الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الأفكار/ جزء 2 من 3 / بقلم بابلو ميراندا /ترجمة مرتضى العبيدي

مرتضى العبيدي

2023 / 5 / 17
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ما هي الأفكار؟ من أين تأتي؟ ما هي الأيديولوجيا؟
الأفكار هي دائما انعكاس للواقع المحيط، لكنها ليست مجرد استنساخ رسومي؛ وهي تعبّر عن عمل تجريدي أنتج في دماغ الإنسان.
فالأفكار لا تنشأ من العدم، بشكل عفوي، وهي ليست وحيًا إلهيًا، ولم تولد معنا؛ إنها تتشكل وتعبر عن نفسها في واقع ملموس، فهي نتيجة للإدراك الحسي للأشياء والظواهر الموجودة في الطبيعة، والأحداث التي تحدث في تطور المجتمع؛ هي نتيجة لتطور البشر، وقد ثبتتها الممارسة. تنشأ الأفكار من الممارسة الاجتماعية، ويتم تفسيرها، وتصبح مفاهيم يتم التحقق من صحتها في الممارسة.
تتشكل الأفكار في الذاتية البشرية من خلال الإدراك، من خلال الحواس، من خلال رؤية الأشياء والظواهر، من خلال المحادثة والقراءة. يتبع هذه المرحلة الأولى تفسير وقبول هذه الأفكار على أنها أفكارنا. وتتطور الأفكار في الدماغ، مما يحولها إلى مفاهيم. ولا يمكن التحقق من صحة هذه الأفكار إلا من خلال الممارسة وتنفيذها وتطبيقها في الطبيعة والحياة الاجتماعية. بمعنى آخر، تنشأ المعرفة أولاً من الواقع الموضوعي، من خلال الممارسة، ثم تتم معالجتها وتعود إلى الممارسة للتحقق من صحّتها.
عندما يتم تشكيل مجموعة من الأفكار التي تمثل المصالح المادية لمجموعة اجتماعية وتقديمها كأطروحات، فإن المجموعة بدورها تحدد نفسها بهذه الأطروحات، مما يؤدي إلى تشكيل نظام أفكار، إيديولوجيا.
الأيديولوجيا هي مجموعة من الأفكار والمفاهيم والآراء حول مختلف ظواهر الطبيعة والمجتمع، حول الماضي والحاضر، بما في ذلك مقترحات للمستقبل. إنها تفسير للتاريخ، والقضايا التي تهم البشر، والمواقف من القضايا المختلفة، ورؤية للقضايا والمشكلات، وطريقة التفكير، والمعيشة، والعمل، والنضال من أجل مصالح مجموعة اجتماعية، حزب سياسي، طبقة اجتماعية. إنه نظام أيديولوجي، تصور للعالم. الأيديولوجيا هي طريقة تفكير وعمل جماعي أو قطاع من المجتمع يتم مشاركته في مجالات مختلفة. وبالتالي فإن الإيديولوجيا ليست موقعًا، أو ظاهرة ذات طبيعة فردية. إنها نوع من الوعي الاجتماعي.
تتوافق النظم الأيديولوجية مع الطبقات والقطاعات الاجتماعية. وهي تعبّر عن الوضع المادي والمصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. كل طبقة اجتماعية لها تفسير للحياة وتحدد مسارها وفقًا لمصالحها. يتوافق أسلوب الحياة دائمًا مع أساس مادي محدد، على عكس أسلوب الحياة الذي يشمل الخصوصيات العائلية والشخصية.
"الأيديولوجيا هي انعكاس، في الوعي البشري، للظروف الاجتماعية الموضوعية القائمة. هي في الأساس انعكاس لعلاقات الإنتاج. كما أنها تتحدد، إلى حد كبير، بالعادات والتقاليد والمفاهيم التي تنتقل من جيل إلى جيل، ومن خلال عمل النشر". (ماركس وإنجلز، رسالة إلى عصبة الشيوعيين)
باختصار، يتم تفسير جميع ظواهر الطبيعة والمجتمع والدفاع عنها وفقًا للمصالح المادية للطبقات الاجتماعية التي يواجهونها.
في المجتمع الرأسمالي، تخوض الأيديولوجيا الطبقية للبرجوازية معركة حتى الموت مع رؤية العالم للطبقة العاملة. وتساهم في هذا الصراع كذلك إيدلوجيات طبقات المجتمع الأخرى، البرجوازية الصغيرة، وشبه البروليتاريا، وكذلك إيديولوجيات الطبقات القديمة، ملاك الأراضي والإقطاعية.
عندما تنتمي وجهات النظر، والتقديرات المفاهيمية إلى قطاعات مختلفة من نفس الطبقة الاجتماعية، فإنها تعبر عن المصالح المادية لهذه المجموعات وتكون بشكل عام جزءًا من الدعم النظري لأحزابها السياسية؛ وهي تعبّر عن نفسها في مقترحات برنامجية واجتماعية وثقافية، وتتنافس مع بعضها البعض، أحيانًا بمرارة، لكنهم يتوصلون أيضًا إلى حلول وسط، الى توافقات للدفاع عن المصالح العامة للطبقة الاجتماعية.
عندما تتصادم إيديولوجيات الطبقات الاجتماعية المعادية لبعضها، يندلع صراع لا يرحم يحدد مسار المجتمع والحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. هذه المواجهة جزء من الصراع الطبقي.
يتم التعبير عن الصراع بين مفاهيم الطبقات الاجتماعية العدائية في جميع المجالات: في صراع الأفكار، أي في صراع الأضداد للدفاع عن مفاهيم كل منهما؛ في المجال الاقتصادي لتلبية وتنمية حاجياتهم وتطلعاتهم المادية؛ في المجالات الثقافية والعسكرية. وفي المجال السياسي، الصراع بين الملاك الذين يريدون الحفاظ على سلطتهم، وبين المضطهدين الذين يكافحون للإطاحة بالسلطة القائمة وتأسيس سلطة جديدة.
عندما تتحول الأفكار إلى نظام أفكار، إلى أيديولوجيا، فإنها تصبح تصورات يتم التعبير عنها في تقييمات للواقع والتناقضات ووسائل حلها لصالح الجماعة التي تدعمها. يتم التعبير عنها في شكل مقترحات وبرامج وطرق وأساليب لتحقيق الأهداف. تلك هي الظروف التي ولدت فيها النظرية.
إن مفاهيم وتصورات الطبقة العاملة كانت مجرّدة وتم حوصلتها وتنظيمها من قبل المناضلين الاجتماعيين والمثقفين الثوريين وأصبحت النظرية الثورية للاشتراكية العلمية. لعب ماركس وإنجلز، ثم لينين وستالين، دورًا مهمًا في تطوير نظرية التحرر الاجتماعي. لقد حددوا مبادئ وأهداف التحرر الاجتماعي، وكذلك مبادئ وأهداف الثورة الاجتماعية للبروليتاريا. كما حددوا دور الجماهير في التاريخ، واستخدام العنف الثوري للإطاحة بالرأسماليين وتبوئة الطبقة العاملة مكانة الطبقة الحاكمة في المجتمع. وبلوروا طابعها الأممي ومبادئ الأممية البروليتارية، وضرورة الحزب السياسي للطبقة العاملة، الحزب الشيوعي.
إن النظرية الثورية، الاشتراكية العلمية، الماركسية اللينينية هي النظرة العالمية للطبقة العاملة، إنها الأيديولوجيا البروليتارية، المرشد لبناء الحزب الشيوعي، لتنظيم وقيادة الثورة إلى النصر، من أجل بناء المجتمع العمالي، الاشتراكية، ومن أجل استمرار النضال من أجل إقامة الشيوعية على الصعيد العالمي.
تصبح الماركسية اللينينية قوة مادية عندما تنتظم الطبقة العاملة والطبقات الكادحة الأخرى والشباب والنساء ويكافحون وفقًا لمبادئها، عندما يحدد حزب البروليتاريا التوجهات السياسية على الأرض ووفقًا للظروف الملموسة، مسترشدا بمبادئها، ويؤدي دوره في توعية ونضال الجماهير الكادحة والشباب.
النظرية الثورية، الماركسية اللينينية، قيمة بحد ذاتها. إنها نتيجة التحليل العلمي للمجتمع، لتجربة نضال الحركات العمالية والشعبية. هذا هو تراث الطبقة العاملة في جميع البلدان. إنها دليل لنضال الشعوب من أجل التحرر. يمكن للطبقة العاملة أن تؤدي دورها في التحول فقط طالما أنها منخرطة بعمق في الصراع الطبقي.
يشير ماركس في نقده لفلسفة هيجل للحق إلى ما يلي:
"لا يمكن لسلاح النقد، بالطبع، أن يحل محل نقد السلاح، يجب الإطاحة بالقوة المادية بالقوة المادية، لكن النظرية تصبح أيضًا قوة مادية بمجرد أن تمسك بها الجماهير.»
أشار لينين عن حق إلى أن "النظرية بدون ممارسة عقيمة، والممارسة بدون نظرية عمياء". عندما تقتصر النظرية على الكتب وتستخدم فقط للمناقشات في المقاهي، فإنها تصبح عديمة الجدوى للتنظيم والنضال الثوريين. عندما تقتصر الأنشطة العمالية على المطالب والنضال من أجل تحسينات فورية، لا يمكنها إنهاء الاستغلال والقمع الرأسماليين. علاوة على ذلك، فإن النضالات الاجتماعية، حتى عندما تصل إلى مستويات عالية وتتحول إلى تمردات وانتفاضات، لا تؤدي إلى ثورة بدون بوصلة الماركسية اللينينية تحت قيادة الحزب الشيوعي.
تؤكد هذه التصريحات صحة النظرية الثورية كأداة لا غنى عنها لتنظيم وصنع الثورة، وضرورة وحدة النظرية مع الممارسة.
إن صراع الأفكار، أي الصراع الأيديولوجي بين الاشتراكية والرأسمالية، يمكن أن يحقق نتائج لصالح قضية الثورة إذا تطور في خضم الصراع الطبقي، في خضم نضالات العمال من أجل مصالحهم الخاصة. ضد الإكراه والقمع، وضد الأطروحات والاقتراحات الرجعية التي يدافع عنها الرأسماليون وخدمهم، وضد مقترحات الإصلاحيين والانتهازيين الذين يحاولون التأثير على تنظيم وإرادة النضال الجماهيري واختطافهما.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا