الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطنة العفاريت ناكر ونكّار ومنكور

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2023 / 4 / 22
الادب والفن


كان يا ما كان في قديم الزمان بغابة الخضران الفاحشة الثراء قطيع الجرذان بقيادة خنزب بفموت ممّن سلطهم بعل الذباب الأبيض لسلب ثروات الغابة لحسابه، واهدر لهم مقابل ذلك دماء دواب الغابة والجيران المناضلين ضد سرطه لثروات الغابة. ولقد تفنن خنزب وعصابته بهبر ثروات الغابة ليل نهار؛ كما فتك بدوابها وطيورها فتكا رهيباً في كل حين ومكان مثل عمليات الابادة المستدامة لبرابرة المحتلين الاوربيين الليبراليين ضد السكان الاصليين لبلدانهم المغتصبة. واصل خنزب وعصابته أداء الواجب الذي كلفهم به بعل الذباب الأبيض بكل جد واخلاص وتتبّع، ولكن دار الظالم خراب؛ فقد اتحدت شجعان الدواب ضده، كما تقاتل اقربائه مع بعضهم على اقتسام الجيف، ففقد السيطرة على مساحات شاسعة من الغابة، بعد أن تركت عصاباته الجبانة مواقعها دون قتال. ما أن أدرك بعل الذباب الغربي أن قطيع خنزب قد احترقت ورقته، وبات على شفا الهاوية، حتى تملكته المخاوف من تولي الدواب الشجاعة الشريفة خلافة خنزب، وهو ما يعني خسرانه لسيول الثروات الخرافية للغابة. عندها، استدعى بعل الذباب الأبيض العفاريت الغريبة: ناكر ونكّار ومنكور التي كانت قابعة في مجاري المياه الثقيلة، وقال لها:
- اسمعوا، يا ناكر ونكّار ومنكور ؛ لقد وردتني أخباركم الأكيدة: أنتم هبطتم على غابة الخضران هذه نازلين من جهنم الحمرا، أليس كذلك؟
- تمام ! نحن نازلون هنا في اجازة أسبوعية، يا مولانا الولي الحميد .
- ولكن أمَدَ مكوثكم في جيف المجاري موثق عندي منذ أكثر من ستة شهور، فهل عدتم للتزوير والكذب مرة أخرى؟ متى تتعلمون احترام الحقائق والوقائع؟
- يا مولانا الأجل: إن سبعة أيام من أيام الجحيم تساوي سبعين سنة هنا!
-همم. فهمت. وهل تخططون لتمضية اجازة السبعين سنة هذه كلها في غابة الخضران هنا؟
- بالتأكيد. نحن قاعدون هنا لسبعين عاماً بالتمام والكمال، مولانا الرقيب المجيب .
- ولماذا اخترتم المكوث في هذه الغابة دون غيرها من غابات الدنيا الكثيرة الأخرى؟
- لأن المناخ الحار لهذه الغابة يشبه ما تعودنا عليه طوال مقامنا في نار جهنم الحمرا ، سيدنا اللطيف الشريف.
- وكم أمضيتم في جهنم هناك؟
- حوالي اثنين وعشرين قرناً، يا أيها المليك!
- مدهش! وما كانت جرائمكم في حينها؟
- أبداً، يامولانا الغفور الحليم، مجرد شيء بسيط وعادي ومألوف: كل ما هناك هو أننا أبدنا ابادة تامة كل رجال الشعب الذي تعلمنا منه الكتابة والتجارة، واستعبدنا نساءه وأطفاله، وسلبنا كل ثرواته حسب الأصول الليبرالية التنويرية والتنمية والتطوير والدفاع عن حقوق الانسان المقدسة! فقط، لا غير!
- واااااو ! ولكن مالي أرى مخاط أنوفكم لا يتوقف عن السيلان؟
- لقد أصبنا بعدوى الزكام الحاد جراء تغير الجو علينا، يا سيدنا البارئ المعظم.
- ولماذا لا تتوقفون عن حك عجيزاتكم ايها الأسافل؟
- لا يخفى عليك يا مولانا القابض الباسط أن هذا بسبب دسامة أطعمة الغابة هنا!
- عظيم! طيب، في ضوء مواهبكم التاريخية هذه في القتل والسلب والاستعباد، ما رأيكم لو أسلمكم مقاليد السلطة في هذه الغابة للسبعين سنة القادمة- هذا إن توفرت القناعة لديَّ بذلك؟
- شبيك لبيك، نحن العبيد بين يديك يا مالك الملك.
- قبولكم السريع هذا هو قرار حكيم! أنتم تعرفون أهمية الاصطفاف مع الطرف الغالب الأغلب.
- ومتى نعتلي الكراسي، يا صاحب الجلالة الكريم الواسع؟
- قلت لكم أنني لم أحسم الموضوع بعد!
- أحسمه حالاً يا رب القدرة الرزاق الفتاح العليم، فخير البِّر عاجله!
- أراكم مستعجلين؛ ومن استعجل الأمر قبل أوانه، عوقب بحرمانه!
- رحماك، مولانا العظيم! كل ما هنالك هو أن الوقت من ذهب، ولكنه يطير سراعاً، بس، فقط، لا غير!
- لست بعد متيقنا بعد من صواب القرار بتسليم مقاليد سلطة هذه الغابة لكم. إن روائحكم تزكم الأنوف، كما أنكم لستم أهلاً للثقة بتاتاً!
- جرِّبنا وأنظر، نحن العبيد المطيعين لبعل العالمين الأبيض المهيمن المتكبر العظيم.
- يا مستشاري السياسي!
- نعم، سيدي العزيز!
- قل لي: كيف تصف دواب هذه الغابة هؤلاء الثلاثة الجائفين؟
- نعم، سيدي الحكيم! استناداً لآخر تحديث في قاعدة المعلومات الموثوقة عندي، فإن الأسماء الشائعة بين دواب الغابة في وصف هؤلاء العفاريت الثلاثة تشتمل على هذه الزمرة من الصفات: "بربوگ ما يغرگ؛ پُشْتْ؛ پَلَشْتي؛ پيزَوَنكْ؛ تَتي؛ تَرَسْ؛ دايح؛ دَجّالْ؛ دَنْغوص؛ دَلّه قَلّي؛ دودَكي؛ دَيّوسْ؛ ذبّاح؛ جايف؛ حايف؛ حقير؛ حكّاك؛ حيّال؛ حِيزْ؛ خايس؛ زَنانَة؛ سَرْسَري؛ سْيبَندي؛ صكّاك؛ علّاس؛ غبيث، غيره سز؛ قفّاص؛ كَرْخَنچي؛ مسقّط؛ مَرْدَشورْ؛ مُقُرْباز؛ نَـﮕَري ألف ونـَﮕَري باء؛ وهِتْلي".
- واااو! يا لها من تشكيلة فريدة! قل لي يا مستشاري: وما طبيعة العلاقة الرابطة بين المفردات المؤلفة لهذه الزمرة؟ هل هي طاردة لبعضها، أم أن بعضها يكمل البعض؟
- أنها مكمّلة لبعضها البعض، سيدي الشهيد!
- ما شاء الله! طيب، وما رأيك أنت بتسليم مقاليد سلطة الغابة لهؤلاء السفلة الحقراء، يا مستشاري السياسي؟
- من غير المحتمل أيجاد أحقر من هؤلاء البشتية لهذه المهمة! انهم مناسبون لأغراضنا تماماً، يا سيدي المعز المذل الكريم!
- بوركت يا دانيال الحكيم! سنؤمرك مستشاراً أبدياً لنا حال استلامنا مقاليد الحكم، لا قول لنا إلا ما تقول، يا سيدنا المستشار!
- وماهي برأيك يا مستشاري زمرة الخلال الضرورية التي تنقص هؤلاء السيبندية الساقطين؟
- أهم ما ينقصهم هو التطربش للراس والتمكنس للذقن والتمدس للحافر والتسبيح لليد والاستخارة للقرار، سيدي الجليل !
- ولماذا يا أيها السفلة الخائسين لا تتطربشون وتتمكنسون وتسبِّحون وتستخيرون ؟
- كيف تظن بنا أيها المفدى الظنون وأنت الضار النافع العليم! تعال معنا إلى أقبيتنا لترى بإم عينيك الغاليتين غرفنا الحصينة وهي متخمة للسقوف بالطرابيش والمكانس والسبح وكتب الاستخارة!
- عجيب! ومن أين لكم كل هذه الكميات الضخمة منها؟
- يا مليكنا المفدى، لقد غنمناها حسب الأصول من مخازن دولة الغابة، وحقك يا مولانا الرزاق الفتاح العليم؛ وكلها حلال تلال من ثمار عرق الجبين لكونها من أقوى عُدد الشغل والتشغيل والتشعيل والتحليل والتبغيل والتنغيل .
- عجيب! تسرقون أموال الدولة وتقولون أنها حلال تلال؟ ما هذا النفاق، وما كل هذا المضمون الهابط ؟
- يا ربنا المهاب الوهاب: مال الدولة ملك مشاع للقادر على هبره لنفسه قبل أن يستحوذ عليه غيره من الحوّاف الدايحين لكونه مجهول المالك!
- يا مستشاري السياسي، لِمَ لَمْ يتم توثيق كل هذه السرقات الضخمة في قاعدة البيانات المرسلة لي لهؤلاء الحقراء الثلاثة؟
- عفواً، يا سيدي الجبار العليم ، انها موثقة فعلاً، إنما تحت بند أسلحة الدمار الشامل!
- أحسنتم! إنها بالفعل كذلك! ولكن لماذا أراكم لا ترتدون عُدّة الشغل الجهنمية هذه؟
- أغفر لنا خطيئتنا الفظيعة هذه، يا رب العدل والانعام؛ فقد حسبناك رباً ليبرالياً علمانياً حسبما يروّجه قوادوك و وسائل الاعلام التابعة لك، يا سيد العالمين!
- تفو على وجوهكم العاطنة، وعلى محتواكم الهابط هذا! ألا تعلمون أن الدينجية والقومجية هم هراوة الليبرالية؟ أراكم من الأغبياء الفاشلين!
- أحسنت، يا مالك الملك المكين: نحن فاشلون؛ وأحسن ما يفعله الفاشلون هو الاتجار بالدين!
- وما السبب؟
- لكونه العروة الوثقى وسفينة النجاة للبرالية التنويرية، يا ذا النكال والانتقام!
- يا مستشاري السياسي!
- نعم، مولاي الخبير.
- قل لي ، هل تنطبق على هؤلاء المردشورية القاعدة الأولى المسطرة في اللوح اللبرالي التنويري السرمدي لشروط حكام الغابات الخادمة لنا؟
- يصعب التنبؤ بما تفعله عفاريت جهنم الحمرا، يا مولاي العليم الخبير!
- لا يمكننا كسر قاعدة: يومكم هذا أحسن من غدكم القادم؛ أنها مقدسة وكلية القدرة في ادامة سلطتنا الليبرالية التنويرية. كل عربانة نمكنها من مقاليد الحكم يجب أن يمتطيها من هم أسوأ من سابقيهم.
- يا ربنا القادر المقتدر الحكيم؛ لا يوجد هناك من هو أسفل منا، فنحن عفاريت جهنم الحمرا على سن ورمح.
- يا مستشاري السياسي، هل يوجد من هم أحقر من هؤلاء الحقراء لتسلم حكم الغابة الخضراء على شروطنا اللبرالية التنويرية البديعة؟
- بالتأكيد، لا، يا مولاي المنير الكريم.
- قولوا لي بصراحة : هل أنتم فعلاً أسوا السيئين في غابة الخضران هذه؟
- نعم بالتأكيد ، ايها السلطان اللبيب .
- وهو كذلك!
- نِعمَ القرار يا بعلنا المبجل: نحن أتباعك المطيعين. جرّبنا، وسترى منا ما يرضيك؛ فالتجربة خير برهان، يا أحكم الحكماء.
- بل قولوا أن التجربة هي أسوأ البرهان مع السفلة من أمثالكم. وأنا لن أسلمكم السلطة قبل أن نبرم معاً اتفاقاً غير قابل للنقض على شروط التسلم والتسليم!
- مُرْنا، مولانا الجليل، فنطيع.
- لدي شرطان باتّان واضحان، لا ثالث لهما.
- كلنا آذان صاغية، يا ذا الجلال والاكرام!
- عليكم بإفقار دواب الغابة افقارا تاماً لأدنى من حد الكفاف، ومن ثم رمي السحت الحرام بالتقطير لشراء ذمم المريدين؛ كما أن عليكم في نفس الوقت بث الفرقة والأمية بين الدواب في آن واحد؛ ومثل هذان التدبيران – مثلما تعلمون – هو أمر يسير على أمثالكم من السرسرية المسقّطين.
- وكيف يكون هذا، يا أبا المفهومية والمعلومية؟ نوّرنا، يا ذا الكمال والاكرام.
- الإفقار يكون بسلبكم ثروات الغابة. ومثلما تعلمون علم اليقين، فأنني لست طمّاعاً البتة، وأعرف الأصول حق المعرفة.
- صدقتم، يا أبا الجلال والجمال، يا بعلنا المهاب المرهوب، يا أبا العيون الزرق والشعر البرتقالي!
- وسنتقاسم الغنائم: نصفها لكم أنتم وحاشيتكم، ونصفها لي. فإن سوَّل لكم جشعكم غبن مثقال ذرة من حقي فسأعيدكم إلى مأواكم في جيفكم المشهورة المكان هناك.
- لا، لا، يا مولانا الجليل. نحن متفقون، والأمر هو مثلما تأمرون بالضبط: نصف الغنائم لكم، ونصفها لنا نحن وحاشيتنا.
- كلكم واحد منكم سيبندي دايح ومقرباز ومولع بالغدر والخيانة. ومثلي لا يخدعه من هم من أمثالكم. يجب عليكم ترديد قسم الولاء لي على الكتاب المقدس، وأمام الشهود، وتحث الاضواء!

بعد أداء اليمين، قال لهم بعل الذباب الأبيض:
- عليكم بتوظيف المجرمين والقوادين والجبناء والدماغسزية عندكم ليتكفلوا بإبادة وتهجير الشرفاء والمناضلين والثوار والواعين. أما الخانعون، فسلطوا بعضهم لنهب أموال بعضهم الآخر بالطرق القانونية.
- وهو كذلك، ولكن لدينا التماساً بسيطاً لدى جنابكم الغالي.
- وما هو؟
- أدع لنا أن نجعل القبور تنتأى عن طم المجرمين والقوادين والجبناء والدماغسزية في غابة الخضران، وأن تسرع بطم الشرفاء والمناضلين والثوار والواعين وهم في زهرة شبابهم في غياهبها.
- سأفعل، ولكن احرصوا على إيكال جرائمكم لأطراف ثالثة تستطيعون التبرؤ منها بكل يسر وسلاسة؛ بل وحتى ادانتها علناً: قولاً، لا فعلاً.
- ومن أين نأتي بالأطراف الثالثة، أيها السميع البصير؟
- استأجروهم بالقطعة من خريجي السجون ومشافي المجانين والأشقياء وقطاع الطرق والمرتزقة من الداخل والخارج ، وعديد هؤلاء كثير. ولا تنسوا سياسة الترهيب والتهريب والتكريب والترغيب والتغريب والتكليب والتبغيل والتنغيل!
- هذه نعرفها حق المعرفة، مولانا الحسيب الرقيب.
- واحرصوا على بيع الوعود الكاذبة بالخبز والألعاب لدواب الغابة لإرضاء الجميع حسب قاعدة: عيش يا حمار حتى يأتيك الربيع.
- أحسنتم ، هذا ما سنفعله ليل نهار وبلا أدنى تأخير، يا سيدنا الرهيب.
- وعليكم تأليف النشيد الوطني الجديد لغابة الخضران. هل أنتم ضليعون باللعب على حبال الكًلِم، أيها الحوَش؟
- يا مولانا الأعز الأغر، نحن أبطال كل الغابات في الرقص على الحبال وعلى كل شيء ولا شيء، وبكل حق وحقيق.
- هاتوا النشيد الوطني الجديد، إذن!
- دار، دور، سيسو قاد بقرنا. إلى متى تبقى الخرفان والمعيز على التل؟ تبقى الخرفان والمعيز على التل إلى ما شاء بعل الذباب الأبيض المكين الرشيد المقدس!
- وماذا ستقولون إذا ما اتهمكم أحد دواب الغابة بسرقة حقول نفط الغابة؟
- هذه سهلة جداً، يا مولانا الحكيم، سنقول له:
"الله أكبر على كل ظالم! بويا: أما تدرون أن دار الظالم خراب؟ أو لَمْ تعلموا بأن الارزاق بيد الله، يؤتيها من يشاء، ويمنعها عمَّن يشاء؟ والله رزقنا بكم حقل من حقول النفط هذه، فلماذا تحاربوا إرادة الله؟ ها؟ أما أدبسزية وكفار وملحدين بكل حق وحقيق! رحم الله من قال: أذا كنت لا تستحي، فاعمل ما تشاء! موتوا بغيضكم يا أعداء الله!"
- وبعد؟
- سنرفع ضده قضية بتهمة التشهير والمحتوى الهابط، فنحن دولة سيادة القانون. نعم بالتأكيد.
- وبعد؟
- وبعد الحكم عليه بالسجن، سنعمل على تهريبه من السجن، ثم نخنقه وندعي أنه مات من الاعياء هرباً من تطبيق سلطة القانون!
- وبعد؟
- نطرد قتلته، ثم نسجنهم، ثم نهربهم، ثم نخنقهم، وهكذا دواليك، مولانا الحسيب!
- مبروك عليكم حكم غابة الخضران يا عفاريت جهنم الحمرا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا