الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقعية القيادة في رواية -بير الشوم- فيصل حوراني

رائد الحواري

2023 / 3 / 26
الادب والفن


واقعية القيادة في رواية
"بير الشوم"
فيصل حوراني
العديد من الأعمال الأدبية الفلسطينية تناولت المختار/القيادة، فالصورة غالبا ما جاءت سلبية، وهذا يعود إلى الواقع، إلى وقائع حقيقية مر بها الفلسطيني، فالمختار/المتنفذ منذ أيام الأتراك هو يعمل لمصلحة أسياده وحسب مصلحته، وعلى حساب بقية الناس، وعندما جاء الإنجليز اعتمدوا نفس النهج التركي في تعاملهم من المخاتير الذين تبهرهم الوجاهة، حتى لو كانت تجرهم إلى الخيانة والتعامل مع الاحتلال.
تأتي رواية "بير الشوم" ضمن هذا الطرح، وأعتقد عندما اختار السارد أن يكون العنوان باللهجة المحكية أراد تأكيد الفكرة الشعبية عن صورة المختار، وأراد إيصال (شعبية) فكرة الرواية للمتلقي، فالمكان "بير الشوم" لم يذكر إلا في ثلاثة مواضع، إلا أن اللهجة المحكية هي اللغة التي تحدثت بها كل شخصيات الرواية، فالسارد ترك المجال أمام الشخصيات لتتحدث بلغتها هي وليس بلغته هو، من هنا سنجد تفاوت في المفاهيم بين لغة الثائر ولغة المختار، وبين لغة الثوري ولغة الانتهازي، من هنا نقول أن الرواية استطاعت إقناع القارئ بلغة وطبيعة الشخصيات، وهذا يتوافق مع طبيعة الرواية الواقعية.
المختار
"وليد أبو حامد والمكنى ب "أبي خالد" شخصية مركزية في الرواية، فوجوده في أحداث رواية يتوافق مع طبيعة شخصيته كمختار، أحيانا يكون حضوره قوي، وأخرى ضعيف، أحيانا يمكنه التسلل/التسلق فيصل إلى مبتغاه، وأحيانا يتم كشف أمره وإعادته إلى حجمه كقزم ليس أكثر، تبدأ الرواية بكشف طريقة تفكير ونهج المختار من خلال الحوار الذي تم بينه وبين الشيخ "حسن":
" ـ خايف من غضب الله، خايف على البلاد يا أبو خالد
ـ بس، بس! ...اللي بسمعك بيظن أنه اليهود صاروا في دارك، ..حفنة كلاب مستقويين بالإنجليز... لكن ربنا أقوى منهم يخزيهم دنيا وآخرة، خلي املك بالله، أنت رجل مؤمن!
ـ أنعم بالله، لكنه أمر بالجهاد، وإذا كنت أنت حاطط أيديك في ميه باردة، غيرك مش قاعد" ص12، بهذه العقلة تعامل المختار (قائد البلد) مع الهجرة الصهيونية، وعندما يتم مفاتحته بضرورة المقاومة يرد وبصراحة بهذا الشكل: "ـ إذا فلت النظام في القرية بتقع في راسك!... فكر كويس، وما تنساش أنه ممكن نلاقي إمام غيرك، قسما بالله بحط غيرك حتى لو كان لا بيقرأ ولا بيكتب، بكونش في فكرك أنه ما فش غيرك بيحفظ الفاتحة!... عف عني! حمرا ولا بيضا، يهود ولا عرب، حط راسك بين الروس، ولا قسما بالله العظيم ما بتدوس الحاكورة في عمرك" ص14و15، نلاحظ هنا القوة السلبية للمختار، فهو بلا شك متنفذ ويستطع أن يعزل الشيخ من الإمامة، ويستطع أن يبطل ملكته الشيخ "حسن" للحاكورة، لكن رغم هذه القوة إلا أن منطقه يدينه، ويكشف حقيقته المنبطحة أمام الإنجليز الذي يأتمر بإمرتهم ويعمل حسب توجيهاتهم.
لكن بعد أن تظهر المقاومة ويبدأ الثوار بالتصدي للإنجليز والصهاينة، نسمع قولا ل"شعبان" يكشف حقيقة وواقعية المختار: "ـ أنت يا أبو خالد، يا مختار، كان إلك صحبة مع الإنجليز، ظابط إنجليزي، بيحكم وبيرسم، شو استفدت من ها الصحبة، مع أنه أيدك في حلقه من يوما ما أجا ع هالبلاد، أنا بعرف ناس كثيري دبروا حالهم من الإنجليز، وأحنا اشترينا "البرن" بلا مؤاخذة من صاحبك الكابتن، واشترينا منو بواريد، واشترينا من غيروا فشك بتراب المصاري، تآخذنيش في عالسؤال ليش ما أجا على بالك تستفيد منه!؟" ص103، فهنا تم كشف حقيقة وطبيعة (القيادة) الفلسطينية، فهي لم تكن تهتم بالمقاومة، ولم تكن تفكر بحقيقة الخطر المحيط بها، من هنا لم يفكر المختار بالاستفادة ـ وطنيا ـ من علاقته بالضابط الإنجليزي، رغم أنه كان يمكنه أن يؤمن بعض العتاد والذخيرة للمقاومين، لكن طريقة تفكيره، وطبيعة شخصيته الهزيلة جعلت يتجاهل/يغفل عن الواقع وما يمكن أن يحدث في المستقبل.
في المقابل يستفيد المختار من علاقته "بسليم أفندي" موفد القيادة إلى القرية ويجعله "رئيس اللجنة القومية" في القرية، وبعدها يصبح قائد فصيل، يقرر الثوار الهجوم على معسكر سيتم إخلائه من الإنجليز، وبما أن "المختار" قائد فصيل فكان لا من أن يشارك في الحوار: " بقول لكو خلونا نرجع، كل ناس يديروا بالهم على قريتهم، لو موتنا حالنا بلا فايدة مين يدافع بعدين عن البلاد، بتضيع هي الثانية، بعدين انتو ليش قلقانين على الكنب؟ كلها يوم وليلة وبتدخل جيوش العرب، بدكو نروح حالنا عشان يومين ثلاثة فرق؟" ص208و209، هذا المنطق الانهزامي لازم القيادة الفلسطينية والعربية منذ بداية الاحتلال الإنجليزي وحتى الآن، لهذا تجدها في حالة تقهقر متواصل ومتسارع، فجميع القيادات تفكر بمنطق الضعيف الذي يضع الربح والخسارة الشخصية معيارا أمامه، فتجده ينسحب/ينهزم من المعركة تحت حجج واهية.
يتم الرد على منطق المختار المنهزم بواسطة "أبو جهاد": "إذا كان كل جهة في فلسطين بدها تفرط في حالها وتستنى جية الجيوش، اش بتقدر هالجيوش تساوي، وين بدها تحارب ولا وين؟، وليش نخليهم يقولوا أجينا نساعدهم لقيناهم مسلمين بلادهم؟ أحنا بنعمل اللي علينا، واللي بنقدر عليه بنعمله، ولما يصلوا بيعملوا اللي عليهم" ص209، نلاحظ أن الحوار يحمل فكرة نقيضة لما يقدمه المختار المتنفذ، وهذا ما جعل الرواية تبين حقيقة الشخصية المنهزمة والفكر الذي تحمله، وطبيعة الشخصية النقيضة/الثائرة التي تفكر وتعمل بإيجابية، مقدمة مصالح الوطن والشعب على مصالحها.
واللافت في منطق أبو جهاد الجانب الأخلاقي، فهو يرفض أن يقال عنه/عن شعبه أنهم "مسلمين بلادهم" لهذا يقرر مهاجمة المعسكر وفعلا يتم اقتحامه والسيطرة عليه، بعد أن أنسحب المختار ومن معه.
يصف لنا السارد الأحداث قبل الهجوم على المعسكر بهذا الشكل: "وصل شعبان إلى التبة التي يقيم عليها فصيله بينما كان المختار يحرض المجاهدين على الرحيل" ص213، فسلبية المختار/القيادة لم تتوقف عند اتخاذ القرار فحسب، بل طالت أيضا تحريض الثوار على الانسحاب، بمعنى أنه كان يخرب ويضعف قوة المجاهدين من خلال تحريضه، فجعل بعضهم يشكك بقدرتهم وقوتهم ودورهم في المقاومة.
وبعد أن يتم الاستيلاء على المعسكر وينتصر الثوار يكون موقف المختار بهذا الشكل: "ـ عرفت الأخبار، بالك تكون روسكو بردت، أربع في يوم واحد، ما بردتش روسكو لسه؟...ستين شهيد عشان كنب كنا قادرين نوذخوا بعد اكمن يوم ببلاش، أيش مفكر هم رايحين يخلوكو فيه.. أيش ناقصهم سلاح؟ عندهم، رجال؟ البحر بيجيب لهم كل يوم" ص238، إذن حتى الانتصار يتم تشويهه والتقليل من قيمته، فمنطق المختار الذي يعتمد على الربح والخسارة وعلى المصلحة الشخصية التي يعتبرها فوق الوطن والبلاد والعباد، تجعله يعمد على هذا المنطق الأعوج، هكذا هم (القادة) في ثورتنا!
المختار يعلم جيدا أنه خذل الثوار بانسحابه، فرغم قوة كلامه أمامهم إلا أنه موقفه كان ضعيف أمام حقيقة ما جرى في المعسكر، لهذا يرسل رسالة لأحد المتنفذين في القدس "سليم أفندي" يستعطفه موضحا بمنطقة الانتهازي ما جري: "...وطلبت منه أن نستنى أوامر القيادة نقول لها ما هو الحال ونطلب هدايتها لكنه هو ما قبل واسمعني كلام لا يليق فروحت ومعي رجال قريتي وبقى معه ناس من الطايشين وامرأة فاسدة سمعتها لا تشرف وبعدين صار يقول لكم أني والعياذ بالله هربت من المعركة وقعدت في داري" ص242، فهنا يلعب المختار على فكرة الخضوع للقيادة العليا في القدس، وعلى أنه تحت طوعهم، وأنه لا يفكر ولن يعمل إلا حسب ما تقرره القيادة وتتخذه من إجراءات،.
ونلاحظ أن هناك (شخصنة) للقضة الوطنية/القومية متجاهلا خطورة الموقف وقوة العدو، فالمختار لم يكن ليهتم إلا بمركزه وموقعه وبقاء سيطرته/هيمنته على القرية واستماع القيادة له فقط دون سواه، بصرف النظر إن كان موقفه/كلامه يخدم البلاد أم يدمرها ويخربها، هذا حال قيادتنا منذ أيام الإنجليز، فما بالنا اليوم وهي تعمل مباشرة تحت أمرة وقوة الاحتلال الاستيطاني!؟.

القيادة
إذا كان المحتار بهذه الصفات فكيف كانت أحوال القيادة العليا؟، وهل كانت فعلا قيادة تمثل الثوار والثورة؟ لنتوقف عند طريقة تعينها للكوار، يأتي "سليم" إلى القرية ليطلع على أحوال الثوار واحتياجاتهم، وبعد أن يقابل المختار يقرر تشكيل لجنة قومية في القرية:
ـ اعلن باسم الهيئة العربية العليا لفلسطين تشكيل اللجنة القومية في القرية من السادة:
المختار وليد أبو حامد والحاج عبد العزيز، عبد العزيز ايش؟
فرددت أصوات
ـ عبد العزيز الحاج علي
ـ ... والحاج عبد العزيز الحاج علي، والشيخ حسن، والسيد شعبان أعضاء... اتفقنا على أن يكون المختار قائدا لفصيل المجاهدين في القرية وأظن أنكم، وقد عبرتم عن تأييدكم للمختار" ص121و122، بهذه الطريقة تم تشكيل اللجان القومية للدفاع عن الأرض، فما بالنا عندما نعلم أن قائدها شخص انهزامي، متسلق، جبان!.
"جواد" يرد على قرار "سليم" ويعمل على تصحيح المسار برمته بقوله:
"لا تثقوا بمختاركم الذي تعاون مع الإنجليز، والقيادة، تلك القيادة القابعة في القدس، كيف تقبل أن يكون واحد مثله قائدا للقرية؟ القيادة لا تفهم شيئا" ص142، نلاحظ أن هناك توازن بين الانتهازية والثوار، فكلما ارتفع صوت نشاز يأتي من يرده وبصواب، وهذا ما جعل الرواية تأخذ طابع الإيجابية، فرغم أنها قدمت الصورة الواقعية للقيادة وسلبياتها، إلا أنها في المقابل قدمت البديل الثوري، البديل الذي فعل بعد أن قال، وأقرن القول بالفعل.
بعد أن ينسحب المختار ورجاله من معركة المعسكر، يأتي إلى القيادة في القدس لتصحيح موقفه، أو بالأحرى لكسب رضاها وتجاوزها عما اقترفت يداه من خيانة، يقاله "سليم" مستغلا وضعه البائس ليحقق مكاسب شخصية من المختار: "ـ مش عارف كيف بدي أحلها، أحنا بدناش نفرط فيك... يا مختار أنا بطلب شاشي لنفسي، أحنا كلنا للمصلحة الوطنية مش هيك.
...حط التقرير الأخير في المحفوظات، خلافات الفلاحين ما بتنتهيش.
ـ كيف شفته؟ أنا شفت وجه ناشف
ـ براهنك، أذا المرة الجاي ما جابش هدية" ص245 -248، هذا حال القيادة التي تواجه أعتى قوة عسكرية في المنطقة، فكيف لها/لنا أن ننتصر بها!؟.
الرواية من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، الهيئة العامة للكتاب، سلسلة القراءة للجميع، 13-2001.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا