الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الألم.. محبتي لك أيها المعلم العظيم

سامح قاسم

2024 / 10 / 4
الادب والفن


"الألم هو المعلم الأعظم"، بهذه الكلمات وصف مارسيل بروست هذا الشعور الذي ينقل الإنسان من العتمة إلى النور. ليس الألم مجرد إحساس عابر، بل هو تجربة تفتح للإنسان نافذة ليرى ما لا يريد أن يراه. الألم يعيد تشكيل الأيام، يجردها من قشورها وخداعها، ويكشف عن جوهر الوجوه والأقنعة المتأرجحة بين الليل بغموضه ومخاوفه، وبين النهار بوضوحه وصدقه المُطمئن.

في شعر بابلو نيرودا، يظهر الألم كمُكون أساسي في رحلة البحث عن المعنى. يقول نيرودا: "لقد تذوقت طعم الألم في كل كلمة، في كل نظرة، حتى صرتُ أنا والألم وجهين لعملة واحدة." هذه الكلمات تعكس كيف يصبح الألم رفيقاً دائماً للإنسان، يطبع كل تجربة وكل إحساس بطابعه الخاص. الألم هنا لا يُعد تجربة سلبية فقط، بل يتحول إلى أداة لفهم أعمق للحياة ولإدراك جمالها في بساطتها وتعقيداتها.

إنني لا أنظر إلى الألم، رغم قسوته وسكينه الحاد، كشيء يجب التخلص منه، بل أراه جزءاً من الرحلة الممتدة إلى حين. هاروكي موراكامي في روايته "كافكا على الشاطئ" يقول أن "الألم حتمية، والمعاناة اختيار". هذه الفكرة تعكس مفهوم نيتشه القائل: "ما لا يقتلني يجعلني أقوى". هنا يتحول الألم إلى قوة دافعة، إلى تحدٍّ يمنح الإنسان القدرة على النهوض من جديد.

ومع ذلك، ليس الألم دائماً مصدر قوة. في بعض الأحيان، يتخذ شكلاً من أشكال الاغتراب. جبران خليل جبران يعبر عن هذا الجانب في كتابه "الأجنحة المتكسرة" قائلاً: "الحزن هو ذلك الجرح الذي لا يُشفى، والجرح الذي لا يُشفى يصبح جزءاً من الروح." الألم في هذه الصورة يتحول إلى جزء لا يتجزأ من كيان الإنسان، إلى تلك الندبة التي تظل شاهدة على تجربة عميقة، تترك بصماتها في الروح دائما وإلى الأبد.

يتحدث ألبير كامو عن فكرة "التمرد ضد الألم" في كتابه "أسطورة سيزيف"، حيث يصف كيف يمكن للإنسان أن يجد معنى حتى في أكثر اللحظات إيلاماً. التمرد هنا ليس هروباً من الألم، بل مواجهة صريحة معه، تحوّل الألم إلى لحظة وعي كامل. هذه اللحظة تُعيد ترتيب قيم الإنسان وتعيد تشكيل نظرته للأخر وللعالم.

الألم ليس فقط شعوراً داخلياً، بل هو تجربة جمالية تعبر عن نفسها بأشكال متعددة. راينر ماريا ريلكه في قصائده يُجسد الألم كصديق قديم، يلازمه في كل لحظة. يقول: "الألم هو زائر لا يغادر، يجلس بهدوء في زوايا الروح، ينتظر لحظات الوحدة ليهمس بحكاياته الغامضة." هذه الصورة تجعل من الألم كائناً حياً، له حضور دائم في حياة الإنسان، يُذكّره دائماً بهشاشته وبقوته في آن واحد.

من جانب آخر، يتحدث جوليان جرين عن أن "الألم يكشف عن الضعف والقوة في آن واحد". هذه العبارة تعكس التناقض العميق في تجربة الألم، حيث يجد الإنسان نفسه بين قطبين متنافرين: الضعف الذي يجبره على الاعتراف بحاجته إلى التعافي، والقوة التي تمنحه القدرة على مواجهة تلك التجربة والخروج منها بعين جديدة.

في النهاية، يظل الألم جزءاً أصيلاً من التجربة الإنسانية. الألم ليس مجرد معاناة أو تجربة سلبية، بل هو رحلة داخلية تُعيد تشكيل الروح وتجعل الإنسان أكثر إدراكاً لمحدوديته ولقدرته على النهوض، والتأمل في ماهية الحياة ومعناها.

الشاعر الهندي طاغور يرى أن: "الجرح الذي لا ينزف، لا يُشفى". قد يحمل الألم في طياته تجربة قاسية، لكنه في الوقت نفسه، يحمل بذور الشفاء والتعافي. في هذه الرحلة المتناقضة، نجد أنفسنا نبحث عن معنى الألم ونتعلم كيف نتصالح معه، لأننا في النهاية ندرك أنه جزء من نسيج الحياة، يُشكل بألوانه القاتمة والخافتة جزءاً من الجمال الغامض للوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطلة فيلم -سنو وايت- تخطف الأنظار.. وكريم فهمى يقبل يدها


.. شبكات| الفنانون السوريون يغيرون مواقفهم من بشار الأسد.. كيف




.. رئيس قطاع الهندسة بمدينة الإنتاج الاعلامي من مهرجان البحر ال


.. «نجم المسرح» منصة اكتشاف المواهب الفنية بقيادة «قروب مافيا س




.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم