الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي الاشتراكية البيئية؟

ميكائيل لووي

2006 / 12 / 24
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


النمو الفائق لتلويث هواء المدن الكبرى، والماء الشروب والبيئة بوجه عام، وارتفاع سخونة الكوكب، و بداية ذوبان جليد المناطق القطبية، وتكاثر الكوارث "الطبيعية"، و بداية تدمير طبقة الاوزون، و اتلاف متسارع للغابات الاستوائية، وتقلص سريع للتنوع الاحيائي بانقراض الاف الانواع، وانهاك التربة، والتصحر، وتراكم النفايات،لا سيما النووية، المتعذر تدبيرها، وتكاثر الحوادث النووية وخطر حادثة جديدة من قبيل تشيرنوبيل ، وتلوث الغذاء، والتصرف في الجينات، و"جنون البقر" ولحوم البقر بالهرمونهات، كل العلامات تشير الى خطورة الوضع: جلي ان الركض المجنون الى الربح، والمنطق الانتاجوي والتجاري للحضارة الرأسمالية/الصناعية يقودنا الى كارثة بيئية ذات احجام غير قابلة للقياس. ليس انسياقا في "نزعة كارثية" الاقرار بكون التوسع الرأسمالي يهدد بدمار الاسس الطبيعية لحياة البشر على كوكب الارض.(1).

كيف تجب مواجهة هذا الخطر؟ ان للاشتراكية والبيئية –الايكولوجيا –بالاقل بعض تياراتها- اهدافا مشتركة تستتبع مساءلة استقلال الاقتصاد وسيادة التحديد الكمي والانتاج بما هو هدف بحد ذاته، ودكتاتورية المال، واختزال الوجود الاجتماعي في حساب هوامش المردودية وفي متطلبات تراكم راس المال. انهما تنتسبان معا الى قيم نوعية: القيمة الاستعمالية وتلبية الحاجات، المساواة الاجتماعية بالنسبة لاحدهما وحماية الطبيعة والتوازن البيئي بالنسبة للآخر.

بعد قول هذا، فرقت حتى الان خلافات جوهرية"الحمر" عن "الخضر"، الماركسيين عن البيئيين. ويتهم البيئيون ماركس وانجلز بنزعة انتاجوية. فهل لهذا الاتهام ما يبرره ؟ نعم ، ولا.
لا، بقدر ما أن ليس ثمة من ندد بالمنطق الراسمالي للانتاج من اجل الانتاج، وتراكم الرأسمال، والثروات والسلع بما هو هدف بحد ذاته، قدر ما ندد به ماركس. إن فكرة الاشتراكية ذاتها- بعكس نسخها البيروقراطية المزورة- هي فكرة انتاج قيم استعمالية، ومواد ضرورية لتلبية حاجات انسانية. ليس الهدف الاسمى للتقدم التقني بنظر ماركس متمثلا في نمو لا متناهي للمواد (التملك) بل تقليص يوم العمل وتزايد الوقت الحر ( الكينونة).

نعم، وذلك بقدر ما نجد غالبا عند ماركس وانجلز ( واكثر من ذلك عند الماركسية اللاحقة) ميلا الى اعتبار " تطوير قوى الانتاج" الموجه الرئيس للتقدم، وموقفا قليل الانتقاد للحضارة الصناعية، لا سيما في علاقتها المدمرة بالبيئة.

نجد في الواقع في كتابات ماركس وانجلز ما يعزز كلا التاويلين. تمثل المسألة البيئية بنظري التحدي الاعظم بوجه تجديد للفكر الماركسي على عتبة القرن 21. وتتطلب من الماركسيين مراجعة نقدية عميقة لتصورهم التقليدي لـ"قوى الانتاج"، وكذا قطعا جذريا مع ايديولوجية التقدم الخطي ومع النموذج التكنولوجي والاقتصادي للحضارة الصناعية الحديثة. كان والتر بنيامين من أول ماركسيي القرن 20 الذين طرحواهكذا سؤال: ندد منذ 1928 في كاتبه الاتجاه الوحيد بفكرة السيطرة على الطبيعة بصفتها " من التعاليم الامبريالية"، واقترح تصورا جديدا للتقنية بما هي" تحكم بالعلاقة بين الطبيعة والانسانية". وكان اقترح، سنوات بعد ذلك في اطروحات حول مفهوم التاريخ، اغناء المادية التاريخية بافكار فورييه، صاحب الرؤى الطوباوي هذا الذي حلم بـ"عمل لا يستغل الطبيعة بل يقدر على توليد الابتكارات الراكدة فيها" (2).

ما زالت الماركسية، لغاية اليوم، لم تتدارك تاخرها في هذا المضمار. لكن بعض الناملات الفكرةي شرعت تنهض يهذه المهمة. كان الباحث البيئي و"الماركسي-البولانيي" الامريكي جيمس أو كونور قد فتح سبيلا خصبا: يجب ان يُضاف الى تناقض الراسمالية الاول، الذي تناوله ماركس بالفحص، تناقض قوى الانتاج وعلاقات الانتاج، تناقض ثاني، تناقض قوى الانتاج وشروط الانتاج: العمال، النوع البشري، الطبيعة. ان الراسمال يهدد او يدمر، بفعل ديناميته التوسعية، شروطه الخاصة، بدءا بالبيئة الطبيعية- وهذه امكانية لم يوليها ماركس الاعتبار الكافي. (3)

وثمة مقاربة هامة اقترحها ماركسي بيئي ايطالي في نص حديث:" يبدو لنا ان الصيغة التي مؤداها تحول قوى انتاج بالقوة الى قوى تدمير بالفعل، لاسيما بالنسبة للبيئة، اكثر ملاءمة ودلالة من الترسيمة الشهيرة حول التناقض بين قوى الانتاج (الدينامية) وعلاقات الانتاج( التي تغلها). وتتيح هذه الصيغة، من جهة اخرى، مد التطور الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي باساس نقدي لا تمجيدي، وبالتالي بلورة مفهوم" متمايز" للتقدم."(ارنست بلوخ) (4).

ما زالت الحركة العمالية التقليدية، ماركسية كانت او غير ماركسية- نقابات، واحزاب اشتراكية ديمقراطية وشيوعية- مطبوعة بعمق بايديولوجية "التقدم" وبالنزعة الانتاجوية، وصولا في بعض الحالات الى الدفاع، دون كثير تساؤل، عن الطاقة النووية او صناعة السيارات. صحيح ان بداية تحسيس بيئي سائر الى التطور، لاسيما في النقابات واحزاب اليسار في البلدان الشمالية، واسبانيا والمانيا، الخ.

أزمة حضارة

كان ومازال اسهام الايكولوجيا الكبير أن جعلنا ندرك المخاطر المحدقة بالكوكب بفعل نمط الانتاج والاستهلاك الراهن. ان التسارع المهول للتعديات على البيئة، وتنامي خطر اختلال التوازن البيئي يرسمان وضعا محتملا-كارثيا يهدد بقاء الحياة البشرية ذاتها. اننا بوجه ازمة حضارة تستدعي تغييرات جذرية.
لكن المشكل قائم في كون المقترحات المقدمة من التيارات السائدة بالايكولوجيا السياسية الاوربية غير كافية الى حد بعيد او تفضي الى مآزق. و يتمثل مكمن ضعفها الرئيس في تجاهل الربط الضروي بين النزعة الانتاجوية والراسمالية، مما يفضي الى وهم" رأسمالية نظيفة" او اصلاحات قادرة على التحكم بـ"التجاوزات"( مثل الرسوم البيئية مثلا)، او كونها ترفض في الآن ذاته الراسمالية و"الاشتراكية" باعتبارهما تنويعين لنفس النموذج متذرعة في ذلك بتقليد اقتصاديات الاوامر البيروقراطية للنزعة الانتاجوية الغربية، وهي حجة فقدت الكثير من اهميتها بعد انهيار"الاشتراكية القائمة" المزعومة.

يخطئ البيئيون باعتقاد امكان الاستغناء عن نقد ماركس للرأسمالية: ان ايكولوجيا لا تأخذ بالحسبان علاقة النزعة الانتاجوية بمنطق الربح محكومة بالفشل- او باحتوائها من قبل النظام، وهذا اسوأ. وما اكثر الامثلة... وقد قاد غياب موقف معادي للراسمالية على نحو متماسك اغلب احزاب الخضر باوربا- فرنسا، المانيا، ايطاليا، بلجيكا- الى تحولها الى مجرد شريك " بيئي- اصلاحي" للتتسيير الليبرالي-الاجتماعي للراسمالية من قبل احزاب الوسط-اليسار.

يتجاهل بعض البيئيين الحركة العمالية، معتبرين العمال محكوما عليهم بالنزعة الانتاجوية، و رسموا على رايتهم:" لا يمين ولا يسار". ويتسرع ماركسيون سابقون تحولوا الى الايكولوجيا الى اعلان:" وداع البرولتاريا" (اندري غورز)، بينما يلح آخرون (الان ليبييتز) على وجوب مغادرة " الاحمر" – أي الماركسية او الاشتراكية" للانضمام الى " الاخضر" هذا البراديغم الجديد الذي قد يقدم اجابات على كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.

واخير نرى في التيارات البيئية المسماة " اصولية" (deep ecology) ارتسام رفض للنزعة الانسانية بمبرر رفض النزعةالمركزية الانسانية l’anthropocentrisme مما يفضي بها الى مواقف نسبية تضع كل الانواع الحية على نفس المستوى. هل يجب فعلا اعتبار أن لعصية كوخ او بعوضة anofelis حق الحياة ذاته الذي لطفل مصاب بالسل او الملاريا؟

الاشتراكية البيئية

ما الاشتراكية البيئية إذن؟ انها تيار فكري وعملي بيئي يتبنى المكاسب الاساسية للماركسية – مع تخليصها من شوائبها الانتاجوية. يرى الاشتراكيون البيئيون ان منطق السوق والربح- وكذا منطق التسلط البيروقراطي لـ "الاشتراكية القائمة"- لا يتطابقان مع متطلبات حماية البيئة الطبيعية. وهم اذ ينتقدون ايديولوجية التيارات السائدة بالحركة العمالية، يدركون أن العمال ومنظماتهم قوة اساسية في كل تغيير جذري للنظام، ومن أجل ارساء مجتمع جديد، اشتراكي وبيئي.

تطورت الاشتراكية البيئية بوجه خاص في السنوات الثلاثين الاخيرة بفعل اعمال مفكرين بارزين من قبيل مانويل سكريستان، ورايمون ويليام، وريدولف بارو ( في كتاباته الاولى)، واندري غورز ( كتاباته الاولى)، ومساهمات قيمة من جيمس اوكونور، وباري كومونر، وجون بيلامي فوستر، وجويل كوفيل ( الولايات المتحدة الامريكية)، وخوان مارتنيز الييه، وفرانسيسكو فرنانديز بويي، وخورخي ريشمان (اسبانيا)، وجان-بول ديلياج، وجان ماري هاريبي(فرنسا)، والمار التفاتير، وفريدر اوتو وولف (المانيا)، وغيرهم كثيرون، الذي يعرضون اراءاهم بجملة مجلات من قبيل Capitalism, Nature and Socialism و Ecologia Politica, الخ.

ليس هذا التيار منسجما سياسيا، لكن اغلب ممثليه يتقاسمون بعض المواضيع المشتركة. ويمثل هذا التيار، الذي قطع مع ايد-يولوجية التقدم الانتناجوية- بشكلها الراسمالي و/أو البيروقراطي- ويعارض توسعا لانهائيا لنمط انتاج واستهلاك مدمر للطبيعة، محاولة اصيلة لبلوغ تمفصل الافكار الاساسية للاشتراكية الماركسية مع مكاسب النقد الايكولوجي.

يعرف جيمس اوكونور النظريات الاشتراكية البيئية بما هي تلك الساعية الى اخضاع القيمة التبادلية للقيمة الاستعمالية عبر تنظيم الانتاج حسب الحاجات الاجتماعية ومتطلبات حماية البيئة. ويتمثل هدفها - اشتراكية بيئية- في مجتمع عقلاني بيئيا مؤسس على الرقابة الديمقراطية والمساواة الاجتماعية وغلبة القيمة الاستعمالية (5). اضيف ان هذا المجتمع يفترض الملكية الجماعية لوسائل الانتاج وتخطيطا ديمقراطيا يتيح للمجتمع تحديد اهداف الانتاج والاستثمارات وبنية تكنولوجية جديدة لقوى الانتاج.

يرتكز الاستدلال الاشتراكي البيئي على حجتين اساسيتين:

1- ان نمط الانتاج والاستهلاك الراهن بالبلدان الراسمالية المتقدمة، القائم على منطق تراكم لامحدود ( للراسمال والارباح والسلع)، وهذر الموارد، والاستهلاك المتباهي، والتدمير المتسارع للبيئة، غير قابل باي وجه لشمول الكوكب كله سوى تحت طائلة ازمة بيئة كبرى. حسب معطيات حديثة ، سيؤدي تعميم متوسط استهلاك الطاقة بالولايات المتحدة الامريكية على مجموع سكان العالم الى نضوب المخزونات المعروفة في ظرف 19 يوما. (6). هذا النظام قائم اذن على استمرار التفاوت الصارخ بين الشمال والجنوب وتفاقمه.

2- ان استمرار "التقدم" الرأسمالي وتوسع الحضارة القائمة على اقتصاد السوق- حتى بهذا التفاوت الصارخ- يهدد بجميع الاحوال على نحو مباشر، وعلى المدى المتوسط، (كل تنبؤ مجازف) بقاء النوع البشري ذاته. هكذا تمثل حماية البيئة مستلزما انسانيا.

ان عقلانية السوق الراسمالية القاصرة، وحسابها الفوري للخسائر والارباح مناقضة على نحو جوهري لعقلانية بيئية تراعي الطابع المديد لزمانية الدورات الطبيعية . ليس المقصود اقامة تعارض بين الراسماليين"السيئين" المضرين بالبيئة والرأسماليين"الطيبين" الخضر: ان النظام ذاته، القائم على المنافسة الضارية، ومتطلبات المردودية، والسباق الى الربح السريع، هو الذي يدمر توازنات الطبيعة. ليست الراسمالية الخضراء المزعومة غير مناورة اعلان تجاري، ويافطة تروم بيع سلعة ،او بافضل الاحوال مبادرة محلية معادلة لقطرة ماء على ارض الصحراء الراسمالية القاحلة.

ان رهان المستقبل، بوجه تشيء؟؟ البضاعة والاستقلال المشيأ للاقتصاد من قبل النيوليبرالية، يتمثل بنظر الاشتراكيين البيئيين في "اقتصاد اخلاقي" بالمعنى الذي يضفيه تومبسون على هذا التعبير، أي سياسة اقتصادية قائمة على معايير غير نقدية و خارج الاقتصاد، وبعبارة اخرى"اعادة دمج" الشأن الاقتصادي في الشان البيئي والاجتماعي والسياسي (7).

ان الاصلاحات الجزئية غير كافية بتاتا: يجب استبدال عقلانية الربح الجزئية بعقلانية اجتماعية وبيئية اجمالية، وهذا ما يستدعي تغييرا للحضارة(8). يتعذر ذلك بدون اعادة توجيه تكنولوجي عميق يرمي الى استبدال موارد الطاقة الراهنة باخرى غير ملوثة ومتجددة مثل طاقة الرياح او الشمس (9). وبالتالي فاول مسألة تنطرح هي التحكم بوسائل الانتاج، لاسيما قرارات الاستثمار و التطوير التكنولوجي التي يجب انتزاعها من البنوك والمنشآت الراسمالية لتصبح ملكا مشتركا للمجتمع. طبعا لا يعني التغيير الجذري الانتاج وحده بل الاستهلاك ايضا. لكن مشكل الحضارة البرجوازية / الصناعية لا يكمن، مثلما يزعم غالبا الايكولوجيون، في " فرط استهلاك" السكان ولا يكمن الحل في "الحد" العام من الاستهلاك، لا سيما بالبلدان الراسمالية المتقدمة. ان نمط الاستهلاك الراهن، القائم على التباهي والهذر والتشيء السلعي و وسواس التراكم هو الذي يستدعي اعادة نظر.

لا غنى عن اعادة تنظيم اجمالية للانتاج والاستهلاك، قائمة على معايير خارجة عن السوق الراسمالية: الحاجات الفعلية للسكان ( ليس بالضرورة "الموسرة") وحماية البيئة. أي بعبارة اخرى اقتصاد انتقالي الى الاشتراكية " "معاد دمجه" ( كما قد يقول كارل بولانيي) في البيئة الاجتماعية والطبيعية، لانه قائم على الاختيار الديمقراطي للاولويات والاستثمارات من قبل السكان انفسهم- وليس من قبل " قوانين السوق" او مكتب سياسي عالم بكل شيء. وبعبارة اخرى، تخطيط ديمقراطي محلي ووطني وعالمي اجلا او عاجلا يحدد:1) المنتجات الواجب دعمها او حتى توزيعها مجانا.2) الخيارات في مجال الطاقة حتى وان لم تكن الاكثر "مردودية" في طور اول.3) كيفية اعادة تنظيم نظام النقل حسب معايير اجتماعية وبيئية.4) الاجراءات الواجبة لاصلاح الاضرار البيئية الهائلة "الموروثة" عن الراسمالية في أقرب الاجال. وكهذا دواليك.

لن يفضي هذا الانتقال الى نمط انتاج جديد ومجتمع مساواة وديمقراطية وحسب، بل حتى الى نمط حياة بديل وحضارة جديدة اشتراكية بيئية تتجاوز سيادة المال وعادات الاستهلاك المصطنعة بالاعلان التجاري والانتاج اللامتناهي للسلع الضارة بالبيئة (السيارة الشخصية!).

أهذه يوتوبيا؟ لا شك انها كذلك بالمعنى الحرفي ("ما لا يوجد باي مكان"). لكن كيف يمكن، ما لم نشاطر هيغل الاعتقاد ان " كل ما هو واقعي عقلاني ووكل ما هو عقلاني واقعي"، التفكير في عقلانية جوهرية دون اعتماد يوتوبيات؟ اليوتوبيا لا غنى للتغيير الاجتماعي عنها بشرط ان تكون قائمة على تناقضات الواقع وعلى حركات اجتماعية فعلية. تلك حال الاشتراكية البيئية التي تقترح استراتيجية تحالف بين "الحمر" و"الخضر" لا بالمعنى السياسوي الضيق للاحزاب الاشتراكية-الديمقراطية واحزاب الخضر بل بالمعنى الواسع أي بين الحركة العمالية والحركة الايكولوجية – وحركة التضامن مع مضطهدي ومستغلي الجنوب.
يستتبع هذا التحالف تخلي الايكولوجيا عن الميول الطبيعانية المناوئة للانسان و ادعاء الحلول مكان نقد الاقتصاد السياسي. كما يستتبع هذا التلاقي تخلص الماركسية من الانتاجوية باستبدال الترسيمة الميكانيكية حول التعارض بين تطور قوى الانتاج وعلاقات الانتاج المعرقلة لها بفكرة اخصب، فكرة تحول قوى انتاج بالقوة الى قوى تدمير بالفعل.(10).

دينامية تغيير

ان اليوتوبيا الثورية لاشتراكية خضراء او شيوعية شمسية لا تعنى الامتناع عن التحرك الآن. لا يعني رفض وهم امكان"اضفاء طابع بيئي" على الراسماليةاستحالة خوض المعركة من اجل اصلاحات آنية. إذ يمكن، مثلا، أن تفيد بعض اشكال الضرائب البيئية بشرط قيامها على منطق اجتماعي مساواتي ( تحميل الاداء للملوثين لا للمستهلكين) والتخلص من وهم حساب اقتصادي لـ"سعر السوق" الخاص بالاضرار البيئية: انها تغيرات غير قابلة للقياس النقدي. اننا بحاجة ملحة لربح الوقت والنضال فورا من أجل منع غاز CFC المدمر لطبقة الازون، ووقف انتاج الاجسام المعدلة جينيا، والحد الصارم لنفث الغاز المسؤول عن "الاحتباس الحراري"، ون من اجل تفضيل النقل العمومي على السيارة الشخصية الملوثة واللاجتماعية. (11).

ان الفخ الذي يحدق بنا في هذا المضمار هو التبني الشكلي لمطالبنا وافراغها من محتواها. والمثال عن ذلك اتفاقات كيوتو حول تغير المناخ التي نصت على تقليص ادنى- 5% قياسا على مستوى 1990- ضئيل من وجهة نظر تحقيق نتائج فعالة فعلا- لنفث الغاز المسؤول عن ارتفاع سخونة الكوكب. كما نعلم ترفض الولايات المتحدة الامريكية، المسؤول الاول عن نفث ذلك الغاز، توقيع تلك الاتفاقات رفضا قاطعا، اما اوربا واليابان وكندا فقد وقعتها بشروط – "سوق حقوق النفث" الشهيرة، او الاعتراف ب"ابار الكربون" المزعومة التى تحد كثيرا اهمية الاتفاقات المحدودة اصلا. فبدلا عن مصالح البشرية على المدى الطويل جرى تغليب مصالح شركات البترول متعددة الجنسية ومركب صناعة السيارات(12).

قد تكون المعركة من اجل اصلاحات بيئية-اجتماعية حاملة لدينامية تغيير و "انتقال" بين مطالب الحد الادنى والبرنامج الاقصى بشرط رفض حجج وضغوط المصالح السائدة باسم " قواعد السوق" و" التنافسية" او " التحديث". وقد باتت بعض المطالب الانية، او هي قابلة لتصبح بسرعة، نقطة تلاقي بين الحركات الاجتماعية والحركات البيئية والنقابات والمدافعين عن البيئة، بين "الحمر" والخضر" :
تشجيع النقل العمومي- القطار، قطار الانفاق، ترام، حافلات- الرخيصة او المجانية بديلا عن اختناق وتلوث المدن والقرى بالسيارة الفردية ونظام النقل الطرقي.
النضال ضد نظام الديون و "التكييف" الليبراليين، المفروضين من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي على بلدان الجنوب، وعواقبه الاجتماعية والبيئية الماساوية: البطالة الجماهيرية، تدمير الحمايات الاجتماعية والزراعات المعاشية، وتدمير الموارد الطبيعية من اجل التصدير.
الدفاع عن الصحة العمومية، ضد تلويث الهواء، والماء ( الفرشات المائية) او الاغذية بفعل شراهة المنشآت الرأسمالية الكبرى.
خفض وقت العمل بما هو جواب على البطالة ورؤية للمجتمع تفضل الوقت الحر على مراكمة الممتلكات (13)

لكن يتعين ان تتآلف في النضال من اجل حضارة جديدة، اكثر انسانية واحتراما للطبيعة، جميع الحركات الاجتماعية التحررية. كما يقول عن حق خورخي ريشمان:
" لا يمكن ان يتخلى هذا المشروع عن أي من الوان قوس قزح: لا احمر الحركة العمالية المعادية للرأسمالية والقائمة على المساواة، ولا بنفسجي نضالات تحرر النساء، ولا ابيض حركات اللاعنف من اجل السلم، ولا اسود الحركات اللاسلطوية، ولا اخضر النضال من اجل انسانية عادلة وحرة على كوكب قبل للسكنى(14)

ايكولوجيا الفقراء

اصبحت الايكولوجيا الاجتماعية قوة اجتماعية وسياسية حاضرة بساحة اغلب البلدان الاوربية، وايضا، الى حد ما بالولايات المتحدة الامريكية. لكن ليس ثمة خطأ افدح من اعتبار مسائل البيئة حكرا على بلدان الشمال- أي ترف المجتمعات الغنية. إذ تتطور تدريجيا بببلدان الراسمالية التابعة – "الجنوب"- حركات اجتماعية ذات بعد بيئي.
تمثل تلك الحركات رد فعل على تدهور متنام لمشاكل بيئية في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ناتجة عن سياسة "تصدير التلوث" مقصودة من البلدان الامبريالية. ولهذه السياسة "شرعنة" اقتصادية متينة من وجهة نظر اقتصاد السوق الراسمالي – صاغها مؤخرا خبير مرموق من البنك العالمي، السيد لورانس سومرس: الفقراء ارخص! فعلى حد قوله:" ان قياس كلفة التلوث الضار بالصحة متوقف على المردود الضائع بسبب نسب المرض والوفاة المتنامية. لذا يجب، من وجهة النظر هذه، تحقيق كمية معينة من التلويث الضار بالصحة في بلدان الكلفة الاقل، أي ببلدان الاجور الادنى."(15)
يا لها من صياغة وقحة تكشف منطق الراسمال الشامل على نحو افضل من كل الخطابات المهدئة حول "التنمية" التي تنتجها المؤسسات المالية الدولية.

هكذا تظهر ببلدان الجنوب حركات يسميها ج . مارتينيز-اليي " ايكولوجيا الفقير" او "شعبوية جديدة بيئية" أي تعبئات شعبية دفاعا عن فلاحة المزارعين، والافادة الجماعية من الموارد الطبيعية المهددة بالدمار من قبل التوسع الشرس للسوق( او الدولة)، وكذا نضالات ضد تدهور البيئة المباشرة بفعل التبادل اللامتكافئ، والتصنيع التابع، والتصرف في الجينات، وتطور الراسمالية( زراعة الشركات الكبرى) في القرى. في الغالب لا تعتبر تلك الحركات نفسها بيئية، لكن معركتها ذات بعد بيئي حاسم مع ذلك(16).

جلي ان تلك الحركات لا تعارض التحسينات الناتجة عن تقدم التكنولوجيا: بالعكس يحتل الطلب على الكهرباء، والماء، وقنوات الصرف الصحي، والمستوصفات الطبية، مكانة بارزة في لائحة المطالب. إن ما ترفض هو التلويث وتدمير محيطها الطبيعي باسم"قوانين السوق" ومتطلبات" التوسع" الراسمالي.

يعبر نص حديث للقائد الفلاحي هوغو بلانكو عن دلالة "ايكولوجيا الفقراء" على نحو رائع:" للوهلة الاولى يبدو المدافعون عن البيئة كاناس طيبين، مجانين الى حد ما، هدفهم الوحيد في الحياة الحيلولة من انقراض الحوت الازرق او دب الباندا. والشعب العامي منشغل بامور اهم، منها مثلا تدبر الخبز اليومي(...) لكن يوجد بالبيرو عدد كبير من الناس مدافعون عن البيئة. طبعا اذا قيل لهم:" انتم بيئيون" قد يردون بسخرية ... ومع ذلك: اليس سكان مدينة ايلو والقرى المحيطة، المناضلون ضد التلويث الناتج عن Southern Peru Copper Corporation مدافعين عن البيئة؟(...) وسكان الامازون اليسوا جميعا بيئيين، مستعدين للموت دفاعا عن غاباتهم ضد النهب والتخريب. وكذا سكان ليما الفقراء عندما يحتجون على تلويث الماء" (17).

ومن عديد مظاهر" ايكولوجيا الفقراء" ثمة حركة نموذجية بفعل اهميتها الاجتماعية والبيئية، المحلية والعالمية، "الحمراء" و"الخضراء": معركة Chico Mendes وتآلف شعوب الغابة دفاعا عن الامازون بالبرازيل، ضد العمل المدمر لكبار الملاكين العقاريين والزراعة الراسمالية متعددة الجنسية.

نعيد التذكير بايجاز باللحظات الكبرى لهذه المواجهة: في بداية سنوات 80 نظم Chico Mendes ، وهو نقابي بالاتحاد الوحيد للعمال ونصير للحركة الاشتراكية الجديدة الممثلة بحزب الشغيلة البرازيلي، عمليات احتلال اراضي من قبل فلاحين يعيشون من جمع الكاوتشو(seringueiros) ضد الملاكين العقاريين الكبار الذين يرسلون جرافاتهم لاقتلاع الغابة بقصد استبدالها بمراعي. وفي طور ثاني تمكن من تجميع فلاحين وعمال زراعيين و seringueiros ونقابيين وقبائل الاهالي - بدعم من الجماعات الكنسيةالقاعدية - في تآلف شعوب الغابة الذي افشل محاولات عديدة لاقتلاع الغابة. و بفعل الصدى الدولي لتلك التحركات نال عام 1987 الجائزة البيئية الشاملة لكن بعذ ذلك بقليل في ديسمبر 1988 جعله الملاكيون العقاريون الكبار يدفع غاليا ثمن معركته باغتياله من طرف قتلة مرتزقة.
قد تصبح هذه الحركة، بفعل ما حققت من تمفصل الاشتراكية والايكولوجيا، ونضالات الفلاحين والسكان الاهالي، وبقاء سكان محليين وحماية رهان شامل( جماية اخر غابة استوائية كبرى)، نموذجا للتعبئات الشعبية القادمة بـ"الـجنوب".

حركة عريضة

اصبحت الايكولوجيا الاجتماعية اليوم، بمنعطف القرن 21، احد اهم مكونات حركة عريضة ضد العولمة الراسمالية النيوليبرالية السائرة في التطور بشمال الكوكب وجنوبه على السواء. كان الحضور الكثيف للبيئيين احدى الخاصيات المثيرة لمظاهرة سياتل الكبرى ضد المنظمة العالمية للتجارة في العام 1999. وخلال المنتدى الاجتماعي العالمي في بورتو اليغري في العام 2001، كانت احدى التحركات الرمزية ما قام به مجتمعين مناضلون من حركة الفلاحين بدون ارض البرازيليين والكونفدرالية الفلاحية الفرنسية باقتلاع حقل ذرة مزروعة ببذور معدلاة تابعة لشركة مونسانتو. ان المعركة ضد التكاثر غير المراقب للاجسام المعدلة جينيا تعبئ بالبرازيل، وفرنسا وبلدان اخرى، الحركة البيئية كما الحركة الفلاحية وقسما من اليسار، مع تعاطف الراي العام المتخوف من العواقب غير المتوقعة للتصرف في الجينات على صحة العمومية وعلى البيئة الطبيعية. ان النضال ضد تحويل العالم الى سلعة، ومقاومة ديكتاتورية الشركات متعددة الجنسية والمعركة من اجل حماية البيئة وثيقة الترابط في فكر وممارسة الحركة العالمية ضد العولمة الراسمالية / الليبرالية .

(*) مساهمة منشورة بكتاب " الايكولوجيا والاشتراكية "
Syllepse, Paris 2005.

تعريب المناضل-ة




--------------------------------------------------------------------------------

احالات
انظر بهذا الصدد الكتاب الممتاز لــ Joel Kovel :
The Ennemy of Nature. The end of capitalism or the end of the world ? , New York, Zed Books, 2002.
W.Benjamin, Sens Unique, Paris, Lettres Nouvelles - Maurice Nadeau, 1978, p. 243 et "Thèses sur la philosophie de l’histoire", in L’homme, le langage et la culture, Paris, Denoël, 1971, p. 190
كما تمكن الاشارة الى الاشتراكي النمساوي Julius Dickmann الذي كتب نصا في العام 1933 في La critique sociale . يرى ان: الاشتراكية لن تكون نتيجة "ازدهار قوى الانتاج" بل بالاحرى نتيجة ضرورة يفرضها" تقلص مخزون الموارد الطبيعية" التي يبذرها الراسمال. ان التطور الرأسمالي لقوى الانتاج ينسف شروط وجود النوع البشري نفسه. ( مقال
"La véritable limite de la production capitaliste", La critique sociale, n° 9, septembre 1933).
James O’Connor, "La seconde contradiction du capitalisme : causes et conséquences", Actuel Marx n° 12. "L’écologie, ce matérialisme historique", Paris, 1992, pp. 30, 36.

Tiziano Bagarolo, "Encore sur marxisme et écologie", Quatrième Internationale, n° 44, Mai-juillet 1992, p.25.
James O’Connor, Natural Causes. Essays in Ecological Marxism, New York, The Guilford Press, 1998, pp. 278, 331.

M.Mies, "Liberacion del consumo o politizacion de la vida cotidiana", Mentras Tanto, n° 48, Barcelone, 1992, p. 73.
(7)
Cf. Daniel Bensaïd, Marx l’intempestif, pp. 385-386, 396 et Jorge Riechman, Problemas con los frenos de emergencia ?, Madrid, Editorial Revolucion, 1991, p. 15.
انظر بهذا الصدد النص الممتاز لخروخي ريشمان
, "El socialismo puede llegar solo en bicicleta", Papeles de la Fondation de Investigaciones Marxistas, Madrid, n° 6, 1996.
بات بعض الماركسيين يحلمون بشيوعية شمسية : انظر
David Schwartzman, "Solar Communism", Science and Society. Special issue "Marxism and Ecology", vol. 60 ; n° 3 Fall 1996.
(10)
D.Bensaid, Marx l’Intempestif, pp. 391, 396
(11)
Jorge Riechmann, "Necesitamos una reforma fiscal guiada por criterios igualitarios y ecologicos", in De la economia a la ecologia, Madrid, Editorial Trotta, 1995, pp. 82-85.
(12)
انظر تحليل John Bellamy Foster الثاقب :
« Ecology against Capitalism », Monthly Review. vol. 53, n° 5, october 2001, pp. 12-14.
راجع بيار روسيه :
, "Convergence de combats. L’écologique et le social", Rouge, 16 mai 1996, pp. 8-9.
(14)
J.Riechmann, "El socialismo puede llegar solo en bicicleta", p. 57.
(15) راجع
"Let them eat pollution", The Economist, 8 février 1992.
(16)
J.Martinez-Alier, "Political Ecology, Distributional Conflicts, and Economic Incommensurability", New Left Review, n° 211, mai-juin 1995, pp. 83-84.
مقال بجريدة Republica
Lima, 6 avril 1991 (cité par Martinez-Alier, Ibid. p. 74).


نشر في العدد 13 من جريدة المناضل-ة الصادر في اكتوبر2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا