الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل الانفتاح العربي على دمشق

راتب شعبو

2023 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


من النافل القول إن نظام الأسد يحتاج إلى الكثير لأنه بات نظاماً مهلهلاً ومعزولاً، لكن ليس أهم ما ينقصه هو انفتاح العرب عليه، على أهمية ذلك. إن ما ينقصه في الواقع هو انفتاح السوريين عليه، وهو ما لا يمكن تحقيقه. بكلام آخر إن استعادة سورية لسيادتها ودورها كدولة "طبيعية" في المنطقة، لم يعد ممكناً في ظل نظام الأسد. وإذا كان أهل النظام يعتقدون أن الانفتاح العربي يمكن أن يحل معضلتهم المستعصية مع السوريين، فإن الدول العربية تدرك حدود قدرة النظام على النهوض بدور دولة سورية موحدة يريدون استعادتها إلى المحيط العربي، حتى لو كان الدور المراد محصوراً في حدود المنظومة السياسية العربية ذات الحساسية الضعيفة لحقوق الأفراد والجماعات.
لا نظن أن الدول العربية يمكن أن تنفتح على نظام الأسد دون أن يكون لديه الاستعداد هو أيضاً للانفتاح على حقائق لا يزال يصر على إنكارها، فيما لا يمكن للدول العربية ولا غير العربية أن تنكرها. أهم وأبرز هذه الحقائق أن نظام الأسد فشل في أن يحافظ على "كذبة" أنه يمثل كل، أو حتى غالبية، الشعب السوري. سقطت هذه الكذبة منذ بدايات الثورة السورية، وانكشفت حقيقة رفض غالبية الشعب السوري لهيمنة الطغمة الأسدية. ولكن ما جرى مع استمرار الصراع هو أن هذه الحقيقة تمأسست حين خرجت مناطق واسعة عن مجال سيطرة نظام الأسد، وتبلورت فيها سلطات جديدة رافضة ، كل من منطلقها، للطغمة الأسدية، دون أن نجد لدى السوريين الخاضعين لهذه السلطات المستجدة أدنى رغبة في عودة سيطرة نظام الأسد. ما تبلور إذن، وبطريقة لا يمكن لأحد إنكارها، أن هناك أكثر من سوريا، وأن سوريا النظام أضيق بكثير من أن تستوعب هذه السوريات، ولذلك فإن إصرار النظام على بقائه كما هو، يشكل عقبة مهمة، أو لعلها العقبة الأهم، في سبيل وحدة سوريا المتعددة، وهذا يجعل منه قوة التقسيم الأساسية في سورية اليوم.
المفارقة التي يمكن التوقف عندها على هذا المستوى، هي أن نظام الأسد، من حيث أنه يحتفظ رسمياً بالمقعد السوري في الهيئات الدولية، ومن حيث أنه القوة الوحيدة التي من مصلحتها العودة بسوريا موحدة على الشكل الذي كانت عليه قبل الثورة، هو الطرف الوحيد، بين أطراف الصراع السوري الحالي، الذي له "الحق الرسمي"، والذي يسعى إلى توحيد سورية ولكن على صورتها القديمة، وهذا ما يولد المفارقة التي نقصدها، وهي أن النظام في سعيه إلى توحيد سوريا على صورتها القديمة، يجعل من نفسه العقبة الأهم في سبيل توحيدها.
الزيارات العربية التي وجدت في نكبة الزلزال مناسبة، هي، في نظرنا، ليست محاولة لتعويم النظام، كما يصورها معظم المتابعين. لا نعتقد أن الدول العربية من السذاجة بحيث أنها لا تدرك الواقع السوري، أو أنها تحاول إنهاض عاجز. مضمون الزيارة، فيما نرى، هو محاولة ترجمة الواقع الذي وصل إليه الصراع في سورية واستقر على توازن داخلي مسنود بتوازن إقليمي ودولي، ترجمة هذا الواقع المفكك إلى صيغة سياسية جديدة قادرة على جمع البلاد السورية، وإن كان المدخل إلى ذلك هو نظام الأسد. بكلام آخر إن هذه الزيارات هي شكل من "صلحة عرب"، تستعاد فيها حقوق، ولو بحدود دنيا، بطريقة حبّية وليس بطريقة الصراع والضغط.
لا يمكن لهذه الدول، رغم كل شيء، أن تغفل عن حقيقة أن نظام الأسد لم يعد بمقدوره أن يوجد، كما هو، إلا في سورية الحالية المقسمة. وأنه بات، بعد كل ما جرى، عاجزاً عن أن يحكم كل سورية التي بات ينظر إلى أكثر من نصف سكانها على أنهم أعداء، وبات هؤلاء يناصبونه العداء بالمثل. وعليه إذا كانت الدول العربية التي زار مسؤولوها دمشق، تسعى إلى استعادة الدولة السورية، فإنها تدرك أن نظام الأسد لا يمثل ولا يستطيع أن يمثل دولة سورية الموحدة.
الواقع أن المناطق التي خرجت عن سيطرة طغمة الأسد خففت، في خروجها ذاك، عبئاً سياسياً عن النظام حين أخرجت من مجال حكمه قطاعات واسعة من الشعب السوري ترفض النظام ولديها الاستعداد التام لممارسة هذا الرفض بكل الأشكال. وقد قام النظام، كما هو معروف، بإلحاق عشرات أو مئات آلاف من السوريين الرافضين له إلى المناطق المذكورة، في سياق ما سمي المصالحات والتسويات. المناطق التي استعادها نظام الأسد في هذه التسويات، استعادها بعد ترحيل غالبية السكان الرافضين لبقائه على صورته المعروفة. وإلى ذلك يضاف خروج ملايين السوريين من بلادهم إلى شتى أصقاع الأرض. هؤلاء أيضاً خففوا من عبء النظام، فهم في غالبيتهم معارضين، أو أصبحوا معارضين بعد أن كشف النظام مدى عدوانيته ومدى محدودية استيعابه السياسي. النتيجة أن انكماش قدرة النظام السوري على الاستيعاب السياسي، بعد أن خرج عليه السوريون، لا يتيح له الحكم إلا في سورية منكمشة بالقدر نفسه.
استعادة سوريا من بوابة النظام تصطدم بعقبتين أساسيتين متلازمتين، الأولى هي عجزه عن استيعاب سوريا موحدة، وعجزه عما هو أقل من ذلك، مثل كشف مصير مئات آلاف المفقودين والمغيبين قسراً، وضمان عودة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم، وإعادة الممتلكات المسروقة "للغائبين"، وسيطرته على شبكات صناعة وتهريب المخدرات، وعجزه عن إخراج إيران وحزب الله، وغيرها من الجوانب التي ذكرها، بحق، العميد أحمد رحال في أحد تسجيلاته على الانترنت. العقبة الثانية هي الوجود الإيراني المتعدد الأشكال والذي يشكل السند الأهم لاستمرار النظام ولعجزه في الوقت نفسه. الأسلوب الإيراني في دعم الدول هو استغلال ضعف الدولة ثم مساندتها بمؤسسات من خارجها، من أجل المزيد من سلب قوتها الذاتية، وقدرتها على الخلاص من الهيمنة.
لم يعد من الممكن لنظام الأسد أن يكون نظاماً لسورية موحدة، ومن غير الممكن إعادة تأهيله، إلا إذا كان ذلك يعني مشاركته، في حل دولي للموضوع السوري، كعنصر بين عناصر، ولعل هذا هو السياق الذي جاءت فيه البادرة العربية، سوى ذلك يبقى هذا الانفتاح محكوماً بالفشل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلتنا: مقتل شخص في غارة استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأسود ج


.. مشاهد جديدة من مكان الغارة التي استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأ




.. صحفي إسرائيلي يدعو إلى مذبحة في غزة بسبب استمتاع سكانها على


.. هجوم واسع لحزب الله على قاعدة عين زيتيم بالجليل وصفارات الإن




.. شمس الكويتية تسب سياسيي العراق بسبب إشاعة زواجها من أحدهم