الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعينونا على الصراخ

عايدة نصرالله

2006 / 12 / 15
المجتمع المدني


كموضوع مفتوح للنقاش
منذ فترة ليست بالقصيرة تراودني الكتابة عن مسألة التطبيع وإشكاليتها مع المثقفين الإسرائيليين.
وهناك من يقول مع العدو الإسرائيلي.
وبين القولين فرق شاسع. وكوني –فلسطينية تعيش في إسرائيل ، تصبح المقولة الأولى تضرني دون سوء نية من الأطراف المثقفة العربية.
ما أثارني لهذا الجدل حادثة كنت شاهدة عيان لها. وكنت على أثرها قد كتبت هذا المقال ولكن أجلته . لكني قررت نشره مع ما استجد منذ ذلك التاريخ.

في 11-8-2005 افتتحت غاليريا الكهف معرضا في بيت لحم لحت عنوان الهويات. واشترك في المعرض فنانون فلسطينيون ويهود.
الفنانون اليهود الذين اشتركوا في المعرض هم ممن أقاموا جمعية تحت عنوان "من هون لهون". وهم من قرى قريبة من منطقة وادي عارة. ويطالبون بأن يكون التعايش حقيقيا وغير مزيفا. وبادروا بإقامة مدرسة يهودية عربية مشتركة في وادي عارة، يتعلم فيها الأطفال من كلا الجانبين اللغتين ويحضرون دروس الدين للشعبين. عوفر فنان من المشتركين قال لي "ابنتي تقول عندما تتناول وجبة الفطور، بسم الله الرحمن الرحيم ، بتيئفون، صحتين" طبعا عارضت وزارة المعارف قيام المدرسة، حتى وصلت القضية إلى محكمة العدل العليا، وبإصرار المقيمين على المدرسة ربحوا الدعوة وأقاموها.
هذا النموذج هو ليس النموذج الإسرائيلي للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لكنه نموذج تجريبي لقلة قليلة من اليهود الذين يصرون على العيش مع الفلسطيني، بشكل مبني على التبادل في كل شيء. وتبقى هذه المدرسة تجريبية.
السؤال: هل نرفضها ونرفض القائمين عليها لمجرد أن هناك يهود فيها؟ أم نحاول تجنيد هؤلاء الناس لقضيتنا، وجعلهم في مقدمة الدفاع عن قضيتنا؟
هؤلاء الناس هم من قدموا لبيت لحم متحدين الحواجز ليثبتوا لحكومة شارون أن الحواجز هي مجرد وهم. ولن تمنع المحبة بين من يريدون الحب.
نحن نقول لا لمن لا يريدنا، بل نقاومه بشدة وبكل الوسائل المتاحة، لكن نقول نعم لمن يريد أن يأتي إلينا عن قناعة بل ومستعد للتضحية.
من المجموعة من سجن لرفضه الخدمة العسكرية. هل نرفضه هو الآخر أم نشجع خطوته.
وبينما أنا أتحدث إلى عوفر الفنان اليهودي جاء أحد الكتاب الفلسطينين والمشهود له بكتاباته السياسية الوطنية. صافحني وعندما رأى اليهود كأنما لدغته أفعى وهرب. قلت له يا أستاذ هذا ليس شارون، إنه إنسان جاء يتضامن معك ومع قضيتك. فقال "لا. ستحسب علي"
طبعا لم أفهم ما معنى إنها ستحسب عليه.
نفس الموقف حدث عندما زرت الأردن، وقابلت كاتبا فلسطينيا يعيش هناك، كانت معي المخرجة المعروفة جدا بمواقفها المشرفة اتجاه الشعب الفلسطيني "عنات إيفن" صاحبة فيلم "سجينات" الذي صورته تحت ضرب النار وعرضت فيه للاعتقال أكثر من مرة من قبل السلطات الإسرائيلية. وفي أوج الهجوم على جنين ، ذهبت عنات وصورت فيلم "ثلاث دقائق في جنين" الفيلم بلا كلمات، لكنه من أقوى الأفلام التي صورت الكارثة آنذاك.
رآها الكاتب الفلسطيني ، صافحته وأعطته نسخة من الفيلم مترجمة للإنكليزية. شكرها بسرعة وفر قائلا "اعذريني يا عايدة أنا مضطر للذهاب، كنت أنوي دعوتك للغداء ولكن معك ...."
نعم معي عنصر مشبوه.
إلى متى سنحمل أفكارا أحادية الجانب؟ أليست ريتشل التي دهست تحت الدبابة الإسرائيلية هي أمريكية؟ لماذا ريتشل خلدناها وهي من شعب حكومته معادية لنا إذن؟ أليست لأنها تحاسب على مواقفها الإنسانية التي راحت ضحيتها؟ ألم يكن ما حصل مع ريتشل ممكن أن يحصل مع عنات إيفن مثلا وهي تصور تحت الضرب؟
وعندما يصل الأمر لي ككاتبة فلسطينية تعيش في داخل إسرائيل وأعامل بنفس الصيغة التعميمية يصبني نوع من الإحباط.
لماذا نحاسب نحن الفلسطينيون على بقاءنا في أرضنا؟ متى يعي المثقفون في الدول العربية أن لنا دور في الثقافة العربية كمجمل. ولماذا يفرقون بين مثقف ومثقف. هذا وبكل تواضع لو حسبت بين هذه الفئة.
في السنة الماضية ذهبت في زيارة لمصر، واتفق أحد الكتاب في جريدة القاهرة أن يعمل حوار معي، فجأة لم يأت للحوار بحجة أنهم مشغولون بموت ملك السعودية. وهل ملك السعودية بموته اشغل صحافة مصر جميعها،
ولن أعد الكتاب الذين وعدوني باللقاء واختفوا فجأة.
والواقع كان هذا الموضوع قد أجلته منذ زمن. لكن في هذه السنة كنت في زيارة الكاتبة مليكة مستظرف رحمها الله، ولكني لمست خوف لديها. كانت تصلها تلفونات ممن علموا عن زيارتي أنه سيكون لها مشاكل وستتهم بالتطبيع بالوقت الذي كان الشاعر سميح القاسم في المغرب واستقبل بحفاوة.
ولا أعرف ما هي عقدة المثقفين العرب؟
وهل أنا الفلسطينية سأقوم بالتطبيع.
ليت كل المثقفين يستطيعون الحوار، على الأقل بالحوار نستطيع ربما تغيير الإعلام المجحف.
وأقول للمثقفين (طبعا لا أعمم) لماذا لا تحاولا فهمنا فلسطينيين نعيش في الداخل بدلا من أن تتجنبوننا؟
نحن ضد السياسة الإسرائيلية بكل ما تفعله لأننا أبناء شعب مضطهد.
ومن يريد أن يفتح فمه فليأت ليجرب.

أعتقد انه علينا كمثقفين أن نثير هذه القضية وبشكل عميق. لأولئك المدعين المثقفين أقول، إن عدم مخاطبتنا للعناصر المثقفة الإسرائيلية هي نوع من التعامي، وواجبنا تجنيد هذه العناصر وإقناعها بقضيتنا وليس الهروب منها. فإذا كانت قيادات سياسية تضطر للتحاور وأحيانا بشكل متآمر علينا، لماذا لا ننتزع القيادة بأيدي المثقفين بحيث نكون قوى ضاغطة على القيادات؟
لقد قرأ أحد الكتاب الفلسطينيين مقالا لي في صحيفة ديزايت نشر بالألمانية، وكان معجبا بكتاباتي ، لكنه وسبحان الله بعد أن قرأ أني من حدود ال-48 هرب بلا عودة.
ألم يكن محامي المناضلة الجزائرية من قلب العدو الفرنسي، لماذا قبلت به جميلة بو حيرد محاميا؟ أليس كان الأجدر أن تقول له أنت عدو لا أريدك؟ ألم يكن دفاع الفرنسي أقوى، لأنه عندما يضطر من كان عدونا الدفاع عنا، هذا بحد ذاته نجاح.
وأن نستطيع تحويل واحد يميني إلى يساري يكون نضالا حقيقيا. وليس النضال بإلقاء الشعارات الطنانة والتي ترعبني أحيانا لعدم رؤيتها.الواقع الذي نعيشه بعيدون جدا عنا ويطلقون الشعارات. لا يعرفون عنا شيء ويطلقون الشعارات.. لتعرفوا عن عرب ال-48 وإنجازاتهم ومعاناتهم وبعدها حاسبوهم.
فقط قبل بضعة أسابيع يطلب مني أجد الأصدقاء الكتاب أن "أكتبه أو اكتب عنه"
قلت له بكل براءة "إذن اكتب لي عن يومك وعن حديثك في المقاهي لأشكل صورة حقيقية عنك..إذ كيف نكتب عن شخص لا نعيشه آو لا نعرفه ن قرب. وإذا به يرتعب..ويقول لي "الآن عرفت من أنت.. ما الذي تخفين؟
قلت له ما قصدك؟
لم يجبني..لكن المباغتة تلك جعلتني أفكر..فعرفت انه قد شك بي
وأصرخ عاليا لأقول لذلك الكاتب العربي ولكل المثقفين في العالم العربي.

أنا فلسطينية الجذور والمنبت..أكره السياسة الإسرائيلية بكل توجهاتها العنصرية ضد أبناء شعبي..ولكني لست عمياء..فهناك من الطرف الآخر من يناصر قضيتي فمثلا دان بن أموتس الكاتب اليهودي ومشى حافيا وهو يضع الكوفية الفلسطينية حتى كفر قاسم احتجاجا على المذبحة..هل أنكر تاريخه؟؟هل أنكر أن الشاعرة داليا رابيكوفتش كتبت عن الفلسطينيين أكثر مما كتب أولئك الشعراء والمتملقون لقضيتنا ليركبوا على حسابي وحساب شعبي الذي يعاني..
هل انتم من سلبت أراضيكم؟ هل انتم من رأيتم بيوتكم تجرفها الجرافات؟
لهذا لا اقبل لأحد أن ينظر لشعبي في حدود الـ84 بعين الشك..يكفي أننا نعاني في الداخل..هل نعاني أيضا من الشعوب العربية؟
كفاكم تباهيا على حسابنا وانتم لا تعرفوا عنا...
هذا نقاش مفتوح مع الكتاب المصريين خاصة الذين ينادون بعدم التطبيع، وأنا أقول التطبيع مع من؟. أنا ارفض التطبيع بكل أشكاله مع السياسة الإسرائيلية ولكن حان الوقت للتخلص من هذا المصطلح الذي تحول لكليشيه أعمى وأدعو للحوار مع الكتاب والفنانين الذين يحملون شعار الحوار، والذين يرفضون الحرب بكل أشكالها، أولئك الذين بحاجة لنا لكي يستمروا في مواجهة حكومتهم لكي لا يصيبهم إحباط من الصمت. ادعمهم لكي لا يصمتوا. وليصرخوا هم وليعينونا على الصراخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟