الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2024 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعرف التاريخ كُله، قديمه وأوسطه وحديثه، أنظمة حُكم أكثر استبداداً وتعسفاً وقمعاً، وإفقاراً وإذلالاً وتجويعاً لشعوبها وحطاً من كرامتهم الطبيعية من الأنظمة الشيوعية كالتي مارسها كل من الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية وكل من حذي حذوهما طبقاً لأهوائه وظروفه الخاصة والوطنية مثل كوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا، ومن العالم العربي مصر والعراق وسوريا خلال العقدين الخامس والسادس من القرن الفائت. جميع هذه الأنظمة قد تأسست فوق قاعدة أساسية واحدة: تحقيق التوزيع العادل والمتساوي للثروة على المواطنين كافة دون تمييز على أُسس اقطاعية أو برجوازية أو دينية أو جنسية بين المرأة والرجل. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة لكن البعيدة- إذا لم تكن مستحيلة- المنال، قررت الدولة أن تحتكر الاقتصاد والإنتاج وتديرهما بنفسها. في الحقيقة، طالما كانت الأيديولوجيا الشيوعية لا ترى في أصحاب الأملاك والأصول الزراعية والعقارية والصناعية والتجارية الأثرياء أكثر من مصاصي دماء لمن دونهم حظاً وثروة من المستأجرين والعمال والفلاحين، فلا حل منطقي أمامها سوى بتخليص هؤلاء الفقراء المساكين من هذا الشر المستطير. لكن، إذا ما خَلَّصت عامة الشعب من هذه الكائنات الطُفيلية كما تراهم فعلاً، من سيحل محلهم ويؤدي وظيفتهم إذا كان ثَمَّةً وظيفة يؤدونها لشعوبهم حقاً؟! الدولة. وستؤديها بصورة صحيحة ومثالية تقضي تماماً على الظُلم والطبقية، تحقق عدالة التوزيع للجميع على قدم المساواة. لكن، في الواقع، لم يتحقق إلا العكس تماماً. لماذا؟

ببساطة لأن فلسفة الدولة كما تُجسدها الحكومة قد تأسست في الأصل على مبدأ الحُكم، لا التملك أو إدارة الاقتصاد. الحُكم يعني القرار النافذ. لكن، قرار مَنْ، مَنْ ينفذه، ومَنْ يفصل في الطُعون عليه؟ لذلك تأسست الحكومة فوق ركائز ثلاثة ذات حصانة واستقلال وتوازن محسوب من دون انفصال عن بعضها البعض: التشريعي، التنفيذي والقضائي. حيث يُفترض أن ينوب الأول عن كافة أفراد الشعب في صنع القرار، بينما ينوب عنهم الأخير في مراقبة الثاني، التنفيذي، خلال عملية التنفيذ وإجارتهم من تجاوزاته المحتملة. هذا القرار الذي حتماً ولابد ستلتقي عليه كل الأفرع الحكومية الثلاثة إذا ما أرادت تفادى إصابة الدولة بالشلل وتعطيل نشاطها وتهديد كيانها ذاته لا يقتصر على الحيز الاقتصادي فقط بل يشمل كل شيء يَمُس حياة الرجل والمرأة، من البيت والحقل ومكان العمل، وصولاً إلى المناصب العليا في الإدارة والحكم داخل بيروقراطية الدولة ذاتها. بالنتيجة، الحُكم يَعْني أن تُنفذ الحكومة قراراً قد اشتركت في صناعته مع زميلين آخرين- البرلمان والقضاء. على هذا الأساس يمكن تفسير أهمية الاقتصاد ودوره الحاسم في صناعة القرار الحكومي، وتحديداً في أنظمة الحكم ذات المنحى الاستبدادي كالشيوعية على سبيل المثال لا الحصر.

إن تراكم الثروات عبر أرجاء المجتمع يعمل كنقاط الضوء الوهاج التي ينجذب إليها ويلتف حولها بالضرورة عامة الأفراد طمعاً في إشباع الأغراض والمصالح الشخصية. وبفضل الالتقاء الطبيعي للمصالح المتشابهة سواء فيما بين هذه النقاط الثرية أو بينها وبين الأفراد المُعَلَّقة بها أرزاقهم، تتطور من الحيز الاقتصادي لترتقي إلى ’مراكز قوى‘ على صعيدي العمل الاجتماعي والسياسي. من مراكز القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هذه، بدعم مضمون وكاسح من القاعدة الشعبية العريضة المُعَلقة بها أرزاقهم، يأتي أفراد النخبة الذين سيجلسون في نهاية المطاف على مقاعد الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية المريحة والوثيرة على امتداد أجهزة الدولة المتعددة. ولما كان الفرع التنفيذي هو المنوط بممارسة قوة الدولة بتفويض إنفاذ قوانينها الداخلية وحمايتها من أعدائها الخارجيين، إلا أنه تحت ظروف مواتية (التي غالباً ما تتوفر بسخاء لدى أغلب الدول التقليدية غير الصناعية وفي القلب منها العربية) يستطيع أن يُسيء استغلال تفويضه الشرعي وبدلاً من أن يوجه سلاحه إلى أعداء الخارج يصوبه في رأس أعداء الداخل، هؤلاء الذين يسميهم الإقطاعيين والرأسماليين وأعوان الاستعمار والطابور الخامس والخونة والمتآمرين ضد الدولة وقلب نظام الحكم إلى آخر هذه الأسطوانة المعتادة.

مع ذلك، حتى لو طّهَّر التنفيذي الأعلى كل أجهزة الدولة من معارضيه وأعدائه بالنَفَر، هم لا يزالون قلة ضئيلة للغاية من جُملة الشعب ولا يوجد بعد ضمان ضد أن تنشأ بالأسفل عبر طبقات المجتمع نُخَبٌ جديدةٌ تصعد لكي تستخلف من قضوا، مُحملين ومُفوضين من ذات أغراض ومصالح وتطلعات عامة الشعب كسابقيهم. إن استبعاد الفرع التنفيذي لمعارضيه من الفرعين الزميلين التشريعي والتنفيذي يضمن له الانفراد الكامل بعملية صنع وتنفيذ ومراقبة القرار السياسي، وبالتالي اختطاف الحكومة واختزالها في شعبتها التنفيذية فقط. رغم ذلك، سيبقى الخطر ماثلٌ دائماً بتجمع نقاط ضوئية جديدة تلتف من حولها فئات الشعب المختلفة لتتحول إلى مراكز قوى قادرة على معارضته ومنافسته ومزاحمته على مقاعد الحكم الوثيرة طالما بقيت منابع توليد الثروة مبعثرة ومنتشرة عبر أرجاء المجتمع ولم تسيطر عليها الحكومة التي أصبحت بدورها رهينة القرار التنفيذي. الآن، بعدما تخلصت من النخبة المعارضة، أصبحت الحكومة على أتم القدرة والاستعداد لكي تستحوذ على منابع استقواء المعارضين لسياساتها. النتيجة، باسم الدولة وتحت ذريعة تحقيق العدالة والمساواة في توزيع الثروة على أبنائها، احتكرت الحكومة العمل الاقتصادي. لماذا؟

لأن الحكومة بذلك ستُطفئ جميع نقاط التجمع والاستقواء المنتشرة عبر البلاد كلها ولن يتبقى سوى ضوء مشعلها الحكومي فقط عالياً وبعيداً بالمركز. وإلى هناك، يجب أن ينجذب ويتحلق من الآن فصاعداً كلُ من يطمع في لُقمة عيش حتى لو كانت مُغمَّسة بالغش، أو منصب حتى لو كان مُزركشاً بالنفاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلامك حلو استاذنا
هانى شاكر ( 2024 / 9 / 25 - 23:27 )

كلامك حلو استاذنا ، لطيف : مفيد : معقول
حكمونا شوية مجانين ، وزيرهم مرتشي دلدول
و جيشنا ساب الحرب
و باع كباب و طرب
و هيرودوت غير كلامه
و هزأ مكانه و مقامه
رجع يهرتل و يقول : دي مصر هبة الفول

و عجبي



اخر الافلام

.. شوارب الدروز أسرار ورموز • فرانس 24 / #الدروز


.. ما دلالة تحريم شرب القهوة في أعراف العشائر السورية؟




.. إيران تعيد تسليح ميليشياتها.. وأميركا تستعد للعودة إلى الحرب


.. إمام عراقي سابق يحذر: الرجل العربي يعيش ازدواجية خطيرة | #ال




.. حصريا من قاعدة العديد القطرية: القصة الكاملة للتصدي لصواريخ