الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الشعر العمودي وقصيدة النثر/ نموذج لقصيدتين
رياض قاسم حسن العلي
2023 / 5 / 19الادب والفن
يدور الحديث والنقاش كثيرا حول شكل القصيدة بين العمود والنثر بعد غياب لافت للنظر لقصيدة التفعيلة بشكلها السيابي والتي كانت حلقة وسطا بين العمود والحر بشكله الذي ظهر فيما بعد فكان مقبولا من قبل سدنة الأدب الرفيع المدافعين عن الشكل الكلاسيكي للقصيدة العربية، ولكن أليس الشعر هو الشعر الذي يصل إلى المتلقي بغض النظر عن شكله، فمثلا نجد شاعرا عموديا وهو عبد الرزاق عبد الواحد قدم واحدة من أجمل قصائد النثر العراقي ألا وهي قصيدة (الزائر الأخير) فهي تقف بنفس المستوى لبعض قصائد عبد الواحد ذات القيمة الفنية العالية كقصيدة (في رحاب الحسين) مثلا فمن منا يتذكر قصائد المديح القبيحة لهذا الشاعر بينما بقيت الزائر الأخير وفي رحاب الحسين ما بقي الذوق الشعري.
والعراقي بطبعه القديم محب للشعر وهذا أمر طبيعي لأن في العراق ولد الشعر، وقبل أيام قرأت نصين لشاعرة وشاعر ولفت هذين النصين انتباهي لجمالهما، النص الأول للشاعرة البصرية جنان المظفر . والنص الثاني للشاعر عدنان الفضلي .
نص المظفر مسبوكا بفخامة العمود وسلاسة العبارة واستخدمت قافية العين التي تحمل عادة قوة في الإلقاء وأكثر القصائد العينية هي هكذا .
لنقرأ مثلا:
(أغفوا على جرح يمازج أضلعي
صلبت على قيد المواجع أدمعي)
حيث نجد تكرار حرف العين يمثل كضربات القدر الموجعة المتوالية، والغفوة هنا لا تعني الغفوة الوقتية بل هي غفوة لأخذ استراحة المقاتل من جرح بعمق العراق.
أو:
(هذا أنا وأنين ناي حرقة
فوسادتي تصحو تهدد مضجعي)
هنا تستخدم الشاعرة حرف النون كأنها تنقل إلينا عزف الناي الحزين، وتتحول الوسادة من شيء مريح إلى تهديد فلاشيء يريح وسط كل هذا الوجع.
أو:
(ما زال عطرك ينثني في راحتي
شاخت بأوردتي دموع توجعي)
وهل للوطن عطر؟ نعم، للوطن أكثر من عطر في راحات عشاقه، لكن في لحظات الوجع هذا العطر ينثني في لحظات العجز والدموع من طول ما انهمرت فأنها تشيخ في الأوردة، أي وجع هذا.
أو
(لا تطلبوا مني تذاكر سفرتي
فهويتي هذيان طفل لا يعي)
لا نستطيع السفر دون هوية وتذاكر وهنا الشاعرة ترفض كل هوية إلا هوية هذا الطفل الذي يهذي دون وعي، ألا يذكرنا هذا البيت بما قاله السياب (كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام).
أو
(يا قبلة العشاق وجهك مقمرا
وثراك طهر لا تملي، تجزعي )
تعود الشاعرة لتخاطب مدينتها وغزل المدن وهو مما برع به الشعراء العرب عادة.
وقصيدة (قيد الوجع) منشورة ضمن مجموعة الشاعرة المعنونة (هدير حكاية) الصادرة عن دار أمل الجديدة سنة 2021 وفيه تجمع الشاعرة بين العمود وقصيدة النثر.
بينما عدنان الفضلي في نصه المبهج (في الطريق إلى الناصرية) المنشور في مجلة مرسى أدب في العدد الرابع سنة 2023 يقدم لقارئ الشعر وجبة دسمة من قصيدة النثر الحقيقية فلنقرأ مثلا:
(قد يصادفك مشحوف، لم يكتب عليه لفظ الجلالة
لا عليك...
إنه يعود لبوذا، وقت جاء يتعلم العزف الجنوبي في مضارب بني أسد
نسيه عند جدتي التي، أورثتني الضلالة اللذيذة والإلحاد السومري
وقد... تسقط نظراتك على أطلال بئر، تحرسه أفعى خضراء
لا عليك...
هذا منبع الأهوار، التي سكنها شعب يتلو على نفسه فقط...
الابوذيات التي تكتبها النسوة، مدافة بالطين وبقايا القصب.)
في مواجهة تناثر هدير هذه الكلمات لا أجد أمامي إلا الصمت والاستمتاع بشغف...
أو مثلا
(في الطريق إلى الناصرية...
ستشاهد آثار البساطيل على طول الطريق
هي ليست للجنرالات...
هذه آثار ( المگارید ) السومريين...
الذين لا يجد المخنثون، حطبا لنيران حروبهم بغيرهم
وأينما تلتفت في ذلك الطريق...
ستشم رائحة شواء، تنبعث من قلوب الأمهات والعشيقات
كون نارهن أزلية متقدة بوقود الفقد.)
فهل ثمة كلام يقال بعد هذا...
-------
وأقول قصيدة النثر الحقيقية لأن ما نقرأه من بعض النصوص تنسب إلى قصيدة النثر أساءت لهذا النوع الجميل من الشعر والذي صار مقربا من المتلقي القارئ والمستمع في نفس الوقت.
طبعا اخترت مقاطع أو أبيات من النصين ويمكن للقارئ الاستمتاع ببهجة الشعر حينما يقرأها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. VODCAST الميادين | مع الشاعر التونسي أنيس شوشان | 2024-03-27
.. إصابة نجل الفنان الراحل فؤاد المهندس إثر حريق داخل شقة
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب