الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وثائق طه حسين السرية .. ليست سرية

محمد أبو زيد

2006 / 11 / 23
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أتى مؤنس طه حسين ذات يوم أباه يشكو من الدسائس والمؤامرات ، التي بدأت تدخل رحاب الجامعة ، وطه حسين يواسيه ويخبره بأن الخير هو الأصل ، وإنما يفزعنا الشر ويروعنا لأنه نشاز ، وينصرف مؤنس ويخاطب طه حسين نفسه : جميل أن يرث الولد من أبيه مودة الصديق ، ولكن من القبيح أن يرث الأولاد بغضاء من أراد بآبائهم الشر ، ويأتيه صهره محمد حسين الزيات فيحدثه عن الانفصال بين مصر وسوريا ويجيبه طه حسين : لقد تركنا كطموحنا يسبق قدراتنا ، ونسينا في تلهفنا أن أساس القدرة في كل بلد من بلادنا ،وأساس التضامن والتقارب هو العلم ، ويأتيه أديب من العراق يسأله : لم نعد يا سيدي نقرأ شيئا لكم في جريدة الجمهورية منذ فترة ، ويقول طه حسين في هدوء : منذ فترة استغنوا عن خدماتي ، علمت ذلكم من خطاب وصلني بالبريد ، جاء فيه أن الجريدة تستغني عن خدمات عدد من المحررين منهم طه حسين .
تصلح هذه الحكايات السابقة عن عميد الأدب العربي طه حسين كمدخل لكتاب عن زمن النهضة الثقافية منتصف القرن الماضي ، ولكتاب عن حكايات من الزمن الجميل ، وكمدخل أيضا لكتاب (طه حسين.. الوثائق السرية) والذي صدر أخيرا عن دار الشروق في القاهرة في مجلد ضخم يقع في 1081 صفحة من القطع الكبير ، يستعيد حكايات ذلك الزمان وأبطاله وشخوصه ، وكتابه ، عن طريق استعراض مجموعة من الرسائل التي وردت إلى طه حسين ، يستطيع أن يستعيد معها القارئ عبق الزمن الماضي ،وأن يحيا قليلا مع ترحم محقق ومقدم الكتاب الدكتور عبد الحميد إبراهيم على ذلك الزمن .
ويضم الكتاب الضخم عددا كبيرا من الرسائل التي تلقاها طه حسين في حياته ، وبعض القصائد التي كتبت عنه ، لعدد من المثقفين ورموز الأدب العربي في ذلك الوقت مثل العراقي محمد مهدي الجواهري واللبنانيان خليل مطران وجورج جرداق والمغربي علال الفاسي ومن المصريين عباس محمود العقاد وأحمد زكي وإحسان عبد القدوس والشيخ محمد متولي الشعراوي و علال الفارسي وعباس العقاد ومحمد مهدي الجواهري والشيخ محمد متولي الشعراوي وخليل مطران وتوفيق الحكيم وجورج جرداق واحمد الزين ومصطفي عبد الرازق وحسين فوزي وإحسان عبد القدوس وأمينة السعيد ومحمد مندور والشيخ احمد حسن الباقوري واحمد زكي وحسني إبراهيم وعبد الرازق السنهوري وسهير القلماوي وزكي مبارك وغيرهم الكثير ، و رغم أن الكتاب يضع على غلافه عبارة أن الوثائق الموجودة في سياقه سرية، إلا أن المفاجأة غير السارة التي سيتلقاها القارئ فور تصفحه لهذه الرسائل أنها منشورة من قبل ، وأنها ليست سرية بالمرة ، وربما يبدو الجهد الحقيقي في جمعها في كتاب واحد ،وإن خلت من كل ما يذكره المحققون في كتبهم في هذه الحالات من عناية بذكر الأعلام، وتعريفهم ، خاصة وأن الزمن تغير ، ولم يعودوا كلهم نجوما يعرفهم القارئ بمجرد ذكر أسمائهم .
الكتاب الذي من الممكن أن يقرأ على أن اسمه " الوثائق السرية" وأن مؤلفه " طه حسين " كما يبدو من توزيع الكتابة على الغلاف ، يصدره محققه الدكتور عبد الحميد إبراهيم الكتاب بمقدمة طويلة تصل لتسعين صفحة ، لا يذكر فيها شيئا عن الرسائل ، ولا عن طه حسين ، ولا عن الإشكاليات التي أثارها ، ولا زال يثيرها حتى بعد رحيله ، وإنما يقدم ما يسميه " مستقبل الثقافة في مصر والعالم العربي ، قراءة في مشروع التنوير " ويروج له على اعتبار أنه الكتاب الذي تحتاجه اللحظة التاريخية الراهنة ،كما قدم طه حسين كتابا مشابها ، في لحظة تاريخية أخرى بعنوان " مستقبل الثقافة في مصر " ، وتبدو هذه المقدمة الطويلة لمن يقرأها منفصلة تماما عن سياق الكتاب ، لا يفعل الكاتب فيها شيئا سوى أن يترحم على الزمن الجميل ، ثم ينطلق ليهاجم الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر قليلا ، وأيامه ، ثم ينطلق ليهاجم أدونيس ، ويعود ليربط بينه وبين شكري مصطفى زعيم تنظيم التكفير والهجرة ، معتبرا الاثنين قادا تطرفا ، الأول تطرف فكري تجاه الغرب مشيرا إلى أنه خرج من عباءة طه حسين ، والآخر تطرف فكري تجاه الأصولية منطلقا من عباءة سيد قطب ، ثم يقوده الحنين بعد ذلك مرة تلو المرة للترحم على زمن ولى ، ثم يقدم احتفاء خاصا بالكاتب الراحل أحمد حسين الزيات ، الذي قام بإهدائه الرسائل التي أعد منها الكتاب ، ويقدم اقتباسات من كتاب له ، ويكرر الاقتباس مرتين ، بنفس النص ، ومع احترام القيمة الكبيرة للزيات ، إلا أن المحقق رغم ذلك لم يذكر شيئا خلال كل هذا عن فحوى الكتاب الذي يقدم له ، ولاعن أعلامه ، ولا عن علاقتهم بطه حسين .
ولا يكشف الكاتب في معظم الوثائق عن الحكايات التي وراءها ، بل إنه في بعض الأحيان يقدم الوثائق ناقصة ، بمعنى أنه يتر ك النص كاملا في صورته الفوتوغرافية، ولا يقوم بنقله تسهيلا للقارئ ، كما فعل مع رسالة لمصطفي عبد الرازق ، وقصيدة للشيخ محمد متولي الشعراوي ، وغيرها .
تكشف بعض الرسائل التي يعرض لها الكتاب الكثير من مجريات الأمور الثقافية في منتصف القرن الماضي ، ففي رسالة بعث بها إحسان عبد القدوس في 1966 إلى طه حسين نقرأ قطعة أدبية قيمة ، تعكس إحساسه قبل نكسة حزيران 1967 ، ففيها يخاطب حسين قائلا " أستاذي الكبير " ويذكر " قصتي الأخيرة التي تحمل اسم " أنف وثلاث عيون " رفضت الدولة التصريح بنشرها في كتاب إلا بعد أن أحذف منها وأعدل فيها ، ورفضت أنا الحذف والتعديل ، وبالتالي لم ينشر الكتاب " ويتحدث إحسان عن مشكلة لديه " مشكلتي أنني فقدت الثقة في نفسي ، إلى حد أنني لم أعد مقتنعا بأن لي إنتاجا أدبيا يستحق أن يقرأه استاذي طه حسين ، ووجدت نفسي صريع أزمة نفسية قاسية أبعدتني عن الناس ، وكل مراكز الحركة ، وكل من أحبهم ، واكتشفت أني إنسان ضعيف ، غاية الضعف " ويكشف إحسان في رسالته بعض أمراض صحافة ما قبل النكسة " هناك حملة مجهولة ظالمة وجهت ضدي وأنا أنشر قصة " أنف وثلاث عيون" مسلسلة في مجلة روزاليوسف ، ولم تكن حملة أدبية ، ولم يقم بها أدباء ، ولا حتى أنصاف أدباء ، إنما قام بها بعض كتاب الصحف المشوهين ، في وقت كانت حالة الصحافة تبيح لمثل هذه الأقلام أن تكتب ما تشاء ، وكانت الحملة ـ كما هي العادة ـ تقوم على اتهامي بالإثارة الجنسية ............ وانتتهت الأزمة بأن قدم أحد أعضاء مجلس الأأمة سؤالا عن القصة إلى الوزير المختص ، ولم يكن حضرة النائب أديبا ، بل إنه اعترف لي بأنه لم يقرأ القصة أصلا ،ولكن قدمت له بعض فقرات منها ، إنه نائب كان يسعى لنشر اسمه في الصحف فحسب " ويشبه ما يذكره إحسان في رسالته إلى طه حسين ما شهدته مصر منذ فترة قصيرة عندما تمت مصادرة رواية " وليمة لأعشاب البحر " للكاتب السوري حيدر حيدر ،وما حدث بعدها في أزمة الثلاث روايات عندما صودرت دون أن يقرأها نواب البرلمان الذين طالبوا بذلك ، ودون حتى أن يدافع عنها وزير الثقافة فاروق حسني .
ويحوي الكتاب رسالتين من عبد الرازق السنهوري إحداهما من العراق في عام 1936 ،والأخرى من القاهرة 1935 ، ومع أن المحقق لم يذكر شيئا عن ظروف كتابتهما ، أو عن العلاقة بين طه حسين والسنهوري ، إلا أنه يكتب في ثلاث صفحات كاملة مقدمة لهما بعنوان " كانت لهم أيام .. ثم أصبحت لنا أيام" يتحسر فيها على أيامهم ، ويجرفه الحنين بعيدا عن مهمة تحقيق الكتاب ، ويمكن أن نقرأ من الرسائل شيئا من العلاقة بين مصر والعراق في ذلك الحين " الحكومة العراقية تلح علي إلحاحا شديدا في أن أبقى العام القادم أيضا في بغداد لتنظيم ما يسمونه " بدائرة التدوين القانوني " وهذه الدائرة تعادل عندنا رئاسة أقلام القضايا " ويكشف في الرسالة بعضا مما وقع وقت كتابتها " كنت شرعت في أن أكتب لك كتابا منذ ايام ،ولكني لم أكمله ، ثم تطورت الأحداث تطورا سريعا فأصبح ما كتبته قديما لا حاجة لكتابته ،وأهم الحوادث التي جدت هي : علمنا بالأمس خبر وفاة الملك ، وقرأت اليوم خبر نقل الدكتور منصور إلى دار الكتب ، واستخلصت عمادتك لكلية الآداب قريبا ، وقد كنت أسعى جاهدا في حمل الحكومة العراقية على إنشاء جامعة في بغداد حتى تأتي لتنظيمها " .
ومن الوثائق الهامة ، ما يمكن تسميته بوثائق الجامعة ، والتي تكشف جانبا مهما من حياة طه حسين ، ومنها وثيقة تعود إلى سنة 1932 تعكس أزمة الحرية في الجامعةالجديدة ، وتمثل أول اختبار عملي لبنود محضر تسليم الجامعة ، وتمثل احتجاج طه حسين بصورة رسمية موجهة إلى مدير الجامعة المصرية ، على قرار فصله من الجامعة المصرية ،ووثيقة أخرى تعود لسنة 34 تمثل انتصار الحرية وعودة طه حسين إلى منصبه ، و تعتبر هذه الوثيقة عبارة عن استفتاء شعبي ، بحسب المحقق ، يتمثل في كم التلغرافات التي انهالت عليه من كل الناس ، بداية من نجيب محفوظ ،ومرورا بتلغرافات من الاسكندرية ودمياط وسمالوط وأبو قرقاص وطنطا وأسيوط والزقازيق والأقصر ، وغيرها ، ويقول نص أحدها الموجه من وهبة عبد السيد بالاسكندرية " عادت الحرية العلمية بعودتكم للجامعة ، تهنئتي القلبية " ، و وثيقة أخرى عام 38 تمثل معاناة طه حسين في عمله وخطابات التهديد بقتله التي جاءته أكثر من مرة ، والوثيقة عبارة عن خطاب إلى مدير الجامعة المصرية يستقيل فيه طه حسين ، ربما لأن الجهات المسئولة لم تتخذ موقفا حاسما من خطابات التهديد بقتله ، وهو يؤكد ان هذا التهديد لا يهمه ولا يخيفه ، ولكن يخشى أن يصرف عن رسالته في العمل من أجل مصلحة الطلاب والجامعة .
ومن الرسائل المهمة في سياقها التاريخي رسالة تلقاها طه حسين من شاب اسمه عبد السميع عزب خريج كلية الحقوق جامعة الإسكندرية ، سنة 1955 يقول فيها " كل ما أرجوه بعد أن قررت أن أعمل مساحا للأحذية أو بائعا للصحف ، أن تشير على السيد كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم بأن يغلق الجامعات توفيرا لأموال الدولة ، وإراحة لأعصاب الشباب ، إذ ليس هناك نكبة أشد من أن تترك الجامعات مفتوحة لتخريج بائعي الصحف أو ماسحي الأحذية أو متشردين " وربما يدرك من يقرأ هذه الرسالة أن الزمان يكرر نفسه، فهذا هو حال خريجي جامعات هذه الأيام بعد مرور قرابة النصف قرن .
ويستدل محقق الكتاب باسم فيلم أمريكي " صراع العمالقة" للتدليل على الصراع بين طه حسين وعباس محمود العقاد ، واصفا الفيلم بأنه مثير ، فيما يصف التنافس بين العقاد وطه حسين بأنه فقط في مجال الفكر ، وإن كانا بالرغم من ذلك أصدقاء ،لدرجة أن طه حسين يهدي كتابه " دعاء الكروان " للعقاد ، بأسلوب كله تواضع يخلومن الغرض والمرض ، وينفعل العقاد بهذا الإهداء وبطريقة عملية فكرية يقوم بتحليل هذا الكتاب ، وبأسلوب يقترب من أسلوب طه حسين ولوازمه الفكرية ، " أين الصراع الذي يتحدث عنه المحقق إذن ؟"
وفي قسم رسائل توفيق الحكيم يكتب إلى طه حسين من النمسا عام1936 " أهنئك أولا باستقلال مصر ، لست أدري متى أعود إلى مصر ، إني متردد بين النيل التي تقلع في 2 سبتمبر وبين الكوثر التي تبرح مارسيليا يوم 9 ، أرسل إلي خليل بك مطران خطابا يبعث فيه إليك وإلى الأسرة أجمل التحية ،وكذلك فعل مسيو بران ، وأنا أزعجني توعك صحتك وأتمنى لك وللأسرة خير صحة وحال " ويكشف الحكيم في هذه الرسالة جزءا من اسرار كتاب " القصر المهجور " الذي كتبه بالاشتراك مع طه حسين " كقارئ أستطيع أن أقول أنك قد كتبت شيئا ينتزع مني الابتسامة المرحة الصافية حينا والتأمل والتفكير الإعجاب أحيانا ، ولئن كان هنالك ما يخيف حقا فهو ما كتبت أنا ، ولا أقولها متواضعا ، وإنما هو أيضا إحساسي كقارئ ، فأنا أقوم في هذا الكتاب بدور المعكر لما فيه من صفاء ، وأنا الذي ينبغي له أن يقول بكل إخلاص : إذا استطعت أن تلائم بين أجزاء فصولك وأن تنشر الكتاب بغير فصولي ، فإنك تخرج أثرا أدبيا من امتع وألذ ما ظهر في العربية " وفي رسالة أخرى حول نفس الكتاب يقول الحكيم " صديقي العزيز ، لقد أعدت النظر في الفصول التي كتبتها أنا من الكتاب الذي كنا نسميه " القصر المسحور " فوجدتها لا تستحق النشر من حيث القيمة الأدبية ،وقد حذفت بعض ألفاظها " ويبدو من الرسالتين أن الحكيبم لم يكن مقتنعا بفكرة إصدار عمل إبداعي يشترك فيه طرفان ، لأن الإبداع يقوم على عملية " الحضن الذاتي " ـ بحسب تعبير المحقق ـ وهي عملية تتم داخل " ذات " واحدة ، تحضن العمل كما تحضن الجنين ، وتحس بتخلقه عضوا فعضوا ، وتتحمل وحدها آلام المخاض ،وتحس ببهجة الخلق وتمام النمو إحساسا لا يشاركها فيه أحد .
ومن القصائد التي يقدمها الكتاب ضمن الوثائق " السرية " لطه حسين قصيدة للشيخ محمد متولي الشعراوي كتبها سنة 1955 وقت أن زار طه حسين السعودية ، وكان الشيخ يومها عضو البعثة الأزهرية في السعودية ، فاستقبل طه حسين بهذه القصيدة ، غير أن المحقق يقول " من الصعب أن نوردها كاملة هنا فهي تزيد على 110 أبيات " ولا أدري ما وجه الصعوبة في كتاب بلغت صفحاته أكثر من الألف ، ويكتفي بذكر مقدمتها ومقتطفات منها ، ويقول الشعراوي في القصيدة موضحا النزعة الدينية لدى طه حسين " وجمال الإسلام في وعدك الحق تجلى فيه جلال الفداء / صور لا تكون في غير حق خلدتها مصارع الشهداء / هامش تلا سيرة الحبيب فيه تغني سماحة الأنبياء " ، وهناك ايضا أربع قصائد للشاعر أحمد الزين ، لا يوجد تعريف له من قبل المحقق سوى أنه كان صديقا حميما لطه حسين ، واحدة تتحدث عن كتاب الأيام ، وأخرى عن كتاب أبي العلاء ، وهناك قصيدة لخليل مطران تعود تاريخيا إلى صدور " دعاء الكروان " يتحدث فيها عن خلود الرواية ، وهناك قصيدة لمحمد مهدي الجواهري كتبها سنة 1944 استقبل بها طه حسين في دمشق وتحدث فيها عن إصلاحاته وهاجم فيها خصومه ويقول فيها " أحييك طه لا أطيل بك السجعا / كفى السجع فخرا محض اسمك إذ تدعى / أحييك فذا في دمشق وقبلها / ببغداد قد حييت أفذاذكم جمعا " ، وقصيدة لجورج جرداق كتبها في بيروت سنة 1948يقف فيها عند قصة " المعذبون في الأرض ".
في صفحة أربعمائة ، قرابة نصف الكتاب ، يقدم المحقق مقدمة ثانية في الجزء منه المعنون " عزيزي طه حسين ، رسائل غير منشورة " ، ويسمي مقدمته " أنا وطه حسين " وبغض النظر عن تقديم الأنا هنا على طه حسين ، فالمحقق يقول إن ثلاثة شكلوا كيانه هم " النبي محمد ، والده ، طه حسين " ثم يبدأ بعد ذلك في سرد ذكرياته ، دون أن يذكر هل المكان المناسب لهذا هو منتصف الكتاب .
ويحتوي الجزء الثاني من الكتاب على رسائل لمي ، وسهير القلماوي ، وأمينة السعيد ،ومحمد كامل حسين ، ومحمدمندور ،وسليم حسن ، وزكي مبارك، والباقوري ، وبعض أفراد اسرته ، مثل والدته ، وابن أخته وإخوته تكشف عن بعض علاقته بهم ، في حين يحتوي الجزء الثالث من لكتاب وثائق لسيد قطب وعبدالله الطيب ، وأخرى من الشيعة .
ويهاجم المحقق هذه المرة ، في مقدمة هذا الجزء ، تلاميذ طه حسين واصفا إياهم بأنهم لم يكونوا امتدادا للعمق التراثي عنده ، وإنما كانوا امتدادا للجانب الآخر الذي يتمثل في الذكاء الاجتماعي ، فيصف سيهير القلماوي مثلا ، بأن زادها من التراث قليل ،وتكشف رسائلها إلى طه حسين عن أخطاء إملائية ولغوية ،وعن أسلوب يخلومن العناية ، على حد تعبيره ، مشيرا إلى أنها تقترب من اللهجة العامية ،وتكتب بأسلوب يخلومن نصاعة الفصحى ، وطه حسين لايوجهها إلى أخطائها ، بينما يوصيها بالعناية بالفرنسية ، وتكتب له في إحدى رسائلها إنها عند حسن ظنه ، وأنها تتقدم في الفرنسية تقدما يرضي أستاذها ، ويتهمهما المحقق معا هذه المرة ، بأن هذا فتح الباب لظاهرة سرت في أوساطنا الأدبية والاجتماعية وتتمثل في عدم الاهتمام باللغة العربية ويقول إن سهيرلم تترك مؤلفا ولا بصمة علمية مميزة واستغرقتها العلاقات الشخصية ، ثم يصف جابر عصور بأنه ورث عن استاذه صفة الذكاء الاجتماعي ويقول " يذكرني في شكله الكروي ،وابتسامته العريضة بالشخصية الكاريكاتورية " جعران بيه " التي كانت تصدر في مجلة البعكوكة ،ويمسك بالمسبحة ، ويبتسم في وجهك ، ولكن كل ذلك في الظاهر فقط ، فالابتسامة قد تزيد اوتنقص حسب الحاجة ، وهو في تعامله مع التراث يلتقط خبرا من هنا وخبرا من هناك ، ثم يسلك كل ذلك في أسلوب جذاب يوحي بالموضوعية كما أنه يعمد إلى المعلومات الشائعة ، ويميل إلى إخلاء الساحة من كافة النقاد حتى تخلو له وحده " ويقول إنه " لم يترك إبداعا ولا إضافة لغوية رائدة " .
أما نصر حامد أبو زيد ، فيهاجمه محقق الكتاب قائلا " إن بضاعته من التراث قليلة ، أقدم عليه بأفكار مسبقة ، تعود في مجملها إلى فكرة الشك التي شرحها طه حسين في الشعر الجاهلي " ثم يقوم بوضعه مع أدونيس والمستشرقين في سلة واحدة حين يقول " إن أبا زيد أقدم على التراث وهو يحمل أفكارا مسبقة ثمثل صدى لطه حسين وأدونيس ولبعض المستشرقين ، ومن هنا فإن منهجه يقوم على فكرة الانتقاء من التراث ، فهو يقتطع نصا من أحد المفسرين من سياقه العام، ثم يضم هذا إلى ذلك ليؤيد أفكاره " ويضيف " إنه أقدم على التراث جملة واحدة دون أن يفرق بين الغث والسمين ،الأصيل والوافد ،فكله في نظره تراث " والثلاثة في النهاية يعتبرهم " سهير القلماوي تمثل صفة توظيف الظروف المحيطة ،وجابر عصفور يمثل صفة الإبهار ، ونصر حامد ابو زيد يمثل صفةالاستفزاز" .
أعتقد أن من حق القارئ هنا أن يتساءل عن سر إفراد المحقق صفحات لذكر مساوئ هؤلاء النقاد في كتاب عن وثائق طه حسين ، وسرد ذكرياته الشخصية ، والمقدمة التي تتجاوز التسعين صفحة ، ناهيك عن الأخطاء النحوية والإملائية ، وعدم تعريف أعلام الكتاب ، ومقالات ضمها الكتاب له جمعها من هنا ومن هناك ، وما علاقة ما ذكره برسائل طه حسين السرية ، ولماذا يقوم باقتباس مقتطفات من كتابه ـ أي كتاب المحقق ـ شواهد ومشاهد ، ليؤكد للقارئ أنه تأثر بطه حسين الذي اتهمه قبلها بسطور أنه ساهم في تغريب الناس عن اللغة العربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف