الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القلق من الاندثار وتحقيق المعنى في الحاضرية الوجودية

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 7 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الاندثار والمعنى في الحاضرية الوجودية هي مفاهيم فلسفية وجودية مرتبطة ببحث الإنسان عن المعنى في الحياة وتحقيق الوجود الحقيقي، ما الاندثار هو الشعور بالفناء والزوال والفقدان الوجودي للإنسان. هو شعور ينبع من إدراك محدودية الوجود البشري وتناهيه في الزمن. الاندثار يطرح تحديات وجودية أمام الإنسان ويدفعه للبحث عن معنى لوجوده، في مواجهة الاندثار، يسعى الإنسان لتحقيق المعنى الحقيقي لوجوده. هذا يعني البحث عن الغرض والقيمة والهدف من الحياة. مفكرون مثل فيكتور فرانكلن أكدوا على أن البحث عن المعنى هو الدافع الأساسي للإنسان ولا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الالتزام بالقيم والأهداف النبيلة, الحاضرية الوجودية تعني الانغماس الحقيقي في اللحظة الراهنة وعدم الانشغال بالماضي أو المستقبل, هذا النوع من وعي الحضور يساعد الإنسان على التركيز على تجربته الفورية وإدراك معنى وجوده في الزمن الحاضر, الحاضرية الوجودية تتطلب الصدق والانفتاح على الخبرة والقبول بالمسؤولية عن الاختيار, مجمل هذه المفاهيم، تبرر البحث المستمر للإنسان عن المعنى في ظل الاندثار والفناء. هذا البحث هو جوهر الوجود الإنساني وتحقيقه يمنح الحياة غاية وقيمة. الاندثار هو شعور داخلي يعيشه الإنسان في مواجهة الزوال والفناء. الحيوانات أيضًا قد تُظهر سلوكيات تشير إلى شعور بالاندثار، كالانسحاب والخوف من المخاطر. ولكن لا نستطيع الجزم بأن لديها وعي فلسفي مثل البشر، الاندثار هو حقيقة موضوعية تطال كل الموجودات في الكون. كل الأشياء والكائنات تولد وتنمو وتزول بمرور الوقت، هذا الواقع الطبيعي ينطبق على الإنسان، والحيوان، والنبات، والجمادات. كل شيء يخضع لقوانين الزمن والتغير والانحلال. لذلك، يمكننا القول إن الاندثار له وجهان، الأول شعوري داخلي لدى الإنسان، والثاني واقعي موضوعي ينطبق على جميع الكائنات والأشياء. وهذا الاحساس هو الذي يثير الشعور الإنساني بالاندثار والقلق. أن هذا التعبير يشير إلى المخاوف التي قد تدفع الناس إلى السعي للسيطرة والنفوذ بطرق غير أخلاقية عندما يشعرون بالقلق من الاندثار أو الاختفاء إن الخوف من الزوال أو الاندثار هو شعور طبيعي لدى البشر، ولكن الطريقة التي نتعامل بها معه تحدد ما إذا كان سيدفعنا إلى سلوكيات غير أخلاقية مثل، النزعة الشريرة للسلطة، هي تعبير عن قلق الاندثار والخوف من الزوال، ولها أسس ودوافع غريزية بدائية، هناك عدة اعتبارات بهذا الصدد:
القلق من الاندثار
الخوف من الموت والفناء والاندثار يدفع البعض إلى محاولة إثبات وجودهم وامتلاك السلطة والنفوذ، الرغبة في تخليد الذات وترك بصمة دائمة من خلال السيطرة والنفوذ.
القرب من الغريزة البدائية
النزعة الشريرة للسلطة لا تتجاوز الدوافع البدائية كالبقاء والتكاثر، هي تعبير بدائي عن حاجات نفسية واجتماعية أكثر تعقيدًا، كالحاجة للتقدير والسيطرة والنفوذ.
التنشئة الاجتماعية والثقافية
النزعة الشريرة للسلطة تتأثر بالظروف الاجتماعية والثقافية التي ينشأ فيها الفرد، المجتمعات التي تقدر السلطة والقوة قد تشجع هذه النزعة أكثر من المجتمعات التي تؤكد القيم الأخلاقية.
منذ بداية تاريخ البشرية، كان هناك صراع مستمر بين النزعة الشريرة للسلطة والخوف من الاندثار. هذه ظاهرة معقدة لها جذور عميقة في علم النفس البشري والديناميكيات الاجتماعية والسياسية. النزعة الشريرة للسلطة هي الرغبة في الهيمنة والسيطرة على الآخرين. وهي تنبع من الخوف والشعور بالضعف، وتؤدي إلى سلوكيات مثل الكبت والاستغلال والتلاعب. هذه السمة موجودة في جميع المجتمعات والثقافات البشرية بمستويات متفاوتة. في المقابل، قلق الاندثار هو الرغبة الشديدة في البقاء على قيد الحياة والتجنب التام للموت والانقراض. هذا الخوف من الزوال أصيل في الجهاز النفسي للإنسان ويدفعه للمحافظة على الذات والسعي للقوة والسيطرة. وعندما تتفاعل هاتان النزعتان، ينشأ صراع مستمر على السلطة والبقاء. البعض يستخدم النفوذ والقهر للمحافظة على المركز، بينما يحاول البعض الآخر الإطاحة بالآخر للوصول إلى السلطة. هذا الكفاح دائم ولا يتوقف لأنه محرك أساسي في السلوك البشري. ولذلك، فهم هذه الديناميكيات النفسية والاجتماعية أمر حيوي لفهم تاريخ البشرية والتطورات السياسية والثقافية المعاصرة. قد لا يحل هذا الفهم المشكلة، لكنه قد يساعد في التخفيف من حدة هذه الصراعات والبحث عن طرق بناءة للتعامل معها. هناك العديد من الآليات التي تستخدمها البشرية للتغلب على قلق الاندثار والمحافظة على النزعة الشريرة للسلطة:
الاستحواذ على الموارد والثروة
من المنظور الفلسفي، هذه الآلية تنطلق من فكرة أن الامتلاك والسيطرة على الموارد المادية والثروة هي طريقة لضمان البقاء والسلطة. الفكر الاقتصادي الرأسمالي يُعظم هذا المنطق. ومن وجهة النظر الوجودية، هذا يعكس خوف البشر من العدم والرغبة في تجاوز حدود الذات المتناهية.
السلطة السياسية والعسكرية
يسعى البشر إلى تركيز السلطة السياسية والعسكرية بين أيديهم من أجل ضمان استمرارية نفوذهم. الفلسفات السياسية مثل النزعة الواقعية والمذاهب الشمولية تبرر هذا السلوك. وهذا ينبع من الخوف الوجودي من الفناء والاندثار.
الهيمنة الأيديولوجية والثقافية
تسعى البشرية إلى فرض أفكارها وتصوراتها الخاصة عن العالم كوسيلة للسيطرة. هذا يتجلى في الأديان والأيديولوجيات السياسية والاجتماعية المهيمنة. من المنظور الفلسفي، هذا ينعكس في رغبة البشر في خلق معنى وتصورات كلية للوجود للتغلب على الشعور بالقلق والاندثار.
السعي للخلود والتخليد
يدفع البشر نحو الإنجازات والابتكارات التي من شأنها تخليد اسمهم وتركهم بصمة في التاريخ. هذا يشكل نوعًا من الخلود الرمزي يقي من الاندثار. من المنظور الفلسفي، هذا يعكس رغبة البشر في تجاوز محدودية الوجود الفردي.
بشكل عام، يمكن القول أن هذه الآليات تنبع من حالة الوجود البشري المتناقضة بين الرغبة في البقاء والهيمنة وبين إدراك محدودية الذات والخوف من الموت والاندثار. وهذا التناقض هو محرك أساسي للسلوك البشري عبر التاريخ من منظور فلسفي. هناك عدد من الفلاسفة الذين بحثوا الآليات الفلسفية والأخلاقية المتعلقة بقضايا السلطة والهيمنة والحفاظ على الذات من الاندثار,أبرز هؤلاء الفلاسفة:
ميشيل فوكو
قدم فوكو تحليلاً نقدياً معمقاً لمفاهيم السلطة والخطاب والمؤسسات الاجتماعية. حيث رأى أن السلطة تنتشر عبر شبكات من العلاقات والممارسات التي تشكل الذوات والسلوكيات. ودعا إلى نقد العقلانية البيروقراطية والتحرر من أساليب الهيمنة
إريك فروم
ركز فروم على الصراع بين الحاجة للأمن والحرية الفردية. وحذر من ميل الأفراد إلى التخلي عن حريتهم مقابل الشعور بالأمان تحت سلطة القوى المهيمنة. ودعا إلى ترسيخ قيم التضامن والإبداع الذاتي.
هربرت ماركيوز
انتقد ماركيوز المجتمع الصناعي الحديث الذي يخضع لسيطرة النخب والتكنولوجيا. ورأى أن هذا المجتمع يقمع الرغبات الحقيقية للأفراد ويحولهم إلى مجرد أدوات للإنتاج والاستهلاك.
إيريك بوندي
ركز بوندي على أبعاد السلطة النفسية والثقافية. وحذر من خطر التلاعب بالوعي الجمعي وتشكيل الذوات وفقاً لمصالح السلطة المهيمنة.
هؤلاء الفلاسفة وغيرهم قدموا نقداً عميقاً لآليات السلطة والهيمنة، ودعوا إلى تأسيس علاقات اجتماعية وسياسية أكثر عدالة وإنسانية. وما زالت أفكارهم ذات أهمية بالغة في مواجهة التحديات المعاصرة.
الحاضرية الوجودية والاستراتيجيات النقدية للسلطة والهيمنة
من منظور الحاضرية الوجودية، يرى الفلاسفة مثل هايدجر وسارتر أن الحرية الفردية والالتزام الوجودي هما أساس الوجود الإنساني الأصيل. وهذا يتناقض ظاهريًا مع التركيز على الممارسات الثقافية والسياسية المحددة في نقدية السلطة. ومع ذلك، يمكن النظر إلى هذه النقدية على أنها تكملة للحاضرية الوجودية، وليس بديلاً لها. فالحرية الفردية لا تعني العزلة أو الانفصال عن السياقات الاجتماعية والثقافية. بل على العكس، يمكن أن تتحقق الحرية من خلال فهم وإدراك آليات السلطة والتحرر منها. وبالتالي، يمكن للفرد الحاضري الوجودي أن يتبنى موقفًا نقديًا من الهيمنة والقوى المهيمنة، دون التخلي عن جوهره الوجودي. فالانخراط النقدي في القضايا السياسية والاجتماعية هو جزء من المشروع الوجودي للفرد في استكشاف حدود حريته وإرادته. بهذه الطريقة، يمكن أن تساهم النقدية للسلطة في تعميق الحاضرية الوجودية وتعزيز قدرة الفرد على التحرر والاختيار الحر. وهذا يتطلب إعادة تأطير بعض المفاهيم الوجودية بما يتناسب مع السياقات الاجتماعية والسياسية المعاصرة. لكن هناك عدة تحديات رئيسية قد تواجه إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية وفق الحاضرية الوجودية:
التغلغل العميق للأنماط السائدة للعلاقات
صعوبة تغيير العادات والتوقعات الاجتماعية المترسخة، مقاومة الأفراد والمؤسسات للتخلي عن سلطتهم وامتيازاتهم، التأثير القوي للثقافة الاستهلاكية والفردانية على العلاقات. اتساع تأثير نظام التفاهة وتسليع كل الأشياء ونمو ظاهرة المثقف الاستعراضي.
التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا والتواصل الرقمي
التشتيت والاغتراب الناجم عن الاعتماد المفرط على الوسائط الرقمية، صعوبة تحقيق الحضور الحقيقي والتواصل العميق عبر الوسائط الافتراضية، المخاطر المتزايدة للتلاعب والسيطرة عبر التكنولوجيات الرقمية.
الصراعات والتوترات الناجمة عن التنوع والاختلافات الثقافية
التحديات في تحقيق التفاهم والتعاون عبر الخلفيات المتباينة، صعوبة تجاوز التحيزات والنزعات العنصرية والطائفية، تعقيد إدارة التنوع والاختلاف ضمن المجتمعات المتعددة.
المعوقات المؤسساتية والسياسية للتغيير الاجتماعي
هيمنة النظم والهياكل البيروقراطية الجامدة، غياب الإرادة السياسية والدعم الحكومي لمبادرات التحول. تأثير المصالح المتنفذة على تشكيل السياسات والقوانين.
في ظل تحديات العصر الحالي، من المهم تعزيز ثقافة اليقظة الوجودية للتعامل مع مخاوف الاندثار والتحكم الشرير للسلطة. هذا يتطلب اتخاذ عدة خطوات:
تنمية الوعي الذاتي والتأمل الداخلي
من خلال التأمل والحضور في اللحظة الراهنة، يمكن للأفراد فهم دوافعهم وانفعالاتهم بشكل أفضل، مما يساعدهم على اتخاذ قرارات أكثر حكمة.
تقوية الصمود النفسي
تطوير مهارات التعامل مع الضغوط والتحديات بطريقة إيجابية يساعد على مواجهة مخاوف الاندثار والتحكم الشرير.
تعزيز الترابط الاجتماعي
بناء علاقات داعمة والمشاركة في المجتمع يعزز الشعور بالأمان والانتماء، مما يقلل من شعور الاغتراب.
التركيز على القيم الأخلاقية
الالتزام بالقيم الإنسانية كالعدل والكرامة والتسامح يساعد على الحفاظ على الإنسانية في مواجهة التحديات. من خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن للأفراد والمجتمعات تعزيز ثقافة الحضور الوجودي والصمود في وجه التحديات المعاصرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 3 شهداء جراء قصف مسيرة إسرائيلية لمركبة فلسطينية قرب مدينة ط


.. ناجون من ويلات مجزرة المواصي يروون شهادتهم




.. اشتباكات ومواجهات في ملبورن ضد محتجين مناهضين للحرب


.. هل تغيّرت مواقف سياسية عديدة لكامالا هاريس؟




.. مدير مكتب الإعلام الحكومي بغزة للجزيرة: الاحتلال ارتكب 48 مج