الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عذراً، أنا من دراما أخرى

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2023 / 4 / 29
الادب والفن


فيما كان كمال يغذّ السير صباحاً على رصيف الشارع المؤدي لبناية المصرف الذي يشتغل معاونا لمديره ليبدأ دوامه الصباحي فيه، شاهد رجلاً يتمندل بخطوه أمامه، وهو يسبّح بمسبحة طويلة جداً تكاد تخط بالأرض، ولا يرتدي سوى قناعاً على وجهه، ومداساَ، فيما كانت كل بقية أعضاء جسده عارية تماماً. مَدَّ كمال خطاه حتى أدركه ، وسأله:
- عذراً، سيّدي، مالي أراك تتمشى وسط زحام الناس عرياناً، خلا القناع والمداس والسبحة؟
- عذراً، سيّد، فأنا من دراما أخرى!

ترك كمال الرجل المقنع العاري، وتوجه نحو بناية مصرفه. ما أن وصل اليها حتى لقي زملاءه الموظفين وهم يتجمهرون أمام الباب المغلقة للمصرف. سأل زميله أبا قتيبة عن سبب غلق باب المصرف أمام الموظفين العاملين فيه.
- لقد سرق حرّاس المصرف ليلة البارحة كل النقد المحفوظ في غرفته الحصينة - مليارين و نصف المليار دولار – ولاذوا بالفرار!
- حلو! هكذا يكون الهبر، وإلّا فلا! عَلّقت زميلتهما سليمة الواقفة إلى جنبهما.
- ومن يوجد داخل بناية المصرف الآن؟
- المدير، ووزير المالية، ووزير الداخلية، ومدير الشرطة العام.
- ولماذا أقفلوا باب المصرف عليهم؟
- ربما ليتداولوا في كيفية التحرك لإلقاء القبض على الجناة واستعادة المسروقات بأسرع وقت ممكن.
- بل قُل: ليتساوموا براحتهم على نِسَب المحاصصة من المسروقات في حالة القبض على السراق واستعادة المال المسروق! علقَّت سليمة.
- لعلهم يتداولون في كيفية لفلفة القضية، فالطرف الثالث موجود، وبكثرة؛ علّق موظف الكاونتر: احسان.
- عيني أبو قتيبة، أنا جائع جداً الآن؛ سأذهب لتناول طعام الفطور بأسرع ما يمكن ثم أعود بلا أدنى تأخير. يرجى ابلاغ المدير بتأخري لهذا الغرض عند فتح الباب و بدء الدوام، لطفاً!
- جيب ليل وخذ عتابا. ستذهب وتعود لتجدنا مازلنا نقف هاهنا!

في المطعم، شاهد كمال أم قتيبة - زوجة زميله أبو قتيبة، ومديرة الفرع الآخر للمصرف- وهي تجلس جنب رئيس حراس المصرف، وتتولى إطعامه بنفسها وصدرها ملتصق بكتفه. فار الدم في عروقه، فقام وتوجه نحوه مائدتهما. وقف أمامهما، وخاطب أم قتيبة بالقول:
- أما تستحين – وأنت السيدة المتزوجة – تلصقين صدرك في مكان عام كهذا بالشرطي الحرامي هذا الذي سرق ليلة البارحة كل موجودات خزينة فرع المصرف الذي يعمل زوجك محاسباً فيه، وتلقمينه الطعام بأناملك أيضاً؟
- عذراً، يا سيّد، فنحن من دراما أخرى. ردّت عليه السيدة.

إرتبك كمال، وتراجع مدحوراً الى مائدته. ثم تذكَّر أن عليه تأجيل تناول طعام الفطور مؤقتاً بغية الاسراع في العودة إلى بناية المصرف ليبلِّغ المدير عن مكان تواجد رئيس سراق خزنة المصرف كي يصار الى القبض عليه قبل تواريه عن الأنظار. ترك محل المطعم، وهرول باتجاه بناية المصرف.
عندما بلغ كمال لاهثاً باب بناية المصرف، رأى أن بابه الواسع مازال مغلقاً، وقد اختفى الموظفون المتجمهرون أمامه. رفع رأسه، فشاهد اليافطة الكبيرة المعلقة فوق الباب: بناية المجلس الوطني. دقّ على الباب، فخرج له الرجل العريان تماماً وقد نزع قناعه ومداسه، وحمل مدفعا رشاشاً باليمين، وآخر باليسار. سأله كمال:
- عذراً، سيّد؛ ولكن لماذا أنت عريان دوماً؟
- لكي لا أضيّع وقتي في خلع ملابسي!
- طيب، قل لي لطفاً: كيف تحولت بناية هذا المصرف إلى بناية للمجلس الوطني فجأة؟
- عذراً، سيّد، فهذه الأحداث من دراما أخرى- وأغلق الباب بوجهه.

دارت الدنيا برأس كمال، فقرر العودة للمطعم لتناول طعام فطوره. عندما وصل باب المطعم، وَجَد رئيس حراس المصرف واقفاً يتنكب سلاحه أمام الباب المغلق للمطعم.
- افتح لي باب المطعم، لطفاً، فأنا جائع جداً.
- عذراً، سيّد، المطعم محجوز بكامله!
- ومن الذي حجزه؟
- الصِماخ الصماخي المتبتّل التَّقي، من ذوي الأيادي المتوضئة، وعلى شرف أرفع موظفي السلطة ورؤساء الكتل السياسية، والطرف الثالث.
- وما هي المناسبة؟
- أعذرني، سيّد، فهذه من دراما أخرى!

تراجع كمال، وقرّر العودة الى شقته للاستراحة. استقل سيارة أجرة، وأبلغ السائق العنوان.
كان الزحام في الشوارع كلها على أشد ما يكون على مسارات الرواح و المجيء. تحركت سيارة الأجرة لثلاثة أمتار، ثم توقف السير، فأوقف السائق سيارته، وأطفأ المحرك. بعدها، أخرج السائق هاتفه الخلوي، ونَقَرَ عليه عدة نقرات، وناوله لكمال.
- هاك تَفَرَّج، ما دمنا متوقفين. ما رأيك بهذه الكتاكيت الربّانية التي تردّ الروح؟
تناول كمال جهاز الهاتف وبحلق بشاشته، فرأى صوراً لفتيات وفتيان عراة في لقطات لأوضاع شديدة الاغراء. أعاد الجهاز للسائق بأسرع ما يمكن كما لو كان قنبلة على وشك الانفجار.
- ما رأيك، أستاذ؟ داعيك أبو نجم الطاهري، القيادي بمليشيا أبو الخمط الرباني. هل تحب التمتع بإحداهن أو أحدهم، والمكان جاهز ومجهّز بالويسكي والشمبانيا وقريب؟
- أستغفر الله. كلا، كلا، فأنا بعيد كل البعد عن مثل هذه الموبقات.
- طيب: لدي كرستال صاف، هل يعجبك الانتشاء بالتشمم؟ سعره مناسب، والمحل قريب، وهو مؤمَّن من طرف رجالي الأشاوس بالكامل!
- أبداً، أنا رجل مستقيم بمعنى الكلمة، وأخاف ربي!
- طيب، ما رأيك بالتمتع قليلاً بلعب الروليت أو البوكر في الطابق العلوي للبناية الحكومية الزجاجية أمامنا تلك؟
انتابت كمال موجة من الغثيان، فقرر ترك سيارة الأجرة حالاً، والذهاب لشقته مشياً على الأقدام للتفكّر قليلاً في بلاوي صباحه العكر. نقًّد السائق أجرته، وترجّل بأسرع ما يمكن من السيارة المتوقفة، والعرق يتصبب من كل جسده. ما أن وقف على الشارع وأغلق باب السيارة، وصعد على الرصيف العريض، حتى دهسته سيارة دفع رباعي سوداء اللون ومظللة الزجاج وبدون أرقام. كان سائقها المقنع والعريان تماماً يسير على رصيف الشارع بأقصى سرعة عكس اتجاه السّير. خرَّ كمال متكوّماً على خرسانة الرصيف المتكسر، سابحاً بدمائه. لم يسعفه أحد، و بقي ينزف حتى أسلم الروح.
عاد سائق سيارة الدفع الرباعي العريان المقنع الى مشهد جريمته، وترجَّل من السيارة حاملاً رشاشتين ومتقلّداً بمسبحة طويلة جداً - يحف به رجال حمايته المدججين بالأسلحة وواقيات الرصاص السود من أعلى رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم- وراح يحدّق مليّاً بجثة القتيل المسجات على الرصيف. دار حولها، ثم نادى على أحد رجال حمايته. عندما اقترب منه الأخير، سلَّمه إحدى رشاشتيه، واستعار منه الحاكي، وراح يهاتف - وهو يتمايل بمسبحته منتشياً - رئيس جهاز مكافحة الارهاب. اقترب منه رئيس حراس المصرف، و سأله:
-هل تعرف – سيّدي النائب المبجل – هوية هذا القتيل؟
- عذراً، إنه من دراما أخرى، حاشا قدْرك!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني