الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في طبيعة مستجدّات السياسات السعودية !

نزار فجر بعريني

2023 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو لي أنّ التفسير الوحيد لطبيعة المتغيّرات الجارية في السياسات السعودية ، على الصعيدين الداخلي والخارجي ، الإقليميّة بشكل خاص ، هو إدراك القيادة " الشابّة" بعد فوات الأوان لطبيعة المتغيّرات الإستراتيجية في أدوات السيطرة الإقليمية الأمريكية لحقبة ما بعد" الحرب الباردة"( التي بدأت تتبلور خلال ثمانينات القرن الماضي ) ، وأعطت للشراكة مع أدوات المشروع " الإيراني " الأولويّة والأفضلية، على شراكاتها في مرتكزات السيطرة الاقليمية لحقبة الحرب الباردة السابقة، التي كانت تحتلّ فيها " الأدوات السعودية" و(" دولة الإحتلال الإسرائيلي" – إضافة إلى تركيا والباكستان )المرتبة الأولى ؛ وقد ألمح معالي " سمو ولي العهد " إلى أنّ سياسات المملكة "الوهابيّة " السابقة ، المحليّة والإقليمية ، كانت تجسيدا لإرادة أمريكية ، وفي سياق حربها ضدّ "الشيوعية "!
في نفس السياق، أعتقد أنّ إدراك القيادة " الإسرائيلية "لهذه الحقيقة الجديدة في خطط السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة قد قلّص قدرتها على ردع أدوات التغلغل الايراني المنافسة ، في العراق وسوريا ولبنان... ، وعزّز جهود حكومة العدو للإعتماد على النفس أوّلا ، والتنسيق مع القيادة الروسية ، في درجة ثانية ، لحماية " مصالحها العليا " خلال الصراع على سوريا ، المستمرّ منذ ٢٠١١.
لسياسات الولايات المتحدة "البراغماتية" فنون وأشكال أخرى ، قد لا تخطر ببال الذي يظنون بتساوق السياسات الأمريكية مع القيم !! في حين حرصت على "تعويض " خسائر دولة الإحتلال من خروجها من أولويات شراكة السيطرة الإقليمية ،(وقد كان ذلك على حساب حقوق الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، وعلى حساب" السيادة السورية"- كما يُظهر استمرار الهجمات العدوانية الإسرائيلية المدمّرة ....دون رادع) ، كانت سياسات تحالفاتها المتجدّدة مع أذرع الإسلام السياسي الإيراني على حساب علاقات تحالف " ناتيويّة " تاريخية مع شريكتها الإقليمية الأكبر، تركيا، التي اضطرّت قيادتها لمواجهة ما بدا من استهتار في علاقاتها التشاركية ، والتراجع في أولويات مصالحها على قائمة الأجندات الأمريكية ، لخوض أكثر من خمسة حروب ضدّ وكيلها القسدي ، والدخول في مواجهات مباشرة مع الروس- الذين دخلوا الحرب السورية ٢٠١٥ لحساب استراتيجية السيطرة "الإيرو أمريكية "- كادت أن تتحوّل إلى حرب إقليمية كبرى في ٢٠١٦ / ٢٠١٩ ، لولا قوّة ردع عصا واشنطن الغليظة!!
على أيّة حال ، الوقيعة المؤكّدة في سياسات السيطرة الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتّحدة ، هو ما حصلَ من تبدّل استراتيجي في أدوات مشروع سيطرتها الإقليمية(١) ، بدأت خطواته الرئيسة ، الحاسمة ،مع نهاية سبعينات القرن الماضي ( بالانتصار السهل والسلس لقوى الثورة المضادة للتغييرالديمقراطي الميليشياوية في طهران - ١٠ شباط ١٩٧٩ )، وقد باتت تعتمد على أذرع الصراع" الشيعي / السني " ، التي تجسّدت في خيار الحرب والتطييف ضد السوريين ، (في أعقاب حراك ربيع ٢٠١١)،بمليشيات " الحشد الشعبي " في مواجهة الميليشيات السعودية / القاعدية، وقد كانت الولايات المتّحدة هي الرابح الأكبر من نتائج حروب الميلشة والتطييف ؛ إضافة إلى شركائها في أدوات المشروع الإيراني، بالطبع !
كارثيّة الدور الأمريكي في نجاح جهود سياسات الميلشة والتطييف الإيرانية ، وحصد نتائجها ، لا تقتصر على ما قبل النهايات!
إذ ساهمت مصالح وسياسات السيطرة الإقليمية الأمريكية بدور نوعي في توفير ظروف إطلاق مسار الخيار العسكري الطائفي "الايرو سعودي" في أعقاب تفجّر صراع سياسي غير مسبوق خلال ٢٠١١ ٢٠١٢، (من خلال المماطلة والتسويف في تقديم الدعم الكافي لنجاح مساعي ومسار الخيار السياسي " العربي / التركي " !)، ونسّقت في ٢٠١٤ تدخّلا روسيّا عسكريا مباشرا غير مسبوق في تاريخ العلاقات السورية / الروسية، لمواجهة الميليشيات المدعومة من أنظمة تركيا والسعودية ، وداعش ،( التي سمح لها إنسحاب تكتيكي أمريكي في العراق ، في نهاية ٢٠١١، باحتلال الموصل والقفز إلى سوريا! )، فقد كان من الطبيعي أن تخرج من الحرب السورية، سواء في مرحلتها الأولى ( ٢٠١١ ٢٠١٤)، أو الثانية (٢١٥ ٢٠٢٠) والميليشيات الإيرانية المتحالفة معها، ب"حصّة الأسد " ؛ وقد كان مقدّرا أن يكون الإنتصار الأمريكي ، المتشارك مع الميليشيات الإيرانيّة، كاملا وناجزا ، لولا ما وضعته من عقبات، سياسية وعسكرية، مصالح الشركاء القدامى ، السعودي والإسرائيلي والتركي؛ خاصّة هذا الأخير ،" المتمرّد" ، الذي كان لمواجهته خطط وسياسات إعادة السيطرة الإيرو أمريكية – الروسية، الدور الأكبر ، بفعل عمق وتشعّب المصالح السورية التركية !! (٢).
والحال هكذا ، لا غرابة أن تتجاهل أو تجهل تلك النخب التي تختبئ خلف يافطات اليسار ، وفي سياق سعيها لتعرية " طبيعة النظام " - عدوّها التاريخي - انّ ورقة القوّة الأساسية التي يمتلكها هي فيما تشكله سوريا من حلقة وصل رئيسة في استمرار ونجاح مشروع السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة والنظام الايراني معا ، وبما يشكّله المشروع الإيراني، وأذرعه الميليشياوية، من أفضل أدوات تحقيق أهداف السيطرة الإقليمية" الأيروأمريكية" ، التي تتقاطع عند نهج قطع مسارات الانتقال السياسي والتغيير الديمقراطي، وتفشيل مؤسسات الدولة الوطنية !
ضمن هذا السياق، وليس خارجه أبدا ، نفهم طبيعة خطورة مشروع" التسوية السياسية" التي عملت واشنطن على تحقيق أهدافها وشروطها بالتنسيق مع روسيا ؛ في مرحلته الأولى ( حروب إعادة تقاسم الحصص ومناطق النفوذ، ٢٠١٥ ٢٠٢٠، لصالح أدوات السيطرة الأيرو أمريكية ...)، وفي مرحلته الثانية ،(التي أطلقت الولايات المتّحدة صيرورتها السياسية في أعقاب اتفاقات الهدنة الدائمة ، التي تضمّنها الاتفاق التركي الروسي في ٥ آذار ٢٠٢٠ ، وصادقت عليها قمّة " القدس المحتلة الأمنية " في أواسط ٢٠٢١، ) ، وتتمحور حول الوصول إلى تهدئة مستدامة، وإعادة تأهيل متزامن، لسلطات الأمر الواقع القائمة، التي أفرزتها موازين قوى الصراع بين ٢٠١٥ ٢٠٢٠ ؛ والذي يضمن بالدرجة الأولى الحفاظ على حصّة الولايات المتّحدة، ووكيلها القسدي ، ويدها العليا ، في تحديد مآلات الصراع على سوريا!!
ليس خارج هذا السياق ، وما نتج عنه أيضا ، نفهم تقاعس ومزاودات الجميع في سلطات "الأمر الواقع" وشركائهم الدوليين ، بخصوص أعمال الإغاثة والإنقاذ وطمأنة مخاوف السوريين ،في مواجهة عواقب كارثة زلزال السادس من شباط وارتداداته الماديّة والمعنوية ، وسعي الجميع ، بدءا من واشنطن، وليس انتهاء بدمشق ، ومابينهما من دواعش سلطات الامر الواقع،إن تستثمر في نتائج الزلزال الكارثية ، كما فعلت طيلة سنوات الصراع في دماء السوريين وأرزاقهم .التنسيق الأمريكي، تارة ، واستخدام كلّ أساليب العصا والجزرة ، معظم الأحيان ، لم يتجاوز أحداً ، من الشركاء – الحلفاء والخصوم، والمؤسسات الدولية ، فكانت الضحيّة " الأمم المتحدة "... وحتّى السيّد " رائد صلاح " ، (مدير" الدفاع المدني السوري" ،الذي كافح وفريقه في إطار جهود الإغاثة ، كما فعل سوريون أغيار ضمن فرق النشاط المدني ، التطوّعي )، لم يكن خارج دوائر سياسات " التجيير " الأمريكية ، والإبتزاز " القسدية "!!
هنا تبرز مجدّدا ، بعد مرحلة صراعات تثقيل الموازين بين تركيا وروسيا والولايات المتّحدة طيلة ٢٠٢٢، تسارع خطوات التطبيع ، في استغلال "للفرصة الذهبية" التي وفّرتها نتائج الزلزال المدمّر؛ ونفهم أيضا طبيعة التضليل الذي تمارسه "نخب اليسار الديمقراطي" ، التي انحازت لمشروع "قسد" الأمريكي ، ( الذي يستثمر بحقوق الكرد السوريين وآمالهم ومظالمهم ودمائهم ومستقبل أبنائهم ، لصالح أهداف السيطرة الأوجلانية الأمريكية / الإيرانية )، وتروّج لإمكانية صيرورته " نموذجا ديمقراطيا " في ظل " نظام سياسي / لامركزي !!
فهل لكم أيّها السوريون المخدوعون ، كردا وعرباً ، أن تتخيلوا طبيعة " النظام اللامركزي/ الديموقراطي " الذي يقوم على تقاسم سلطات الأمر الواقع وشركائهم الخارجيين( قوى الاحتلال ) السيطرة والسلطة وأدوات النهب، على كامل الجغرافيا السوريّة، وعلى حساب حل سياسي وطني ، يُعيد السلطة والسيادة إلى أصحابها الحقيقيين ، الذين دفعوا كلّ تلك الأثمان الباهظة على مذبح التحرر والدمقرطة ، وعلى أمل تأمين ظروف الحياة لكريمة ، التي يستحقّون بجدارة ؟!
السلامة والسلام لجميع السوريين!!
(١)-
الذي يتمحور حول خلق ظروف تنافس وصراع شيعي/ سني ، تغرق المنطقة في حروب طائفية بين أذرع الميليشيات الطائفية، السعودية الإيرانية ، تفتت شعوب المنطقة، وتفشّل مؤسسات دولها، وتوفّر البيئة الأمثل لتبرير تدخّل عسكري أمريكي مباشر وإحكام سيطرة مطلقة على صراعات المنطقة ، ومآلات تطوّرها ، بما يؤبّد وسائل وأدوات السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة، في سياق تحقيق اهداف مشروع هيمنتها الإمبريالية على العالم .ضمن هذا السياق ، نفهم أهمّ تطوّرات استراتيجيات وسياسات واشنطن تجاه المنطقة ، قبل نهاية سبعينات القرن الماضي؛ والتي يأتي في مقدمتها تسهيل نجاح الثورة المضادة للتغييرالديمقراطي الميليشياوية" الشيعية " في طهران ، شباط ، ١٩٧٩، وما استخدمته من وسائل وقوى في مواجهة " الغزو السوفياتي لإفغانستان( وقد نتج عنها ظهور وتمدد " القاعدة ...وطالبان، وتحولهما إلى قوّة إقليمية وعالمية )، وحيثيات إطلاق إدارة الرئيس الأمريكي رولاند ريغن لإستراتيجية " محاربة الإرهاب الإسلامي "( كبديل ليافطة " محاربة الشيوعية . تبيّن القراءة الدقيقة لظروف تحوّل الإسلام السياسي إلى ميليشيات مقاتلة ارتباطها الوثيق بالعامل الأمريكي، والسعي لتجييرها كمبرر وأدوات لتحقيق أهداف السيطرة الإقليمية. يبدو هذا الترابط جليّا في ظروف مواجهة ودحر الغزو السوفياتي لأفغانستان خلال الحرب الباردة، حيث شكّل الدعم السعودي / الأمريكي العامل الحاسم في بروز طالبان والقاعدة ، وسيطرتها لاحقا على أفغانستان، بالتنسيق مع اذرع النظام الايراني. الحالة الأكثر بروزا تبلورت في اعقاب غزو العراق ، وتحوّله ، في ظل سيطرة أيرو أمريكي إلى بنك إرهاب إقليمي ، ومركز تحشيد وإطلاق الميليشيات الطائفية، القاعدية والشيعيّة ، التي كان لها الدور الأبرز في هزيمة الثورة السورية، وتحويلها إلى ثورة مضادة !!
(٢)-
المؤسف جدّا أن تجهل ، أو تتجاهل( لاعتباراته الخاصّة)،الأكثرية في تيارات النخب "اليسارية - الديمقراطية" ، التي تصدّرت ساحات المعارضة السياسية والثقافية في الفضائين الأوربي والأمريكي ، كما في الداخل ، تلك الحقائق الكبرى في صراع تحالف قوى الثورة المضادة ، وتحارب محاولات فهمها ، تارة عبر ادّعاء نهج " الموضوعية "، في" تفصيص" طبيعة النظام السوري " ، والمبالغة في دوره ،( الذي لم يتجاوز ، في أسوأ حالاته دور " شريك " محلّي ، وغطاء لشرعية تدخّل مباشر ، ينتهكها الشركاء "الحلفاء " ، قبل "الخصوم" ! ) وطورا عبر استخدام عصا "نظرية المؤامرة "....ودائما عبر العمل على ترويج أكاذيب الدعايات الأمريكية والروسية الإيرانية، وتحويلها إلى رأي عام سوري !!
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة