الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العُقْدَة اليهودية في العقل العربي

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2024 / 10 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ليسوا اليهود وحدهم من يكرههم العقل العربي ويسعى للتخلص منهم ولو بالقتل خلال العصر الحديث. بل تاريخ العقل العربي في أغلبه ينزف كراهية ورغبة ثأرية محمومة ضد الآخر المختلف، حتى لو تصادف كونه من نفس الأهل، العشيرة، القبيلة، القوم واللغة أو حتى الدين. مثلما دأبت القبائل العربية تفعل ضد أبنائها المنشقين وضد بعضها البعض، كذلك فعل صحابة رسول الله أنفسهم في صدر الإسلام فيما تُسمى ’الفتنة الكبرى‘، على خلفية اتهام كل فريق للآخر بمخالفة شرع الله وسنة رسوله. ومن بعدهم كررت الفعلة نفسها كل عائلة حاكمة عربية ضد الأخرى وصولاً إلى نهاية مُزرية لسلسال الحكم العربي ذاته وترك الإرث العربي الإسلامي لقمة سائغة للغزاة المماليك والأتراك حتى اقتسمته فيما بينها دول أوروبا الغربية خلال العصر الحديث. دائماً وأبداً، ظل العقل العربي يَنبُذ المنشق والمختلف معه، يكرهه ويسعى لاستئصاله إلى حد التضحية بالنفس وسفك الدماء.

قد لا نُحصي الأسباب الكثيرة من وراء كراهية العقل العربي لليهود في فلسطين التاريخية خلال العصر الحديث، التي ليس أقلها الاستيلاء عنوة على أراضي أخوتهم في العروبة والدين واضطهادهم وتهجيرهم وحرمانهم من إقامة دولتهم المستقلة. رغم ذلك، هل تُعزى حقاً كراهية العقل العربي لليهود المعاصرين لمثل هذه الأسباب وما لا يحصى غيرها من المكائد والدسائس والمؤامرات الدولية والويلات والنكبات الوطنية التي أوقعها الإسرائيليون فعلياً أو تخيلياً بحق العرب؟ ماذا لو لم ينشأ المشروع الصهيوني، أو نشأ لكن أفلح العرب ساعتها في إجهاضه من المهد، ولم تنشأ وسطهم دولة إسرائيلية كحالهم اليوم؟ هل كان مثل هذا الوضع الافتراضي- دولة فلسطينية بأغلبية مسلمة وذات سيادة فوق كل أراضيها- سينتقص من كراهية العرب الحالية لليهود في فلسطين أو حول العالم عن منسوبها الحالي؟ في صيغة أخرى أكثر مصداقية ومباشرة، هل العقل العربي لا يكره الأقليات التي تُشاركه العيش عبر جنبات أوطانه لكنها تختلف معه في أمور أخرى مثل اللغة، العرق، المذهب، الدين؛ وحتى داخل اللغة ذاتها والعرق والدين ذاتهما، هل العقل العربي لا يكره المنشقين والمختلفين معه في الرأي الفكري أو المذهب الديني أو التوجه السياسي؟

مثل أسلافه شيوخ القبائل ورجال العائلات الحاكمة العربية مثل الأمويين والعباسيين والفاطميين، قبل أن ينطلق الزعيم العربي الأبرز خلال العصر الحديث، جمال عبد الناصر، لكي يُلقي باليهود الصهاينة في عرض البحر كان قد أسكت بالفعل عبر خطاب الكراهية والتحريض والاضطهاد والتنكيل والحبس والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون كل صوت منشق اختلف معه أو رفض أن يُردد من ورائه كالببغاء أنشودته الوطنية الخاصة؛ قبل أن يتجه للتخلص من الإسرائيليين، كان قد تخلص فعلاً وبالكامل من كل النُخبة والطبقة السياسية الوطنية المصرية. حتى قبل أن يفكر في أعداء الخارج، كان عبد الناصر قد انتهى بالفعل من أعداء الداخل. وماذا عن سبب العداوة؟ الاختلاف معه، في كلا الحالتين. في تساؤل آخر، لماذا لم يفلح العقل العربي قديماً وحديثاً في إيجاد بدائل أخرى لحل الاختلافات- الداخلية قبل الخارجية- غير التصفية المعنوية بالكراهية، أو التصفية الجسدية بالقتل؟

هم رجال كراهية وقتل ضد المختلفين معهم، من الداخل قبل الخارج. هكذا كان حال الزعماء العرب منذ الاستقلال حتى اليوم. ولما كان لكل فعل رد فعل من جنسه بالضرورة، لم يكن مستغرباً أن تتشكل حركات المعارضة والمقاومة والكفاح المسلح والإسلام السياسي عبر المنطقة العربية بالكامل من ذات نيران الكراهية والرغبة الثأرية القاتلة ضد المختلفين معهم، وفي المقدمة دولهم وأنظمتهم السياسية الوطنية ذاتها. هذا ما فعلته حركة المقاومة الإسلامية حماس ضد السلطة الفلسطينية وحركة فتح قبل أن تفعله ضد إسرائيل؛ وهو نفسه ما فعله حزب الله في لبنان وسوريا والعراق قبل ما يفعله الآن ضد إسرائيل؛ وقد فعله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضد الشيعة والسنة والأقليات المسيحية والإيزيدية وغيرها في العراق وسوريا ولم يفعل أي من مثله ضد إسرائيل. كان صدام حسين لا يَمل من ترديد خطابات الكراهية والقتل ضد الكيان الصهيوني؛ لكن نيران كراهيته تلك في الحقيقة قَضت على المنشقين والمعارضين الوطنيين العراقيين ولم تمس اليهود الصهاينة بسوء. وحين حرك صدام جيوشه أخيراً لإيفاء وعيده، كانت وجهتها بداية شرقاً نحو دولة مسلمة (من داخل دينه) ثم جنوباً إلى دولة عربية (من داخل لغته)، وليس إلى أرض فلسطين لتحريرها من اليهود الصهاينة (من خارج لغته ودينه).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تعيد تسليح ميليشياتها.. وأميركا تستعد للعودة إلى الحرب


.. إمام عراقي سابق يحذر: الرجل العربي يعيش ازدواجية خطيرة | #ال




.. حصريا من قاعدة العديد القطرية: القصة الكاملة للتصدي لصواريخ


.. مجاعة غزة.. عندما يصبح الخبز حلما مستحيلا




.. ميناء أنتويرب يتحول إلى موقف سيارات بسبب الرسوم الأميركية ال