الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظل انتصار للفراغ قراءة في مسرحية المخرج الفلسطيني يعقوب اسماعيل

توفيق العيسى

2006 / 12 / 2
الادب والفن


أجساد نحتت وكأنما هي جسد واحد، شخصيات تتداخل فيما بينها، متقمصة حيوات مختلفة، تتبادل الأدوار في لوحة مسرحية واحدة، فمرة يكون المتهم قاتلا وأكثر المرات قتيلا.
في عرض مسرحي مميز قدم المخرج يعقوب إسماعيل ومسرح الرحالة مسرحية الظل، وهي عمل تجريبي يعتمد منهج ورؤية مسرح الرحالة ، هذا المنهج الذي انعكس في أداء الممثلين المتواتر والخطى المتسارعة في فراغ المسرح لتعلن عن وقوع جريمة ما وأخرى للتعبير عن إدانة،
وإذا كان الفقه القانوني والقانون المدني يرى بان (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) فان الرحالة بدأت مسرحيتها بإدانة تجلت بكلمة (قاتل) التي رددها الممثلون في بداية العمل كل على حدا، فمنذ البداية عمد المخرج إلى خلط الأوراق وعدم تحديد المتهم الحقيقي وكأنه يوجه إصبع الاتهام إلى المجموع وليس الفرد، لفظ هذه الكلمة أعقبه حركة سريعة من الممثلين على خشبة المسرح وبشكل متقابل الأمر الذي يوحي لنا بحالة من التشكك والاتهام أي أن كل شخص يرى في غيره ذلك المتهم.
وإذ يبدأ العمل بمتهم يقبع وسط المسرح محاصرا من جهات أربع بقضاة أو محققين ومطالبين ما انفكوا يضغطونه وأحلامه بمطالبهم حتى يصل إلى مرحلة التأزم، هذا المشهد الذي بدأ بتحديد المتهم من قبل باقي شخوص العمل ( شخص في مربع الاتهام) اختزل معنى سرياليا من كلمة الحوار المشترك الأولى، وهي عدم تحديد جنس القتيل ونوعه وماهيته من قبل المحققين، فقضية ومتهم ومحقق أو قاض دون وجود مادي للقتيل، فالقتيل أو ذلك( الشيء ) شيء لا يأكل ولا يعرف الضوء ولا يتناسل ولا يعرف المرأة فما هو اذن ؟!
ومع غياب الديكور المادي وعدم اعتماد المخرج على التسلسل المشهدي التقليدي، كان الانتقال من مشهد إلى آخر باعتماد حركة الممثل والمؤثرات الصوتية والضوئية، ففي حمى النقاش بين المتهم والمحققين ومع تعثر الوصول إلى حل أو اعتراف يتفق الأطراف إلى سرد القصة من البداية، فكان المشهد الثالث والذي يعكس إحدى تفاصيل القضية حوار بين حبيبين حول مشكلة شخصية هنا تحول المحققون إلى خلفية للمشهد، مراقبين متربصين لكل كلمة أو حركة بغية الوصول إلى بداية خيط للاتهام، مما يدلل على شهوانية الاتهام لدى المحقق، وولعه بتدبيج التهم، وعلى هذا المنوال تكتمل اللوحة الدرامية في العمل فكانت طاقة الممثلين العالية هي الجوهر على خشبة المسرح.
الظل هو شخصية هلامية _والتي جسدته على الخشبة الفنانة ( سلوى البابا )_ تنتج عبر تأزم المتهم( الفنان رأفت لافي) ووصوله إلى ذروة تناقضه مع نفسه والمجتمع، فكان النتاج( ظل )أو (شيء) يعبر عن هذه الأحلام وتعبر عن مدى التناقض المجتمعي لدى الجمهور العام في فهمه للشيء، وكان المخرج أن اعتمد بعدا هندسيا للوصول إلى هاتين المرحلتين الأولى باعتماده الدائرة دائرة الظل في خلفي المسرح والتي تعكس الحلم والطفولة وأنثوية الأشياء، وهذا التعبير اقتصره المخرج على الحوار الداخلي للمتهم وظله ليؤكد التدليل على الحلم، أما البعد الثاني فهو المربع الذي عبر عن حصار مجتمعي للمتهم عبر زواياه الأربعة المحتلة دائما من قبل المحققين والشخوص المطالبة ( الفنان رمزي حسن وصابرين عيسى وهدى الإمام وعماد مطري)
ويتجلى التناقض المذكور سابقا بين المتهم ومجتمعه عبر الملاحقة الدائمة له في مشاهد حركية على حدود مربع الحصار، فمشهد المطالبة توزع إلى مشهدين جماعيين الأول مزج بين الصراخ والشتم أو لنقل الردح أحيانا بمعنى أنها دفعت المتهم والمشهد كاملا إلى حد التوتر، فاللحام المطالب باجرته وصاحبة الصيدلية وصاحبة البيت التي تطلب إيجار غرفته حتى الحانوتي الذي يطالب بثمن كفن لم يلبسه المتهم بعد
هذا المشهد اكتنفه الكراهية والتشهير، ليناقض المجتمع ذاته في المشهد ألمطالبي الثاني عبر مطالبة المتهم ببيع الشيء أو الظل عبر حركات راقصة وعلى وقع أغنية تراثية شبه حزينة وهنا أيضا يكتنف المشهد شيء من الحب والدلال للمتهم، والفرق بين المشهدين أن الأول يعبر عن حاجة المتهم للمجتمع عبر التواصل المادي والثاني هو حاجة المجتمع للمتهم أو لما بين يدي المتهم فاختلفت الوسيلة باختلاف الغاية
وأيضا لا نلغي مشاهد المطالبة الشبه الجماعية بين المتهم وحبيبته وبين وحبيبته وأمها والمتهم والمحققين والتي أيضا توزعت بين الغاية والوسيلة بنفس الطريقة وحسب الحاجة التعبيرية
ولكن ما هو الشيء ؟! بما أنه نتاج حلم وطموح ونتاج أزمة شخصية ومجتمعية فهو بلا شك سيعبر عن قيمة ما، قيمة يرى فيها المتهم قدسية يجب حمايتها من الاستهلاك والامتهان، فيما يرى المجتمع عكس ذلك ليأخذ الصراع منحى آخر فهذا ( الشيء) الذي سقط أو ظهر بصورة غرائبية _ وهو غرائبي بالضرورة _ انقسم إلى شيئين أو رفيقين أحدهما سقط لدى المتهم والثاني في مكان ما من هذا العالم، لنكتشف بعد ذلك أنه رهينة لدى حبيبة المتهم وأمها متحولا إلى ( طاقية على رأس الأم) وبذلك يكون الصراع الآخر، صراع استرجاع( الشيء) الآخر من الوسط الاستهلاكي إلى القيمة الحقيقية له
وأيضا من هو القاتل ؟!
إذا كانت الإدانة في بداية العمل جماعية تحولت عبر السياق الدرامي فيما بعد إلى تسمية الشخصية المحورية بالمتهم ومحاولة إدانته، فإنها تحولت عبر مشاهد عدة وتعبير حركي إلى إدانة الكل في هذه الجريمة
فمطالبة المجموع للفرد ببيع هذا ( الشيء) أدى إلى جعلهم شركاء في البحث عنه ومحاولة امتلاكه، وفي المربع، ساحة الجريمة ومركز الحصار وقفص الاتهام يجتمع الكل داخله يتوسطهم ذلك ( الشيء) محاولين امتلاكه أما المتهم المدان والمحاصر فكان خارج ذلك المربع أي خارج المجموع وعلى إيقاع الحركة والموسيقى يكون الصراع بين المجموع والشيء الأمر الذي ينتهي بموته
فمن القاتل ؟!
صراع بين مجتمعين، مجتمع القيمة ومجتمع الاستهلاك وما بين مجتمع الحلم وصخرة الواقع، هذا الصراع الذي عبر عنه الممثلون بتقنية تبادل الأدوار وتعددها في الشخصية الواحدة على الرغم من حداثة تجربتهم، وإصرار المخرج يعقوب إسماعيل على إرساء قواعد الفن والمسرح التجريبي في المجتمع الفلسطيني، نرى أنه بحاجة إلى تفكيك أعمق ،آملين ان نكون قد حققنا شيئا من هذا التفكيك وتسليط الضوء على العمل بصورة دقيقة وغير مغايرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع