الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الرابع والآله؟!!/1

عبدالامير الركابي

2023 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يوشك العراق الرابع على الانبثاق وسط الدمار الافنائي، بعدما قررت الامبراطورية المفقسة خارج رحم التاريخ ازالته من الوجود بصيغته الثالثة التي استمر عليها من دخول القوات البريطانيه عام 1914 الى وقت قريب. وكان هذا الموضع الامبراطوري الكوني قد عرف قبل المرحلة الثالثة من تاريخه، خلال الطور الانقطاعي الحالي الثاني مرحلتين، اولى برانيه بدات مع دخول هولاكو للعاصمة الامبراطورية عام 1258 ، وامتازت بغلبة حال الانهيار الشامل والفوضى التي ظلت غالبة جنوبا في ارض السواد، بينما ظلت العاصمة موقعا رمزيا برانيا تتعاقب عليه السلالات والسلطنات، الامر الذي استمر على مدى ثلاثة قرون، انتهت مع القرن السادس عشر، حين بدا الانبعاث الحالي، والدورة التاريخية الثالثة بعد الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، والثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، مع تباينات الاشتراطات الناظمة لصعود كل دورة، ذاتية في الدورتين الاولى والحالية من ارض سومر، وبتدخل جزيري تحريري في القرن السابع، حرر الاليات مابين النهرينيه المتحفزة، من وطاة الاحتلال الفارسي، واسهم بذلك في اطلاقها في دورتها الثانيه.
وكما ان الكيانيه المتعدية للكيانيه المحلوية، اي الكونية الامبراطورية كينونة، هي حالات صعود ذروة، فانها محكومة في الوقت ذاته للانقطاعات، مع الاختلافات في الحالة، بحسب المتغيرات والتطورات التي يورثها الصعود نفسه، واثره المتعدي لنطاقة، فاختلفت حالة الانقطاع الثانيه بعد العباسية القرمطية الانتظارية، بكونها وجدت متلازمه مع حالة الصعود والعودة للتشكل في ظل الانقطاع بصيغته البرانية ومفاعيله، تواليا كما ذكرنا، ضمن الحالة البرانيه الاولى بلا انبعاث ذاتي، ذهابا الى عودة الازدواج، وهو ماعادت معه ارض سومر التاريخيه اللاارضوية كينونة للحضور، لتنشا من القرن السادس عشر حقبة تشكلية جديده اصطراعية، عرفت ارض السواد بموجبها محطتين، "قبلية اولى"، و"انتظارية نجفية" ثانيه، حسبما اقتضت ظروف الصراع والتبلور التشكلي الذاهب الى اعلى، هذا وتغلب على الفترة المذكورة برانيا، الحضور العثماني الاطول وهو الاخر مر بطورين، الاول اعتمد فيه العثمانيون على المماليك كوكيل يجنبهم مغبة تحمل وزر الحكم المباشر المكلف والصعب، واخر احتوائي، يبدا مع الاحتلال الثالث الذي اضطر له العثمانيون تحاشيا لاحتمالات صارت شبه مؤكدة، كادت تفضي الى نوع من استقلال المجال المعروف بالعراق، ماقد دفع بهم لاعادة احتلاله للمرة الثالثة عام 1831، وازالة اخر المماليك داود باشا.
ومع ان العثمانيين استعانوا خلال فترتهم الاخيرة المذكورة، بالانعكاسات التي كانت قد القت بظلها عليهم بسبب النهوض الحديث الاوربي، ماقد تجلى فيما عرف وقتها ب "التنظيمات"، الا ان الفترة غير المديدة التي قضوها هذه المرة من حكمهم البراني، خلت مثلها مثل ماسبقها، من الجانب الاهم والاخطر الذي سيكون لاحقا من اهم المتغيرات التي تصل حد الانقلاب في المسار الانقطاعي البراني.
ذلك هو الجانب النموذجي الاعقالي، الكيانوي المحلوي الذي جاء الغرب يحمله، وقلب به قواعد الاصطراعية، والاشتراطات الملقاة على التشكلية العراقية الحديثة المستمرة من القرن السادس عشر، وهكذا صارت للعراق اليوم "ولادة حديثة"، كرست بسردية تقول بان العراق الحديث هو ذلك الذي يبدأ بالتشكل من 1831 مع الاحتلال التركي الثالث، ويتمثل جغرافيا في الولايات التركية الثلاث، بغداد والبصرة والموصل، وهكذا وكما العادة المعتمدة، الحق هذا الجزء من العالم بالاليات الراسمالية العالمية، وسوقها، وحتميات الالتحاق به، الامر الذي كان يمكن اعتباره من قبيل المرحله التاريخيه ومقتضياتها على مستوى العالم.
وهنا يجدر التوقف لمراجعه مسالة جوهر واساس، تتركز في السؤال عما اذا كان لازما او ممكنا وقتها، كما اليوم، التوقف عند مسالة الولادة "الوطنيه"، او اكتمال التشكل التاريخي، وهل هي مستمرة تتجاوز الافتراض البراني الغربي وفبركته، ام ان ماقد بدا في القرن السادس عشر قد توقف وانتهى مفعوله مع الاحتلال الغربي البريطاني للعراق؟ وقتها لم تظهر للوجود اية ردود فعل يمكن ان تنسب الى التشكلية المستمرة، وان ظهرت فتكون غير ناطقة، الامر الذي يمثل نقيصة كبرى تاريخيه، ناجمه عن قصور العقل بازاء الظاهرة المجتمعية العراقية بنوعها ونمطيتها الازدواجية الاصطراعية اللاارضوية/ الارضوية، الامر الذي وفر للحضور الغربي البريطاني، الفرصة التي يحتاجها لكي ينفذ مشروعه، ويفرض عل العراق مايراه ويعتقدة او يريده بشانه، وان بهشاشة وبلا استقرار.
المؤكد اننا امام نوعين من النشأة، اولى سابقة باكثر من ثلاثة قرون تنتمي لسياقات ونمطية تاريخيه دوراتيىة انقطاعية كونية امبراطورية، شروط انبثاقها مختلفة وسابقة على ظاهرة الغرب ونموذجيته الكيانيه، كما على مستوى الدولة مع ان سياقات ولادتها ومسارها، تساعد على غمطها والتنكر لها، لانها تولد في ظل البرانيه المتعاقبة، بعكس الحالتين او الدورتين السالفتين، الاولى التي وجدت مع اسبقية تشكل الكيانيه الرافدينيه وبدئيتها البكورية على غيرها وماجاورها من مجتمعات، مع اول امبراطور في التاريخ سرجون الاكدي، ذهابا الى بابل، والثانيه التي تركزت مستفيدة من المجال، او الفضاء الذي وفره الفتح الجزيري الذاهب الى الصين والهند شرقا، واوربا غربا، في حين تبدا الانبعاثية الحالية، تحت وطاة البرانيه وتعاقب الاحتلالات على عاصمة الدورة الثانية المنهارة.
والجانب الاضافي الشديد الاهمية والحري بالتلبث هنا، يتمثل في الفصل الشديد الحساسية المتاتي من اعتبار الغرب الالي الحالي، مرحلة تاريخيه متعدية لما قلبها من دون استثناء، مامن شانه منع القول بعدم شمول النموذج الغربي باثره، لنوع معين من الكيانيه التاريخه، وهنا تصير الامور من قبيل الاستثناء عسرا واستحالة، اذا مااردنا النظر في مواقف اولئك الذين تبنوا نموذج الغرب في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، ليذهبوا لحد الايمان الايديلوجي به وبموضوعاته ومنهجياته، فهؤلاء ليست لديهم موروثات من شانها ان تشكل اي نوع من القاعدة او الاساس الذي يرتكزون له في حينه، في موضع ذاتيته ونوع بنيته تتعدى الطاقة المتاحة المتوفرة على الادراك.
ذلك في حين تاخذنا اللحظة المشار لها ولاشتراطاتها، نحو نوع حجج ومرتكزات تعرفيه متعدية اصلا، حتى لتلك التي توصل لها الغرب مع الانقلاب الالي في بداياته، وما واكبه ونجم عنه من انقلابية مجتمعية، وتعظيم لعمل الاليات المجتمعية، مايضعنا بمواجهة واحدة من اخطر الاطلاقات النكوصية التي عممها الغرب، وبمقدمها عولمه الالة، والقول والايحاء بان الاله يمكن ان توجد في كل المجتمعات، او يكون حضورها هو نفسه، او انه واحد مماثل لذلك الاوربي، وهنا نقع على مسالة اخرى قصورية غربية وتوهمية، تخص الاله نفسها، واذا كانت ظاهرة ثابته او انها متغيرة نوعا وفعلا، كما حدث لها بالتحول للتكنولوجيا، او ماهو متوقع من انتقالها الى "التكنولوجيا العليا"، وكان احد الكتاب العرب قد تساءل عن السبب في كون بغداد ايام العباسيين لم تنتقل الى الالة والتحول الراسمالي، مع توفر كل ماهو ضروري ولازم، فلم تخطر له احتمالية ان تكون الالة لاتنبجس في كل المجتمعات، بالذات في مجتمع الازدواج اللااضوي، وانها بالاحرى حصيلة اصطراعية ازدواجية مقفله، مسدودة النهايات مثل الاوربية الطبقية، وماقد عرفته من اصطراعية نهائية، اقطاعية برجوازية، استدعت بفعل الانسداد وفقدان الافق الاصطراعي، ظهور طرف وعامل ثالث من خارج العملية المجتمعية زمن غير نوعها، بينما الاصطراع التاريخي المجتمعي الازدواجي في ارض مابين النهرين، وايام العباسيين، او بابل انتهى وينتهي عادة، وبحكم كينونته وطبيعته، الى الانقطاع والانهيار الشامل، مايجنب حال الدورات الاصطراعية هنا الحاجة لعنصر ثالث يوفر الحسم لاحد الطرفين.
وهنا نصبح امام سؤال اخر غير مطروح، وماكان واردا طرحه، مفاده: ترى هل ان الالية الاوربية الحديثة فاعلة كما تتصور هي، او كما تدعي حين يتعلق الامر بالكيانيه الازدواجية اللاارضوية / الارضوية، وهل يعني وصولها ومحاولتها الهيمنه وفرض النموذج، ارتكازا للوسائل المتاحة والمتوفرة على استثنائيتها، قدرتها الفعلية على اكراه النموذج الرافديني على الصدوع لمنطقها ونموذجا، بمعنى تخليه عن العملية التشكلية الحديثة، القائمة والمستمرة من القرن السادس عشر، بظل البرانيه وتعاقب الفترات؟
لاشك ان تغيرا نوعيا قد طرا على عملية التشكل الانبعاثي للدورة الحالية الرافدينيه، مع الانقلاب النوعي الالي الحال على العالم، كان سيترجم حتما الى انقلاب في المسار التشكلي، اهم وجوهه واكثرها وطاة، القناعة شبه المطلقة التي تعم تصور ابناء هذه البلاد بصدقية وطبيعية النموذج الغربي المسقط عليهم، مايضعهم بعيدا جدا عن ذواتهم، وكما لم يحدث من قبل وعلى مر التاريخ، هذا علما بان الكامن هنا، والمطوي الذي لايقارب في حينه، احتمالية النظر الى الحاصل اليوم ذاتيا وعلى مستوى المعمورة من تلاؤم، بين المنقلب الالي والتشكل الاصطراعي اللاارضوي/ الارضوي، هذا في حال ابتعدت الرؤية عن المنظور التوهيمي الغربي للالة ودورها، وحقيقتها التي ينظر لها الغرب وكانها ثابة، في الوقت الذي يؤكد المسار انها متغيرة، وان المقصود منها كحدث، لا الغرب ونمطيته المجتمعية وازدواجه الطبقي، بل المجتمعية اللاارضوية، والوسيلة الانتاجية المتطابقة معها"التكنولوجيا العليا".
وكمثال فان شبه الانتقال، او استعمال الالة في العراق، قد وجد كحاجة اصطراعية، لم تكن لتوجد وان بحدودها التي تحققت، الا "ريعيا نفطيا"، لتغدو ايام النظام السابق نموذجا آليا مختلفا هو او ينبغي ان يطلق عليه اسم "الالية الريعيه" لا "الطبقية" الكلاسيكيه.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE