الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريقة تقديم الألم في قصيدة -من أيتم النور في قلبي- عبد الله عيسى

رائد الحواري

2023 / 5 / 1
الادب والفن


طريقة تقديم الألم في قصيدة
"من أيتم النور في قلبي"
عبد الله عيسى
" ما أيْتَمَ النُورَ في قَلْبي!
وأيْتَمَني!
مَا كَانَ لِي
لمْ يَعُدْ لِي.
يا إلَهِي !
كَأنّي صِرْتُ غَيْرِي .
يا إلَهِي !
كَأنّي لَسْتُ غَيْرِي
أقُولُ لِلْغَريبِ:
تَكَلّمْ كَي تَرَانِي
وَإنْ رَأيْتَنِي يا غَرِيْبُ
لا تَقُصَّ عَلَيَّ مَا رَأيْتَ.
أنَا ذَبِيْحَةُ الغَوثِ فِي مَكَائِدِ الآلِهَةْ.
مَا أيْتَمَ الأرْضَ في صَوتِ المُغَنّي الّذِي كُنْتُ!
ومَا أيْتَمَ القَطَا الّتِي عَلَّمَتْنِي الرَقْصَ
بَيْنَ سِهَامِ صَائِديْ الْحَجَلِ البَرِيّ
فَوْقَ تِلالٍ لا تُجَاوِرُنا!.
مَا أيْتَمَ الغَيْمَ ،والبُيُوتَ، والمُنَشِدِيْنَ،
و المَراعِي الّتي تَأَلّمَتْ لِمَهَالِكِيْ!
وأيْتَمَني!
أنَا غَرِيْبُكَ يَا غَرِيْبُ
مُنْذُ أقَمْتَ فَوقَ سَرِيْرِي ،
واتّخَذْت الّذي آتَاهُ لِيْ خَالِقِي وَلِيْمَةً فَارِهَةْ .
"(من ديوان مزامير ملكي صادق)
ليس من السهل أن يتحدث الإنسان عن ألمه/عن وجعه الشخصي، فهذا يستدعي منه استحضار ما يثير مشاعره ويهيجها، من ثم سيصاب بالاضطراب والتوتر، ويصبح منفعلا/غاضبا، ولا يحسن الحديث/التكلم، لكن الشعراء والأدباء يستطيعون تقديم هذا الألم بطريقة (ناعمة/هادئة) وكأنهم يتحدثون عن موضوع (لا يهمهم) أو يمت لهم بصلة، وهنا تكمن أهمية الأدباء فهم يقدمون موضوعا قاسيا بألفاظ وطريقة هادئة، رغم أن ذلك الموضوع يرسخ أكثر في ذهن المتلقي ولا يصيبه التوتر/الاضطراب الذي يلازم طرح الموضوع/الفكرة.
الشاعر "عبد الله عيسى" يقدم واقعه كفلسطيني في التشرد بطريقة استثنائية، فرغم أنه يتحدث عن نفسه إلا أنه يتحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني في الوقت ذاته، وهنا، كان من المفترض أن تزداد حالة التوتر/الغضب عنده، لكنه استمر في هدوئه وتألقه.
ولكي نبين تألق الشاعر سنتوقف عند ما جاء في قصيدة من "أيتم النور في قلبي" حيث نجد حضور الأنا بقوة من خلال: "قلبي، أيتمني، لي (مكررة)، إلهي (مكررة)، كأني، غيري (مكررة)، أقول، تراني، رأيتني، علي، أنا (مكررة)، كنت، علمتني، تجاورنا، لمهالكي، وأيتمني، سريري، لي، خالقي" وهذا ما يجعلنا نقول أن القصيدة تبدو وكأنها شخصية، لكنها في حقيقة الأمر تحمل هموم الفلسطيني، وهذا ما تم الإشارة له من خلال: "تجاورنا، ما أيتم البيوت الغيم، والمنشدين، المراعي" من هنا القول أن الشاعر استطاع المزج/الجمع بين همومه الشخصية وهمومه الوطنية/القومية.
هذا على صعيد الأنا ونحن في القصيدة، لكن تستوقفنا الألفاظ المكررة "لي، أيتم/أيتمني (مكررة خمس مرات)، إلهي، غيري، أنا" فنجد "لي، للغريب/غريب/غربتك (مكررة أربع مرات)، تراني/رأيتني" متعلقة بالماضي والحاضر: "ما كان لي ولم يعد لي" وفي الوقت ذاته تخدم/تؤكد فكرة الأنا الموجوعة/المتألمة، وهذا يأخذنا إلى فاتحة القصيدة:
"ما أيتم النور في قلبي وأيتمني" التي فتحت أبواب (التكرار) أمام الشاعر، ف"أيتم" المتعلقة بالشاعر جعلته (أسيرا) للحالة التي يعانيها، بحيث لم يستطع التخلص من ألمه/وجعه، فبدا مسكونا باليتم وما يسببه من غربة، التي نجدها في تكرار "غيري"، فجاءت "غيري" التي يتلاقى فيها حروف الغين والراء والياء مع لفظ "غريب" مما يجعل "اليتم" ناتج عن الغريب: أنا غريبك يا غريب"، وهذا يشير إلى ألم الشاعر وما يعانيه.
لكن ما يحسب للشاعر أنه يقدم علاقة الغريب بغربته بأكثر من طريقة، من خلال الطرح المباشر: "أقول للغريب"، ومن خلال الألفاظ وتكرارها، وإذا ما أخذنا وحدة القصيدة ودائرة (أنا والغربة وما فعله الغريب" التي تدور حولها القصيدة نتأكد أن الشاعر أصبح (أسير) لغربته بحيث لم يستطيع نسيان بهاء الماضي والخصب الذي كان: "الأرض، المغني، القطا، الرقص، الحجل، تلال، الغيم، البيوت، المنشدين، المراعي" وإذا ما توقفنا عند هذه الألفاظ سنجدها متعلقة بالمكان/الأرض وبالإنسان، وهذه إشارة غير مباشرة من الشاعر إلى علاقة الفلسطيني بالمكان/بالأرض، ونلاحظ أن البهاء/الفرح الإنساني كان حاضرا من خلال: "المغني، الرقص، المنشدين" وإذا ما علمنا أن فرح الطبيعة أثر وانعكس على الشاعر:
"القطا التي علمتني الرقص"
يكون الشاعر قد وحد وجمع جمال الطبيعة بجمال الإنسان وما يفعله من رقص وغناء، وهذا تأكيدا للوحدة الجامعة بين الفلسطيني والمكان/الأرض.
نعود إلى الألفاظ المكررة "إلهي" حيث يشكوا الشاعر ألمه/غربته، أليس الله هو من نلتجئ إليه وقت الشدة؟، هذا اللجوء طبيعي/عادي نجده عند كل البشر، وهناك آيات قرآنية تتحدث عن هذا الأمر: "هو الذي يسيركم في البر والبحر، حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجائهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم، دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" سورة يونس، الآية 22، لكن ما يستوقفنا ليس تكرار "إلهي" بل "الآلهة" التي تجعلنا نسأل: لماذا هذا الخروج عن السياق الوحدانية التي بدأت بها فاتحة القصيدة؟، وهل لهذا التقهقر نحو الوثنية ما يبرره؟.
إذا ما توقفنا عند المقطع المتعلقة بالإلهة نجده ناتج ومتعلقة بأفعال الغريب: أقول للغريب... أنا ذبيحة الغوث في مكائد الآلهة" فالشاعر يخاطب الغريب بلغة وثنية التي يفهما، وهذه إشارة ـ غير مباشرة من الشاعر ـ إلى العقلية/المنطق الرجعي/الوثني/الديني الذي يعتمد عليه الغريب في أذية الفلسطيني، لهذا نجده يعود إلى استخدام الوحدانية في خاتمة القصيدة عندما قال:
"واتخذت الذي آتاه لي خالقي وليمة فارهة"
وهذا يأخذنا إلى المقارنة بين فعل الفلسطيني وعلاقته بالأرض: "صوت المغني، القطا التي علمتني الرقص، المنشدين" وبين فعل الغريب على الأرض "وليمة فارهة" فالفلسطيني مهتم بالفرح الروحي "الرقص والغناء" وهذه إشارة إلى الترف المادي الذي جعله ينتج ويهتم بالرقص والغناء، بينما الغريب مهتم بالفرح المادي/الجوع، وتعبئة بطنه.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر
Abdulla Issa








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج