الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين النعمة أم دين النقمة ؟

كاظم فنجان الحمامي

2023 / 3 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المفارقات العجيبة التي يعيشها العالم العربي هذه الايام انك تجد رواسب الأضداد والمتناقضات العقائدية منتشرة في كل الانحاء، وبخاصة بين صفوف التنظيمات الاسلامية الغارقة في التطرف. وستكتشف بنفسك ان المفاهيم الاسلامية تغيرت تماماً، وتغيرت ملامحها بخطوط سريالية لا تخطر على البال، وتحول الدين إلى مادة مطاطية مرنة ذات وجهين، وجه جميل مشرق، وآخر قبيح معتم. .
لو سألت هؤلاء عن دينهم، لقالوا لك: ان ديننا دين الرحمة والتسامح والوئام والمحبة والتعاطف، ولا إكره عندنا في الدين، لكنهم يتصرفون في واقع الأمر على عكس ما يزعمون، ويمارسون هوايتهم في القتل على الهوية، ويتفننون في إزهاق ارواح الناس. .
وهناك مجاميع اخرى اختارت الدمج بين النقيضين، فيقولون لك: (ان ديننا دين الرحمة والقوّة، والرحمة لا تعني الذلة، والقوّة لا تعني الظلم، فكل رحمة في غير موضعها ذلة، وكل قوة في غير موضعها ظلم) انتهى كلامهم، فتشابكت لدينا النقائض مع بعضها البعض لتعطينا صورة هلامية معقدة ذات اشكال والوان متغيرة. ففي الوقت الذي ينفون فيه نفياً قاطعاً انتشار الاسلام بالسيف. تراهم يتغنون بامجاد فتوحات الدولة الاموية والعباسية. وفي الوقت الذي ينفون فيه الفوارق الطبقية التي امرهم بها الاسلام، تراهم يتهجمون على الناس ويسخرون من قومياتهم الافريقية أو الفارسية أو الهندية. .
ومن يتابع خطابات المتطرفين يجدها تسعى لاضرام نيران الفتنة، وتدعو للقتل والنهب والسلب والاغتصاب والسبي. .
قبل بضعة ايام كنت اشاهد مقابلة قديمة للاعلامي داود الشريان مع الارهابي (خالد المولد) الذي كان مدمنا على المخدرات، وفجأة تحول الى واعظ ديني يأمر بقتل المسلمين حتى لو كانوا يصلون في الحرم المكي.
وشاهدت مقطعا مصورا يعترف فيه الكويتي (شافي العجمي) بذبح اطفال المسلمين في منازلهم في قرية حطلة السورية، مفتخرا بهذا العمل الاجرامي وطالب المسلحين بنحر المزيد منهم. .
كانت هذه صور من صور التناقض المشهود والملموس على ارض الواقع. والتي تنتمي كلها إلى الفقه الدموي الذي أسسه ابن تيمية قبل قرون، ونشره من بعده محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية. .
تتزين بوابات المساجد الآن بلوحة مكتوب عليها: (ادخلوها بسلام آمنين)، بينما تجد بداخل المساجد من يكفر أخاه بحجة الاختلاف في العقيدة، او يلعن بعض الناس، ويطالب بالثأر منهم لذنب لم يقترفوه، او ليس لهم أي معرفة عن سبب الاختلاف بينهم. .
انظر الان الى محاضراتهم المنشورة بالصوت والصورة على منصة اليوتيوب، تجدها مليئة بالتناقضات. بل انها تتناقض مع القرآن الذي يأمر الناس بالعدل والاحسان، ويأمرهم بنبذ الفوارق اللونية والعنصرية والقبلية (ان اكرمكم عند الله اتقاكم)، ويأمرهم باشاعة السلم والامان بين الشعوب والأمم (لا اكراه في الدين)، هذا هو الدين الذي نفهمه ونؤمن به، ولم يأمرنا القرآن بقتل الناس دونما ذنب، ولا يأمرنا باضطهادهم وترويعهم واعلان الحرب عليهم بذريعة أنهم ليسوا من ديننا. .
قبل بضعة أيام كان الامين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيريش) يتحدث في قاعة الاجتماعات الكبرى. حيث قال: (نحن على بعد أيام من شهر رمضان، ومنذ اكثر من ألف عام، ورسالة السلام والتعاطف والتراحم التي جاء بها الاسلام تشكل إلهاماً للناس حول العالم، وكلمة اسلام ذاتها مشتقة من الجذر نفسه لكلمة سلام، وعندما كنت اشغل منصب مفوض الامم المتحدة لشؤون اللاجئين رأيت سخاء البلدان الاسلامية التي فتحت ابوابها للاشخاص الذين اجبروا على الفرار من ديارهم، في وقت اغلقت فيه بلدان اخرى كثيرة حدودها. رأيت تجليا معاصراً لما جاء به القرآن الكريم في سورة التوبة: "وإن احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون"، فهذه الحماية ينبغي ان تُكفل للمؤمنين وغير المؤمنين على السواء، كما ذُكر في القرآن الكريم، وهذا تعبير مبهر عن مبدأ حماية اللاجئين قبل قرون من إبرام اتفاقية 1951 للاجئين)، الى هنا انتهى كلام غوتيريش، فهل يعرف المتطرفون بمبادئ دين الرحمة التي جاء بها الاسلام، أم أنهم ساروا على مبادئ النقمة والانتقام التي جاء بها ابن تيمية ؟؟. .
فالدين الذي نعرفه جاء بالرحمة للعالمين، وتحيتنا فيها سلام، ولم يطلب منا ارتكاب المجازر ضد الديانات الاخرى. (لكم دينكم ولي دين)، وقوله جل شأنه: (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون). وقوله: (لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد). .
وللحديث بقية. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah


.. #shorts -75- Al-baqarah




.. #shorts -81- Al-baqarah