الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السواد والغضب في ديوان -ركاب الرحيل- نائلة أبو طاحون

رائد الحواري

2023 / 5 / 13
الادب والفن


السواد والغضب في ديوان
"ركاب الرحيل"
نائلة أبو طاحون
الشاعر/ة يتأثر بواقعه، بما تمر به أمته، وبما أن الشاعرة فلسطينية، فكان لا بد أن نجد أثرا للواقع الفلسطيني في قصائدها، فالواقع يعني الحياة الفلسطينية بكل جوانبها، من هنا سنجد قصائد قاسية/ سوداء/ حزينة وبعضها غاضبة، وأخرى تتحدث الشاعر عن مشاعرها/ إحساسها، فالديوان يعطي صورة عن الحياة الفلسطينية بجوانبها المتعددة.
بعد ديوانها "ضفاف الأيام" يأتي هذا الديوان "ركاب الرحيل" للشاعرة نائلة أبو طاحون، ليبين للمتلقي أن هناك خط/ لغة/ اسلوب خاص يميز الشاعرة عن غيرها، من هنا سنحاول الدخول إلى الديوان لتبيان ما فيه من جمالية ومضامين الحياة الفلسطينية، ونبدأ من الواقع الأسود/ القاسي الذي يفرضه المحتل على الفلسطيني.
السواد/ القسوة/ الغضب
نجد السواد ظاهرا في مضمون القصيدة، وهذا أمر مألوف/ عادي ونجده أيضا في الألفاظ المستخدمة، وقد تناولت الشاعرة السواد في أكثر من قصيدة، منها "وشم على خط الزمن" حيث نجد السواد/ القسوة وما يتبغا من غضب، وفي هذه القصائد قدم الشاعرة والواقع الفلسطيني بصورة وافية، تقول فيها:
"مهما تكالبت المآسي...
واستبد الظلم يوما
وامتلأ بطن السجون
لا تنحني
لا لن تهون
إني المقيد في زمان العهر لك
ما نقضت العهد يوما أو تناسيت الوعود
لا زال نقش فوق صدر الأرض يقضي
للبلاد بأن أعود
...
شهد الزمان بأنني والروح بتنا في سبات
أصبحت والموتى سواء
شاهدت موتي
ثم دفني
وانبعاث الروح من بين الرفاة
جسد خواء
لا حلم ينبت في مخيلتي ولا..
فصل الربيع.. بات
وطن المنافي خافقي
كم تهت وحدي
في فيافي العمر أبحث عن نجاة
عن ديمة
ظمأى لدمع من عيون القلب
تبحث عن فلاة
عن همسة
تجلو الهموم وبسمة
تفتر من
ثغر الحياة" ص8 و 13و14.
المعنى جاء يحمل القسوة والغضب معا، وأيضا نجد تشبث الشاعر بالحياة، بالوطن، وهذا واضح في مضمون القصيدة وفكرتها، لكن إذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة سنجدها تحمل فكرة القسوة: "تكالبت، المآسي، استبد، الظلم، السجون، المقيد، العهر، نقضت، سبات، الموتى، موتي، دفني، خواء، المنافي، تهت، ظمأى، الهموم" واللافت في هذه الألفاظ أنها تحمل فكرة القسوة/ والسواد/ والغضب، وفي الوقت ذاته هناك قسوة متعلقة بالوطن، وأخرى متعلقة بالشاعرة، وهذه الثنائية تحسب للشاعرة التي تؤكد تأثرها/ تفاعلها مع واقعها كفلسطينية، فالمتلقي من خلالها معنى الألفاظ المجرد يصل إلى ما تريد تقديمه في القصيدة.
أعتقد أن هذه القصيدة التي تعد من أطول قصائد الديوان تكاد أن تكون وافية في رسم الواقع الفلسطيني، فرغم أن هناك وصف للواقع القاسي/ المؤلم إلا أن الشاعرة كانت فاعلة ومتحركة، وهذا ما أكدته عندما كررت "أبحث/ تبحث" وهذا البحث كان كبيرا ومتشعبا حتى أنه ارهق الشاعرة جسديا/"ظمأى"، ونفسيا/"تجلوا الهموم"، وهو من جعلها (تتوه).
أما حالة الغضب فنجدها في لفظ "العهر" واستخدام الشاعرة أل التعريف تؤكد بها حنقها وغضبها على الواقع، لكن يستغرب أحدهم من تناولها لحالة الغضب قبل السواد، حيث بدأت بالذروة ثم انتقلت إلى الأسباب والشرح، أعتقد أن هذا الأمر عادي/ طبيعي حيث يبدأ الغاضب/ المقهور/ المظلوم ب(شتم) الواقع وبعد أن يهدأ (قليلا) يبدأ في توضيح/ شرح سبب غضبه وانفعاله، من هنا نجد أن نهاية المقطع:
" تبحث عن فلاة
عن همسة
تجلو الهموم وبسمة
تفتر من
ثغر الحياة"
فالخاتمة جاءت أهدأ كثيرا من الفاتحة، فألفاظ: "فلاة، همسة، بسمة، الحياة" والتي تلفظ فيها التاء قريبة من لفظ الهاء، يأخذنا إلى الراحة/ الهدوء الذي يتبع لفظ الهاء. ونلاحظ حالة الهدوء/ السكينة في عدد الحروف الذي تتشكل منه الكلمات، فكلها مكونة من ثلاثة إلى أربعة حروف إذا ما استثنينا "الهموم، الحياة" فبدا المقطع وكأن الشاعرة استنفذت طاقتها وغضبها ولم يعد هناك ما تتحدث به فجاءت الكلمات بهذا الشكل والقصر ولفظها مريح للنفس.
وفي قصيدة "صدر القرار" نجد صورة أخرى للقسوة/ للسواد:
"ما عاد صوت الرعد يعنيني
ولا صوت الكنار
ما عادت الأشواق نهرا جاريا
نحو الفؤاد فمهجتي
سدت نوافذها
وأسدلت الستار
فالكون يرعب..
والريح مخيفة
وشذا الربيع أصابه عفن
والموت يحصد..
ما جنينا .. من ثمار" ص24و25.
اللافت في هذه القصيدة ما تحمله من بعد أسطوري، فيبدو وكأن المتحدث/ة تستند إلى فكرة خصب البعل الذي يحضر مع الريح التي تجلب الأمطار، ومن خلال زقزقة العصافير/ الطيور/ الكنار، فالبعل يأتي في الربيع، فهناك مجموعة مؤشرات تأخذنا إلى انعدام الخصب وحلول الجذب بصورة كاملة: "ما عاد الرعد، الكنار يعنيني، ما عادت الأشواق، فمهجتي سدت، فالكون مرعب، الريح مخيفة، الربيع أصابه العفن، الموت يحصد" فعدم عودة/ حضور البعل يقابله استمرار الموت/ الجذب وهذا ما نجده في القصيدة.
وتأكيدا لحالة القنوط التي تمر بها الشاعرة قولها:
"سدت نوافذها
وأسدلت الستار"
فتكرار حرف السين ثلاث مرات يعطي مدلولا إلى أن (السد) كبير/ دائم ولم يعد هناك مجالا لتجاوزه.
ونجد السواد في قصيدة "هروب":
"سأصبو للحياة بظل كهف لأنسى ما مررت به من المآسي
كأن الدهر لم يرزأ بغيري فجرعني المرارة بملء كأسي
سئمت العيش أن العيش ذل بأهواء أجرعها انغماسي
كأني والسعادة في نفور ويأتي الحزن يسهم في انتكاسي: ص83.
فكرة الشبع/ اليأس من الحياة حاضرة من خلال مضمون القصيدة، وما تكرار "العيش" الذي سبقه "سئمت" ولحقه "ذل" إلا تأكيدا لحالة القرف/ الرفض لما هو كائن/ حاصل، ونلاحظ أن الأنا حاضرة بقوة في القصيدة، من خلال استخدام الشاعرة أنا المتكلم: "سأصبو، لأنسى، بغيري، فجرعني، كأسي، سئمت، أجرعها، انغماسي، كأني، انتكاسي" كل هذا يجعل الأنا حاضرة وبقوة، لكن اللافت وجود : "انغماسي، وانتكاسي" القريبين في لفظهما، حيث يتشاركان بأكثر من حرف "الألف (مكرر)، والنون، والسين، والياء" وهذا يؤكد حالة التماهي بين مضمون القصيدة والشاعرة، وبين ألفاظها ومن كتبها/ أخرجتها لنا، فالألفاظ والحروف التي تتكون منها أكدت حضور أنا الشاعرة في القصيدة.
الصورة والسلاسة
أهمية الشعر لا تقتصر على المضمون فحسب، بل على الطريقة/ الشكل الذي يقدم به، من هنا نجد صورة شعرية منتشرة في الديوان، فالشاعرة كانت تعي أنها تقدم مادة قاسية في الديوان، فارتأت أن يكون هناك مخفف يزيل شيئا من تلك القسوة/ السواد الكامن فيه، وجاء في قصيدة العنوان "ركاب الرحيل" لتكون إحدى قصائد التخفيف:
"ما بال دمعي لا يجف وشعاف قلبي يرتجف
خرس به.. لكنه عما بقلبي قد يشف
شبح الفراق يطوف بي وركاب رحيلك لا يقف
هلا التفت هنيهة قبل الوداع لنلتحف
...
أني التي قد أيقظت فيك المشاعر والرهف
ونثرت عطر الورد في صحراء قلبك فاغترف
وانهل من النبع الذي إن غيض بحرك لا يجف" ص55و56.
إذا ما توقفنا عند الأفعال سنجدها أفعال ثابتة، وإذا ما كانت هناك حركة فهي حركة في المكان ذاته: "يجف (مكرر)، يرتجف، يشف، يطوف، يقف، التفت، لنلتحف، أيقظت، ونثرت، فاغترف، وانهل" وهذا يعطي دلالة إلى رغبة الشاعرة بالاقتراب، بالبقاء إلى جانب رجلها/ حبيبها، وهذا ما أكدته عندما تحدثت عن الجفاف الأول "دمعي لا يجف"، وجعلت الجفاف الثاني محفزا لرجلها ليبقى/ ليقترب منها: "إن غيض بحرك لا يجف".
ونلاحظ وجود (جفاف) متعلق برجلها "صحراء قلبك، إن غيض بحرك" وهذا يأخذنا إلى (تغريب) صفات "البعل" وما يحمله/ ما يأتي به من خصب، فقد أصبح البعل يمثل اليباب، الجفاف، وجاء/ حضرت الشاعرة كما حضرت "عشتار" لتنقذ الأرض ومن عليها، وما حديثها عن الخصب الجمالي: "ونثرت عطر الورد" وخصب الطبيعة/ خصب الغذاء "النبع الذي لا يجف" إلا صورة عن هذا الخصب الذي تحمله الأنثى بعد أن (جف) خصب البعل/ الرجل.
بهذه الشكل استطاعت الشاعرة أن تقدم فكرة قاسية بصورة شعرية تأخذ المتلقي إلى عالم الأسطورة، مما يخفف من حدة (الجفاف) الذي يحمله مضمون القصيدة.
وما يحسب لهذه القصيدة أن الرغبة بالبقاء بالقرب من "البعل" جاءت بصورة شعرية لافتة:
" هلا التفت هنيهة قبل الوداع لنلتحف
وانهل من النبع الذي إن غيض بحرك لا يجف"
فنجد فيها صورة غياب البعل "الوداع" وحب البقاء والرغبة الجامحة في "نلتحف"، وصورة خصب عشتار/ الشاعرة "وانهل من النبع" فبدت وكأنها تقول للبعل أنا أمنحك الخصب الذي فقدته، فتكامل الخصب بين "عشتار والبعل" كان حاضرا في القصيدة، ويعطي صورة عن طبيعة لقائهما معا.
الديوان من منشورات مكتبة كل شيء، حيفان الطبعة الأولى 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في