الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة بأسماء مستعارة في الصحافة المصرية بين الحاجة و تصفية الحسابات

محمد أبو زيد

2006 / 10 / 22
الصحافة والاعلام


ربما لم تثر شخصية صحافية من الجدل واللغط والترقب والمشاكل في الفترة الأخيرة في مصر ما أثارته شخصية الشيخ علام ، ذلك الشيخ الغامض الذي يكتب أحلامه في الصفحة الأخيرة من جريدة روز اليوسف المصرية ، فهو ينتقد شخصيات معروفة ومجهولة في الصحافة المعارضة والقومية أحيانا بالتلميح حينا وبالإظهار حينا آخر وأحيانا بالتهديد ، وهو الأمر الذي عزاه كثيرون إلى أنه محاولة لتصفية حسابات القائمين على الجريدة مع منافسيهم في الوسط الصحافي ، وربما لا توجد جريدة مصرية الآن خاصة صحف النميمة تخلو من هذا ، بل إن بعضها وصل إلى حد إشعال المعارك على صفحات الجرائد بين بعضها البعض كما حدث مع جريدتي الجمهورية والدستور .
غير أن فكرة أن يكتب الصحافيون المصريون مقالاتهم بأسماء مستعارة تعود إلى نشأة الصحافة المصرية ذاتها ، وعلى مدار تاريخ الصحافة المصرية، اشتهرت شخصيات لصحافيين بأنهم يكتبون بأسماء وهمية ، مثل مصطفى أمين أحد أشهر الصحافيين المصريين في القرن الماضي والذي كان يكتب مقالا في جريدة الأخبار باسم " ممصوص " ، وكان ينتقد فيه النظام ، ويكتب مالا يجرؤ على كتابته باسمه ، وكان يتلقى رسائل كثيرة من القراء الذين كانوا يجهلون صفته الحقيقية وكان يرد عليهم في عموده ، هناك أيضا مفيد فوزي المحاور والصحافي المعروف الذي يكتب منذ سنوات طويلة عمودا أسبوعيا في مجلة صباح الخير باسم نادية عابد ، يتحدث فيه عن العلاقة بين الرجل والمرأة ، واستمر في كتابته حتى بعد أن تولى رئاسة تحرير المجلة ، وبعد أن تركها أيضا ، وحتى الآن ، رغم أنه ينفي بشدة أنه كاتب هذا المقال ، ويرفض الإجابة على أي أسئلة تتعلق به ، لكن أشهر من فعل هذا كان الكاتب الكبير أنيس منصور ، وربما يكون هو الوحيد الذي اعترف بهذا الأمر ، حيث يقول أنه في شبابه كان يضطر لهذا حين يكتب عن الأزياء والأكل والماكياج ، وكان يكتب باسم " شهيرة محمود " .
وثمة مقولة ساخرة شهيرة تتعلق بهذا الأمر وهي أن الوحيد الذي لا يعرف أن الناس تعرف أنه يكتب باسم مستعار هو الكاتب نفسه ، و قد انطلقت بعد أن خصصت جريدة أخبار اليوم وقت أن كان يرأسها إبراهيم سعدة عمودا بطول الصفحة الأخيرة لكاتب اسمه " أنور وجدي " ينتقد فيه بعض السياسيين والرياضيين والفنانين ، ويشكر بعضهم ، لدرجة أن إحدى الجرائد المستقلة خصصت عمودا لديها يوقع باسم " ليلى مراد " للرد على ما جاء في عمود أنور وجدي ، ومن المعروف أن ليلى كانت زوجة لأنور وجدي في منتصف القرن الماضي .
وقديما كانت بعض الكاتبات يوقعن باسم مستعار مثل المفكرة الإسلامية عائشة عبد الرحمن التي كانت تكتب باسم " بنت الشاطئ " وظل هذا الاسم ملازما لها حتى وفاتها ، لكنها كانت تكتب بهذا الاسم لأن مجتمعها الأسري لم يكن قبل بذلك ، وكان أيضا بعض الكتاب الساخرين في القرن الماضي يستخدمون هذه الحيلة لجذب القارئ ، غير أنهم يكونون معروفين بأسمائهم الحقيقية مثل الكاتب الساخر عبد الله أحمد عبد الله الذي كان يوقع باسم ميكي ماوس ، والصحفي الساخر فؤاد معوض الذي يوقع باسم فرفور .
هذه الظاهرة التي اختفت من الوسط الصحافي المصري عادت مؤخرا لكن بغرض الانتقام ، والتشهير وتصفية الحسابات أحيانا ، وأشهر شخصية تفعل هذا هي شخصية الشيخ علام ، الذي كان يكتب بروازا صغيرا في الصفحة الأخيرة يوميا من الجريدة ثم تم تخصيص صفحة كاملة له يوم الخميس ، ينتقد فيها شخصيات صحافية ،ويحكي ما يقول أنها أسرارهم دون أن يقول من هم ، وثمة من تحدث عن أن كاتب الشخصية هو عبد الله كمال أو عمرو عبد السميع أو حازم منير ، غير أن حازم منير مدير تحرير جريدة روز اليوسف ينفي ذلك كما ينفي أن يكون أيا ممن يعرفهم هو الشيخ علام ، وقال أنه لا أحد في الجريدة كلها يعرف ذلك ، وأن مقالات الشيخ علام يتلقاها رئيس التحرير بالايميل ، ويقول أنه من الصعب أن يعترف أحد بأنه الشيخ علام ، لأنه لو اعترف بذلك لفقد الأمر تشويقه وفقد الأمر أهميته ، غير أن حديث حازم عن أن رئيس التحرير يتلقى المقالات منه بالايميل يضع البيض كله في سلة عبد الله كمال ، وبالتالي يضحي هو المتهم الوحيد ، كما أن أن عبد الله كمال حين سئل عن شخصية الشيخ علام قال أنه نص أدبي مع انه ليس كذلك ، بل هو انتقاد لأشخاص ، ورسائل مشفرة لأشخاص آخرين ، بل كان يفاخر بأن المسئولين يتصلون به ويسئلونه من المقصود في العمود الذي كتبه ، وهو فشل لهذه الشخصية ، لأنها كان يجب أن توصل الرسالة التي تريد قولها للقراء .
في الأربعينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت تستخدم هذه الحيلة للهرب من القيود السياسية ، نتيجة للقيود المفروضة على الصحف المعارضة ، فكان فيليب جلاب يكتب في جريدة الأهالي باسم دبوس ،وسعد الدين وهبة الذي يكتب باسم شاكوش هربا من الرقابة ، غير أنه في الفترة الأخيرة ، وتحولت بعض هذه الكتابات حين عادت من النقد السياسي إلى نوع من النميمة ،وإن كانت تحاول إضفاء خفة الدم عليها والفكاهة حتى تجذب القارئ لها ، القارئ البعيد عن المطبخ الصحافي قد لا يعرف هذه الشخصيات على حقيقتها ، غير أنه في الوسط الصحافي فالأمور تكون عادة معروفة للجميع ، عودة الكتابة بأسماء مستعارة مرة أخرى تعود إلى إبراهيم سعدة حين كتب في الربع الأخير من القرن الماضي شخصية أنور وجدي ،وكان حريصا كل الحرص أن ينفي علاقته بهذه الشخصية معتبرا إياها نوعا من أنواع الصحافة الجديدة التي تجذب القارئ وتتيح للكاتب أن ينتقد من يشاء بحرية بعيدا عن أن يفقد علاقاته ، أو يتعرض للمساءلة ، كما أنها تتيح له مساحة نقد حتى لا يتحمل تبعاته كمسئول في الدولة ،
الأسماء المستعارة التي تكتب في الفترة الأخيرة تجاوزت حد النقد أحيانا إلى حد شتيمة وسب زملاء في المهنة ، وهو ما فعلته شخصية " المصري " التي تكتب في جريدة الجمهورية مقالا باسم " المختصر المفيد " ومن المعروف أنه محمد على إبراهيم رئيس تحرير الجريدة ، فقد وجه نقدا قاسيا لخالد السرجاني محرر صفحة الصحافة بجريدة الدستور ردا على هجوم شنه عليه خالد من قبل ، غير أن خالد حين سألته عن هل سيختلف الأمر لو وجه إليه النقد من شخصية معروفة غير مستعارة ، فقال إن هذه الشخصية لو أرادت أن تكتب باسمها الحقيقي لفعلت ، ولكنها جبنت عن فعل ذلك ، ويقول " عادة لا توجد الجرأة لدى كتاب هذه الشخصيات للكتابة بأسمائهم الحقيقية ، ويصبح ما يكتبونه مثل البلاغات المقدمة لأجهزة الأمن أو بعض المسئولين ، تماما مثل الذي يقدم شكوى ضد أحد جيرانه في الشرطة ويوقع باسم فاعل خير " .
وهناك مثل شعبي مصري يقول "إن قلت ما تخافشي ، وإن خفت ما تقولشي " غير أن الأمر أضحى مجرد تصفية حسابات و بلاغات ورسائل مشفرة ضد زملاء لأشخاص محددين ، رؤساء تحرير أو مؤسسات صحافية أو حتى لأجهزة الأمن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة