الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعث و ضرورة المراجعة الذاتية

عبدالكريم العبيدي

2006 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ها قد بدأ الفاعل الأصلي الذي عاث في الأرض فسادا يـُطل برأسه. و ذاك هو مؤسسة البعث الصدامي، فبعد التخفي وراء واجهات "جهادية" و بمختلف مسمياتها (المقاومة الشريفة و غير الشريفة، جيش محمد، الجيش الإسلامي، كتائب ثورة العشرين، مجلس شورى المجاهدين، أنصار السنة، القاعدة...الخ)، ها قد بدأت قوى الردة تتقدم إلى الواجهة من خلال عدد من المناسبات، قد لا تكون أولها و لا أخرها اللقاء الذي أجراه (غسان بن جدو) في فضائية الجزيرة مع المدعو (د. أبو محمد). و الذي سبقه قبل أسابيع قليلة إعلان تنظيم البعث في العراق مسؤوليته عن قتل أحد أقارب القاضي الذي يرأس محكمة الأنفال.

لقد قدم (أبو محمد) طروحات لا تنمّ ُ عن مراجعة نقدية ذاتية من قبل البعث، الذي حكم العراق على مدى ثلاثة عقود و نصف، لفكره و سياساته و آليات عمله التي أوصلت العراق لما نحن فيه. قد يقول قائل إن التجربة "التقدمية" التي أقامها البعث في العراق هي التي جعلته هدفا "للإمبريالية". و السؤال عندها يكون: هناك تجربة مناظرة في سوريا، و هي أطول عمرا من تجربة البعث العراقي إلا أنها ما زالت قادرة على الإبحار في خضم بحر "المؤامرات الإمبريالية" فما الذي يبقيها في الوقت الذي عصفت الإمبريالية بالتجربة العراقية؟

ما زالت طروحات المؤسسة البعثية العراقية على حالها، و هي لا تقدم فكرا أيديولوجيا بقدر ما تجتر شكل الدولة القائم على حكم المافيا العشائرية التي تصادر البلاد و العباد لصالحها، دون تفويض من الشعب. و هي تدعي أن شرعيتها قائمة على أسس "ثورية". فأبو محمد يدعي تمثيله للبعث العراقي دون تقديمه دليلا ملموسا، و هو يصادر تمثيل الشعب العراقي لصالح البعث الصدامي. و البعث الصدامي لا يبيح لأحد من العراقيين "تجاذب" أطراف الحديث مع الأمريكان عداه هو. و كأن البعث منزل من السماء و هو الطرف الوحيد الذي يمتلك صك الوطنية الحقيقية و الآخرون لا يعلمون عنها شيئا. و ما لم يمر العراقي على دوائر البعث لتفتي في وطنيته فالتهمة جاهزة على شكل "كليشة" مطبوعة لتوزيع التهم و لا تحتاج إلا لإدراج الاسم.

مما يثير الاستغراب هو هذا التباكي على صدام و عدم قدرة "البعثيون الحقيقيون" على الفكاك من النموذج الصدامي للبعث. و السؤال هل عقـُم البعث عن إنتاج قادة غير صدام حسين، يؤسسون لجناح يتبنى فكر الحداثة. أم أن أموال السحت التي سرقها صدام صارت تشكل عصب حركة البعث و خاصة جناحه العشائري الذي أنشأه صدام. هل عقـُم البعث عن تقديم قيادات بمستوى عبد الخالق السامرائي مثلا.

لكن فيما يبدو من خلال الحوارات الجارية مع بعثيين سابقين في إطار مبادرة المصالحة الوطنية، أنهم غير قادرين على التحرك مع تسلط الجناح العشائري على رؤوسهم، من خلال القدرات المالية التي يمتلكها و التي تتيح له تشغيل المؤسسات الأمنية التي كانت قائمة زمن النظام المباد. و هم مهددون بالتصفية في حال محاولتهم كسر طوق الجناح العشائري الذي يصادر الخطاب البعثي لصالحه.

و من هنا كان القرار بتأجيل انعقاد مؤتمر القوى السياسية بانتظار صدور حكم الإعدام على صدام لأزاحته عن الطريق و للتخفيف من وطأة الجناح العشائري على البعثيين الراغبين في الانتقال بالحزب إلى آفاق جديدة تتلاءم مع عصر الحداثة الذي دخله العالم منذ زمن و يطل برأسه على منطقتنا.

إن البعثيين "الجدد" بحاجة ملحة الآن، و قبل انحسار قاعدتهم الشعبية، إلى تقديم جردة اعترافات تنقد التجربة السابقة و بصدق، كما فعل الأستاذ حسن العلوي مثلا و سبقه إلى ذلك منيف الرزاز و هاني الفكيكي و غيرهم.
والبعث العراقي بحاجة بعد ذاك إلى عقد مؤتمر قطري لتقييم تجربته و انتخاب قيادة قطرية جديدة تستطيع أن تقدم للفرد العراقي ـ الذي ترتعد فرائصه عند سماعه بكلمة البعث ـ صورة حضارية جديدة تحترم الآخر و لا تعتمد الإرهاب وسيلة لفرض نفسها على الشارع العراقي.

و ما ضار البعثيون لو أنهم استثمروا بعضا مما سرقوه من أموال العراق في إنشاء مؤسسات خدمية للعراقيين، تقدم خدمات تجعل كل الوسائل المعتمدة من قبل القوى السياسية، الناشطة حاليا في العراق، تتضاءل أمام المنجز البعثي. ما الذي يمنع من إنشاء مركز طبي للبحوث يبز ما هو موجود في دول الشرق الأوسط، يشار له بالبنان، حتى أن الناس لا تعود ترغب إلا بالعلاج في مركز "البعث" للبحوث الطبية، أو جامعة "البعث" التي لا يـُقبل فيها إلا من امتاز بتحصيله العلمي، و قس على ذلك.

البعثيون مدعوون للعمل من أجل العراق لا من أجل أنفسهم، و أن يقدموا مشروعا جديدا يختلف عن ذاك الذي سلـّم العراق إلى قوات الاحتلال على طبق من ذهب و أورثه خرابا لا زال الجناح العشائري مصرا على الإيغال فيه حتى و إن قاد إلى تقسيم العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط