الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
صيادو الحلزون
عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
2024 / 5 / 24
الادب والفن

-١
لم تبزغ تباشير الفجر بعد، كنت قد أيقظتك شقيقك الهائم في نوم عميق، وها قد غسلت وجهك وتناولت كسرة خبز ممزوجة بشاي يرجع إلى الليلة البارحة. لبست صندالة "حلومة"، وأخذت كيسك الأصفر وانطلقت نحو البرية مخترقا ضبابا كثيفا كان يعم القرية كل صباح. وبعد مضي نصف ساعة كنت قد وصلت إلى الصخرة الصفراء. هنالك كان يلتقي الشبان القرويون وينطلقون نحو التلال بحثا عن الحلزون.
-٢
كان الطقس صيفيا قائظا، وبمجرد ما كان الضباب يتبدد، كانت الشمس تصير خلال الظهيرة كيانا وحشيا، وكانت تصفع رؤوس الشبان الحليقة. ومعظم هؤلاء لم يكونوا يرتدون (ترازات) قبعات مصنوعة من الدوم. لكن لم يكونوا يبالون بذلك. كان همهم أن يهيموا في الأرض بحثا عن الحلزون الملتصق على غصون أشجار الكالبتوس، وعلى أوراق الزيتون البري أو في أشواك " السكوم" أو على أوراق "الدوم" أو بين جذوع "توزالة" وغيرها من النباتات المنتشرة على تلال القرية وسفوح أوديتها المنيعة.
-٣
كانوا ينطلقون جماعات من الصخرة الصفراء كما دأبوا دائما في كل تجمعاتهم واحتفالاتهم وخاصة لعبة "السبع بولبطاين" التي كانت تنظم كل عيد أضحى . إلا أنهم حينما كانوا يصلون إلى أرض الحلزون حتى يتفرقوا لملء أكياسهم البلاستيكية التي كانوا يملؤونها "بالببوش" حينا من الدهر، و"بالسكوم " حينا آخر. وفي غمرة رحلتهم الصيفية بين الأدغال كانت عيونهم مصوبة على "صاحب البيكوب" الذي كان يأتي في لحظة خاطفة لكي يشتر أو يسرق جهد هؤلاء الشبان البؤساء. كانوا يستلمون مقابل يوم كامل بين خمسة دراهم وعشرة دراهم. وهذه القروش لم تكن بالكاد تطفي ظمأهم وجوعهم وتريحهم من العياء الناجم عن هذا العمل بين الفيافي والصخور الجرداء والشمس اللاسعة التي أمرضت عديد الشبان وحالت دون رجوعهم إلى التقاط الحلزون.
-٤
ها قد بدأ حسك البروليتاري يطفو على السطح منذ ذلك العهد التسعيني. ما الذي دفع هؤلاء الشبان القرويين إلى أن يقضوا عطلتهم الصيفية في العمل بدل البحر؟ وهل جزاؤهم كان تلك القروش الوضيعة؟ إنهم كانوا ينتمون إلى أسر قروية، كلها لم تلج المدرسة يوما. كانت تعرف العمل دون الوعي بشروط العمل، وهؤلاء الشبان كانوا عمالا موسميين ولم يكونوا بروليتاريين. إذ من شروط البروليتاريا الوعي !
نادرا ما احتج الشبان على الأجر الزهيد الذي لم يكن يعادل أياما طويلة من العمل، بل كانوا يتنافسون فيما بينهم حول من يعمل أكثر ومن يكتشف أماكن جديدة تزخر بالحلزون. أما الأجر الجيد فلم يكن محط اهتمامهم، بينما البحر، لم يكن أحد يعرف موقعه على الخريطة. لقد جبلوا على العمل إلى حين بداية الموسم الدراسي. وإذ ذاك يتسنى لهم شراء المحفظات والكتب وبعض الملابس. وهذا كان قدر كثير من الفتيان والشبان القرويين الذين كانوا يشتغلون في جني المحاصيل الزراعية اعتمادا على سواعدهم وأياديهم ومناجلهم.
-٥
لعلك تذكر والشمس هي الأخرى تذكر والريح والشجر والتل وبعض الشبان حينما وقف ذلك الشاب الحليق أمام الباترون قائلا: " إن الأجر التي منحتني لا يساوي جهدي". كان جزاؤه أن انتفض في وجهه الباترون، بينما الشبان تراجعوا، وعوض أن يوجهوا اللوم إلى الباترون وجهوه إلى زعيمهم و ذواتهم، وهنا يصح قول هيغل: "السيد سيد لأنه مضى في معركته ضد العبد إلى النهاية، والعبد عبدالأنه قبل بعبوديته منذ البداية". سوف يتحرر البشر حينما يطالبون بحقهم بلا وجل ولا خوف. لأن الخوف لا يأتي من الخارج بل يسكن الذوات من الداخل. إنه يفتتها من الداخل كما يفتت الماء الحجر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الفنان السوري باسم ياخور يعتذر: أنا آسف لكل سوري تألم بسبب ت

.. هل تعتذر عن دعم نظام الأسد؟.. الفنان السوري باسم ياخور: لم أ

.. بشير البكر: لماذا سوريا هي -البلاد التي لا تشبه الأحلام-؟ وم

.. الممثلة القديرة إلسي فرنيني في حديث خاص للـLBCI على هامش مهر

.. شكل امتحانات القدرات في كليات التربية الفنية .. اعرف التفاص
