الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جورج بلنديه التعدد الثقافي والحركة الثقافية

أسامة عريوي

2023 / 3 / 18
الادب والفن


إن الصراع الذي يشهده العالم اليوم ,لم يعد يختزل فقط في الهيمنة القائمة على امتلاك القوة العسكرية والاقتصادية ,بل انتقل الى مستوى آخر من الصراع ,صراع أفكار وأنساق ثقافية ينبغي لبعضها أن يعولم ويسود وللبعض الاخر ان ينمحي ويزول ,إننا اليوم أمام سؤال عميق وجوهري,سؤال الثقافة الذي تمت مقاربته من زوايا مختلفة ومتعددة من اجل فهم السياق العام الذي يتأطر ضمنه هذا السؤال ,على غرار هذا القول سنحاول الغوص في اعماق المعنى من خلال استنطاق ما فهمه الأنثروبولوجي الفرنسي جورج بلانديه ,منطلقين من جملة التساؤلات التي طحها بلانديه, والتي يمكن اختزالها في الاسئلة التالية :هل يمكننا أن نتحدث عن الثقافة بصيغة المفردأم بصيغة الجمع ؟هل معرفتنا بالبدايات الأولى لتكون الثقافة ,كفيلة بإعطائنا معرفة غير سطحية ودقيقة للمفهوم؟هل ربط التراث بالحداثة كفيل بإحياء وتجديد الثقافة؟
حديثنا عن هذا الطرح يحتم علينا معرفة دلالة المفهوم عند جورج بلانديه ,هذه الدلالة المنبثقة من من توجهه المتأطر تحث ما يعرف بالانثروبولوجية الديناميكية التي تتشابه مع علم الاجتماع عند بييربورديو , والتي تعتبر الثقافة مفهوما متغيرا بشكل مستمر وغير تابث وغير مستقر, لأن الثقافة مرتبطة بالمجتمع ,والمجتمع بدوره خاضع لحالات طارئة تزعز استقراه ,الأمر الذي جعل بلانديه يتناول المفهوم في حركيتة من زاية الصراع , والتوثر , و الاحداث ,والمواقف , فالأمر لا يتعلق بإعطاء تعريف مطلق للمفهوم كما ذهب إليه بعض الباحثين ,بل يجب حسب بلانديه اتباع نهج متعدد التخصصات لفهم الديناميات المتعددة للسلطة والمجتمع والثقافة.
من خلال التحديد الزئبقي الذي قدمه بلانديه للمفهوم, سنكون ملزمين بتفكيك اللأطروحة التي يدافع عنها بغرض الفهم.فهم علاقة الصراع القائمة بين المعارضين المنتمين للعلوم الاجتماعية بخصوص اشكالية المجتمع و الافراد ,فمنهم من يعتقد ان المجتمع واحد ويجب اخضاع كل عناصره ,وانه كذلك مشترك في الانتاج ,وهو دائم وغير مكتمل,بلانديه يؤكد على اهمية السياسي وتأثيره في الوحدة والسيادة والشمولية ,هذه الوحدة التي يفرضها الدين و الايديولوجية والبيروقراطية التي فرضتها الانظمة الحديثة في إطار ما يعرف بالاقتصاد العالمي ,هذه المكونات هي التى تجعل من الثقافة شئ حي داخل إطار تاريخي يحتم علينا معرفة سيرورته في التاريخ ,جورج بلانديه قدم لنا تأطيرا كرونولوجيا لمراحل هذا التطور ,وهذا التأطير يمكن اختزاله في هذا التقسيم ,مرحلة ما قبل الحرب ومرحلة الاستعمار وفي الاخير مرحلة الاستقلال ,هذا المنحى التاريخي الديناميكي التصاعدي زمنيا يؤكد بوضوح فكرة حياة الثقافة , وذلك من خلال اشكال الوعي التي تبصم كل مرحلة على حدى , الوعي الاول مرتبط بقدرة الانسان على تدمير نفسه ,ووعي ثاني في زمن الحرب والاستعمار وهنا نتحدث عن مرحلة الحداثة ,وسؤال اصطدام الثقافات من خلال المعسكرات والغزو الاستعماري وما يحمل معه من حمولات ثقافية تطغى عليها نزعة التمركز حول الذات التي يمكننا تلخيصها في قداسة دم ونجاسة آخر , لتأتي المرحلة الموالية المرتبطة بالاستقلال ,والتي ظهرت خلالها حركتان تحرريتان ,واحدة سياسية والاخرى اجتماعية ,وكلاهما قوي من الناحية الثقافية ,لنقل اننا امام مرحلة ثالثة من الوعي المتحرر من المقومات المادية والاقتصادية و القيمية إلى الانفتاح على جوانب متعددة ,ايديولوجية وفكرية وعلمية بل حتى العوامل التي تساهم في التنمية او في التخلف ,هذا التنوع والاختلاف حسب بلانديه هو الذي سيضعنا امام اشكال أكثر تعقيدا متعلق بثنائية المركز والمحيط اي بروز عالم ثالث مقابل عالم غربي مثالي نمودجي يعتبر الاصل في كل شئ, بل لا يعترف بالتعدد الثقافي ولا أي شئ من هذا القبيل لكن في الحقيقة جورج بلانديه ينفي هذا الزعم على اعتبار ان تفسيره لهذه التعددية منبثق من توجهه المتعلق ب"الانثروبولوجية السياسية"الذي يتمحور حول مفهوم السلطة ,هذا الاتجاه يدعو الى دراسة المجتمعات والثقافات المتغيرة باستمرار وعلى نحو شامل والتطرق إلى الدين والطقوس والمقدسات والعمل والاقتصاد ,وكذلك الجنسانية والقرابة هذه السجلات المتعددة تعكس لنا اهمية العلاقات الاجتماعية في تشكيل حياة معظم البشر في مختلف المجتمعات وهذا ما يعكس فكرة اهمية التعددية الثقافية ,بل النظرة الاحادية الجانب النابعة من فكر تطوري يختزل الثقافة في النموذج الغربي ,كان النهج الذي اتبعه بلانديه ذا طابع مبتكر للغاية طور من خلاله نهجا واسعا خلق مقارنة في الانثروبولوجيا ,حيث يهدف هذا النهج الى فهم واستيعاب الديناميات التاريخية التي تشكل الظواهر الاجتماعية والثقافية ,فهو بهذا يخالف العمل غير التاريخي لسابقيه من الباحثين من خلال بحثه في العلاقة بين التقليد والحداثة ,وخلق نوع من الجدلية اي الدياليكتيك غايته الدفاع عن وجهة نظر معينة تحث لواء المنطق وبين تقابلات النظام والفوضى .
بلانديه انطلق من فكرة الصراع وعدم الاستقرار التي تخضع لها المجتمعات ,وحتى الثقافات عبر العالم ,ركز على قضية الاضطراب والتمرد والتوثر والاحداث والمواقف واعتبرها اطارا مرجعيا يمكنه من خلاله الخروج من دائرة التخصصات الاكاديمية في عصر ما بعد الحداثة ,إلى اتباع نهج متعدد التخصصات يمكن من فهم الديناميات المتغيرة للمجتمع والسلطة والثقافة ,هذا الطرح الذي تناول به مفهوم الثقافة يمكن تدعيمه بالتعريف الجديد للمفهوم من طرف تايلر والذي حاول بدوه مقاربة المفهوم بشكل أكثر فهما ,من خلال التقابل بين المفهومين "حضارة" و"ثقافة ",وفضل استخدام هذه الاخيرة بدل استعمال مفهوم حضارة ,لأنها غير صالحة الاسقاط على المجتمعات البدائية لأن اصلها مرتبط بتطور المدن ,ومن هذا المنطلق يجب العودة الى الثقافة ليس كمعطى مادي بل كإطار متعدد الاوجه يشمل كل ماهو مادي ورمزي وحتى ماهو جسدي.
إن الخوض في التعدد الثقافي يفرض علينا العود الى التاريخ وطرح إشكالات جوهرية من أجل الفهم بغرض التفسير ,هنا لابد لنا من العودة إلى سيرورة الأحداث التاريخية التي مهدت الحديث عن التعدد الثقافي ,من هنا يمكننا طرح السؤال التالي : ما هو السياق الكرونولوجي الذي قوض الحديث عن التعدد الثقافي من صيغة المفرد الى صيغة التعدد؟
هنا يمكنا العود ة إلى ما قاله ابن خلدون يوما"إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تستريح لتقليد عدوها" فالغزو الثقافي يستمد قوته من آليات الإخضاع الداخلي أي عندما يقولب في شكل المثاقفة، ويرى على أنه شكل من أشكال التفتح والتحضر، وهو جمع الأفكار والبرامج والمناهج والتيارات والمذاهب الثقافية والفكرية التي تنتمي لمجتمعات متطورة ومتقدمة تحمل في طياتها رغبة غير مصرح عنها في سيطرة الثقافة الأجنبية الدخيلة على تلك المحلية, يطرح من جديد صراع المحلي والكوني ,مسألة الغزوالثقافي التي أشار إليها جورج بلانديه بشكل او بآخر ,تحمل في كنهها حسا استعماريا هدفه محو التراث المحلي وزعزعت الشخصية الوطنية وتدمير الهوية القومية للشعوب والامم التي تستعمر ثقافيا كما تستعمر عسكريا وسياسيا واقتصاديا ,هذا الغزو يؤدي إلى حياد الامم والشعوب عن ثقافتهم العريقة وفي المقابل تنميطهم للانخراط في وحدة الثقافة ,ويتم هذا الغزو الثقافي عن طريق الغزو السياسي والعسكري ,وبشكل قصري يفرض على الشعوب أن تتأثر بعادات مستعمريها ,وكمحاولة لحماية الثقافة المحلية والحفاظ عليها وعلى القيم والمعايير الاجتماعية , يحدث ما يسمى صراع الثقافات ,هذا الصراع هو شكل من اشكال الرفض والمعارضة , حيث تقاوم ثقافة ثقافة اخرى من أجل البقاء والاستمرارية ,وذلك راجع الى عدم الاتفاق على بعض العناصر الثقافية ,كبعض القيم والعادت والمعايير والديانات كالصراع بين الجماعات الدينية التي تنتمي لمجتمع واحد والعادات القديمة والمستحدثة ,لتنتقل إلى الصراع المعولم بين مختلف العناصر الثقافية من عادات وتقاليد وديانات وحتى ماهو تكنولوجي ,وما من ثقافة استطاعت التمسك بمختلف عناصرها دون ان يطالها التغيير والتجديد ,ويرتبط عنصر الغزو الثقافي بعنصر الصراع ارتباطا وثيقا فالاستعمار الثقافي يلجأ عادة إلى خلق نزاعات بين جماعات الثقافة الواحدة ومن ثم تهدم الثقافة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل