تهشم إطار اللوح" وفي خاتمتها "تلونه بالأسود" فهذه التركيبة المزدوجة والثنائية في الفانتازيا والرمز تعد ذروة الإبداع القصصي، وتؤكد أن القاص يرسم خط أدبي خاص به، بعيدا عن التقليد وما هو سائد، فهذه القصة يمكن أن تأخذ للدراسة لمعرفة فنية كتابة القصة القصيرة جدا.
كما نقد القاص ما هو رسمي، نقد أيضا ما هو (شعبي/عام) في قصة "إحصاء" نجده ينتقد المجتمع: "تبين بأن عدد الأيدي المقطوعة التي كانت بين الأجزاء تفوق عدد الأقدام، وبالتحقيق أفاد بعض الشهود بأنهم رأوها تركض، وعدد آخر قال بأن القائد كان له أيد طويلة ولكنها لا تحسن غير التصفيق" ص45، ما يميز هذه القصة أنها متعلقة بالمجموع، بالجمع، فكل الألفاظ متعلقة بالجمع، ولا نجد إلا لفظ واحد مفرد "القائد"، وهذا يخدم فكرة القصة: "تعلق المجتمع/الشعب بشخص واحد/القائد.
والجميل فيها أنها جعلت الأيدي تتفوق على الأقدام، بمعنى أن الحركة في الموضع/"التصفيق" أكبر وأكثر من الحركة خارج المكان.
التغريب والعبث
ومن الأشكال الأدبية التي يوجه بها الواقع العبث وتغريب ما هو معروف/متفق عليه، وطرح ما هو نقيض لما هو سائد، فكرة رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ينقضها القاص من خلال قصة "خداع": "بدأ مسافة الألف ميل بخطوة ثن اثنتين فثلاثة.. تعثر بقسوة الطريق، أعاد من بدايته، اصطدم بجدار وارتطم بزاوية، كرر النقطة من الصفر، واحد اثنتان ثلاثة... من جديد ...هكذا حتى تجاوز من العد ألف لكنه لم يبرح المكان" ص23، اللافت في القصة أنها تجذب المتلقي الذي يجد (إصرار) البطل واستمراره في المسير نحو هدفه، فهناك (الكثير) من المعيقات تناولتها القصة، لكن نهاية الطريق كانت مفجعة/صادمة/محبطة/مستفزة للقارئ الذي وصلته فكرة (عبث) المسير/الطريق رغم ما بذله من جهد وناله من تعب، وهذا ينطبق على مسيرة الثورة الفلسطينية وحركة التحرر العربية بأحزابها وتنظيماتها التي "لم تبرح المكان"/مكانها.

هناك أكثر من قصة تحدث بها القاص عن الطفولة، وهذا يأخذنا إلى حرصه على حياة تتناسب وطموح/رغبات/احتياجات الطفولة، في قصة "حكمة عقيمة" يبين المساحة التي تفصل تفكير (الآباء/الحكماء) عن تفكير الأطفال: "رأيت طفلا حائرا بين شراء ما يشتهيه وما كلفته أمه، فتذكرت طفولتي وبضعة قروش، فنصحته أن يشتري القليل مما يرغب، والقليل مما تحتاجه أمه، لكنه أدار ظهره واتجه بكليته نحو بائع الحلويات" ص 30، القصة تطرح فكرة (الوسطية) التي ينادي بها المجتمع (العاقل) المتزن، لكنها لا تصلح مع احتياجات ورغبات وطموحات الأطفال، فهناك تراكم هائل من (الجوع/الحاجة/المتطلبات) تجعل الوسطية مهادنة وتنازل عن حقوق الأطفال، ...وهكذا أوصل لنا القاص واقع الأطفال القاسي في فلسطين وفي المنطقة العربية.
في قصة توقيت" نجد صورة أخرى للعبث: "لم استطع ضبط الوقت، كان في كل مرة أحاول ضبطه فيها يهرب، في المرة الأخيرة توقف، كان ذلك بالضبط في تمام لحظة الموت" ص77، فنية القصة تكمن في ألفاظها، حيث هناك العديد من الألفاظ متعلقة بالسيطرة على الوقت/الزمن: "ضبط/ضبطه/بالضبط، الوقت، توقف، تمام، لحظة" بمعنى إبقاء الزمن ضمن إرادة القاص، فرغم كثرة (الضوابط) ورغم "التوقف" إلا أن حركة الفعل في "يهرب" انتصر على كل الجمود/الضبط/الحد/الإعاقة التي أوجدها القاص، وهنا نجد الدعوة لرفض السكون/الجمود لأنه سيؤدي إلى نهاية مفجعة.

من هنا نستطع القول أن هناك بعدا عربيا/قوميا فيما يقدمه "حسين شاكر" في قصصه، وفنية قصصية متعدد الأشكال، بحيث لا يعتمد على شكل أدبي معين أو طريقة تقديم وحدة، وهذا ما يميزه كقاص يكتب القصص القصيرة جدا.
المجموعة من منشورات دانة للنشر والتوزيع، بور سعيد، جمهورية مصر العربية، الطبعة الأولى 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81


.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد




.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه