الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصرية في تونس؟!!!

صالح محمود

2023 / 3 / 22
المجتمع المدني


تعليقا على موضوع الساعة المثير للجدل على مستوى محلي أو خارج تونس، حول الأفارقة المهاجرين بطريقة غير نظامية ومطالبة السلطة التونسية لهم مغادرة البلاد، وانا لست ضد الهجرة القانونية وفي ظل أطرها، وبالتالي ليست لي اعتراضات على ذلك إلا في حدود ممارسة العنف وإساءة معاملتهم من طرف العوام مما جعل الرئيس قيس سعيد يحذر من مغبة التعرض لهم بسوء وتنصيب أي كان نفسه بديلا للدولة، ولكن استعمال العنف والسب والشتم من طرف عامة الناس ضد الأفارقة إطلاق لمشاعر الكراهية والحقد ضدهم، كانت مخفية نسبيا بفعل القانون.
https://www.youtube.com/watch?v=8tOvIRdT5-M
وهذه الشهادة كافية للحسم في موضوع العنصرية ضد السود ليس الأفارقة فحسب بل السود التونسيين أنفسهم. لا يقف تشكي التونسيين من العنصرية، على السود من عامة الناس فقط، بل يتجاوزه إلى الفنانين ولنا في المطرب صلاح مصباح مثال واضح، فإلى جانب ما ذكره حول سبب رفض تقاسم المطرب لطفي بوشناق الجائزة الأولى في إحدى دورات مهرجان الأغنية التونسية في التسعينات معه باعتباره أسود (وصيف) وهذا ما ذكره في إحدى اللقاءات التلفزية، كثيرا ما يردد صلاح مصباح العبارة التالية عن نفسه "وِلْدْ الْحُرَّهْ" ولم أفهم مغزى هذه العبارة إلا مؤخرا، وحسب تفسيرهم، صلاح مصباح يقصد أمه حرة وليست عبدة؟!!!
https://www.youtube.com/watch?v=u-epgplAsHw
لكن الحسم في عنصرية المجتمع التونسي ضد السود التونسيين أو الأفارقة بهذه السرعة لا ينهي الموضوع ( و بالمناسبة، لم أنطلق من صورتي على google التي يهتم بها التونسيون و التونسيات و يضعونها منذ سنوات، بين الأفارقة بطريقة منتقاة، و أنا لن أكذبهم و ادعي أني أبيض، بل أنا أسمر شديد السمرة إضافة إلى شحوب وجهي، و هذا كاف للحكم عليّ من طرف التونسيين و التونسيات بأني أسود اللون كنوع من السب و الشتم، و هذا في صالحي، فهذا الحكم سيمكنني بلوني الخلاسي من الاقتراب من أصالة اللون(الأسود)، على عكسهم، إذ لونهم الخلاسي الهجين لا أصالة له، و هم رغم ذلك، يعتقدون أنهم بيض و يمارسون العنصرية التي كانت تمارس في الغرب في ستينات القرن الماضي، ضد اللون الأسود، و سترون أن المسألة أعمق مما تتخيلون.(
فما هو متداول ومعروف في الشارع التونسي عبارة "الحقرة" (من الاحتقار)، "الحقرة" ليست الوحيدة من القيم الأصيلة التي يستبطنها المجتمع التونسي بل واحدة من أخريات ومنها الشماتة، ويتحدث عنها الإعلاميون التونسيون هذه الأيام (فيفري 2023)، إلى حد البكاء، طغت هذه الشماتة (الصادية) من خلال ما ينشر عبر صفحات "الفايس بوك" و ما رافقها من غل و تشفي، و لكن صفحات الفايس بوك التونسية لا تتضمن الشماتة او الصادية فقط، بل التشويه و التشهير عبر الكلام الفاحش، أنا نفسي تعرضت لحملة كبيرة من التشويه و التشهير عبر الفايس بوك فيما بين 2013و2015 و الجميع يعلم ذلك بما فيهم المثقفين العرب من كتاب و قراء، إعلاميين ، سياسيين و غيرهم. والحقيقة حملة التشويه والتشهير التي تعرضت لها من طرف صفحات التونسيين على الفايس بوك تمثل 01 في المائة فقط مما تعرضت له منهم من تنكيل واقعيا، فقد سحبوا مُوَاطَنَتِي، فدخلت أعماقهم واكتشفت حجم قذارتهم وحقارتهم. وهذا موضوع ثان لا اريد الخوض فيه الآن. وبالعودة إلى القيم الثابتة في المجتمع، النفاق الذي تحدث عنه ابن خلدون والانتهازية التي ترتبط به أشد الارتباط، وهي تمنح الشرعية للقيمة الموالية الوشاية التي تحدّثَت عنها هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها حول استخدام بن علي للشعب لتركيز حكمه (عبر الكيد والوشاية وشهادة الزور، وكنت تحدثت عن ذلك في مقال 2019 بعنوان "مسرحية الانتخابات في تونس") وأخيرا أو هكذا يبدو لي، أعنى القيمة الخامسة "الحقرة" والتي سأتناولها بالبحث. والآن سأرتب لكم القيم التي ذكرتها (النفاق، الانتهازية، الشماتة أو الصادية، الوشاية،"الحقرة").
ولن أنطلق من قصة إبراهيم القصاص في المجلس التأسيسي، وهو عضو من أعضاء المجلس التأسيسي، ريفي من الجنوب التونسي، كان يتعرض إلى التهميش والتجاهل، ويردد في كل مشاجراته العديدة، تعرضه للعنصرية و "الحقرة".
https://www.youtube.com/watch?v=PPbnSqQ2Lyg
وصل به الأمر إلى رفع السلاح الأبيض في المجلس التأسيسي
https://www.youtube.com/watch?v=0xkiGQ_HC7Q
بل سنبحث عن "الحقرة" التي يمارسها المجتمع التونسي في الدراما قبل البحث في المسرح، وهذا ما يناسبنا حتى نتبين أن هذه القيمة هي من صلب المنظومة الاجتماعية le système بأكملها. لنعد إلى ستينات القرن العشرين تاريخ تأسيس التلفزة التونسي، حيث أتحفونا بمسلسلات مازال صداها يتردد لحد اليوم مثل " أمي تراكي " والحاج كلوف "، في هذه الأعمال الدرامية غُيِّب الريفي تماما" وحَضَرَ "البَلْدِي" كمعيار وِفْقَهُ يحددون درجة تحضّر التونسي وثقافته ولياقته حسب مسرحية "المارشال عمار". غُيّب الريفي في الأعمال الدرامية وإن حضر يظهر شخصا هامشي، قذر، بأسمال بالية، متلعثما في كلامه، جاهلا، أخرق وأرعنا، أحمقا وغبيا، لا يفقه حياة المدينة ولا يحسن اللياقة ولا اللباقة، فيتعرض دوما للسخرية والاحتقار. وإن أردتم التأكد من ذلك سنجدها متجسدة في المسرحية العظيمة كما يدعي أصحابها "المارشال عمار" ومخرجها "سفيه ووقح المسرح التونسي" علي بن عياد، وخلاصة المسرحية باختصار ان فلاحا ثريا تزوج من امرأة تونسية "بَلْدِيَّه" (ومازلت أبحث عن مصدر هذه التسمية، فمنهم من خصها بأهل المدينة العربي في تونس العاصمة دون غيرهم، و منهم من يعتبرها تهم كل سكان المدن باعتبارها تختص بالبلدية إلخ، بحثت عن وثيقة مكتوبة في المكتبات المعروفة في العاصمة دون جدوى) ولم يكتف هذا الفلاح بذلك بل هجر أرضه وغادر ريفه لسبب وحيد أن يصبح من اهل المدينة أي يصبح "بَلِدِي" فيظهر في المسرحية ساعيا لتعلم القراءة والغناء والرقص، والرياضة، ثم صور علي بن عياد هذا الفلاح وهو في العقد الثامن متصابي يحاول التغزل بإحدى الزائرات لمنزله عبر إلقاء الشعر الغزلي. أناشدكم، من رأى منكم يوما، فلاحا ثريا أو فقيرا حتى، يترك أرضه ليتحول إلى المدينة ليصبح من أهلها ويتكلم بلهجتها، بل الفلاح بحكم أصالته يموت جوعا ولا يتخلى عن أرضه. وحتى تقفوا على جلية الأمر، شاهدوا المسرحية وانظروا كيف يصورون الفلاح ويشوهونه، يجعلون منه "كاركاتور" وهو يقدم لهم الخبز ليأكلوه. أناشد أهل المسرح العرب، مشاهدة المسرحية والحكم لي او عليّ. فالذين شاركوا في هذه المسرحية وبالمنسابة كل من يظهر منهم ينتفخ ويتكلم بتعجرف ويعلن انتسابه لمسرحية "الماريشال عمار" وكأنها أيقونة ، سيقولون لي "أنت لا تعرف المسرح حتى تتكلم عنه"، والحال ان أعظم المسرحيين في التاريخ، شعراء لأن المسرح فن، خلق عالم جديد، هم يعرفون شكل المسرح و لكن بدل استخدامه كفن شان الشعر، بدل استخدامه للارتقاء بالإنسان و تهذيبه، لخلقه إنسانا جديدا، استخدموه لتقبيح الإنسان و تشويهه عبر تحريف الحقائق و تزويرها، تأبيد الجهل و التشجيع على الاحتقار و العنصرية في إطار النفاق و الانتهازية بالتسويق ل"البَلْدِي". أترون، هم يعرفون شكل المسرح، وأنا أفهم روحه. حين تشاهدون المسرحية لن تشاهدوا تشويه الفلاح عبر التزييف والكذب فحسب، بل ستشاهدون مقدار قلة النبل وانعدام أصالة "البَلْدِي"، ستكتشفون حقارته ونذالته، ستكتشفون مقدار انحطاطه، سفاهته ووقاحته، وستندهشون في كيفية تقديم "البَلْدِيَّه" أنفسهم أمام الجمهور.
سيقال: ولكن ماذا تقول والمسرحية لاقت نجاحا منقطع النظير، وظلت تعرض لسنوات؟ أقول: هذا تأكيدا لما قلته سابقا، فهؤلاء السفاء لم يخرجوا من العدم، بل ولدوا من رحم منظومة اجتماعية من قاعدتها إلى نخبتها تتبنى العنصرية والاحتقار، تتبنى النفاق والانتهازية، الشماتة، وتدعمها ماديا ومعنويا بالاحتفاء والتشريف، عبر وسائل الدعاية. ولذلك ظلت أدوات الدعاية ووسائلها هذه في أسفل المراتب على المستوى الدولي إلى حد اليوم، خذ مثلا الإعلام التونسي في مؤخرة مراتب الإعلام الدولي، فمن يملكه هم العصابات الحاكمة التي ترفض بكل الوسائل منحه أي هامش من الحرية. نعم، كنا نعتقد أن ما يسمى بالثورة سيتحرر عبرها الإعلام، ولكن ما وقع كان عكس ما كنا نتوقع، فمنذ 14 جانفي 2011 كانوا ماسكين لزمام الأمور، فعلى المستوى الثقافي مثلا، سرعان ما غيروا المندوبين الجهويين للثقافة بمديري دور الثقافة، أعني بتجمعيين خدمة بن علي، و كان مؤتمر اتحاد الكتاب بالمنستير، للمحافظة على تركيبته و على خطه كمنظمة تستخدمها وزارة الثقافة و التي كانت تعتبر وزارة الداخلية الموازية في عهد بن علي، لجذب الطماعة و المنافقين من اشباه الكتاب و الشعراء، وللتنكيل بالمبدعين و المثقفين، و لا زالت كذلك لحد اليوم ...
وعلى مستوى القنوات التلفزية طغى على برامجها الانحطاط والتفاهة والتخنث، الكلام البذيء و "الغشة"، والأعمال الدرامية المبتذلة والهابطة ك"أولاد مفيدة" و"نسيبتي العزيزة" و"دار نانة" وغيرها ...
خذ مثلا قناة تونس 7 التي تغير اسمها إلى القناة الوطنية 1، هذه شهادة على عنصرية هذه القناة التي لازالت قناة تونس 7 لحد اليوم،
https://www.youtube.com/watch?v=CTZHydF98v0
قلت انها قناة تونس 7، ملك للعصابات الحاكمة، ممولة بالمال العام، فأنا أدفع لها مالي ضمن فاتورة الكهرباء والغاز، معلوم الإذاعة والتلفزة، رغم أنى لا أشاهدها البتة ومنذ سنوات عديدة، لا لأنها دوما ذات لغة خشبية أو"تسخن برامج وأعمال درامية عمرها عشرات السنوات " وتقدمها وتعيد تقديمها باستمرار، رغم ما تجمعه من أموال، بل لأنها لا تمثلني، فانا لا أرى فيها نفسي كمبدع تونسي. ترون إذا، فضلا على عنصرية هذه القناة (قناة تونس 7) والتي أصبحت تسمى القناة الوطنية1، ولا وطنية لها، فهي قناة إقصائية، تهميشيه، تمثل المنظومة الاجتماعية le système بامتياز كأداة الدعاية الرسمية للعصابات الحاكمة.
طيب، قد نتساءل، إن كانت مسرحية "المارشال عمار" قد احتقرت الفلاح وهو رمز الريفي وشوهت صورته وابتذلته، فأين نجد صورته الحقيقية؟ نجدها لدى الممثل العبقري "عبد القادر مقداد" في مسرحياته الرائعة مثل "عَمَّارْ بِالزِّوِرْ" وهي تعطينا صورة عن الريفي المناضل، و "حَمَّهْ الجْرِيدِي" والتي تصور لنا الريفي البسيط، النقي، الكريم الأصيل، ولكن بدل أن يظهر عبد القادر مقداد في المشهد كنجم ، نفخوا في صورة الممثل لمين النهدي صاحب أسطوانات مبتذلة مليئة بالكلام البذيء تنقد بورقيبة في آخر أيامه و تحرض عليه في الثمانينات، بعد أن فشل في البروز من خلال المسرح فقد ظلت مسرحياته مجهولة للجمهور، و عبر فلم "فردة و لقات أختها" و هو فلم يبتذل الريفي و يحتقره إلى جانب "السكاتشات" التافهة،. وتدريجيا وقع استبعاد عبد القادر مقداد وتضخيم صورة لمين النهدي بجعله ملك الكوميديا في تونس، أعنى ملك "الكوميديا المبتذلة"، فماهي أعماله المسرحية الخالدة " المكي وزكية"؟ وبالمناسبة عادل إمام وهو أشهر كوميدي عربي، لم يدّع يوما أنه ملك الكوميديا في مصر، بل اشتكى من وضع النقاد بعض الوجوه الجديدة كمنافسين له وطالبهم بأن يتركوا كلا في طريقه وشكله الخاص، وتقريبا نفس ما قاله الممثل الكوميدي الكبير دريد لحام حين سئل في لقاء تلفزي إن كان هناك شبيها وخليفة له في سوريا، فأجاب بالنفي مبينا أن كلا له شكله ولونه الخاص الذي يتفرد به. لكن لمين النهدي الذي لاقت مسرحيته «المكي وزكية"(مسرحية فردية) اقبالا جماهيري، في إطار الاحتفاء باحتقار الريفي وابتذاله- وموضوعها ريفي يتزوج من امرأة من تونس العاصمة ويتحدث في شكل مبتذل، محتقرا نفسه، معبرا عن حمقه وغبائه امام "البَلْدِيَّه" وعن جهله بالمدينة وتقاليدها، ويقارنها بهمجية أهله في الريف وغوغائيتهم. نصب لمين النهدي في النهاية، نفسه ملكا للكوميديا في تونس، وصار يعلن عن اسم خليفته في كل حضور إعلامي، سرعان ما يتخلى عنه بعد ذلك ليعلن عن اسم جديد، فضلا على استفزازه للممثلين الكوميديين الذين يعتقد أنهم منافسين له أذكر على سبيل المثال رؤوف بن يغلان الكوميدي و الأستاذ في المعهد العالي للمسرح، و تلك المعركة التي افتعلها معه، أو حتى استفزاز بعض الممثلين الشبان الذين لا علاقة لهم بما يقدمه لمين النهدي من بينهم سوسن المعالج التي دخلت في تجربة كوميدية في وقت ما في احد البرامج التلفزية، و لكن لن نندهش من محاولة لمين النهدي تنصيب نفسه وصي على الكوميديا في تونس و ملكها بتصريح منه يقزم و يحقر من يشاء ، هكذا تكون الأمور دوما في ظل القيم النفاق، الانتهازية، الشماتة، الوشاية و الاحتقار، ففي تونس لن تصعد إلا على الجثث عبر التحالف، التآمر، و الوشاية، يجب أن تدمر الآخرين لتظهر في الصورة، لن تظهر بكفاءتك، لن تظهر كندّ، أعني كنبيل و اصيل، بل يجب أن تدوس الجثث. خذ مثلا كيف استطاع الإعلام ان يتآمر و يتحالف على المطرب "توفيق الناصر" ليشن عليه هجوما يخرجه من المجال الطرب نهائيا، و صارت قضيته قضية وطنية في السنوات السبعين من القرن الماضي تقريبا، و ملخصها ان هذا المطرب في لقاء صحفي حين سأله احدهم عن رأيه في الملحن المصري محمد عبد الوهاب قال، نحن المطربون الكبار لا يمكن أن نحكم على بعضنا البعض، شنّوا عليه حملة تشويه و تشهير حول تصريحه هذا، و حقروا ما يقدمه من أغاني ووصفوها بالانحطاط و التفاهة، و أراد هذا المطرب أن يطور اغانيه، فلحن قصائد لنزار القباني، فواصلوا حملتهم بلا رحمة و لا شفقة و اعتبروا تلحينه قصائد نزار القباني "تشليك للشاعر " يعني ابتذالا له، كل هذه العملية المفتعلة و المفبركة و التي ضُخمت إلى ان تحولت إلى قضية وطنية أو تكاد، تجند لها الإعلام التونسي بكامله و بلا استثناء، ليس وراءها الغيرة على الفن، بل وراءها الانتهازية، فأنتم تعلمون حجم محمد عبد الوهاب في السبعينات و الجميع كانوا يتمسحون به و يتملقونه للفوز بحوار صحفي، و الحكايات كثيرة و مثيرة حول ذهاب الصحافيين التونسيين إلى محمد عبد الوهاب في مصر حاملين معهم " الدقلة التونسية (نوع رفيع من التمر) زيت الزيتون و الهريسة ..." و الاهتمام بحركاته و تصرفاته، و ملابسه، و نوعية حذائه "بلاش ربايط" و تنبيه المصريين إلى أن محمد عبد لم يرتد يوما "حذاء بالربايط" حين راوا ذلك في نصب له بعد موته، فاعتذر المصريون على هذا السهو و هم يشعرون بالخجل من هذه الورطة، لماذا اهتموا بالحان محمد عبد الوهاب و أهملوا حذاءه، واضطروا لإعادة إقامة تمثال الملحن ب"حذاء بدون ربايط" أخذا بخاطر التونسيين. ولكن لم اشاهد أو أقرا عن لقاء أو حوار صحفي تونسي مع محمد عبد الوهاب، بحثت على "النات" عن ذلك بلا جدوى. لنعد للمطرب توفيق الناصر الذي استضافه أحد المنشطين التلفزيين في 2009 فيما أذكر، وأثناء الحديث عن تلك الحملة العنيفة المشوهة والمشهرة به، بادره قائلا بلهجة حازمة وحادة، متهما إياه " هل قلت ذلك أم لا، قلت أم لا؟!!!" فرد توفيق الناصر" من يقول ذلك مجنون"، توفيق الناصر رغم مرور عشرات السنين على تلك الحملة الترويعية لا زال خائفا، حتى أن ذلك المنشط قال له شاتما وشامتا بطريقة خبيثة، "قالوا لي بأنك معقّد ولكن لا اراك كذلك".
و في هذا الإطار أعني احتقار الذات أمام الآخرين، لن امر دون ذكر قصة أخرى أكثر دلالة، ففضلا على الاحتفاء بالمطرب العربي و الأجنبي عبر استقباله بالورود في المطار و تقبيله، مرافقته إلى النزل و تنظيم الندوات الصحفية له، ثم ملء مسرح قرطاج و الرقص له ب"السليبات" ثم الدفع له بالدولار، و كنت قد تحدثت عن ذلك في مقال سابق سنة 2019، مقابل تجاهل المطرب التونسي مهما كانت قيمة موهبته، فإنهم يمارسون الاحتقار لذاتهم ممارسة فعلية، فمثلا في حفل Alpha Blondy غنى معه المطرب الشبابي أحمد الماجري، قاموا بتقسيم الركح إلى طابقين، طابق علوي خاص ب Alpha Blondy ، و السفلي خاص بالفنان التونسي أحمد الماجري، طيب هل تعتقدون أن Alpha Blondy هو من طلب ذلك، هذا مستحيل فهؤلاء الفنانين العالميين أكبر من أن يطلبوا مثل هذا الطلب، بل نراهم يغنون مع أي كان. أحمد الماجري قال بأن المشرفين على الحفل قاموا بهذا العمل خشية أن يلتقي ب Alpha Blondy و يتفق معه على أداء اغنية معا، و هذا يحيلنا على الحسد و البغض. لنعد إلى الحركة في حد ذاتها، أعني تقسيم ركح مسرح قرطاج إلى طابقين، هل يقوم بذلك منظمو حفلات في أي دولة عربية، هل يقزم أي عربي نفسه أمام الآخر، شاهدوا المطربين المشارقة يغنون مع المطربين العالمين بندية، نفس الشيء المطربين الجزائريين هم انفسهم مطربين عالميين، أو المغاربة أدركوا العالمية بدورهم، الإيقاع الليبي عربي، الإيقاع الخليجي إيقاع عربي بامتياز لجماله، باستثناء الإيقاع التونسي بقي إيقاعا بلا أصالة و لم يتجاوز الحدود، و حتى من يحاول من الملحنين التونسيين الموهوبين تأصيل الأغنية التونسية يقفون له كحجر عثرة و يعطلون مسيرته، خذ مثلا الملحن الكبير عبد الكريم صحابو الذي سعى في الثمانينات إلى البدء في تأصيل الإيقاع التونسي، القصة معروفة و الشائعات التي لاحقته معروفة، في لقاء مع نجيب الخطاب في التسعينات، ذكر ان بعض المطربين الذين جعلهم نجوما، و بالمناسبة انطفؤوا و أفل نجمهم بمجرد أن تخلى عنهم و حتى من ظل يقاوم الأفول، فعبر ألحان عبد الكريم صحابو، منهم مطرب منذ الثمانينات لازال لحد اليوم يردد لَحْنَيْن لعبد الكريم صحابو، و يتنفس بهما منذ أربعين سنة ، و منهم المطربة نجاة عطية التي لا ذكر لها منذ عشرات السنوات و التي ارتبط اسمها بالشائعات التي لاحقت عبد الكريم صحابو، قلت في ذلك البرنامج و في ذكر لبعض المطربين قال انهم "غدارة"، كيف يمكن لملحن بقيمة عبد الكريم صحابو أن ينقطع عن التلحين و الحال ان كبار الموسيقيين العالميين ألفوا موسيقاهم و هم في أسوأ الظروف من الفاقة والفقر، شيء واحد يدفعه إلى الانقطاع عن التلحين هو أن من يلحن لهم لا يستحقون ألحانه.
لا يهم ان تخسر الموسيقى التونسية موسيقى كبير كعبد الكريم صحابو، فعبر التاريخ كان همّ هؤلاء تدمير الإستثناءات في جميع المجالات، كنت تحدثت عن ذلك سابقا، فمثلا كيف لعالم اجتماع كابن خلدون والذي من المفترض أن يعيش مع مجتمعه لأنه عالم اجتماع، كيف له أن يهرب منه في سن ال 55سنة تاركا عائلته وراءه، إلا إذا كان التنكيل به حاد لم يستطع تحمله. إليكم كيف ينكلون بالاستثناءات و يقزمونهم، عبر التجاهل و عدم الاعتراف و هذا أهون أنواع التنكيل، لأن أبشع أنواع التنكيل أن يستهدفوك مباشرة، ان يسحبوا منك مواطنتك، يجوعوك و يروعوك و هذا موضوع آخر.
لنعد إلى التنكيل عبر التجاهل، "حسين المحنوش" بطل مسلسل "الدُّوَّارْ" صحبة عبد القادر مقداد، يحكي قصته المؤثرة (ابدؤوا الفيديو من الدقيقة 13و 44 ثانية)
https://www.youtube.com/watch?v=I0Jam8O04Ak
ما شد انتباهي في قصة حسين المحنوش، التجويع بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية وفق قيمة "الشماتة".
حين أقول همهم التنكيل بالاستثناءات في تونس وتدميرهم وإيقاف مسيرتهم الإبداعية، فأنا أعنى ما أقول، أعطوني استثناء واحد نجح بين هؤلاء المنافقين، الانتهازيين الشامتين، الواشين، العنصريين، سيقال محمود المسعدي، نعم، الاستثناء الوحيد من بين الجميع، ولكن الأديب الكبير محمود المسعدي ما كان له أن ينجح بمفرده، أعني لولا احتمائه بجناح بورقيبة، فقد كان وزيرا للثقافة والتربية، بل أكثر من ذلك تنبأ من خلال أدبه بهزيمة الزعيم بين هؤلاء المنافقين الأفاكة، و نصحه في كتابه "حدث أبو هريرة" قائلا "ارحمهم و لا تؤمن بهم".
ولكن السؤال كيف يتمكنون من إيقاف مسيرة الاستثناءات الذين يمثلون علامات مضيئة في تاريخ تونس و ما حولهم ظلام، وتدميرهم، أعني كيف ينكسر الاستثناءات أمامهم، بكل بساطة بالإضافة إلى أن الاستثناءات عُزَّل في مواجهة منظومة اجتماعية système من قاعدتها إلى نخبتها تتبنى العنصرية والاحتقار، تتبنى النفاق والانتهازية، الشماتة، وتدعمها ماديا ومعنويا بالاحتفاء والتشريف، عبر وسائل الدعاية، إضافة إلى ذلك ليس لهؤلاء الاستثناءات قيمهم، ولذلك هاجر ابن خلدون بحكم عجزه عن النفاق لأنه عَالِم، نفس الشيء للبقية لو كانت لهم قيمهم لما كانوا استثناءات.
وهكذا كان الامر بالعودة إلى لمين النهدي، إلى أن سقط سقوط مخز ومحزن من على عرشه المزيف والكاذب، بني على ابتذال الريفي واحتقاره، بعد أن غادر الجمهور مدارج مسرح قرطاج في آخر عمل مسرحي له "نموت عليك" يوم 29 جويلية 2022 بعد أقل من ساعة من بدايته، وسط السب والشتم، ودعوته إلى الاعتزال.
لكن، الأمر لا يقف عند هذا الحد في بحثنا عن "الحقرة"، فيمكننا أن نجد هذه المنظومة الإجتماعية système واضحة وجلية في عمل درامي آخر تواصل لمواسم رمضانية عديدة وآخرها منذ سنتين تقريبا، وهو "نسيبتي العزيزة" لقي نجاحا باهرا هو الآخر، تدور كل احداث هذا العمل حول عائلة ريفية في علاقة بعائلة "بَلْدية". هذه العائلة الريفية التي تتركب من "خميسة" وزوجها "ببّوشة"، "جمعة" و"العيد" والدا "خميسة"، و شقيقها "الفاهم" و"الفيتوري" قريبهم. هل تصدقوا ونحن في القرن الواحد والعشرين، وجود مثل هذه الأسماء في الأرياف بعد انتشار التلفزيون بآلاف القنوات. ما يميز هذه العائلة بساطة التفكير، السذاجة، الغباء والحمق، هذا ما وقع التركيز عليه، والمشاهد يتساءل في حيرة هل هناك اليوم في الأرياف التونسية امرأة بتلك السذاجة مثل "خميسة"، او شاب في مقتبل العمر بتلك البلاهة والتواكل مثل "الفاهم". تسكن هذه العائلة الريفية النازحة إلى العاصمة مخزنا cave مع الحمار "سيكو ، سيكو" صديق "الفاهم" ، و كل أفرادها فاشلون ، بدءا من "ببوشة" يبيع الملابس المستعملة ، إلى خميسة التي عجزت عن الوصول إلى أناقة النساء "البَلْدِيَّات" رغم تقليدها لهن ، إلى الفاهم الشبه أمي ، بل الذي يعاني من إعاقة التخلف الذهني ، يظل بلا معنى ، مجرد هامشي بالمعنى الحرفي للكلمة ، يمثل عبئا على صهره ، و الحقيقة ، كل ما يطرحه هذا العمل الدرامي هو تطفل و اتكال الأصهار على أصهارهم بدليل العنوان " نسيبتي العزيزة "، فالفاهم صار عالة على "ببوشة" و يزداد الأمر سوءا عند زيارة "العيد" و "جمعة"، فيطيلان المكوث مهملين ارضهم و فلاحتهم و قطيعهم ، من يصدق هذا ، فلاح أو فلاحة متعودان بحياة ريفية هادئة ، و الحقول المفتوحة ، يطيلون المكوث في مخزن بهوائه الخانق بسبب الرطوبة ، هذا إن استثنينا التلوث و الروائح العفنة ، بل هما مضطران للمكوث في المخزن أغلب الوقت ، فهما ريفيان ، و لن يجدا من"البَلْدِيَّه" من يتواصلا معه. ، في مقابل عائلة ببوشة نجد عائلة "حسونة" "البَلْدِيَّ" الثري، وزوجته"حياة" المرأة الصفاقسية ، حيث يسكن منزل فسيح في "المدينة العربي" (دلالة على الأصالة و العراقة ) يصعدون إليه بالسلالم ، هذا فضلا على امتلاكهم العقارات العقارات و المقاهي.
لكن في هذا العمل الدرامي، تتعدى "الحقرة" الريفيين إلى "الصفاقسية"- و بالمناسبة مدينة صفاقس هي العاصمة الاقتصادية لتونس- يصورن الصفاقسية من خلال "الْمِنْجِي" ووالدته "فْطَيْمَه" والدة حياة أيضا، في اسوا صورة، ف"الْمِنْجِي" غبي وأبله و متواكل، مع العلم أن الصفاقسية إلى جانب امتلاكهم الثروة، يحققون أفضل النتائج الدراسية في تونس و على الدوام بفضل العمل و الاجتهاد، أما أمه "فْطَيْمَه" فهي تمثل الصهرة الغير مرحب بها من طرف "حسونة" طفيلية و اتكالية، عالة عليه لما تمضيه من أشهر في منزل صهرها بلا حياء أو خجل، والشخصية الثالثة في هذا العمل الدرامي هو شقيق "فْطَيْمَه" وهو شيخ يزور العاصمة من حين لآخر و يمر في كل مرة بابنة أخته "حياة" ليطمئن عليها، صوروه كشيخ بخيل و متصابي بمجرد ان رأى تلك الشابة الجزائرية المقيمة في دار حسونة، طرح عليها الزواج بلا مقدمات.
تقزيم الصفاقسية في الأعمال الدرامية يثبت تلك المقولة الرائجة حول احتقار التوانسة les tunisois السواحلية والصفاقسية، احتقار السواحلية الصفاقسية، واحتقار كامل الخط الساحلي المناطق الداخلية، واحتقار المناطق الداخلية ذاتهم أمام "البَلْدِيَّه"، والذين باعتبارهم "بَلْدِيَّه" يمنحهم هذا حق احتقار والسخرية ونهب الريفيين كما جاء ذلك في مسرحية "المارشال عمار".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في


.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ




.. تاريخ من المطالبات بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في ا


.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم




.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية