الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توثيق أماكن الذاكرة الجماعية بفجيج مراد مرغوب فيه

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2023 / 6 / 4
حقوق الانسان


من التوصيات المسطرة، عقب المراء الجاري بفجيج بجنوب شرق المغرب، حول الذاكرة وحقوق الإنسان، أثناء أشغال محفل الذاكرة ليومي 26 من شهر مايو من العام 2023 و27 منه، توثيق الشهادات. ذلك أن أحداث شهر مارس من العام 1973 في المغرب انجرت عنها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، نحو الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والمحاكمات غير عادلة، في أحسن الأحوال، والاختطاف والاختفاء القسري في أسوئها، وجرت تلك الانتهاكات بعيدا عن أبصار المدونين وذوي الأقلام الحرة المستقلة.
ولأن الأجهزة التي تنسب إليها تلك المأساة الجيش والدرك لن تكشف عن الأرشيف؛
ولأن ضحايا تلك الانتهاكات أغلبهم من الهالكين، تحت وقع مخلفات التعذيب وسوء المعاملة؛
لزم التوثيق وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ومن حسنات محفل الذاكرة بفجيج أن نُظمت قافلة حقوقية انخرط فيها شهود عيان من الذين مستهم البأساء بزانين مظلمة، ومحتجزات التعذيب والسجون السرية. إنهم شهود على الحدث، وشهود على بعضهم البعض، والتاريخ خير شاهد على الجميع. ومن حسنات المحفل إدراج فقرة زيارة منازل الضحايا صباح اليوم الثاني من المحفل 27 من شهر مارس من العام 2023. وضمن تلك الزيارات دخول القافلة منزل الضحية إبراهيم زايد، وتشكيل حلقية في عرصة المنزل. وبعد إزاحة أصوات المهرجين وادعاءاتهم جانبا، علما أن هناك من يبتغي من الدعاية الباطلة إبراز أبطال وهميين مفترضين، وجعل والده محرك النضال، مما يفرغ الذاكرة من بعدها الجماعي، يجري تمحيص بعض الوقائع التي يمكن أن تفيد في الذاكرة، ولما لا تفيد المؤرخ بعد انتقائها وتمحيصها وتنقيتها.
فبعد استقصاء خبر تعنيف الأساتذة أمام تلاميذهم بمدرسة أحمد بن عبد ربه الأندلسي، مرتين، إحداهما في العام 1961 والثانية في مارس من العام 1973، وهي لقطة جسدها المشاركون في القافلة بوقفة الشموع برحاب المدرسة التي شهدت الحدث ليلة الجمعة 26 من شهر مايو من العام 2023، يأتي المكان الثاني في الذاكرة بمنزل إبراهيم زايد الذي دخلته القافلة صباح يوم السبت 27 من شهر مايو، أي اليوم الموالي. والمثير بقصر زناكة بفجيج أنه كلما مررت بأربعة منازل، فإن الخامسة لأحد ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. أماكن كثيرة للذاكرة أحوج إلى المسح والتوثيق.
في البدء وجد أفراد القافلة منزل إبراهيم زايد مغلقا، وما كان لهم ليغادروا المكان دون قليل من الذكر. وأمام بيته، صدع ابن المناضل بلقاسم وزان، السيد عبد الكريم وزان، بما يلي: «إننا اليوم أمام بيت أحد الشهداء ضمن أحداث 1973. هذا الشهيد وما حدث له يؤكد لنا جميعا نقطة أساسية، وجب استحضارها دائما في أذهاننا أن هذا الشهيد زايد إبراهيم اعتقلته السلطات الجزائرية، إذ فر إلى الجزائر وسلمته للسلطات المغربية، يوم البست الجزائر القناع أنها تؤيد حركة سنة 1973» إذن فالجزائر هي المسؤولة عن «تسليم الشهيد» للمغرب، ويعلم أنه سيحاكم، وانتهى به الإمر إلى حبسه بسجن لعلو بالرباط، وهناك توفي. «كان مصادفة عجيبة يوم وفاته، كان ابنه أخي وصديقي»، [ناداه بالهمس وبالإشارة، أجي السي محمد]، « محمد زايد مسافرا إلى الرباط لزيارة أهله. وجدتني آنذاك بالناظور، وصدفة، وصدفة في نفس اليوم، لدي مهمة بالدار البيضاء، فضلت أن أنزل بالرباط لأتفاجأ صباح ذلك اليوم بخبر وفاته. قررنا أن نلغي الاجتماع النقابي لحضور جنازة الشهيد... وذاك حدث سنة 1978، ورغم ذلك..». قاطعه أحد المشاركين في القافلة: «هل حوكم؟»، أجاب السيد عبد الكريم وزان:« لم يُحكم. سنتان متتابعتان وهو في الاعتقال الاحتياطي. ورغم الحصار السائد وقتها لم تكن جنازته غير عادية، إذ تحول الموكب الجنائزي، الذي عَبَر المسار من سجن لعلو بالرباط إلى مقبرة الشهداء، إلى تظاهرة شعبية»، عرج السيد عبد الكريم في حديثه في إحدى أزقة فجيج أمام المنزل المذكور إلى الحديث عن الشهداء، «الشهداء ما ماتوا ولم يموتوا، فكل شهيد خلف أكثر من ستة أبناء مما يفيد أن هؤلاء سيحملون المشعل، معنى ذلك أن العلم (الراية) لم يسقط»، قاطعه أفراد القافلة بالشعارات....«أقول: الراية لم تسقط، فنحن أبناء الشهداء مدعوون للم شمل الشعب المغربي والجماهيري. وأذكر الإخوان الذين يصفون الشهداء أنهم خائنون (خونة)، لم يكونوا أبدا خونة لأن الخائن من يلعن الشهيد، فهؤلاء لم يستشهدوا من أجل المال، ولم يستشهدوا من أجل جاه، ولم يرضوا برشوة، ولم يقتلوا نفسا. هدفهم الوحيد استكمال التحرير، وإرساء أسس الديموقراطية، وضمان العز والكرامة لهذا الشعب. فطوبى لكم أيها الشهداء، جوبى لكم ونحن»، شعارات تُرفع، وزغاريد النساء « وعلى نهجكم سائرون ولرسالتكم حاملون. وإن وصيتكم في أعناقنا ولن نتخلى عنها»، رفعت الشعارات من جديد: (الشهيد خلا وصية، لا تنازل عن قضية)، وبدأ موكب القافلة يدخل منزل الشهيد إبراهيم زايد المفتوح، بعد لحظة. فهل تضيق عرصة المنزل العدد الوافر من المشاركين في القافلة؟ وكجميع منازل قصر زناكة بفجيج فهي مربعة الشكل، ومكونة من طابق واحد، وتعرضت للترميم. واهتدى الإنسان، هناك، إلى فصل سكن الإنسان عن الحيوان. تحولت عرصت منزل الشهيد إبراهيم زايد إلى بساط حلقية للنقاش والمراء لعب فيها الأستاذ مصطفى المنوزي دور المنشط. وفي عرصة منزل الشهيد بدأ الحديث عن فصول الذاكرة. في البدء كان الصوت غير مسموع، فكان من المتعذر نقل بعض المقاطع. وبالطبع تعذر نقل الشهادة الأولى، رغم النداءات المتكررة المطالبة برفع الصوت، فبعد شوط من الشعارات، تدخل الأستاذ مصطفى المنوزي: «انصتوا لشهادة معايشة، شاءت الصدفة أن السيد قاسم شباب، وهو من مجموعة 77»، يقصد سنة 1977، «عايش لحظة اعتقال مع الشهيد إبراهيم زايد»، أعطيت له الكلمة: «تحية للجميع، بالنسبة لي، قاسم شباب، اعتقالنا جرى سنة 1977، نحن مجموعة 120. دخلنا زنزانة درب مولاي الشريف»، وهو أحد فضاءات الاعتقال والاستنطاق والتعذيب، غير النظامية، بمدينة الدار البيضاء، «وجدنا ثلاثة معتقلين وظفوهم لتقديم خدمات بداخل المعتقل، وضمنهم المعتقل زايد إبراهيم، وهو الذي يتحرك من الآخرين، يوزع علينا الطعام (الماكلة، باللسان الدارج). نقول له: نتمنى إطلاق سراحكم، ويجيب: نتمنى إطلاق سراح الشعب المغربي. أتذكر يوما من أيام رمضان، وكدأبه ظل يوزع علينا طعام الفطور، انزلق وسقط وسكب عليه إناء (الحريرة)»، وهي خليط من الماء والدقيق، مدعم بمواد غذائية كالحمص والعدس والفول والطماطم، ومواد ذهنية كالزيت والشحم، يجري طبخه بعض الوقت ليقدم في وجبات الفطور، «سكب على جسده محتوى الإناء، السائل الساخن. وإنها وضعية مزرية صعبة للغاية»، سأله الأستاذ مصطفى المنوزي: «بماذا عرفت الشهيد، ضمن أفراد المجموعة؟»، يحكي لنا بالصوت الصامت المهموس وبشكل سري، كلما كان انتهاز الفرصة للحديث ممكنا، أنهم ثلاثة أفراد فروا إلى الجزائر، ويشتغلون في ضيعة الشادلي بن جديد، وفي المساء حينما يتمون حصة عملهم في النهار يقصدون حانوت الحلاق للجلوس وتبادل أطراف الحديث، هناك. ولايزالون على ذلك الحال حتى بدا لهم شخص أنشأ يركن سيارته كل مساء أمام دكان الحلاق. سألوا الحلاق: «ما بال ذلك الشخص الذي يحضر كل مساء، ولا يفتأ بصره يشخصنا، يبدو أن الأمر لم يكن عاديا؟». أجاب الحلاق: لا عليكم، إني أعرفه حق المعرفة. وذات يوم دعاهم الحلاق ليتناولوا معه طعام العشاء، لمناسبة ما تحتفل بها أسرته. هنالك ألقي عليهم القبض وجيء بهم إلى مدينة وجدة، وانطلق مسلسل اعتقالهم. ومعنى ذلك، أن هناك تنسيقا وقتها بين المخابرات الجزائرية والمخابرات المغربية. سيق هؤلاء الثلاثة إلى درب مولاي الشريف لينزلوا بزنزانة رقم 6، أخذنا أسماءهم، وبعد الإفراج علينا، بعد مضي تسعة أشهر، عرضنا أسماءهم على المنظمات الحقوقية المغربية والدولية، وبعد بث الخبر على نطاق واسع نودي عليهم للمحاكمة». ولم يتضح من الشهادة المدة التي قضوها بالجزائر، كما لم يتضح هوية الشخصين الآخرين، ولا المدة التي قضوها في درب مولاي الشريف. وفوق ذلك، ليس المجال لاستقصاء كل التفاصيل الصغيرة لضيق الأمد المخصص لزيارة منازل الضحايا ضيقا غاية. وتعد فقرة زيارة منازل الضحايا بقصر زناكة فجيج من أحسن فقرات برنامج القافلة. وقدم شاهد آخر، وإن كان صوته غير مفهوم، وجب الاقتطاف منه ما يمكن، «.... أتذكر أننا في السجن المركزي بالقنيطرة نُساق إلى السجن المركزي بالرباط لغاية العلاج... وحدث أن كان الشهيد عليلا، وطالما طلبنا الإدارة أن تيسر نقله للعلاج لكنها رفضت، وازداد ضيقه وخاصة في يومي السبت والأحد، نقع صراخنا مطالبين بإنقاذه، وأفصح أن الإهمال مقصود، دامت صيحاتنا لمدة أسبوع»، تدخل الأستاذ مصطفى المنوزي: «كنا نسطر في البيان وخلال سنتي 1979 و1980 أن إبراهيم زايد من مجهولي المصير، وكذلك لشكر إبراهيم، قيل أنه اختطف من ليبيا. ومن يعرف عنه شيئا، فليس عليه جناح أن يدلي بشهادته»، تدخل أحد أفراد القافلة موجها السؤال للسيد رشيد المنوزي: «الأخ رشيد، هل اختطف من ليبيا؟»، ويبدو أن السيد رشيد المنوزي أجاب بإشارة تفيد الإثبات، فلم أسمع صوته ولم أر إشارته. وأضاف الأستاذ مصطفى المنوزي: «علينا بتجاوز البوح المفتوح والتفكير في تأسيس فعل توثيق الذاكرة»، وإنه مقترح وجب أخذه بعناية فائقة. تدخل أحدهم متسائلا: «هل نوثق ذلك في كتاب؟»، أجاب الأستاذ مصطفى المنوزي: »لزم تأطير الفعل، فعل توثيق الذاكرة، والوقوف عند التقاطعات بين شهادة أناس ثقات، لاستخلاص حقيقة متوافق عليها. لن تنتظروا من الدولة أن تسلم لكم الأرشيف. فإذا لم نؤسس أرشيفنا وندعمه بالأدلة، ونتخذه مرجعا للتفاوض، لن ننتظر من الآخرين أن يزودونا بالأرشيف. من فضلك أفصح عن الأسماء جهرا ليسمع الحاضرون»، يضيف الشاهد:«... جعواني مختار،... كنا نصيح: ديوه للصبيطار، ديوه للصبيطار،»، أي: «أنقلوه إلى المستشفى، أنقلوه إلى المستشفى»، نقع صراح لرغبة شهود آخرين في التدخل، وأما الأستاذ مصطفى المنوزي، ذو فضول معرفي بحثا عن الحقيقة، فمستمر في تنظيم الحديث، لكن أحدهم صاح: يجب نشر كل شيء، وأنتم تختزنون أوراقكم في (لمجر، لمجر)» أي: في القيمطر، «ليس لدينا ما نخفيه»، استمر الصراخ ينقع، صيحات تنادي بالسكوت: السكوت من فضلكم، «Silence»، »، طفق الأستاذ أحمد الطالبي يتحدث عن كتابه الذي هو تحت الطبع، ويتضمن محاضر المسؤولين عن التعذيب، وفي انتظار صدور الكتاب، لا بد من العودة إلى الموضوع، وللحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال