الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الريف الأردني في مجموعة -أقاصيص أردنية- عيسى الناعوري

رائد الحواري

2023 / 3 / 31
الادب والفن


الريف الأردني في مجموعة
"أقاصيص أردنية"
عيسى الناعوري
لست ممن يجبون استخدام الألقاب، "الكاتب الكبير، أمير ال..." لكن احب أن أقرن شخصية بأخرى، كأن نقول أن غسان كنفاني يتماثل روائيا ومكانة أدبية فلسطينية مع شخصية حنة مينة في سورية، من هنا أعتقد أن هناك تقارب وتماثل بين "مخائيل نعيمة" ودوره الأدبي والفكري في لبنان والوطن العربي مع "عيسى الناعوري" فهما عاشا في زمن واحد، وبدأ ينتجان أدبا كلا في بيئته، ولكن يجمع إنتاجهما فكرة البراءة والبساطة والقيم الأخلاقية التي تحملها أعملهم، كما نجدهما يستخدمان لغة سلسة وممتعة بعيدا عن لغة المعجم والتراكيب المعقدة.
أقول هذا لأني أجزم أن "عيسى الناعوري" لم يأخذ حقه أدبيا في المنطقة العربية رغم ما قدمه من أنتاج أدبي ومعرفي وفكر وعطاء ثقافي.
المجموعة مكونة من ثلاث عشرة قصة، ومن منشورات الدار التونسية للنشر، صدرت عام 1972، وهذا يشير إلى اهتمام دول المغرب العربي بأدب المشرق، اللافت في هذه المجموعة أنها متعلقة بالريف، فكل القصص تتناول الحياة الريفية وحياة الفلاحين، وأيضا ما يميز المجموعة أنها تتناول بيئة ريفية مسيحية، وهذا يؤكد تنوع ووحدة المجتمعات العربية التي تنصهر في مجتمع واحد، هذا على صعيد الفكرة، أما بخصوص الشكل الأدبي واللغة، فكانت اللغة الأدبية الهادئة والجميلة هي من حمل لنا هذه القصص، وما زادها جمالا عندما منح القاص الشخصيات مساحة لتتحدث بصوتها هي، فكانت اللغة المحكية حاضرة في العديد من القصص، من هنا يمكننا اعتبار المجموعة أفضل نموذج للقصة الأردنية، خاصة إذا علمنا أن كاتبها يعد من أوائل الأدباء الأردنيين، وبما أن المجموعة تعطي صورة وافية عن الحياة الريفة الأردنية وتقدم صورة عن طبيعة القصة الأردنية، كل هذا يعطيها سمية المجموعة الكاملة والوافية.
ولكي نعطي نماذج على ما جاء سابقا سنأخذ أمثلة من المجوعة جاء في فاتحة قصة "أبو نصر الله": "كانوا في القرية يضربون المثل بالعم أبو نصر الله:
ـ شوفوا شبابه كيف بتجدد كل ما طلع على الزرع بأرضه" ص47، نلاحظ كيف يعطي القاص المجال أمام شخصيات لتتحدث بنفسها، ونلاحظ بساطة للغة التي يتحدث بها القاص، وينقل لنا الحياة الريفة في زمن ما قبل العقد السادس من القرن الماضي: "...فلم تكن في القرية مدارس حينذاك هذه كانت حسرته الوحيدة، وكان "الخطيب" الوحيد في القرية هو الخوري يعقوب الذي كان يعرف كيف يقرأ في كتاب الصلاة "كرجا مثل كرج المية" ص48، نجد هنا لغة القاص تتداخل فيها العامية حتى بدا وكأنه يتحدث بلغة أهل القرية، فهو مسكان/متوحد مع ما يكتبه من قصص.
ينقل لنا حكمة تجمع ما بين الثقافة الدينية وطبيعة العمل/الفلاحة التي يقوم بها "أبو نصر الله": "اللي ما بحب الأرض ما بتحبه السما" ص51، كل هذا يجعلنا نقول أن المجموعة ريفية أردنية بامتياز.
وعندما يتحدث عن الحب القروي يتناوله بطريقة بريئة، في قصة "خوري القرية" يتحدث القاص عن حب من طرف واحد، حيث يميل الخوري "جريس" الشاب إلى "زهية" لكن مكانته كرجل دين جعلته يقاوم غريزته: "لقد اختار الخوري جريس السير في طريق العفة الدائمة حينما رضى بأن يصير كاهنا، وطريق العفة هي طريق الجهاد ضد النفس، هي طريق الأشواك والحرمان والكبت" ص107، وإذا ما عرفنا صورة "زهية" وأثرها عليه نعلم حجم "العفة"/المناعة التي يتمتع بها "جريس": "...وأمام فتاة مثل زهية، متفتحة كبرعم نيسان، تتدفق بالجمال والرشاقة والمرح والحيوية، لا بد أن يشعر الشاب بإغراء الحب، ويستطيب ظله، ويستعذب قربه. وكانت أم زهية لا تفتأ تحدث الخوري عن ابنتها" ص107، لكن زهية التي لم تره فيه إلا رجل دين تقي، لم تفكر فيه كرجل، فكانت تخدمه كما تخدم أخيها/أبيها، وأمام هذا الواقع استعان "جريس" بإيمانه: "أبنا الذي في السموات، لا تدخلنا في التجارب، ولكن نجنا من الشرير، آمين" ص109، (فالخطاب) الديني جاء بصورة عفوية وليس كتعبئة دينية، وهذا ما جعل المتلقي يمر عليه مرورا سريعا، لكن فكرة الأيمان وأهميتها وصلت للمتلقي.
وعندما يعلم أن زهية ستخطب "سمعان الراجي" يقرر ترك القرية دون أن يبدي ما في نفسه من مشاعر تجاه "لزهية"، من هنا نقول أن الصفاء/النقاء/الإخلاص سمية الريف، فأهل الريف لم يتلوثوا بشرور المدينة، فكانت الشخصيات نقية/بسيطة/صادقة في تعاملها وفي تفكيرها، هذا هو الريف الأردني وهؤلاء هم سكانه.
فمثل هذا التفاني في نكران الذات نحتاجه الآن، خاصة بعد أن غرق رجال الدين في التدخل فيما لا يعنيهم، وأصبحوا مثلا للفساد والفاسدين ووصلوا حتى أعتى المجرمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار


.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها




.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع


.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض




.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا