الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النضال ضد الشعبوية في أوروبا (*) (النص كاملا) ترجمة مرتضى العبيدي

مرتضى العبيدي

2023 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


إن الحاجة إلى تعريف صحيح وتقييم موضوعي للظاهرة الشعبوية لها أهمية كبيرة بالنسبة للأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية في أوروبا، نظرًا لتأثيرها المتزايد بين جماهير العمال وفي أكثر الفئات تضررًا من المعاناة الاجتماعية.
لذلك يجب أن نحاول توضيح طبيعة الشعبوية وخصائصها، وتحليل قواعدها الاجتماعية ودراستها، وكذلك الأشكال الملموسة لسياساتها، من أجل مكافحتها أيديولوجيًا وسياسيًا.
فـ"الشعبوية" (النزعة السياسية التي تطمح لكسب الطبقات الشعبية) ليست مفهوماً جديداً. ولدت هذه الحركة السياسية في روسيا في منتصف القرن التاسع عشر تحت تأثير أ. آي. هيرزن (2). كان الشعبويون منتقدين طوباويين ورومانسيين للرأسمالية. لقد دعوا إلى ثورة تقوم على تقاليد الجماعات الزراعية وطالبوا المثقفين بوضع أنفسهم في خدمة الناس.
عرّف لينين هذه الظاهرة على النحو التالي: "يتمثل جوهر الشعبوية في حقيقة أنها تمثل مصالح المنتجين من وجهة نظر المنتج الصغير، البرجوازي الصغير".
كما ظهر في الولايات المتحدة في عام 1891 حزب شعبوي، "حزب الشعب"، الذي كان له قاعدته الاجتماعية بين جماهير صغار الملاك الزراعيين البيض الرازحين تحت الديون والساخطًين على التفاوت الاجتماعي المتزايد في مجتمع كانت هيمنة رأس المال المالي عليه تتأكد يوما بعد يوم.
أما الشعبوية اليوم فهي تختلف عن التي كانت في القرن التاسع عشر. إنها تنشأ في ظروف تاريخية واجتماعية مختلفة: من مرحلة تطور الرأسمالية الاحتكارية إلى مرحلة تفاقم الأزمة العامة للرأسمالية. ولكن على الرغم من الاختلافات الناجمة عن الظروف التاريخية المختلفة، فإن جوهر الشعبوية وهدفها الأساسي، اليوم كما كان بالأمس هو كبح جماح الجماهير الشعبية وفي المقام الأول البروليتاريا وحرفها عن النضال الواعي والمنظم ضد الرأسمالية والإمبريالية.
اليوم، في أوروبا، لهذه الظاهرة السياسية تعبيرات وأشكال تنظيم مختلفة. ففي البلد الواحد، يمكن أن تتخذ الشعبوية عدة أشكال، أحيانًا في منافسة مع بعضها البعض، في أعقاب الأزمة الاقتصادية والسياسية العميقة التي أثرت على جميع البلدان في العقود الأخيرة، وولّدت تفاوتات عميقة صلب شرائح اجتماعية واسعة، بما فيها البرجوازية الصغيرة والوسطى.
يرتبط انتشار الدعاية الشعبوية بتدهور الظروف المعيشية والعمل للجماهير الواسعة، والتأثير السياسي والاجتماعي العميق لسياسات الليبرالية الجديدة وسياسات التقشف، وأزمة شرعية المؤسسات البرجوازية وسلطتها، وكذلك بالأزمات والتناقضات الداخلية والتصدعات التي تحدث داخل الطبقات السائدة.
إن النجاح السياسي للشعبوية هو نتيجة مباشرة للأزمة، ولتدهور النظام السياسي والأخلاقي والانتخابي للأحزاب الليبرالية والاجتماعية الديمقراطية السابقة. وفي غياب حركة عمالية مستقلة وثورية، يملأ الشعبويون هذا الفضاء السياسي.
تتطور الشعبوية عندما تضعف سياسة "الوفاق الاجتماعي"، أي نظام التعاون الطبقي بين الدولة البرجوازية والنقابات والصناعيين، وهو أساس دولة الرفاه. وهذا يؤجج حركات الاحتجاج الواسعة التي تنشط فيها الجماعات الشعبوية من "اليسار" واليمين المتطرف والفاشيين والنازيين.
فالشعبوية إذن هي تعبير عن الأزمة العميقة للديمقراطية البرجوازية وأشكالها التقليدية للتمثيل السياسي، وخاصة تلك المتعلقة بالأحزاب الإصلاحية، التي لا تقدم بديلاً عن السياسات النيوليبرالية والتقشفية، ولم تعد تريد تمثيل العمال والمصالح الشعبية. وفي نفس الوقت، فإن رد النظام البورجوازي هو التغلب على "أزمة التمثيل" ومحاولة توظيف سخط الجماهير الشعبية وغضبها لصالح أهدافه السياسية.
إن صعود الشعبوية هو نتيجة للإجراءات الرجعية والتسلطية المعادية للشعب التي تطبقها البرجوازية وأحزابها الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية، والتي تفكك الإنجازات والحريات الديمقراطية للعمال، وتقيّد الحقوق البرلمانية البرجوازية، وتنتزع السيادة الشعبية، وتلغي الاستقلال الوطني وتكثف القمع ضد الحركة العمالية والنقابية.
ومن بين العوامل المساعدة على انتشار الشعبوية الهزيمة المؤقتة ولكن العميقة والمتعددة الأوجه للاشتراكية، على الصعيد الدولي، والصعوبات التي تحول دون استرجاع حركة الطبقة العاملة لزخمها، نظرا لضعف الثقة بالنفس لدى هذه الأخيرة، فضلاً عن الضعف السياسي والأيديولوجي والتنظيمي لأحزاب الطبقة العاملة والحركات الثورية بشكل عام.
إن الحالة التي عليها المجتمع البرجوازي اليوم، بسبب المستوى الذي وصلت إليه تناقضاته، وتخلف العامل الذاتي للثورة البروليتارية، تساعد على انتشار الظواهر المرضية مثل الشعبوية، "مرض الشيخوخة" النموذجي للإمبريالية.
الظاهرة الشعبوية في أوروبا
تميز العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين في أوروبا بنمو اقتصادي ضعيف، في أعقاب أزمة فائض الإنتاج الكبيرة في عام 2008، وزيادة عدم الاستقرار السياسي. وأدّت هذه للأزمة الى تخفيضات في الرواتب والمعاشات والنفقات؛ وازدادت التفاوتات الاجتماعية بشكل كبير وانتشر الفقر بين الجماهير وكذلك الهشاشة.
كما أن ضغوط الهجرة والإرهاب، التي تتلاعب بها وسائل الإعلام البرجوازية بمهارة، أدت إلى زيادة الشعور بعدم الأمان الاجتماعي، بينما زاد الفساد والمحسوبية والفضائح من عدم الثقة بالأحزاب التقليدية.
في هذا الوضع التاريخي حيث "يموت القديم والجديد لا يمكن أن يولد" (غرامشي)، ظهرت في العديد من البلدان، من شمال الاتحاد الأوروبي الى جنوبه، أشكال سياسية جديدة لحرف الجماهير الشعبية، وخصوصا البروليتاريا، عن النضال الثوري الواعي والمنظم ضد الرأسمالية التي لا تفقد طبيعتها الرجعية حتى في حالاتها الأكثر ديمقراطية.
فالشعبوية تعزز الأحزاب أو الحركات الاحتجاجية الوهمية والرجعية في كثير من الأحيان ضد الأوليغارشية في الاتحاد الأوروبي، التي تقترح بدائل من داخل النظام، مستبعدة أية إمكانية للانتصار على الرأسمالية باتباع النهج الثوري. وهي تعتمد في دعايتها على: استعادة السيادة الوطنية، وانتقاد تدخل الاتحاد الأوروبي في شؤون البلدان، وسياسات التقشف، والمشاكل المتعلقة بالهجرة، والتعددية الثقافية، ومسؤولية البنوك في الأزمة، ونظرية "المؤامرة"، وفكرة "الخيانة" للإيذاء للشعب، إلخ.
اكتسبت هذه الأحزاب والحركات الشعبوية، وخاصة بعضها، بصفة سريعة مكانة في أوروبا على المستوى الانتخابي وفي بعض البلدان احتلوا مواقع في الحكومات، وشرعوا في إدخال تغييرات ذات طابع استبدادي رجعي. وقد بدأت هذه الأحزاب في التطور في ظل تطبيق السياسات النيوليبرالية من قبل الأحزاب "التقليدية" اليمينية أو الاشتراكية الديمقراطية.
مع إضعاف هذه الأحزاب، وخاصة الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية، وكذلك الأحزاب الليبرالية والكاثوليكية التقليدية، نشأ فراغ سياسي استفادت منه الشعبوية ومنظماتها.
كانت البلدان المفضلة للشعبوية، التي تم استغلالها بمهارة، هي بلدان أوروبا الشرقية، مثل المجر وبولندا، التي انتقلت من دول بيروقراطية تحكمها أحزاب تحريفية إلى دول رأسمالية "كلاسيكية"، فرضت عليها وحشية السياسيين النيوليبراليين برامج العلاج بالصدمة الشهيرة، داخل إطار الاتحاد الأوروبي.
تجمع الأحزاب الشعبوية التي تحكم هذه البلدان اليوم الخطاب المناهض للاتحاد الأوروبي: "الاتحاد الأوروبي يفرض علينا قرارات لم نعد نريدها"، مع السياسات العنصرية والمعادية للأجانب. كما أنهم يدينون المعاملة غير المتكافئة التي يمارسها الاتحاد الأوروبي: تقييد "المساعدة"، والقواعد التي تحد منها، وسياسة التمييز التي تعاقب الشركات في بلدانهم؛ كما يشتكون من موقف الاستخفاف للاتحاد الأوروبي والقوى الكبرى تجاههم.
تنتشر الشعبوية في أوروبا الغربية خاصة بعد أزمة عام 2008. أولاً، كان هناك تقدم في نسخها اليسارية (بوديموس ، سيريزا) ؛ ثم في نسختها اليمينية أو الهجينة (التجمع الوطني في فرنساFN، البديل لألمانيا AFD ، رابطة الشمالLega وحركة النجوم الخمسة M5Sفي إيطاليا إلخ).
في هذه المرحلة، تستمر الشعبوية الرجعية في التقدم. لدينا بالفعل حكومات يمينية شعبوية في بولندا والمجر والنمسا وسلوفينيا وجمهورية التشيك وإيطاليا.
أما تعبيرات الشعبوية في أوروبا اليوم، فهي رجعية بشكل أساسي، حيث تدعم هذه الأحزاب والحركات المواقف القومية والمحافظة والمعادية للأجانب مثل التجمع الوطني في فرنسا، البديل لألمانيا في ألمانيا، ورابطة الشمال وأغلبية M5S في إيطاليا، وحزب الشعب في الدنمارك، وحزب الحرية والعدالة في النمسا، والحزب من أجل استقلال المملكة المتحدة Ukip في إنجلترا، والفنلنديون الحقيقيون، وحزب الديمقراطيين السويديين، والتحالف الفلامندي الجديد N-VA في بلجيكا، وحزب الحرية في هولندا، وحزب النظام والعدالة في لاتفيا، والحزب القانون والعدالة في بولندا، ومواطنون من أجل التنمية الأوروبية لبلغاريا GERB، الاتحاد المدني المجري Fidez، والفاشيون المجريون، إلخ. و لا تقتصر الظاهرة على الأحزاب البرلمانية، فهناك حركات اجتماعية مثل "بيغيدا" Pegidaالألمانية (الأوروبيون الوطنيون ضد أسلمة الغرب) التي هي جزء من الشعبوية اليمينية.
أدى صعود ترامب إلى السلطة، الشوفيني والرجعي والمدافع عن الحمائية والقبضة الحديدية ضد المهاجرين، إلى تعزيز موجة الشعبوية اليمينية في أوروبا. لكن لا يمكننا في خضم هذا الخليط الشعبوي أن ننسى العنصريين والفاشيين الذين يسعون لإخفاء أيديولوجيتهم بتصريحات منمقة عن "الدفاع عن الشعب" ضد "الغزاة الأجانب" الذين يصلون إلى بلدان مختلفة "لسرقة عمل" السكان الأصليين، ضد المهاجرون الذين ولدوا جانحين، مغتصبين، تجار مخدرات، إلخ. فالشعبوية اليوم هي الوسيلة التي من خلالها تتسلل الفاشية بين الجماهير.
أما الشعبوية "اليسارية"، التي تتميز برفض غير متماسك لسياسات التقشف في الاتحاد الأوروبي، فهي موجودة بشكل خاص في الأطراف الجنوبية من الاتحاد الأوروبي: إسبانيا (بوديموس) واليونان (سيريزا) وإيطاليا (قطاعات معينة من M5S ومجموعات أخرى).
القاعدة الاجتماعية للشعبوية ووظيفتها
تستند الشعبوية إلى البرجوازية اAلصغيرة، الفقيرة والمهمشة اقتصاديًا وسياسيًا، والمحرومة من مكانتها الاجتماعية. في البلدان التي يهيمن عليها رأس المال الاحتكاري. فالطبقات الحضرية للبرجوازية الصغيرة نمت لعقود من الزمن لتصبح عامل توازن مهمًا للاستقرار السياسي "للديمقراطيات الليبرالية الغربية (كمصدر انتخابي قوي)، لكنها سرعان ما عانت من عملية تفقير ممنهج وإقصاء سياسي مع العولمة وأزمة عام 2008. كذلك، فإن ظهور قطاعات صناعية جديدة، جرّاء التقدم العلمي والتكنولوجي، زاد من إضعاف مكانة البرجوازية المتوسطة والصغيرة.
إن انحدار الطبقات الوسطى وانهيارها (ومن ناحية أخرى الصعود السريع لجماعات جديدة من البرجوازية محدودة العدد والحاصلة على امتيازات كبرى)، أدّى إلى تمزق هذه القاعدة الاجتماعية الأساسية للمجتمع البرجوازي وكان سببا مباشرا لحدوث هذا الزلزال السياسي الشعبوي.
من المهم أن نفهم الفرق بين الأساس الاجتماعي للشعبوية واستخدام البرجوازية الكبرى لها. هذه القاعدة التي تولد من رحم أزمة النظام الرأسمالي الإمبريالي الذي يضرب ويدمر شرائح واسعة من المجتمع، ولا سيما البرجوازية الصغيرة المنفصلة عن أحزابها التقليدية، وهو ما يؤدي الى تقليص القاعدة الاجتماعية للدكتاتورية البورجوازية.
وبالتالي، تواجه البرجوازية سلسلة من الصعوبات في الحفاظ على ديكتاتوريتها بالطرق القديمة والأحزاب القديمة والسياسيين الشيوخ. فيصبح من المستحيل تطبيق سياسات جديدة بأشكال قديمة. فالتناقضات الموجودة على المستويين الداخلي والدولي تدفع الطبقة الحاكمة إلى اللجوء إلى قوى وأساليب حكم جديدة. فتلجأ إلى الغوغائية والخداع. وتنقلب على ما أنشأته بنفسها، أي الأحزاب القديمة، ولو أدى الأمر الى إحداث اختلالات وتصادمات سياسية في مؤسساتها الوطنية والدولية.
فالشعبوية هي استجابة تستخدمها قطاعات من البرجوازية لجملة من الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للطبقات الوسطى التي لم تعد تجد الحلول لدى الأحزاب التقليدية. فهذه القطاعات انفصلت وتنفصل اليوم عن أحزاب اليسار البرجوازي التي كانت تمثل قطاعات كبيرة من الطبقات الدنيا وتجد نفسها في الوقت الحاضر، منفصلة عنها.
فالبورجوازية بحاجة إلى أطر سياسية وانتخابية جديدة قادرة على توجيه استياء هذه الشرائح الاجتماعية ضد "عدو" ما (النخب في الأعلى، والمهاجرون في الأسفل) ومنعهم من الثورة على النظام الرأسمالي، العدو الحقيقي.
لذلك هي بحاجة إلى أحزاب برجوازية من نوع جديد، تتكيف مع ظروف الأزمة الاقتصادية الكبرى لعام 2008، ومع تفكُك الرأسمالية، وتدمير دولة الرفاه، ومع الرجعية والاستعداد للحرب. هناك حاجة إليها كبدائل تكتيكية في العديد من البلدان. من هذه الحاجيات، يتم تشكيل ورعاية مثل هذه الأحزاب والحركات الشعبوية.
تخدم الشعبوية الطبقات السائدة في الحفاظ على هيمنتها، وملء الفراغ السياسي الذي خلقته أزمة المعاقل الانتخابية القديمة، وهي نوع من العلاج ضد مرض أحزاب اليسار البورجوازي الجماهيرية، بسبب فقدان قدرتها على التمثيل، واستيعاب ومعالجة وتخطيط الاحتجاج الإصلاحي واحتياجات ومشاعر الطبقات الاجتماعية المتوسطة. وهذا يعني أن الظاهرة الشعبوية لا تقتصر على الغضب الانتخابي.
يمكن أن تأتي الشعبوية من قطاعات وممثلي الطبقات الوسطى، الذين يريدون زيادة سلطتهم من خلال تلقي الدعم الانتخابي، وإثارة استياء الطبقات والشرائح الاجتماعية المتضررة من الأزمة.
يمكن للشعبوية أن تصبح بسرعة قوة سياسية عندما تتدخل العناصر الأكثر رجعية من البرجوازية، وقطاع الصناعات الكبرى والبنوك ومن الذين يتربعون على قمة المؤسسات كعنصر منظم. أما النهج الذي تتبعه الشعبوية عندما يتعلق الأمر بالسلطة فهو نهج القوى الحاسمة للبرجوازية.

الأيديولوجيا والسياسة والخطاب الشعبوي
الشعبوية ليست أيديولوجية متماسكة ومهيكلة، ولكنها أسلوب سياسي، وسلاح للنضال السياسي للأحزاب والحركات البرجوازية الصغيرة منها والكبيرة التي تريد أن تشغل الفضاء السياسي لتحقيق أهدافها. يعتمد هذا الأسلوب على عناصر إيديولوجية معينة ويستخدم أشكالًا من الاتصال بعبارات متفجرة، تبدو "شعبية"، والتي يسعون من خلالها إلى توحيد وتعبئة الطبقات الاجتماعية التي تكون بشكل عام سلبية أو محبطة.
1. ينكر الشعبويون وجود الطبقات وصراعها المتبادل، وينكرون التطور التاريخي للصراع الطبقي والدور الطبقي الثوري للبروليتاريا كموضوع أساسي في الصراع الطبقي. ويزعمون أن المجتمع ينقسم أفقياً إلى مجالين متجانسين لكن متعارضين، الشعب والنخب ("نحن" و "هم"). ومن ثم استبدال التمييز التقليدي اليمين / اليسار بنظام ثنائي القطب "الفوق" / "التحت".
2. بالنسبة للشعوبيين، السياسة هي التعبير العام عن إرادة الشعب ("الشعب"، "عامة الناس"، "الناس مثلنا") والأمة، ضد النخبة (التكنوقراط في بروكسل) المعرّفة بأنها صاحبة امتيازات وفاسدة وجشعة. إنهم يعرّفون الناس على أنهم "مجتمع وطني"(communauté nationale)، ويقدمون أنفسهم بطريقة ديماغوجية على أنهم حاملين للقيم والفضائل الإيجابية. يقدم الشعبويون أنفسهم على أنهم الممثلون الشرعيون للشعب والأمة، وهم الوحيدون الذين يستطيعون ترجمة السيادة والإرادة الشعبية والوطنية، على عكس "الأعداء الخارجيين".
3. على مستوى العمل السياسي، يُظهر الشعبويون أنفسهم على أنهم مناهضون للأحزاب (حتى لو كانوا منتظمين في حزب)، على عكس "السياسة القديمة" و "السياسيين المحترفين". يستخدمون أشكالًا سياسية منظمة عموديًا (على الرغم من أنهم يدعون الى التنظم "الأفقي" و "الأفقية") حول قائد يتمتع بشخصية كاريزمية ومدرب عمليا لتحقيق " جودة الأداء السياسي". إن الأسلوب التواصلي للشعبويين هو التوجه المباشر والممسرح للناس (خاصة في القطاعات الاجتماعية غير المنظمة)، اعتمادا على نوع من البلاغة والديماغوجية. إنهم يحاولون ضبط الحالة المزاجية للجماهير غير الراضية وخيبة الأمل من الأحزاب الأخرى. إنهم يثيرون مخاوف اجتماعية ويستغلون مطالب الحماية والضمان الاجتماعي ضد العولمة والليبرالية الجديدة، إلخ.
فهم يركزون الهجمات على النخبة، والطائفة ( la caste )، ومن هم "فوق"، وفي بعض البلدان مثل بولندا والنمسا وإيطاليا وغيرها، على "الخطر" الجسيم الذي يشكله المهاجرون. إنهم يخلقون توقعات اقتصادية واجتماعية خاطئة، ووعودًا بإجراءات لفائدة للجماهير، والتي لا يمكن تحقيقها من منطلق احترام معاهدات الاتحاد الأوروبي. إنهم يقدمون حلولاً عملية وفورية للمشاكل القائمة دون الإشارة بوضوح إلى أسبابها الهيكلية.
يدير الشعبويون أشكالًا ووسائل مختلفة للاتصال السياسي: المدونات، والفيسبوك، والتويتر، والإنترنت، والساحات، والتواصل الفردي، والتلفزيون، والصحف، إلخ. يستخدمون لغة وشعارات مبسطة وتقنيات العنف اللفظي والتهديدات والاستفزازات.
والهدف دائما هو الوصول إلى القطاعات المتضررة من الأزمة وتعبئتها وفق أهداف سياسية معينة. من الواضح أن الراديكالية اللفظية للشعبويين لا تتوافق مع أي برنامج لقلب العلاقات الاجتماعية والملكية القائمة، بل لمجرد استبدال الشخصيات الحكومية وتطبيق إجراءات أكثر رجعية ومقنّعة على نحو مُحكم.
4. يمزج الشعبويون أيديولوجيات مختلفة، مثل النيوليبرالية والشوفينية والعنصرية ومعاداة الشيوعية، لتوحيد القوى السياسية الرجعية وتحقيق قاعدة جماهيرية أوسع. على وجه الخصوص، هناك مزج بين الشعبوية والقومية البرجوازية، مما يمثل خطرًا كبيرًا على الطبقة العاملة والعملية الثورية، وعاملاً للتحضير للحرب. الموضوع الرئيسي لمزاعم الشوفينية الشعبوية هو استعادة "السيادة المفقودة". فشعارهم المفضل هو "أمريكا أولاً (أو فرنسا، إيطاليا، إلخ)". فالمكوّن القومي هو أكثر ما يخدم بشكل مباشر الطبقات المهيمنة في كل بلد. تعمل التعبيرات الأخرى للشعبوية على الجمع بين التيارات المختلفة التي تلتزم بالشعبوية، لكسب الجماهير وبناء تحالفات سياسية.
إن الأحزاب الشعبوية هي انتخابوية، ومتقلبة بلا حدود. فهي على استعداد لإقامة جميع أنواع التحالفات لتغذية النظام الرأسمالي دون الإطاحة به.
غالبًا ما يستخدمون الاستشارات الشعبية والاستفتاءات العامة لنزع الشرعية وتغيير جوانب النظام البرلماني البرجوازي. عندما يصل الشعبويون إلى السلطة، فإنهم يتماهون مع الدولة ("نحن الدولة"). إنهم يزعمون أنه فقط من خلال تعزيز الدولة البرجوازية يمكن حماية الناس. يزعمون أنهم الممثلون الوحيدون للإرادة الشعبية، ويتعهدون بالاستحواذ على جهاز الدولة والحفاظ على السلطة باسم "الشعب"، مع استبعاد الأحزاب المعارضة. لذا فهم معادون للديمقراطية إلى حد بعيد، ويرفضون الاعتراف بالشرعية السياسية والأخلاقية للقوى السياسية الأخرى ويسعون إلى الاحتكار المطلق للتمثيل السياسي في النظام البرجوازي.
الشعبوية اليسارية
كما رأينا، لا توجد شعبوية واحدة فقط، لها مفاهيم عامة وأيديولوجية متماسكة. هناك تعبيرات مختلفة من "الشعبوية" اليمينية منها واليسارية، والتي تخدم في النهاية قطاعات من البرجوازية بطريقة أو بأخرى.
وعلى الرغم من أن كليهما يطبق نفس الأسلوب، إلا أنه توجد اختلافات جوهرية بينهما يجب أخذها في الاعتبار.
تستخدم أشكال الشعبوية المختلفة مشاعر مختلفة لاستثارة حشد الناخبين: "الخوف من الغرباء" يستخدمه الشعبويون اليمينيون. "الأمل في مستقبل أفضل وفي التضامن" نجده لدى الشعبويين اليساريين. تتميز الأولى بالحقد والاستياء والأنانية واللامبالاة. أما الثانية، فتتحدث، من الناحية النظرية، عن "العدل والمساواة"، و"الدفاع عن الدولة الاجتماعية"، و"استقبال المهاجرين"، و "الديمقراطية التشاركية"، و"تقليص الفوارق في الدخل"، إلخ.
في هذه الاختلافات، يتم التعبير عن ثنائية البرجوازية الصغيرة، والتي هي في نفس الوقت رجعية وتقدمية، وفقًا لمصالحها في هذا الوقت أو ذاك وموقعها في مواجهة رأس المال. لذلك، من الضروري مراعاة الجوانب المختلفة للشعبوية وتحليلها بدقة، دون وضع كل شيء في نفس السلة.
إن البرجوازيين الصغار والشعبويين الإصلاحيين عندما يتكلمون عن "الشعب" و "الناس" و "المواطنين" (متجنبين مصطلحات مثل "البروليتاريا" و "النضال الثوري") يكون ذلك دائمًا بطريقة غامضة، دون تحديد أهدافهم. إنهم ينتقدون حكومات بلدانهم لكنهم يطمحون للوصول إلى البرلمانات البرجوازية من خلال الانتخابات.
في برامجهم الانتخابية وفي بياناتهم، لا يشيرون أبدًا إلى تغيير النظام، ولا إلى الثورة. ولا يضعون في أي برنامج انتخابي الحاجة إلى تغيير النظام، ولكن فقط لتحسين النظام القائم. وإذا ما اقترحوا بعض التعديلات على قوانين الانتخابات، ففي جوانب ثانوية وهي تعديلات تسمح لهم بزيادة عدد النواب. لا شيء عن البروليتاريا، لا شيء على الإطلاق باستثناء بضع جمل خارجة عن سياقها.
وفيما يتعلق الأمر بالنضال النقابي، فإن تكتيكاتهم هي نفسها التي لا تتعدّى بعض المناقشات الصغيرة للحصول على مقاعد المسؤولية في الهياكل النقابية، وبالتالي فهم يحتقرون ويتخلون عن هذا النضال ذي الأهمية القصوى متجاهلين مقولة لينين الشهيرة:
"إن عدم العمل في النقابات العمالية الرجعية يعني التخلي عن الجماهير العاملة المتخلفة أو غير المتطورة بشكل كاف لتأثير القادة الرجعيين وعملاء البرجوازية ..."
إنهم لا ينظّرون ولا يشرحون سلوكهم فيما يتعلق بالنضال ضد الإصلاحية النقابية؛ ولا يأخذون في الحسبان أنه يوجد في النقابات، على الرغم من القادة الانتهازيين، قسما كبيرا من البروليتاريا المتقدمة. لكن بالنسبة للشعوبيين، من جميع الأنواع، فإن ما يهم بشكل غامض هو "الشعب"، و"من هم تحت"، وليس البروليتاريا.
إن ارتباك القادة الشعبويين اليساريين حول مراجعهم السياسية والأيديولوجية كبير: فالبعض يسمّون أنفسهم "ماركسيين"، وآخرون "يساريين". إنهم ينتقدون تجاوزات النيوليبرالية للترويج للرأسمالية "الديمقراطية". وهم لا يطرحون بأي حال هدف هدم مجالات الأوليغارشية المالية والرأسمالية.
من السمات المميزة للشعبويين اليساريين في البلدان الإمبريالية إنكار الطابع الإمبريالي لبلدانهم. وهم يفصلون مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي عن مسألة الثورة البروليتارية لكسر نير الإمبريالية. إنهم يقترحون "مجالات بديلة" جديدة بين البلدان الرأسمالية والإمبريالية. ولا يعترفون بمسؤولية البورجوازية في بلدانهم فيما آلت إليه الأوضاع اليوم بل يحملون ذلك فقط لـ "الترويكا" أو لبورجوازية امبريالية أخرى. فبالنسبة لهم، العدو الرئيسي هو دائمًا من "خارج البلاد".
لذلك يمكننا القول إنهم يمثلون عكاكيز للبرجوازية نفسها، بحثًا عن تحالفات مع قطاعات من الطبقة الحاكمة، لذلك فهم يقللون من التناقضات الطبقية ويُخفونها. إن القوى الشعبوية اليسارية لا تعتمد التحليل الطبقي الماركسي، بل هي تقرأ التناقضات الطبقية الموجودة بخلفية الوفاق الطبقي. إنهم يضعون على نفس المستوى القطاعات الرجعية من البرجوازية الوسطى والقطاعات المضطهدة أو المستغلة من البرجوازية الصغيرة، والتي يمكن تحييدها أو سحبها عن تأثير الطبقات المسيطرة.
يرفض الشعبويون اليساريون الثورة والاشتراكية، لكنهم يبحثون عن "طريق ثالث" يجرهم حتما إلى المستنقع الإصلاحي، والى التنافس على ميدان البرجوازية. إنهم يسقطون بشكل منهجي في القومية ومستعدون للتفاوض بشأن الوحدة الوطنية مع البرجوازية في حالة "الطوارئ".
للشعبوية اليسارية وظيفة خاصة: وهي صرف انتباه الطبقة العاملة والجماهير الشعبية عن النضال الواعي ضد سلطة رأس المال في مختلف مظاهره. الهدف من هذا الشكل من الشعبوية هو منع تطور حركة ثورية جماهيرية بقيادة البروليتاريا، لمنع الجماهير العمالية والشعبية من أن تكسب وعيا طبقيا ثوريا. وبالتالي، فإنهم يوجهون مطالبهم نحو أهداف تتلاءم مع المجتمع الرأسمالي.
الشعبوية والطبقة العاملة
تستهدف الحركات الشعبوية بشكل خاص الطبقات الوسطى، فهي تعكس اهتماماتهم ووجهات نظرهم. لكنهم يطورون أيضًا سياسة ديماغوجية تجاه العمال، ولا سيما من الطبقات الدنيا، الأقل تنظيماً والأكثر استغلالاً. سياسة تجمع بين الديماغوجية الاجتماعية الأكثر تشاؤمًا والوطنية الزائفة. يتحدث الشعبويون عن احتجاجات عمالية أو شعبية في فترة تاريخية يكون فيها وعي الطبقة العاملة منخفضًا ولا يتخذ فيها الصراع الطبقي بالضرورة أشكالًا ومظاهر "يسارية" تقليدية.
يمكن للشعبوية أن تؤدي خدمة مهمة للبرجوازية: وهي سحب الطبقة العاملة والجماهير الشعبية من النضال الثوري في مرحلة تتوافر فيها الشروط الموضوعية لاستعادتهم الى المناخ الثوري. بمعنى آخر، إنها تبطئ وتؤخر تطور العامل الذاتي، وخاصة التنظيم الطبقي، بخلقها لانتظارات زائفة من خلال برامج اجتماعية وأشخاص رجعيين.
في ارتباط وثيق بالمقولات النيوليبرالية، تعمل الأحزاب الشعبوية على زعزعة تنظيم العمال ومنظماتهم ونزع الشرعية عنها، فضلاً عن تفكيك الأحزاب التقليدية. إن خط الأحزاب الشعبوية هو "عدم التدخل" بين العمال وأرباب العمل، هو خط "ubérisation"، الذي يتم تنفيذه غالبًا تحت ذريعة الدفاع عن القطاعات الاجتماعية المستبعدة من التمثيل النقابي. إنهم يهاجمون النقابات العمالية باعتبارها منظمات طبقية أولية للعمال، وينكرون التنظيم الكلاسيكي لأحزاب العمال الجماهيرية. إنهم يحاولون تحقيق الفردية والنزعة القطاعية والإصلاحات دون مفاوضات لتقليل دور النقابات.
ما هي العناصر التي تستخدمها الشعبوية للتقدم؟ الحاجات الحقيقية التي تحتقرها الأحزاب الليبرالية والإصلاحية التقليدية: فقر العمال وانعدام الأمن في الحياة والعمل؛ عدم وجود حماية اجتماعية، ودخل للعاطلين عن العمل؛ الحاجة إلى معاشات تقاعدية كريمة؛ ضرائب مرتفعة؛ فساد الطبقات الحاكمة. القوة المفرطة للأوليغارشية المالية؛ الفجوة الاجتماعية المتنامية، والمنافسة الناتجة عن الاستغلال الفائق للعمال المهاجرين، إلخ.
من الواضح أن الشعبويين يقدمون إجابات رجعية وخيالية لهذه المشاكل، دون التشكيك في ركائز نظام الاستغلال.
تستغل الشعبوية بذكاء استياء وانزعاج وغضب العمال والشباب العاطلين عن العمل غير المستقرين. يصوت العمال للأحزاب الشعبوية لسببين أساسيين: لأن لديهم الأمل الزائف في حل بعض المشاكل. ومعاقبة الأحزاب الإصلاحية المسؤولة عن الإجراءات المعادية للعمال، والتقشف، والتعاون الطبقي المخزي. وهذا يعني أن الشعبويين اليمينيين يمكنهم بسهولة الاستفادة من انتظارات العمال واحتجاجاتهم، والكراهية ضد الأوليغارشية، وأحيانًا باستخدام الشعارات والمطالب اليسارية.

مبادئ توجيهية للعمل والنضال
لا يمكن الخلط بين نضال الشيوعيين ضد الشعبوية وبين النضال الذي تخوضه الأحزاب البرجوازية والإصلاحية ضدها. إنه يقوم على مبادئ ومضامين أيديولوجية وسياسية مختلفة تماما ومتناقضة يجب تطويرها يوميا بطريقة فعالة لكسب العمال الطليعيين ودفع الجماهير العظمى إلى المواقف الثورية.
إن هذا النضال هو نضال ضد الإيديولوجيا والممارسة الرجعية للبرجوازية الصغيرة التي تشكل عقبة خطيرة أمام تطور ونشر الاشتراكية العلمية بين الجماهير المستغلة والمضطهدة.
لتطوير هذا النضال، يجب أن ننظر إلى الشعبوية كعقبة أمام تطور حركة الطبقة العاملة وندين باستمرار الدور الذي تلعبه في إنقاذ النظام الرأسمالي. يجب أن نضع في اعتبارنا أن الشعبوية لا يمكنها أن تلغي التناقضات بين البرجوازية والبروليتاريا، التناقضات بين المحتوى الطبقي لسياستها واحتياجات وتطلعات الطبقة العاملة، تمامًا كما لا يستطيع المرء محو التناقضات داخل الطبقة الحاكمة.
مع وجود الشعبوية في السلطة، لا تفقد الدولة طبيعتها الطبقية، والاستغلال لا ينقص، بل يزداد؛ يتزايد الضغط على الطبقة العاملة، ومكاسب وحقوق العمال ومنظماتهم هي هدف دائم للشعبويين؛ يتزايد القمع والعنف من قبل أرباب العمل. إن الشعبوية لا تخفف من التناقضات الطبقية، بل تزيدها حدة. وبما أن الشعبوية تناشد "الشعب"، فإن المعركة ضد الأيديولوجية الشعبوية والسياسات القومية يجب أن تتم قبل كل شيء في الحركة العمالية والشعبية. إن المشكلة هي تحدي تأثير وهيمنة الشعبويين في مجالنا، بعمل كبير بين الجماهير، دون إخفاء طبيعة وهدف أحزابنا. لتطوير هذه النضال، من الضروري ربط الإدانة السياسية بشكل وثيق بالاحتياجات والمطالب الملموسة والعاجلة للعمال والعاطلين عن العمل، مع تكييفها مع المستوى الحالي لوعي ومشاعر الجماهير المضطهدة والمستغلة.
يجب أن نعارض الديماغوجية الشعبوية بالدعاية الشيوعية، التي يتم تطويرها بطريقة بسيطة ومفهومة للعمال والشباب البروليتاري والنساء والفقراء، ووضع مصالحهم الحقيقية في قلب عملنا.
في مواجهة صعود الشعبوية والفاشية، من الضروري العمل على تطوير سياسة الجبهة الموحدة للبروليتاريا والجبهة الشعبية.
إن تكتيك الجبهة الموحدة للنضال العمالي ضد الرأسمالية هو مفتاح النضال ضد الشعبوية وسياساتها القائمة على المهادنة والتعاون الطبقي. كل خطوة إلى الأمام نتخذها لتحقيق وحدة العمل بين جماهير العمال ضد الرأسمالية هي خطوة لإطلاق صراعات أكثر اتساعًا وحسمًا.
يجب الضغط على الشعبوية على أرضها، على سبيل المثال فيما يتعلق بالوعود الانتخابية، خاصة إذا كانت في السلطة. من واجبنا فضح الديماغوجية الشعبوية، أكاذيب قادتهم، لنظهر للطبقة العاملة أن هذه مجرد سياسة قديمة بوجه جديد، وأن هدفهم هو الوصول إلى السلطة للحفاظ على النظام الرأسمالي.
يجب أن ندين خضوعهم للهيئات الدولية للإمبريالية (الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي، صندوق النقد الدولي، الناتو، إلخ) والمعاهدات الدولية المناهضة للشعب، وكذلك الاتفاقيات التي يوقعونها مع القوى الإمبريالية ومع الاحتكارات.
في دعايتنا، يجب أن نوضح الخليط الطبقي الهجين الذي تقوم عليه الشعبوية وتأثيره الكارثي على العمال. يجب أن نوضح أن "المركز الأول" في سياستهم ليس مصلحة الشعب ولا مصلحة العمال.
من واجبنا أن نفضح بلا هوادة الديماغوجية والخطاب الشعبوي، وزيف وطنيتهم "الشعبية"، والعبارات الشوفينية التي تغطي الجوهر المناهض للطبقة العاملة، والإمبريالي والداعي للحرب لسياساتهم، مما يدل على أن الشعبويين غير ديمقراطيين وغير وطنيين.
لدى القادة الشعبويين في السلطة العديد من نقاط الضعف، لأن الأزمة الرأسمالية تضيّق أمامهم مساحة التصرف لوضع مقترحاتهم وتدابيرهم الاقتصادية الديماغوجية حيّز التنفيذ، فتبدأ وعودهم للجماهير في التضاؤل؛ وتسقط "مشاريعهم النموذجية" عندما يجبرون على تطبيق سياسات "الإصلاح" البرجوازية التقليدية للتعامل مع الأزمة، ويكون لذلك تأثير قاس على العمال والشعوب.
لمواصلة هذا العمل، من الضروري الذهاب إلى المنظمات الجماهيرية، ولا سيما النقابات العمالية، وتطوير أشكال النضال للدفاع عن منظمات الطبقة العاملة، سواء بالمناقشة مع العمال الذين يصوتون للأحزاب الشعبوية، لشرح أخطائهم وأوهامهم والعمل على توحيدهم في الصراع المشترك مع القطاعات الأخرى.
هناك ارتباك نسبي بين العمال. لذلك، يجب رسم خط واضح وحاد بين القاعدة الانتخابية والقمة الشعبوية التي يجب مهاجمتها طوال الوقت. أعداؤنا هم المنظمات الشعبوية اليمينية المتطرفة والفاشية، وليسوا العمال وجماهير النساء الذين يصوتون لها.
إن الأهمية الكبرى لنضالنا هي الصياغة الطبقية الملموسة والفورية، التي تتكيف مع الوضع القائم. إن خلق وتطوير منصات للتجميع (des plateformes) وإقامة تحالفات واسعة حول هذه المطالب هي جوانب أساسية للعمل ضد الشعبويين. في الوقت نفسه، فإن النضال الحازم ضروري ضد السلبية والانتظارية، والتي يتم التعبير عنها في عبارات مثل "دعهم يحكمون"، "دعونا نرى إلى متى يمكن أن يستمروا" وما إلى ذلك، هذا الموقف يسهل تقدم القوى الشعبوية. بدلا من ذلك، من الضروري الدخول في النشاط النضالي اليومي، في المشاركة في تنظيم النضالات العمالية، باستغلال كل الفرص المتاحة، حتى أصغرها.
جانب آخر ذو صلة هو العمل على عزل قطاعات الشعبوية البرجوازية الصغيرة. إن التأثير الناجح على هذه الفئات الساخطة وغير الناضجة سياسيًا هو أحد أهم القضايا في مكافحة الرجعية السياسية.
من الضروري معرفة كيفية صياغة المطالب الاقتصادية والديمقراطية من أجل إيجاد حلفاء للبروليتاريا وعزل معظم المكونات الرجعية والخطيرة للبرجوازية الصغيرة. يجب أن نقدم حججًا وتحليلات واضحة حول القضايا الراهنة لإقناع العمال بأن الشعبوية ليست الحل للمشكلات القائمة.
يجب بذل كل جهد لبناء جبهات أو تحالفات، تكتلات، إلخ ذات طابع شعبي، مناهض للفاشية، وللإمبريالية، الذي يعيد تجميع صفوفه، تحت قيادة البروليتاريا، عمال المدينة والريف والسكان الأصليون والمهاجرون، وجماهير القوميات المضطهدة، والقوى التقدمية والديمقراطية الأصيلة، على أساس برنامج مطالب محددة لهذه القطاعات من القوى العاملة، والتي تتوافق مع المصالح الأساسية للبروليتاريا.
فيما يتعلق بالتكتيكات، يجب أن نأخذ في الاعتبار الاختلاف في المواقف التي يجب أن نتحلى بها تجاه الحركات الشعبوية اليمينية واليسارية، وتجاه الجماعات والأحزاب الفاشية.
إنه ليس نفس الشيء مع منظمة إصلاحية انتهازية أو منظمة يمينية متطرفة، فاشية نازية، رجعية حتى النخاع، حتى لو كانت تحاول الوصول إلى الجماهير الشعبية.
مع المنظمات اليسارية الشعبوية، يمكن للمرء أن يلتقي في أوقات معينة حول قضايا تكتيكية محددة ودقيقة تتعلق بالمشاكل المتعلقة بمطالب ومصالح الجماهير العاملة. لكن مع الفاشيين، فالتقارب ليس مستحيلًا فحسب، بل يجب أن نخوض صراعًا أيديولوجيًا وسياسيًا مستمرًا ضدهم، وأن نضع في اعتبارنا دائمًا أي طبقة أو طبقات يخدمون.
على الرغم من إمكانية التقارب مع الحركات اليسارية "الشعبوية"، إلا أنه من غير الممكن تعميم تكتيك مشترك لجميع هذه الحركات. حتى لو لم تتحد، فإن هذه الحركات تنكر بشكل عام الدور الأساسي للطبقة العاملة وتنكر أو تخفي الصراع الطبقي للبروليتاريا؛ حتى الحركات التي يمكن للمرء أن يلتقي معها تكتيكيًا في وضع ملموس، فإنها تفعل كل ما هو ممكن حتى لا يظهر اسم المنظمات الشيوعية.
من الواضح أننا يجب أن نكون واضحين جدًا في نوايانا في كل منطقة أو دولة، وأن نتبع تكتيكًا مناسبًا، ونحلل بعناية المقترحات والمواقف الديمقراطية ومطالب وشعارات الشعبويين ذوي الميول التقدمية، والتي يجب تطويرها بدقة وعمق في الطبقة العاملة.
لا يمكن إنكار، وسيكون من العبث القيام بذلك، أن هذه الحركات تعرف كيفية الاستفادة من الضعف الإيديولوجي للجماهير، ويمكنها في مواقف معينة التأثير عليها.
وهذا يثير الحاجة إلى توخي الحذر الشديد من مشاريع الشعبويين، بمهارة وحزم، لدعم المطالب الأساسية للطبقة العاملة والجماهير الشعبية.
نحن نعتبر أن القضية الأساسية هي تعزيز وتطوير أحزابنا ومنظماتنا، وبناء أحزاب ماركسية - لينينية قوية. لا يمكننا المجادلة مع الحركات الشعبوية ونتهمها بأنها ليست ماركسية لينينية، وأنها ليست أحزابًا ثورية حقيقية. هذه المهمة يجب أن تقوم بها الأحزاب الثورية للطبقة العاملة المسلحة بنظرية الاشتراكية العلمية. هذا هو العامل الأساسي في النضال ضد البرجوازية والرجعية، بما في ذلك الشعبوية.

أغسطس 2018
الهوامش:
(*) هذا النص هو عبارة عن حوصلة لنقاش جرى في الاجتماع الدوري للأحزاب الماركسية اللينينية بأوروبا سنة 2018، وقد نُشر في "النظرية والممارسة"، المجلة النظرية للحزب الشيوعي الاسباني الماركسي اللينيني، عدد 30، أكتوبر 2018

(1) كان ألكسندر إيفانوفيتش هيرزن، المولود في 25 مارس 1812 في موسكو والمتوفى في 9 يناير 1870 في باريس، فيلسوفًا وكاتبًا سياسيًا روسيًا يُعرف باسم "أبو الاشتراكية الشعبوية الروسية" ، ويُعتقد أنه ألهم المناخ السياسي الذي أدى إلى إلغاء نظام القنانة في عام 1861
(2) Ubérisation (من اسم شركة Uber) ، أو plateformisation ، هي ظاهرة حديثة في مجال الاقتصاد تتكون من استخدام الخدمات التي تتيح للمهنيين والحرفاء وضع أنفسهم في اتصال مباشر ، بشكل فوري تقريبًا ، بفضل الاستخدام منصة رقمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية