الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى للقايدية 16

عبدالرحيم قروي

2024 / 8 / 13
الارشيف الماركسي


انقلاب التحالفات:
كذلك كانت سلطة أخرى في طور الميلاد والنمو في جنوب المغرب: حركة ماء العينين التي كانت تهدد التوازن السياسي القار في الحوز وقد تكسح تلك التقسيمات ومنازعات الوادي، وذلك بانضواء الكل تحت نفس السطوة القوية. ولكن التاريخ دار بسرعة: فالمولى عبد العزيز لم يخلع بعد عن العرش والمولى عبد الحفيظ الذي لم يبرز كثيرا بعد أم كانت سلطته المستقبلة مرهونة بهالة رجل يزايد في ميدان التمسك بالدين واستقلال الدولة اتجاه القوى الأوربية. ولم تكن اللحظة مناسبة بالنسبة لقياد الأطلس الذين وجدوا في مولاي عبد الحفيظ بطل قضيتهم، لكي يتحركوا في فوضى. وقد تجلى أن المدني الكلاوي قد أبان عن حنكة سياسية حين استطاع أن يفهم الطيب الكوندافي أن المولى عبد العزيز لم تعد لديه أية سلطة، وأن الظهائر التي كان يحملها لم تعد لها أية قيمة ، وفي ذات الوقت ساعده على الإفلات من هوان القبض عليه أو التعرض للهزيمة.
وفي 25 شتنبر/أيلول 1906 تم اجتماع غريب في أكركور بين التهامي الكلاوي وإبراهيم أخ وخليفة الطيب الكوندافي. ويتعلق الأمر بالاقناع بمصير مولاي حفيظ ومباشرة تقسيم متوازن للحوز. والثمن المدفوع لإدخال الكوندافي في التحالف هو إرجاع كيك له، وأمزميز ومجاط أي الواجهة المؤدية إلى السهل. وقد انتظر الطيب مدة سنة حذرا قبل أن يعقد المصالحة ويزور مولاي حفيظ ويشارك في الدعوة له في مراكش بتاريخ 16 غشت/آب 1907 .
وقد أدرك عبد المالك المتوكي أن الحوز سيفلت من بين يديه فتقرب من المولى عبد العزيز .
وهذه التقلبات واللعبات المزدوجة والرهانات على المتنافسين لها دلالتها فيما يخص الغياب السياسي لنفوذ الدولة. والتضامنات الوحيدة والتي حوفظ عليها هي التي تضمن نجاح الجماعة القبلية الأصيلة وأبناء القايد.
ويمكن أن نعطي عن هذا مثالا آخر:هو اللقاء بين الكلاوي والمتوكي ولد منو وميكريت قنصل فرنسا في مراكش بتاريخ 3 غشت/آب 1911 وفي حين أن الهبة قد دخل لتوه منتصرا إلى تارودانت، من جهة، واللقاء الآخر بتاريخ 12 غشت/آب 1911 حيث التزم الكلاوي والمتوكي والكوندافي بالتزامات معاكسة لذلك مع الهبة الذي كان يعسكر بفروكة وعلى وشك محاصرة مراكش.
إن النظام القايدي بصفته مؤسسة سياسية قد ولد في حضن تاقبليت وذلك بتأسيس سلالة قوية انطلاقا من أفراد غرباء عن الجماعات في غالب الأحيان أو هامشيين فرضوا أنفسهم بممارسة العنف على جماعات يتزايد عددها كما أن أفرادها يكونون غرباء عن السلالة الأولية على أن يعترف بهم من طرف السلطة المركزية كوسطاء إجباريين بين المخزن والجماعات التي يلزم عليها تأدية الضرائب. والاعتراف بالقايدية ليس تفويضا محضا للسلطة عليها تأدية الضرائب. والاعتراف بالقايدية ليس تفويضا محضا للسلطة كما يدعي كلود كاهان Claude Cahen ولا بيعة إرادية وتلقائية من محمي تجاه حامي. فليس هناك قانون statut للنظام القايدي ولا تقنين ولا تشريع. والقواعد الشرعية لا تتكلم عن هذا النظام. والبروتوكول المخزني يعتبر القياد مثل خدام «أرضياء لجلالته» والذين بالتالي يخضعون كلية له. ورسالة من مولاي الحسن إلى قياد سوس الذين عينوا جديدا نعتبرها من هذه الناحية لها خصوصيتها:
...«بعد أن وطأنا لهم عنف الترحيب فبوأنا مع توسمنا فيه الأهلية للتولية على إخوانه مهادا وقلدناه أمرهم جمعا وفرادى وضربنا للكل فيها على مقتضى السياسة بمعونة الله بسهم مصيب وأرعيناه من مربع خدمتنا الشريفة المرعى الخصيب حتى وقع التمكن من أزمتهم وأجلسنا خاصتهم وعمالهم على أسرتهم فاتصلت بهم المخزنية اتصال الأرواح بالأجساد واستنارت هذا الأرجاء بنور الله استنارة عمت الحاضر والباد فأدوا من الطرف والهدايا ما فيه غنية لمن ركب متن المزايا مع كون البلاد لم تحكم بالمخزن مدة من السنين تنيف على عدد الستين...»
(الاستقصا... ج9 ص 175، 176)
ولكن القياد كانوا يعرفون أن مجرد استطاعتهم رفع الضريبة إلى أقصى حد على القبائل التي كانوا يسيطرون عليها كان يتيح لهم الحصول على ظهير تنصيبهم على تلك القبائل. وتلك الظهائر التي كانت وظيفتها قبل سنة 1860 على الخصوص بالنسبة للقبيلة كيكان يدفع الضرائب لتحديد القابض، قد أصبحت بالتدريج، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تكون نوعا من التحكيمات، تعين الحدود بين أطماع القياد المتنازعين. ذلك أن السكان قد أدركوا في تلك الحقبة أن مشروعية الضرائب غير القانونية لا جدوى من المطالبة بها أمام قوة عنف القابضين الذين أخذ ارتباطهم بالجماعات التي يطالبونها بالأداء يتلاشى شيئا فشيئا.
ولا نغفل أن تطور القايدي ذاك كان وثيق الصلة بالوضعية السياسية العامة النوعية، أي وضعية سيطرة الرأسمالية الأوربية التي أخذت تتجلى بوضوح لأعين الأفراد الذين يصنعون تاريخ المجتمع كشيء حتمي ولا رجعة فيه بدليل الأمثلة التونسية والجزائرية.
وندعم إذن أطروحة أن النظام القايدي الذي ولد في الهامش وفي نفس الآن مع التدخل الاستعماري، دون أن يستنفذ نمطه المثالي، يطابق تعبيرا مجتمعيا يلتصق بالتكوين المجتمعي المغربي. ولكنه لم يستطع أن ينمو إلا كإجابة عن ضعف السلطة المركزية الناجم عن السيطرة الاستعمارية ذاتها. وانطلاقا من الحوز لم يستطع الاستعمار أن يجد حلا آخر سوى الاعتراف ثم تدعيم وفي النهاية تعميم الصياغة التي وضعت في هذه المنطقة، على مجموع المغرب.
وأخيرا لنلاحظ فشل انتشار النظام القايدي على مستوى التكون المجتمعي بكامله: لم يكن المجتمع المغربي مجتمعا قايديا بشكل تام، وسنوضح فيما بعد بعض التحفظات التي يجب القيام بها بشأن اختفائه التام.
انتهى
الفترات الكبرى للقايدية
بقلم: بول باسكون
تعريب زبيدة بورحيل

المصدر:
المجلة المغربية للاقتصاد والاجتماع تصدرها جمعية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والإحصائية، تحت إشراف المعهد الجامعي للبحث العلمي
العدد الخامس والسادس/1981
ص ص: 67 إلى 149








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملايين الأميركيين يقبلون على شراء السيارات الكهربائية لحماية


.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمتظاهرين في تل أبيب وسط د




.. اشتباكات عنيفة بين متظاهرين ملثمين والشرطة في تشيلي


.. تعيين بارنييه يغضب اليسار في فرنسا.. ومطالب بالإطاحة بماكرون




.. بعد المظاهراتـ، إلى أي حد سيذهب اليسار في مواجهته مع ماكرون؟