الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعمة التنوير و نغمة التدوير

محمد الأمين يوسف
كاتب و باحث و ناشط في المجتمع المدني و الشؤون السياسية

(Mohamed Lemine Youssouf)

2024 / 5 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن التنوير نعمة عظيمة من النِعم الدنيوية التي منّها الله على عباده أجمعين و كان عصر التنوير من أهم العصور التي عرفتها الشعوب الغربية و الأوروبية من يقظة و فطنة إذ ساهم في تطوير و تغيير نمط الحياة لدى كل فرد يؤمن بالفردانية.
ظهرت حركة التنوير فكرة سياسية و أيديولوجية في القرن الثامن عشر و قد أحدث أنصار الحركة ثورة قوية ضد كل القيم و التقاليد الاجتماعية و الدينية (المسيحية) و الأفكار السياسية المتطرفة و من ثمة تبلورت الفكرة و تطورت شيئا فشيئا حتى شملت المنطق، حيث كان المنطق من أشهر الشعارات التي رفعت في عصر التنوير باعتباره الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من إدراك الحقائق و الموجودات و التحرر من التبعية العمياء لفهم الدين فهما عميقا.
لأن الدين في تلك الفترة شهد الكثير من التحريف و التطرف على يد مجموعة من رجال الدين و القسيسين، كوسيلة لإرهاب الشعب و التحايل عليه خصوصا ما تقوم به الكنيسة من جرائم و أحكام جائرة ضد الشعب و أكلها لأموال الناس بالباطل و استعبادها للبشر باسم الدين و المسيح، الكنيسة كانت عائقا حقيقيا أمام التطور الفكري و الابتكار العلمي و العلماء و المفكرين أجمعين، الذين جلبوا النور للعالم بأكمله بأبحاثهم النيرة و تجاربهم العلمية و لذلك وجب الخروج عن المألوف للبحث عن الحقيقة اعتمادا على الشك و المنطق للوصول إلى الحقيقة و اليقين.
إذن ما هو التنوير؟ و ما علاقته بالعلمانية؟ هل هو نعمة أم نغمة؟

التنوير حركة فكرية ظهرت في القرن الثامن عشر و قد ظهر بين حقبتي "الثورة المجيدة" سنة 1688 و الثورة الفرنسية 1789. و من أبرز مفكري عصر التنوير هم: فولتير و مونتسكويه و دنيس ديدرو و جان جاك روسو بالإضافة إلى دافيد هيوم و آدم سميث و المفكر الانجليزي جرمي بنتهام و الفيلسوف الألماني امانويل كانط و الأمريكي توماس جفرسون. و قد ألفوا كتبا و نظريات و تجارب رافضين كل القيم و التقاليد الاجتماعية و الدينية و الأفكار السياسية المبنية على أساس ديني لا دنيوي.
و كانوا ينظّرون و يسوقون لعدة أفكار من بينها المنطق معتبرين أن الفكر و المنطق يخلصان الإنسان من الخرافات و يمكناه من اكتشاف الحقائق حول العالم و الدين و السياسة ، اعتبارا أن السياسة تقوم بتحسين ظروف الكائن البشري و أن كل شيء قابل للشك و يخضع للكشف و التحليل العقلاني و ذلك يمكّن الأفراد من تحرير أنفسهم بأنفسهم من القيود و الأغلال الدينية على حسب تعبيرهم.
لقد تزامن عصر التنوير مع العلمانية و يتقاطعون في عدة محاور و نقاط من أبرزها فصل الدين عن السلطة و لكن التنويريين أخذوا الفرد أو الفردانية كموضوع للإنسان فهم يناشدون قوة العقل و قدراته على فهم العالم و التحرر من القيود الدينية للوصول إلى أعلى و أرقى مرتبة من الوعي و الإنتاج الفكري و المعرفة العلمية.
على الرغم من تجليات و إيجابيات التنوير على المجتمع بشكل عام من تنوير للأفكار و العقول إلا أن إعادة تدويره في المجتمعات الإسلامية يشكل تحد كبير في إطار التطرف و الانحراف عن العقيدة السليمة و الإلحاد و من تدمير لعقول الشباب و تخريب لأفكار المجتمع و تضليله عن السبيل.
إن تدوير الأفكار و وضعها في إطار لا يتلاءم مع قيم و عقائد و أخلاق مجتمع مسلم و إسلامي يشكل خطر كبير في صفوف الشباب حيث انتشرت هذه الآفة منذ بضع سنين على شكل حركات و تنظيمات شديدة الانحراف و التطرف تدعو إلى إعادة سياق المجتمع و إدارته إدارة ذاتية بحتة دون الاستعانة بالجانب العقائدي الديني باعتباره يقيد و يكبل الفكر بأغلال تمنع العقل البشري من فهم العالم فهما سليما.
و من هنا نرى أن التنويريين قد بالغوا كثيرا في التفكير حتى أصبحوا يشككون في أصل كل موجود و القدرة الإلهية و هذا ما يأخذ عليهم ،فمنهم من يريد تقليب و تدليس المقدسات الدينية الإسلامية تحت ستار فهم الدين بصورة جديدة تتناسب مع متطلبات العصر الحديث و كانوا يحملون شعارات و مفاهيم تضليلية كحرية الفكر و العقيدة و قبول الآخر و السلام ...إلخ بيد أن كل هذه الشعارات شعارات زائفة إنما الهدف منها هو تضليل المسلم عن دينه و التشويش على عقيدته.
أليس اعترافات المفكر و الفيلسوف الكبير الألماني أمانويل كانط في عدم قدرة العقل البشري على معرفة كل الكائنات عبرة يعتبر بها حين نادى أن للعقل البشري حدود و أن ثمة أشياء لا يمكنه معرفته معرفة مطلقة كالكون و الإله...؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس


.. قوات الاحتلال تمنع الشبان من الدخول إلى المسجد الأقصى لأداء




.. صرخة آشور بانيبال ..هل هي نبؤة؟


.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: أي دور للقوميين المسيحيين؟




.. 71-Al-Aanaam