الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفع العقوبات الأمريكية والعقوبات الأسدية

راتب شعبو

2023 / 2 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يكثر الكلام اليوم، عقب الزلزال الذي نكب سوريا، عن محاولة نظام الأسد استغلال الكارثة لفك العزلة المفروضة عليه في العالم وفي محيطه العربي. ينصب الحديث الأساسي على أهم عناصر عزلة طغمة الأسد، وهي العقوبات الأمريكية والأوروبية. من جانبه، يحاول بشار الأسد لغة جديدة نسبياً للتشجيع على فك العزلة، فيتكلم، في خطابه الأخير، عن "الأشقاء العرب" ويمتنع عن استخدام كلمة "الاحتلال" الأمريكي أو التركي، كما يتكلم عن حوار سوري، ما يضمر (بعد كل هذا الخراب) اعترافاً بآخر سوري غير خائن وغير عميل ويجب الحوار معه.
الواقع أن أهم ما تطمح إليه الطغمة الأسدية هو رفع العقوبات الاقتصادية، مستفيدة من الأثر النفسي الذي خلفته كارثة الزلزال. عقدة هذا الموضوع تكمن في أن السوريين في الداخل أيضاً يتمنون رفع العقوبات (نقصد العقوبات التي تؤثر على حياتهم)، وهو ما يفرض مناقشة هذا الأمر بعقلانية.
ما ينبغي التوقف عنده، في هذا الموضوع، هو محاولة الطغمة الأسدية جر معارضيها إلى الموقع الذي تختاره لهم، وهو موقع رفض رفع العقوبات التي تؤثر سلباً ليس فقط على مسؤولي النظام وزلمه وزبائنه، بل تؤثر سلباً، أيضاً، على الاقتصاد السوري وعلى حياة السوريين. هدف طغمة الأسد هو أن تختزل الصراع كله في الموقف اللحظي من العقوبات، وأن تقطع، بالتالي، اللحظة الراهنة منه عن سياق سابق يفسر سبب فرض العقوبات وسبيل الخلاص منها. ما تفعله، بهذا الصدد، طغمة الحكم في سوريا هو نوع من الحرتقة السياسية التي تهدف إلى إظهار المعارضين لنظام الأسد بمظهر من لا يبالي بآلام السوريين في الداخل، ولا بالوضع البالغ السوء الذي صاروا إليه. هذا النوع من الاجتزاء أو "الحرتقة" يريد أن يقول إذا كنت تهتم بآلام الشعب السوري، عليك أن تنضم إلى حملة رفع العقوبات "الغربية". بطريقة أخرى، على السوري الجيد أن يهتم بما يفرضه الخارج على النظام من حصار أو عقوبات، دون أن يكترث بما يفرضه النظام على السوريين من عقوبات ومن قتل وسجن وإغلاق البلاد على زعامة متفردة دون أي أفق لحل سياسي قابل للحياة.
للوصول إلى هذه النتيجة يقوم دعاة النظام بأمرين، الأمر الأول هو رد بؤس السوريين كله إلى العقوبات، وهو ما لا تكف الألسنة الأسدية عن تكراره، الهدف هو إقناع السوريين ببراءة نظام الفساد والمحسوبيات والتشبيح والاحتكار وتهريب أموال السوريين إلى الجنات الضريبية في بنما وغير بنما، من بؤسهم وفقرهم. دون أن يعني هذا إغفالنا ما تسببه العقوبات من آلام للسوريين. والثاني هو النظر إلى العقوبات وكأنها حالة معزولة، ولم يتم فرضها بناء على ممارسات إجرامية يقوم بها النظام وداعميه ضد السوريين. أهم قانون عقوبات مفروض على النظام السوري، نقصد قانون قيصر (2019)، يحدد في المادة 301 منه، سبعة بنود أساسية، من أجل رفع العقوبات، أهم هذه البنود، عدم استهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة من براميل متفجرة أو أسلحة كيماوية وصواريخ ومتفجرات، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يتم احتجازهم قسراً، وعدم استهداف المرافق الطبية والمدارس والأحياء السكنية والأسواق، والعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع، ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا والمشاركة في عملية حقيقية وموثوقة للحقيقة والمصالحة.
العقوبات متنوعة ومتعددة المستويات، ومن الضروري التمييز بين عقوبات تحد من قدرة النظام على البطش بمعارضيه، وتستهدف مسؤوليه ورجاله وزبائنه (هذه عقوبات لا ينبغي طمس طبيعتها المحقة بدمجها مع بقية العقوبات)، وبين عقوبات تخنق الاقتصاد وتمس بصورة أكبر حياة الناس. ولكن صحيح أيضاً أنه لا يمكن، في الواقع، تخيل عقوبات "ذكية" إلى حد لا تنعكس معه سلباً على حياة الناس، وبصورة خاصة في ظل استبداد معمر يضع يده على اقتصاد البلد ويؤسس لنفسه على أنه أبدي، استبداد يلتف على المجتمع كما تلتف أفعى على ضحيتها، فلا يمكنك أن تستهدف الأفعى دون أن تؤذي الضحية.
نعلم أن العقوبات لا تسقط هذا النوع من الأنظمة، بل ربما تزيدها بطشاً ونزوعاً احتكارياً وتحيل المجتمع إلى جسد منهك، كما بينت التجربة في العراق أو في كوريا الشمالية. ونعلم أن هناك إجراءات أكثر فاعلية بكثير من العقوبات الاقتصادية، إذا كان ثمة إرادة جادة لمساعدة السوريين على تغيير النظام الأسدي، أو لفرض الحل السياسي الذي أقره مجلس الأمن منذ خريف 2015، ونعلم أن العقوبات الاقتصادية المفروضة تتسبب في زيادة معاناة الناس داخل سوريا. أكثر من ذلك، نعلم أن العقوبات مع الزمن، تضعف الطاقة والتطلع الديموقراطي في المجتمع، لأنها تنهكك المجتمع وتضعف الطبقة المتوسطة التي تشكل الحاضنة الأهم للمطلب الديموقراطي. ونعلم أيضاً أن العقوبات لم تفرض بقرار سوري، ولا ترفع بقرار سوري، فهي أولاً وأخيراً جزءاً من سياسة دول كبرى لا نعتقد أن القيم الديموقراطية هي محركها الأساسي، وإلا لما متنا كل هذا الموت، ولا كنا في الحضيض الذي نحن فيه اليوم.
مع ذلك، ليس من الحرص المطالبة برفع العقوبات، بهذه العمومية التي تشمل العقوبات المفروضة بحق مجرمين وبحق أصحاب قرارات إجرامية، وبالتعامي عن الأسباب التي أدت إلى فرض العقوبات، ودون اكتراث بالعقوبات التي يفرضها نظام الأسد على محكوميه ولاسيما منهم الذين يموتون في السجون (هل العقوبات الغربية هي المسؤولة عن بؤس عشرات آلاف السوريين في السجون؟) والذين يعيشون في بلدان اللجوء محرومين من العودة إلى بلدهم تحت طائلة السجن أو القتل، ومحرومين حتى أن يدفنوا في بلادهم إذا ماتوا. المطالبة برفع العقوبات الغربية دون انتباه إلى العقوبات التي يفرضها نظام الأسد على سوريا كلها حين يصر على استمراره في التفرد بالحكم على منواله السابق، ويرمي باللعنة كل من يعارضه، هي مطالبة مجزوءة فيها إدارة ظهر للسوريين بقدر ما يبدو فيها حرص عليهم وتضامن مع آلامهم.
على الحريصين أن يطالبوا برفع كل العقوبات التي تثقل على حياة الشعب السوري، رفع العقوبات الغربية والعقوبات الأسدية معاً، في هذا اتساق مع المنطق ومع الأخلاق، وفيه تضامن فعلي مع الشعب السوري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر