الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحالة النفسية في مجموعة -العبور دون جدوى- فايز محمود

رائد الحواري

2023 / 4 / 7
الادب والفن


الحالة النفسية في مجموعة
"العبور دون جدوى"
فايز محمود
عندما نقرأ مداخلة كتاب بالتأكيد نتأثر بما جاء بها، فتجعلنا نتجه نحو مسائل/قضايا معينة، لكنها في الوقت ذاته تعرفنا على الكاتب، وتكشف جوانب من حياته الشخصية، بحيث نتعرف على إنسان وأديب معا، هذا ما فعله "محمود عبد الله القواسمة" في مقدمته لأعمال "لفايز محمود" الكاملة، حيث أثبت حقيقة الأحداث القصصية وواقعيتها، فالقاص كان يكتب ذاته فيما قدمه من أعمال أدبية، فعلى سبيل المثل يستشهد بوجود اسم "إلهام" الذي تكرر كثيرا في مجموعة "العبور دون جدوى" وكيف أن هذه المرأة التي لم يقترن بها قد تركت أثرا عليه، فوجدناها حاضرة في أكثر من قصة.
وبما أن المداخلة تضمنت لقاءات/مقابلات مع "فايز محمود" فقد جاءت وافية وكاملة، ولا بأس من الاستشهاد ببعض ما جاء فيها، يعترف القاص بأنه لم يكتب كل ما كان يطمح له وذلك لأنه مهتم بالقراءة أكثر من الكتابة: "عندما أحلل سيرتي أكتشف مدى عجزي في الفارق بين التحصيل وإنتاجي، فشهوة المطالعة تأسرني، ولا تترك لشهيتي في الإنتاج إلا الوقت الأقل" ص14، تكمن أهمية هذا القول في أنه ينبه الجليل الجديد من الكتاب إلى أهمية القراءة خاصة أولئك الذين يهتمون بالكتابة أكثر من القراءة.
ويعرفنا على حياته الشخصية من خلال التحاقه بالثورة الفلسطينية ومن ثم عودته إلى الأردن ليزج به في السجن ولمدة خمس سنوات، وهنا يعرفنا "محمود القواسمة" على جانب من الظلم الذي تعرض له الأدباء/الكتاب في القرن الماضي، فكانوا مثقفين مشتبكين مع العدو ومع النظام الرسمي، لهذا دفعوا ثمنا من حياتهم نظير انسجامهم بين ما يقولون وما يفعلون، بين ما يكتبون وما يمارسون، وعن أسباب العودة إلى الوطن رغم معرفة "فايز محمود" المسبقة بأنه سيزج به في السجن يقول: "أريد أن أعيش غربتي الذاتية كاملة في وطني واق الواق" ص21.
ويعرفنا "محمود القواسمة" على تأثر القاص ببعض الأدباء خاصة "تيسير سبول" الذي قضى منتحرا احتجاجا على الواقع الرسمي العربي الذي لا يحتمل، وكيف أن الصداقة التي جمعتهما جعلت "فايز" يبقى أسيرا لفكرة الانتحار التي كانت حاضرة في أعماله الأدبية.
ثم نجد شهادة للقاص يبين فيها بعض الجوانب التي يراها مهمة في حياته كأديب/كمفكر/كقاص، يقول عن المعرفة والقراءة: "...شهوة المعرفة لتوازي شهوة العيش إن لم تتقدم عليها" ص31، "...أن الرغبة العميقة في الكتابة كحاجة شبه بيولوجية لنفس صاحبها تتضمن قدرا كبيرا من الحوار المستتر بين الأنا والآخرين" ص33و34، من هنا أعتقد تم كشف العديد من جوانب حياة الأديب "فايز محمود" من خلال المقدمة ومن خلال الشهادة، وهذا (يضيق/يحاصر) القارئ الذي لن يجد ما يضيفه، فقد أوفي كاتب المقدمة وشمل في تناوله العديد من القضايا الأدبية والشخصية، وجاء شهادة القاص (كالضربة قاضية) لمن يريد الدخول إلى أعمال "فايز محمود".
ومع هذا سأحول أن أتخطى هذا (الحصار) والولوج إلى المجموعة قدر المستطاع، في قصة العنون "العبور دون جدوى" نجد نفسية القاص بهذا الشكل: "لا شيء مقدس ونبيل وصادق في حياة الإنسان سوى الحزن" ص50، وهذا يأخذنا إلى تأثره بالواقع البائس الذي يمر به، إن كان على المستوى الشخصي أو على مستوى الوطن، فحالة التضيق والقهر كانت ماثلة أمامه خاصة إذا علمنا أن المجموعة صدرت في عام 1973، أي أنها كتبت بعد هزيمة 1967 وبعد خروج المقاومة من الأردن وتصفيتها، لهذا يلجأ للمرأة "إنعام" التي يكشف لها حالته النفسية أكثر بقوله: "بيني وبينك مسافات نائية، يلهث القلب على مداها، وتتعالى خفقاته وتزيد، ولعله لا يلحق ... بل أشعر من الآن بأنني أفقدك، ويورثني هذا ألما يكاد يدفعني إلى طلب الموت حالا، وأود أن أبكي بين يديك، لأن أناشدك الحب والبقاء، فتمنعني كرامتي، ويمنعني تبجيلي لحرية الإنسان أن أزعجك بذكر ما تبادليني إياه" ض51، من خلال هذا الاعتراف نستنتج أن القاص يعيش حالة اغتراب غير عادية، وما تفكيره بالموت/بالانتحار إلا تأكيدا لوضعه الصعب والقاسي، ونجد الحزن والقهر أيضا لهما أثرا عليه، لهذا استخدم "أبكي" فنحن أمام حالة نفسية غارقة في الألم/القهر/الظلم/الاغتراب/الاضطراب، وما اندفاعه بهذا الشكل نحو المرأة إلا انعكاسا لما يمر به.
وفي خاتمة القصة يبين حقيقة ما يراه/يجده/بفكر فيه بهذا المقطع: "...تضيف إلى روحي مزيدا من الحزن، والحب، والشوق، والحنين، والحياة.. وأجد رغم ذلك أن البقاء مستحيل، أن الحقيقة وهم، وأن العالم لا يطاق... أنتم جميعا أيها الفانون ...ألا فأشهدوا أن لا حقيقة هناك سوى الموت، وكل ما عدا ذلك ترهات" ص54، من هنا نستطيع القول أن القاص يعاني على أكثر من صعيد، لهذا يرى الحياة بهذه القتامة.
في قصة "حنين" يدخلنا إلى حالته النفسية أكثر، مبينا ما يعانيه يقول عن الجنس: "...يتأجج في حالات بؤس الروح وهمود الإرادة" ص58، فرغم ما تحدث به عن معاناته في القصة السابقة، إلا أننا نجده لا يستطيع أن يفكر "بإنعام" كامرأة يمارس معها الجنس: "...وبمجرد ذكراها غمرني هدوء مملوء بالحزن والاستسلام، شعرت أنه يغسلني حتى النصاعة، بدوت لنفسي هكذا زاهدا أكثر مما يحتمل" ص58، وهذا يشير إلى أن القاص يعاني من أزمة مركبة، بحيث لا يستطيع أن يفرغ همومه/قهره، فهل هو (راض) عن حالته؟، أم لا يقدر/يمتلك الجرأة ليقترف خطيئة مع امرأة رغم حاجته الملحة لها؟، أم أنه يحبها حبا عذريا بعيدا عن الجسد والشهوة؟.
في قصة "السراب والبحر" يدخلنا إلى تفاصيل أخرى متعلقة بشخصية حتى أنه يستخدم اسمه الحقيقي "محمود" يكتب "لإنعام" هذا المقطع: "يا غاليتي إنعام: أجد حبك أمتن وأكثر حميمية مما كل ما في الوجود الذي يهتز هنا" ص62، ورغم هذا الحب الجامح إلا أن القاص يرى نفسه بهذا الشكل: "أخبرها رشاد...أن محمود غيمة صحراوية يحرقها القيظ، يتشوق إلى نسمة تلفحه حتى يهطل فيتحد بالثرى الواعد بالخصب، قبل أن تسوقه الرياح للعودة" ص65، إذن نستطيع القول أن هناك صراع داخلي يمر به القاص، بحيث يبقى (مترح) بين حب (إنعام، الوطن، الحياة) وبين (خوفه) من الحاضر والمستقبل، يؤكد هذا الاستنتاج من خلال ما جاء في هذا المقطع: "أطفئي يا أمواه البحر العظيمة نيران الصحراء الملتهبة في بيداء نفسي، الصحراء، ماؤها معلق بين الأرض والسماء، لا تمطر إلا السراب، ولا تنبت غير الحائش" ص66.
يذهب "محمود" إلى جارته "سناء" التي أصبحت تعمل في أحد الملاهي الليلية، ويجري بينهما حوار يكشف حقيقة القاص وما يحمله في داخله:
"ـ كنت أضنك نبي وأنت جارنا
ـ ولا أزال .. إنما أتعبد إليك يا ربة الحب الفطري الصادق وعندما يتذكر "إنعام" تكون حالته بهذا الشكل: "لم تخرج الصحراء سوى العفاريت والجن، أما البحر فخالق الحوريات" ص67، اللافت في هذا المقطع أن "محمود" ما زال متأثرا بالمكان "الصحراء" التي يراها مصدر كل الشر/الألم/القهر/الاغتراب والغربة التي يمر بها، لهذا وصف البحر بأنه خالق الحوريات، بينما الصحراء التي جاء منها خالقة العفاريت.
ويكشف لنا حالة الصراع التي يعاني منها والتي تنعكس على سلوكه بقوله: "لست متناقضا في تفكيري، إنما في إرادتي.. لا تتحمل روحي تيار المعاناة العالي، لأنها سقيمة فنورها باهت.. فتمثيلها الواقع ذهنيا عاجز، وتمثيلها الذهن واقعيا فاشل" ص69، هذه الرؤية كافية لتبيان حقيقة تفكير وسلوك "محمود".
في قصة "الغد المستحيل" تبقى "إنعام" حاضرة القصة، وكذلك حالة القاص نفسية تبقى على حالها، حزينة/مضطربة/تتألم، تعاني من الاغتراب: "لم يبقى لدي دموع، حزني غيوم لا تمطر، أمالي مجدبة لا تثمر" ص73، يأخذنا أكثر إلى حالة اليأس التي يمر بها بقوله: "أما اليوم فأنا تعب، تعب حتى الموت.. حتى، حتى أنه لا يمكنني أن أموت" ص75، مثل هذا الكلام يكفي لنتأكد أننا أمام حالة لا يمكن وصف ما تعانيه/ما تمر به، لهذا هي عاجزة حتى عن الموت، وهذا يعني أن أمام (جثة حية) لا حول لها ولا قوة في الحياة سوى: "لو عشت مليون عام لما جرى شيء جديد خلاف الطعام والشراب والعمل والنوم" ص73، وهذا يأخذنا إلى أن القاص ليس إنسانا عاديا، فهو لا يفكر بالأكل والشرب والنوم، بل له طموح/هموم/آمال/تطلعات كمواطن عربي يسعى ليكون له كرامة/عزة، ويعيش بحرية، وهذا ما يجعلنا نبرر له ألمه/حزنه/قهره/وجعه، فالمرأة التي يحبها "إنعام" تريده رجلا كباقي الرجال في المجتمع، رجل فيه (العادية) التي يعيشها كل الرجل، بينما هو يعيش حالة الرجل الذي يريد أن يكون حرا، كريما، عزيا، ليس كفرد فحسب بل كشعب/ كأمة، لهذا عندما تفكر أن حبيبته "إنعام" ستكون مع رجل آخر يكون هذا حاله: "وما أن أختلي بنفسي في الغرفة حتى أجهش ببكاء حار متدفق" ص77.
في قصة "رحلة قلب" وهي الأقصر في المجموعة، مكونة من ثلاث صفحات فقط، وهذا يعود إلى أن القاص يطرح تفكير (منطقي) لمستقبله، فيتحدث عن "إنعام" وعن مشاريعه ككاتب/كمفكر: "..وسرح كامل في الخيال يتصور كسف سيسافر إلى الخارج، وكيف سيكسب المال الأكثر، ويتزوج حبيبته "إنعام" ويعيش العمر كله معها ليبدأ بعد ذلك رحلة الفكر" ص81، وكأن التفكير (الواقعي) يحول دون الإسهاب في الأدب، من هنا وجدنا القصة قصيرة، ولا يوجد فيها حديث عن معاناته بتفاصيل دقيقة وكثيرة كما هو الحال في بقية القصص، وهذا ما يجعلنا نقول أن المعاناة هي من جعلت القاص يكتب، معاناته كمثقف/ومعاناته كثائر/كمتمرد يرفض أن يكون (عاداي) في وضع غير عادي.
في قصة "الخطأ" يستعيد "مجاهد" عافيته الأدبية، ويبدأ الحديث عنما مر به منوها إلى العمر وكيف يمضي: "أربعون عاما كيف انقضت يا مجاهد" ساءل نفسه بصدق حار، لكأن أيامه سرقت دون علمه، أو أن شموسها لم تمس أعماقه،...وأحلامه الكبيرة التي ظلت تتضاءل كلما تقدم به العمر، حتى وصلت إلى ما بلغته من خواء" ص82، فهنا يقيم القاص نصف عمرة، النصف الأهم لأن به الشباب والحيوية، فوجده خاوي الوفاض لا جديد فيه ولا عمل/فعل ما يقربه من أحلامه/طموحه/أهدافه ليست الشخصية فحسب بل الوطنية/القومية أيضا، لهذا يجد نفسه بائس/تعب/يائس: "ضعيف، إنني ضعيف، يا ويحي ذهبت هباء" ص83، تذكره "إنعام" إنها امرأة ولها حاجاتها/غريزتها وعليه أن يلبيها لها: "أنت لا تفعل شيئا غير الكتابة يا مجاهد، فماذا بعد... الناس يتحدثون، وهذه الأيام تمر، فماذا فعلنا، لنا ثلاثة أعوام كلها كتابة، كتابة كتابة، كتابتك هذه هراء لا تجدي في حبنا ولا في هدفك الخيالي" ص84، وهنا يكشف لنا القاص (فشله) في تكملة العلاقة مع المرأة التي يحب، فهو كان غارقا في دوره كمثقف/ككتاب/كأديب/ كمفكر بحيث أهمل المرأة التي أحبها وأحبته، مما جعله يفقد أحد أهم عناصر القوة التي كان يمكن أن تساعده غي تجاوز الواقع، وهذا زاد في بؤسه، جعل ألمه يتفاقم أكثر، بحيث لم يعد هناك من يلجأ إليه ليفرغ ما به من سخط/ألم/قهر/وجع/هم.
في قصة "الهدية" وهي أيضا قصة قصيرة لكنه يتحدث فيها عن مشاكله ككاتب يحاول العمل في مجال اهتمامه، لكن كانت كل الأبواب مغلقة أمامه: "...لا عمل لدينا يناسبك يا أستاذ" ص87، ورغم أن يكتب لشعر، وتنشر له الصحف المحلية، إلا أنه لا يتقاضى عن ذلك أية نقود: "كل قصائده تقبل هدية للصحف والمجلات، ولا مرة منحوه فلوسا عليها" ص89، وهنا يأخذنا القاص إلى هموم الكاتب في المنطقة التي حيث لا يجد قوت يومه رغم أهمية ما ينتجه من أدب، ورغم أن الصحف تنشر ما ينتجه.
في قصة "الأرض" نجدها خرج سياق المجموعة لما فيها من رمز، فهي القصة الوحيد التي نجدها خارج سياق المعاناة الشخصية، فهناك حديث عن صراع بين البحر والبر، تبدأ القصة بهذه الفاتحة: " على الحدود الغربية كان البحر هادرا مرعبا بقذف بأملاحه التي يجف عنها زبده فيسمم الشط" ص90، على هذه الشاكلة جاءت القصة، فالقاص يتحدث عن ظواهر (طبيعية/أرضية) وليس عن حالات بشرية. يكمل حديثه عن البحر بقوله: "يوما زعم البحر الميت أن هذ1ي الأرض هي قاعه، وأنه الآن مقلوب، إنه في عصر عابر غضبت السماء على هذا البحر، وكان حينذاك حيا، فسحقته، دفنته في أعماق الأرض وحبست مياهه" ص91و92، أعتقد أن هذه القصة تبين قدرة القاص على تناول أكثر من موضوع، أكثر من فكرة، وأنه يحسن الكتابة الأدبية بصرف النظر عن موضوعها/فكرتها، فهو كاتب وكاتب محترف.
"الأنواء" القصة قبل الأخيرة في المجموعة ويتحدث فيها عن طفولته وكيف كانت تعامله أمه بحنان والأحلام التي كان يحلم بها/يفكر فيها، "عصام" منذ بدايته كان يحلم أن يكون غير عادي، صاحب مشروع متميز: " أرصد نفسي للحكمة" ص96، وهذا الحكمة متعلقة/ناتجة عن الهم العام/الهم الوطني/القومي الذي يحمله "عصام": "كل أملي أن ينجو القارب للنهار التالي، حتى يطلع الناس على الكراس" ص98، إذن هناك اهتمام بمصلحة/بقضايا الناس لرفع شأنهم ولتحقيق حياة سوية تليق بهم.
أما القصة الأخير "طريق جميس إلى العاصمة" فهي اقرب إلى الأدب الاشتراكي حيث تتحدث عن عمال يعملون في طريق، وكيف أنهم لا يحصلون على حقوقهم، وبما أن هناك الخبير "جيمس" فهذا له دلالة على الاستعمار وكيف أنه (يربي/يكون/ينشأ) الفساد والفاسدين؟
المجموعة من منشورات البنك الأهلي الأردني، الطبعة 2006.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا