الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طغاة اتهموا شعوبهم بالخيانة

كاظم فنجان الحمامي

2023 / 3 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تجرع العرب منذ قرون أبشع صنوف القهر والتعسف، وواجهوا الموت غصة بعد غصة على يد الحكام الطغاة والولاة الجبابرة، وعلى يد مدراء الأجهزة الأمنية الذين كانوا يتفننون بممارسة هواياتهم في القتل والتعذيب، ابتداء من عمرو بن سعد الذي ارتكب مجزرة كربلاء إلى صفوت اللا شريف، مرورا بمسلم بن قتيبة، والسندي بن شاهك، وحمزة البسيوني، وصلاح نصر، وناظم گزار. .
هؤلاء وغيرهم كانوا أداة للطواغيت الذين يتهمون شعوبهم بالخيانة العظمى. والمفاجئة التاريخية الكبرى انهم لم يصعدوا سلم الاجرام بالتدرج من الاسفل إلى الأعلى، وانما باشروا بسفك الدماء من قمة الهرم البشري، فقتلوا اسباط الرسول (ص) في القرن الهجري الأول، وقطعوا روؤسهم، ثم طافوا بها في الامصار، واستباحوا المدينة المنورة بكل من فيها، ورجموا الكعبة بالمنجنيق، وقتلوا الصحابة والتابعين، ولم تأخذهم رأفة بشيخ أو طفل أو أرملة. من هنا تبرع بعض الفقهاء بفتح صفحات دموية لتبرير جرائم ساداتهم. وصدرت لهم عشرات المؤلفات لتمجيدهم والاشادة بهم، وتوجيه الرعية بلزوم الطاعة، حتى لو كان الحاكم يمارس الزنا في بث مباشر في كل القنوات التلفزيونية لأكثر من نصف ساعة. .
شاهدت ليلة البارحة مقطعين من برنامج (تلك الأيام) للدكتور حميد عبدالله. تضمن المقطع الاول تسجيلا صوتيا لبعض قادة الجيش العراقي يتحدثون فيه عن استعداداتهم لضرب المواطنين الاكراد في مدينة حلبچة بالسلاح الكيماوي، لقتل من فيها بتوجيه من صدام حسين. فضربوها بلا رحمة يوم 16 مارس 1988، وراح ضحيتها أكثر من 5 آلاف شهيد و 10 آلاف جريح، فضلا على تدمير البلدة بكاملها. .
وتضمن المقطع الثاني حديث طويل لصدام حسين وهو ينعت ابناء الجنوب كلهم وبلا استثناء بالخيانة والعمالة، ويوجه قادة حزبه بقتلهم وتدمير بيوتهم بلا تردد ومن دون حاجة إلى فتح أبواب التحقيقات لأخذ اعترافاتهم، أو تفعيل المحاكمات الاصولية. .
كل الطغاة العرب تعاملوا مع شعوبهم بهذه القسوة وبهذه الروح الدموية، وكلهم ساروا على النهج الانتقامي الذي رسمه لهم فقهاء السوء. .
لا وجود لهذا النوع من الاتهامات الشمولية التي تنسحب على الشعوب المُضطهدة من النواحي القانونية والانسانية، ومع ذلك نقرأ لبعض السياسيين مقالات يتهمون فيها الشعوب بالخيانة، ونشاهد برامج متلفزة توجه الاتهامات نفسها لشعوب بصغارها وكبارها. .
فرأت تواً مقالة كانت منشورة عام 2018 للدكتور الهادي شلوف نشرها في جريدة (رأي اليوم) بعنوان: (لماذا الخيانات متأصلة عند بعض الشعوب دون غيرها ؟)، ففوجئت عندما وجدت الكاتب يصنف المجتمعات البشرية إلى سلالات خائنة، وطبقات غير خائنة. وهي تهمة لا يمكن إطلاقها على الشعوب والاقليات، لأن هذه التصنيفات هي التي مهدت الطريق للطغاة لتنفيذ مجازر الإبادة الجماعية، تارة بتهمة تجفيف منابع الخيانة، وتارة بتهمة محاربة الجهل والتخلف تحت شعار نشر الثقافة الأوربية والتحضر، فأبادوا قبائل الهنود الحمر واضطهدوهم تحت هذا العنوان، وتاجروا برجال ونساء القبائل الافريقية، واسسوا لنظام العبودية. .
أذكر أيضاً أن وزير المعارف بالعهد الملكي (ساطع الحصري) كتب في مذكراته: انه كان يشعر بالضيق عندما طلب منه مجلس الاعيان إنشاء معهدا للمعلمين في جنوب العراق، لأنه كان يرى ان ابناء الجنوب كُتب عليهم ان يكونوا فلاحين من اجل توفير غلة الشتاء والصيف لابناء الوسط. هذا ما كتبه بخط يده في مذكراته. في الوقت الذي كان يرفع فيه شعارات القومية العربية. .
حتى أوروبا نفسها كانت تنظر للأوكرانيين الفارين من جحيم الحرب بمنظار يختلف عن اللاجئين السوريين أو الافارقة. ولا خلاص لنا من رواسب التقسيمات التعسفية الظالمة التي واجهتها الشعوب المقهورة المتهمة بالخيانة والتخلف. .
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن