الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نص الحوار الذي أجرته معي الكاتبة الروائية والصحفية المصرية سماح عادل !.

محمد السعدي

2024 / 10 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


١ . سؤال : كيف بدأ معك شغف الكتابة .. وكيف تطور في ظل حياة صعبة ؟.

كانت البدايات الأولى صعبة وخجولة ومترددة في مطلع الثمانينات ، عندما حجزت مقعدي طالباً في كلية الآداب جامعة بغداد ، تفتحت أمامي أفاق جديدة وتشرعت أبواب من العلاقات والقراءات المتنوعة أدب وثقافة وفلسفة بحكم دراستي للغة والأدب الروسي على يد أساتذه كبار أمثال ضياء نافع ، حياة شرارة ، جليل كمال الدين ، ناشئة كوتاني ، محمد يونس ، طارق الكاظمي . كانوا هؤلاء مدرسة للثقافة والمعرفة لي ، وأنا الشاب القروي القادم من قرية الهويدر في محافظة ديالى ، شكلوا أساتذتي جزئية مهمة في تطور نوعي بشخصيتي الثقافية وشكلوا عامل دفع لي في القراءة والبحث والدراسة ، لكن هذا لايعني ، أن أجرد حالي من إمتلاكي مستوى ثقافي قد يكون محدود ضمن أطر محددة ، قد يكون قريب إلى طابع حزبي وسياسي بسبب إنتمائي إلى تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي . ثلاثة سنوات في كلية الأداب ، كانت كفيلة بتطور ملحوظ في كفاءاتي من خلال الدراسة والقراءة والمحاضرات اليومية في الأدب الروسي ، إضافات جديدة على مستوى العلاقات مع طلبة جدد من مختلف محافظات العراق ، فجملة هذه الانعكاسات إنعكست على رغبتي ومحاولاتي في القراءة والكتابة ، لكني في الواقع لم أجرأ على البوح بها لأقرب الناس حولي ، كنت أكتب وأحتفظ بها لنفسي ، وأحياناً أمزقها وأرميها في حاوية المهملات . سؤالك هذا دعاني أن أستذكر طريقة ووقت هاجس الكتابة ، كنت عندما أعود في نهاية كل أسبوع بالحافلة من منطقة باب المعظم في العاصمة بغداد إلى مدينة بعقوبة والطريق الذي يستغرق قرب الساعة أقضيه بالكتابة ، أحياناً لا على التعين ، وعندما أقترب من أطراف المدينة وأعيد قراءته عديد من المرات أمزقه أو أخفيه خوفاً من أحداً يراه ! .

في تلك المرحلة والعمر والدراية ، تجرأت مرة ، وكتبت مقال عن الشاعر والروائي الروسي ”ميخائيل ليرمنتوف ” . صاحب رواية ” بطل من هذا الزمان ” ، وصاحب أشهر قصيدة شعرية أدت بحياته إلى حد سواء الى الشهرة والموت تحت عنوان ” موت شاعر ”. وكانت مقالتي التي كتبتها تحت عنوان ” من قتل ليرمنتوف ”. وحملتها معي إلى أروقة الأداب في جو ربيعي مفرح ، وكنت أشعر بسعادة من حولي في الحرم الجامعي ، وأنا متيقن من وجود إستاذ جليل كمال الدين في صومعته الصباحية ، حيث كان في كل صباح يرتشف قهوته في زاوية بأصغر مكتبة في أروقة الآداب ، وعندما دخلت عليه قبل بدأ الدوام الرسمي ، أستقبلني بإبتسامته المعهودة ظناً منه ربما أحمل شكوى أو طلب باعفائي من حضور المحاضرة ، فتفاجأ عندما عرضت عليه المقالة ، وبعد قراءتها بتمعن أشاد بأسلوبي وشجعني بقوة ، مما شكل في مكنوني فرح متدفق وكسر في داخلي حاجز الخوف والتردد ، وأعطاني جملة ملاحظات حول أسلوب وطريقة الكتابة ، وما زلت أعتمدها في كتاباتي . من هنا كانت البداية !.

يقول : أرنست همنغواي ” .” الكتابة عبارة عن لعبة مع الموت ”!.

ومن هنا صقلت أسلوب وطريقة كتاباتي ، والتي أتسمت بالجرأة والواقعية والشجاعة ، لانني أنطلقت من تأثير الكتابة في الوعي الجمعي وتطوره بإتجاه بناء الإنسان . في الحقيقة لا أشعر بسعادة سوى أنا شخصياً أو ممن أقرأ لهم من أصدقاء ورفاق درب يكتبون بإنتهازية ونفاق ويحرفون الحقائق بعيداً عن الفائدة والمتعة والصراحة. أنا كتبت في زمن صعب وبحت عن الحقائق المطوية بالتواريخ والمواقف شعوراً مني بالفائدة للاجيال القادمة وأنسجاماً مع تجرتي ورؤيتي للحياة ، مما عرضني إلى حملة تشهير من بعض ضعاف النفوس ، والذين تخلوا ذات يوم عن الواجب الوطني والانساني ، عندما حلت لحظاته ، ولم يخيفني هذا الهوس بل زادني تمسكاً بموقفي وتجربتي النضالية ، التي أعتز بها جداً، وأعتبرها أرث كبير إلى تاريخي ورفاقي وعائلتي !. الآن أنا أكتب في زمن صعب أختلطت به الاوراق وتشابكت المواقف وقل به القراء ، والكتابة تشكل وتعني لي اليوم أسلوب نضالي وأقصائي وهذا ليس سهلاً ، ويشكل عبأ كبير على صحتي وحياتي لكني مصر على مواصلته مهما تكن مردوداته السلبية . ما زلت أعتبر الكتابة تجربة صعبة وقاسية بمنظوري الفكري والشخصي لها ، ولهذا تعرضت بسببها إلى حملت تشهير وإفتراءات ليس لشيء إلا لجرأتها ودهشتها . واليوم منغمر ومنهك ومهلك ، ومع هذا لكني أشعر بالمتعة والفائدة في قيد إصدار كتابي الجديد ”يوتبيا بين الهويدر والجبل والشيوعية ”. وفي متنه بحت ما لم يجرأ أن يفكر به الآخرين من قضايا وهموم ومواقف وتداعيات وحكايات في نهاية تجربة العمر !.


٢. سؤال : لما درست اللغة الروسية وهل هذا بسبب إنتمائك السياسي ؟.

في عام ١٩٨٠ ، كنت قد أكملت مرحلة الاعدادية الفرع الأدبي في أعدادية بعقوبة المركزية ، وكان معدلي العام يسمح لي بقبولي بعدة فروع وكانت بعضها قريبة إلى نفسي ومحط أهتمامي ، قسم الاقتصاد ، دراسة التاريخ ، قسم الفلسفة ، علم الإجتماع ، علم النفس . لكن أثناء مليء إستمارة التقديم شجعني صديقي عزيز الشيباني في دراسة الأدب الروسي ووضعناه الإختيار الأول في الإستمارة المقدمة إلى القبول المركزي ، وفي الاعلان عن النتائج للقبول المركزي ، ذهبت إلى العاصمة بغداد ووجدت أسمي معلق على جدران الجامعة المستنصرية في بغداد ضمن المقبولين في قسم اللغة الروسية . أكيد هناك علاقة ممتدة بين الاختيار والإنتماء ، كنا ثمة فتية في قرية الهويدر نتابع ونقرأ عن الأدب الإنساني وأدياء العالم وأعمالهم الأدبية ، والتي لها علاقة بالحرية والتحرر والثورة ، وهذا جاء إنطلاقاً من علاقتنا باليسار والشيوعية ، حيثما شكلت رواية ” الأم ” ، للأديب الروسي السوفيتي الشيوعي مكسيم غوركي إنعطافة كبيرة في مخيلتنا وتعلقنا بفكرة الشيوعية !.


٣. سؤال : صف لنا علاقتك بالأدب الروسي .. وهل شعرت بالهوس ناحيته ؟.

بعد أن أصبحت طالباً في الأداب / جامعة بغداد ومن خلال محاضرات ودروس الاساذة الكبار ، والذين أشرت لهم سلفاً ، والمصادر والكتب المترجمة والتي توفرت بسهولة تحت أيادينا ، وكان القسم الأغلب منها عن دار التقدم في موسكو ، أنا شخصيا تركت في نفسي حافز كبير على القراءة والمطالعة والدراسة ، وهذا ليس بمعزل عن ميولي السياسية السابقة داخل تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي ومنظماته المهنية . كنت أسخر وقت كبير من وقتي للقراءة حول مكنونات الأدب الروسي ، بدءاً من الشاعر والكاتب المسرحي بوشكين ومروراً ب ليرمنتوف وكوكل وتورغنيف ودستوفيسكي وتولستوي وتشيخوف وأنتهاءاً بأدباء الحقبة السوفتيية ومرحلة الواقعية الاشتراكية وتحزب الفن للحزب !.

أكيد لقد شعرت بالهوس من خلال قراءاتي المتعددة والمتنوعة تجاه الأدباء الروس ومحطات حياتهم المثيرة والغربية في أكثر من محطة وموقف ومصير مؤلم وأسلوب حياة وعلاقتهم مع بعضهم . ففي فترة دراستي الجامعية حقاً أصابني هوس حقيقي ، بعد أن قرأت وتعمقت بشخصية الشاعر والكاتب والروائي والرسام ” بوريس باسترناك ” ، الذي يمثل الحقبة السوفيتيية وأبن ثورة أكتوبر العظمى والمؤمن بمشروع البلاشفة السياسي ، لكنه بمرور الوقت والاخفاقات التي أعترت مشروع الثورة وأهدافها وإنحراف قادتها ، تكون له موقف آخر بالضد من تسلكات مسيرة الثورة المتردية وقادة السلطة ، فتوج موقفه هذا بروايته المشهورة ” دكتور زيفاكو ” . في إنتقاد لاذع للسياسة السوفيتيية فتعرض على أثرها إلى الإعتقال والمساءلة والمطاردة وحرمانه من نشاطه الأدبي والتدخل الفض بأبسط تفاصيل حياته الشخصية . وعلى وقع بناء روايته وشهرتها عالمياً بعد أن هرب مسودتها الاصلية إلى ايطاليا وطبعت هناك بملايين النسخ وموقفه المعارض للسياسة السوفيتيية منح جائزة نوبل للأداب من قبل الاكاديمية السويدية عام ١٩٥٨، لكنه رفضها لدواعي سياسية ، حيث ذهب إلى أقرب دائرة بريد وحرر خطاب بقلم الرصاص إلى الاكاديمية السويدية يرفض بها الجائزة !. وأعتبرها بعض النقاد والمتابعين إنها تدخل ضمن سباق الحرب الباردة بين السوفييت والامريكان . وفي عام ١٩٦٠ ، عندما مات أثر مرض سرطان الرئه لم يمشي خلف جنازته الإ بعدد أصابع اليد من المارة والمعارف .
فضلاً عن معلومة مهمة وواقعية لم تكن مخفية على من له علاقة بدراسة الأدب الروسي . أن الاكاديمية السويدية أكثر الجوائز ، التي منحتها إلى إدباء سوفييت هم كانوا ضد السلطة السوفيتيية من خلال أعمالهم الادبية ، والبعض منهم مطرود من الاراضي السوفيتيية ومسحوبة منه الجنسية الروسية ، مما هنا يفرض الإستفسار المشروع عن علاقة جائزة نوبل والاكاديمية السويدية بالمواقف السياسية وعلاقة السياسة بمنح الجائزة !.
الهوس الذي تملكني آنذاك ، وأنا طالب في الأداب جامعة بغداد سوف أتخصص بدراسة شخصية بوريس باسترناك وأعماله الادبية ومواقفه السياسية وعلاقته بالمشروع الأدبي ودور السلطات في كبح جماح إبداعه ، لقد وجدته قريباً الى شخصيتي وتلبست جزء مهم من شخصيته ومنظره العام ونظراته !. وفي فترات لاحقة ، أيضاً شكل عندي هاجس الشاعرة السوفيتيية ” آنا أخماتوفا ”، هوس في جزء من تفاصيل حياتي ، وهي تعتبر من أشهر وأهم شعراء روسيا السوفيتيية ، وزوجها الشاعر والضابط البلشفي ” نيكولاي غوموليف ”، الذي إعدم عام ١٩٢١، في حدة الصراعات السياسية بتهمة العمالة ، وأبنها الوحيد ” ليف غوموليف ” ألقي به في السجن ، وهي تعرضت إلى حملت تشهير وطعن ومقاطعة لسنوات طويلة من حياتها في عهد الإتحاد السوفيتي ونظامه الاشتراكي !.


٤. سؤال : لما خرجت من العراق وكيف كان إحساسك .. وهل وجدت المنفى وطنا آخر ؟.

هنا إذا سمحتي لي ، سوف أجيب على الشطر الثاني من السؤال ، حول المنفى والبديل عن الوطن ، أوكد لك لابديل عن الوطن الإ الوطن ، تركت العراق والقرية والجامعة والاصدقاء أكثر من ٤٢ عاماً ، ومررت بعواصم ودول ، ولم أشعر يوماً سيكون هذا بديل عن وطني العراق ، وهنا في مملكة السويد منذ ٣٥ عاما ، أقترنت بزوجة صالحة وبنات رائعات وتجربة عمل قاسية ، مما تركت مساحة بحبوحة حياة مرتاحة من الاستقرار والعيش الكافي ، ومجمل هذه الميزات والمميزات في حياتي المستقرة ، لكنها لم تمنعني من الحنين الجارف وعمق الذكريات ومرابع الطفولة في كل ساعة من حياتي ، وفي مرات عديدة حاولت جاهداً أن أنفك عن هذا الهوس من الحنين والعودة ، لكنها هي لاتفك عني ، موجودة في كل تفاصيل حياتي وتمشي مع شرايين الدم !.

أنا خرجت من العراق وتركت القرية آب عام ١٩٨٣ ، مجبراً ومضطراً بعد أن تعرض بيتنا في قرية الهويدر إلى مداهمة كبيرة من رجال إستخبارات النظام العراقي الراحل ، ونجوت بإعجوبة عجيبة ، وتمكنت من الوصول سالماً إلى الاراضي المحررة في جبال العراق ، وأصبحت نصيراَ ومقاتلاً شيوعياً ضمن تشكيلات الانصار للحزب الشيوعي العراقي ، الذي كان يقاتل قوات نظام البعث بعد أن فرط عقد الجبهة مع البعثيين في نهايات عام ١٩٧٨ ، وأنا كنت في يومها منتمي ضمن تنظيمات الحزب الشيوعي السرية في العاصمة بغداد ضمن تشكيلات منظمة ” الصدى ”. في لحظتها الفارقة ، عندما وطأت قدماي قرية ” أحمد برنوا ” في سهل شهرزور بعيداً عن سيطرة السلطات العراقية إنتابني إحساس غريب بين الفرح لكوني تخلصت من كابوسهم المرعب ، قد يطيح بحياتي إذا وقعت في أياديهم ، ووجع بالفقد لاصدقاء ورفاق وأهل ومقاعد دراسة وإحلام رومانسية !.


٥. سؤال : في كتابك ”بيني وبين نفسي ” من أرشيف الحركة الشيوعية في العراق وبدايات تكوينها ومواقفها ومستقبلها .. لما سعيت لتوثيق والحكي عن الحركة الشيوعية ؟.

في كتابي بيني وبين نفسي ، أخذ مني ومن صحتي مساحة وقت طوبلة وهواجس قلق وخوف ، حيث بحت بين سطوره تجربتي الشخصية والسياسية وتجربة الإعتقال في الشعبة الخامسة وزنزاتي الأثيرة رقم ٣ . تلك الزنزانة الرهيبة ذات الحيطان الصفراء الممتلئه بالشخابيط والمعاني المختلفة بين شوق للام وللحبيبة وقصيدة وذكرى يوم الإعتقال وأسماء العائلة ممن سبقوني من أبناء شعبنا وغيبوا فيها ، كنت أشغل وقتاً كبيراً من إعادة قراءة هذه الشخابيط على الحيطان ، وأنا ممدداً وتحتي قطعة سوداء من القماش الممتليء بدبيب القمل ، الذي أصبح جزء مهم من تفاصيل يومي ، طالما ألفته ، وفي الليل القاتم والرعب المخيف مكوراً بدني النحيل في زاوية زنزانتي ، وأنا أنظر بدهشة وصمت إلى تفاصيل زنزانتي ، وأبحث عن منفذ ضوء وأفق للحياة !. هذه التجربة الشخصية المريرة رويتها في كتابي ، ظناً مني ، إنها ستكون تجربة ودراسة للاجيال القادمة . تحدثت في هذا الكتاب ، وهو يدخل ضمن خانة الأدب السياسي ” أدب السجون ” ، رويت في صفحاته تجربة أليمة بكل معاني الأمانة والوضوح وجلد الذات من أجل تبيان الحقائق ، وهذه لها علاقة بصدق إنتمائي وعلاقتي بالتجربة السياسية العراقية ” الشيوعية ”. حيث مررت به على أهم المنعطفات التاريخية ، التي واجهتني في حياتي النضالية القاسية ، كان ثمنها غالي ومكلف بفقد بوصلة تجربة نضال وأهل ورفاق رحلوا بدون تلويحة وداع بدون مقابل يذكر لا على المستوى الشخصي ولا الاجتماعي الاعتباري . كان ختامها فقدان وطن ينهش به الفساد والطائفية راحلاً إلى التقسيم لا سامح الله .

كان وما زال هزيع الليل هو هاجسي في الإلهام والكتابة والتفرد ربما سكونه السويدي يوحي لي بتقليب صفحات التاريخ وإعادة كتابة التجربة رغم قساوتها ، التي تركت ندبات عميقة في الروح والمزاج . في كتابي ” بيني وبين نفسي ” من أرشيف الحركة الشيوعية في العراق . والكتاب الذي سبقه ” سجين الشعبة الخامسة ”. وأنا أدون صفحاتهما ، كنت أحس أحياناً هناك أشباح تحيطني من كل كتر بل تلاحقني بكل كلمة وجملة أقولها وفي حس توجساتي ، مما تركت في نفسي خوف ورعب وأصرار على قول الحق والحقيقة ومكاشفة النفس مهما كان ثمنها غالي ، لكن ليس أغلى من الوطن !.



٦ . سؤال : تمتلك شركة إنتاج باسم مؤسسة بيدر الإعلامية في السويد ما هو نشاطها وما هي الاعمال التي قامت بإنتاجها ؟.

مؤسسة بيدر للإعلام ، مؤسسة سويدية عراقية ، كان لها نشاط كبير وملحوظ في تعزيز الثقافة الوطنية العراقية ومد جسور التواصل المقطوعة مع المؤسسات الثقافية في السويد . إنها تميزت بنشاطات متفردة وملحوظة داخل أوساط الجالية العراقية والعربية من دورات إعلامية على يد أساتذة كبار شاركوا في أعدادها أمثال الإعلامي شاكر حامد والإعلامي عبد الحميد الصائح ، في تخرج كوكبة لامعة من الشبيبة العراقية والعربية في مجالات الصحافة والإعلام والتقديم . وقدمت أماسي ومحاضرات ثقافية فكرية وتوقيع إصدارات كتب جديدة لاساتذة كبار وفنانين ومثقفين على وزن الإستاذ الكبير عبد الحسين شعبان ، والشاعرة الدانماركية لولا بايدل ، والوزير التونسي خالد شوكات . وقامت بمهرجان ثقافي وأدبي لمدة أربعة أيام بين مسرح وسينما وموسيقى وبحضور نوعي من المثقفين وأبناء الجالية العربية . وقامت بدورات للموسيقى وتعلم اللغات ودروس تنمية للاطفال . وأستضافت الدكتور حميد عبدالله ليلتقي بعدة شخصيات مهمة في الشأن السياسي العراقي لبرنامجه الشهير ” شهادة للتاريخ ”. وأستضافت نبذة من الفنانين الممثل حيدر عبد ثامر والشاعر أحمد الثرواني والمسرحي ضياء حجازي . وقدمت برنامج ” سومريون ” عبر منصة زووم ، أستضافت به الصحفية هبة نبيل كوكبة من الفنانين والمثقفين العراقيين والعرب ، وفي إفتتاحه ، كان الضيف الموسيقار الكبير نصير شمه !. ونظمت مؤسسة بيدر وقفة إحتجاج كبيرة في ساحات مالمو تضامناً مع ثورة التشرينيين في العراق ، وساهمت وما زالت بكل الفعاليات في دعم إنتفاضة تشرين وقدمت مساعدات عينية ومادية إلى ثوارها من أجل ديمومتها ودعم أهدافها في القضاء على الفساد والفاسدين .


٧. سؤال : لما أسست موقع الكتروني وما الهدف منه ؟.

أسست موقع بيدر الالكتروني عام ٢٠٠٧ ، تزامناً مع تعقد الاوضاع وتشابك الاحداث في بلدي العراق ، ومساهمةً مني في الاعتقاد ربما سيساهم الموقع بدور في الحفاظ على نسيج المجتمع العراقي ودرء المخاطر عنه من خلال ناصية للخطاب الوطني على أسس الوحدة الوطنية العراقية ، وإدانة الإحتلال الامريكي للعراق بكل أشكاله وكشف نواياه والدعوة إلى تظافر الجهود والمساعي في الحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه ونبذ الطائفية وفصل الدين عن السياسة وسيادة القانون وسن دستور دائم للعراق بأستفتاء شعبي يضمن سلامة الوطن والمواطن ، وطيلة السنوات التي مضت على إنطلاقه ساهم في صفحاته كوكبة كبيرة من المثقفين العراقيين والعرب بشتى المواد والمواضيع التي تهدف إلى الوطنية والتحرر بعيداً عن المساومات السياسية ومهادنة الإحتلال وأجندته ، وفي إعتقادي الشخصي أوقدت ببصيص من الضوء في عتمة حالكة !.


٨ . سؤال : ما تقييمك لحال الثقافة في العراق .. وهل تتابع حركة الأدب هناك ؟.

بعد إحتلال العراق عام ٢٠٠٣ ، توفرت لي فرصة في زيارة الوطن واللقاء بالاهل والاصدقاء ، وكانت الناس تعيش في غمرة فرح عارمة للتخلص من سطوة الدكتاتورية وجرائمها البغيضة ، كانت سفرتي سريعة بعد غياب طويل وفراق موجع ، لكني كنت أرصد حركة الناس ومحور أحاديثهم حول السياسة في المرتبة الأولى قبل الثقافة ، توخزت من الايام القادمة ستكون صعبة وخسائرها فادحة وهذا ما وقع ، ولم تكن عائلتي في معزل عن هذه العواصف الطائفية عندما هبت رياحها المسمومة ، فقدت أخوة وأبناء أخوة وأولاد أخت وابناء عمومة وخوولة ، مما ترك في روحي وجع كبير ، ما زلت أئن منه . وبعد أن توفرت لي فرصة ثانية في بدايات هذا العام ٢٠٢٤ ، كانت فرصة مناسبة ومساحة واسعة بلقاء شريحة كبيرة من العراقيين رفاق وأصدقاء وأقرباء ، وكانت مناسبة أن أكون ضيفاً على إتحاد أدباء وكتاب ديالى بتقديم أمسية حول الثقافة والهجرة والكتابة في مقرها العام بمنطقة السراي القديمة وعلى قاعة الشهيد الشاعر خليل المعاضيدي وبتقديم الشاعر والصديق إبراهيم البهرزي ، وهذا بحد ذاته اعتبره تكريم كبير لي وأعتز به بين قامتين عراقيتين كبيرتين وذات مغزى كبير للثقافة العراقية الشاعر والشهيد خليل المعاضيدي والشاعر البهرزي إبراهيم . في هذه الرحله تحديداً أهتزت كثير من قناعاتي السابقة حول حالة الثقافة ، حيث شعرت وعشت جو ثقافي وأدبي من خلال الحوارات والنقاشات ومتابعة الإصدارات والأراء الواعية في الثقافة والادب والسياسة ، مما شعرت بالزهو والفرح الغامر ، أن هناك جيل جديد قادم مسلح بالعلم والثقافة رغم قتامة الوضع الحالي ، هناك نافذة ضوء قد تكون بعيدة ، لكنها قادمة لا محالة !.

وأنا منذ خروجي من العراق عام ١٩٨٣ ، لم أكن يوماً ولا حتى ساعات في متابعة الشأن الثقافي العراقي وأحوال البلد العامة ، وهذا ديدني ورؤيتي للمستقبل وعلاقتي بوطني ، ورغم الظروف الصعبة التي عشناها في المنفى قبل إحتلال العراق وصعوبة التواصل مع أبناء شعبنا في الداخل لقسوة أساليب السلطة في القمع والتغييب ، لكني كنت لا أضيع فرصة في متابعة شأن الثقافة والسياسة في العراق وفي ظل الحرب والحصار !. وفي عام ١٩٨٦ ، عندما تسللت من الجبل إلى العاصمة بغداد لمهام حزبية مكلف بها من قيادة التنظيم ، وأختفيت بين أزقتها وفي بيوت الطيبين من المناضلين العراقيين ورغم خطورة الوضع آنذاك ، وفي أي فرصة كانت تتوفر لي بعيدة عن يد السلطات القمعية المنتشرة في كل زنكة في ذلك الظرف العصيب والمرعب أزور بعض المكتبات المنتشرة في بغداد ، وأقتني أهم الكتب والمجلات ، وكنت في متابعة دائمة عبر عدة قنوات للشأن الثقافي العراقي وتطوراته أيام الحرب والدكتاتورية .


٩ . سؤال : حدثنا عن كتاب ”أوراق صفراء في الصندوق الأسود ” ؟.

كتاب ” أوراق صفراء في صندوق الأسود ”. حصرته بين عدة شخصيات عراقية وعربية وعالمية ، أثرت بي ذات يوم ، وشكلت شأن كبير لشعبها ولشعوب العالم ، وذات دلالات رمزية ، في كتابي هذا حيث حاورت بعض أبطاله وهي ميته ، حاولت أستنطاقها حول أحداث جلل ، كان جزء به ومنه في صناعته ، مثل : ألبير كامو ، مهدي أبن بركة ، عبد الفتاح إسماعيل ، عطشان ذيول الأيزرجاوي ، عبد الرحمن القصاب ، عامر عبدالله ، سلام عادل ، شوقي الماجري المخرج التونسي وعمله الضخم ” هدوء نسبي ”، بعد إحتلال العراق . وضم الكتاب أيضا بين جنباته عدة أحداث ووقائع التاريخية محاولاً أن أقدم قراءة جديدة حولها على ضوء معطيات جديدة وعلى سبيل المثال :” مسرحية ” محكمة قاعة الخلد ” الشهيرة في تموز ١٩٧٩ ، والذي ذبح بها صدام رفاقه ٥٣ رفيقاً قربان لاعتلائه رئاسة الدولة والحزب في عمل مسرحي فاشل سيناريو وتمثيل وإخراج ، وتداعيات هذا السيناريو على مستقبل العراق السياسي والوطني . وأيضا توقفت في كتابي هذا على ” جريمة بشتاشان ” ، التي أرتكبها حزب الإتحاد الوطني الكردستاني بقيادة مام جلال ونوشيروان مصطفى بحق الشيوعيين العراقيين وستبقى وصمة عار في جبين التاريخ الوطني العراقي ولم تسقط بالتقادم !.

في هذا الكتاب ، الذي بحت بين سطوره بتفاصيل عديدة ومتنوعة في مسيرة حياتي ، والبعض منها كان مخفي بين عظام الصدر وأحشاء القلب ، فوجدت لزاماً عليه البوح بها ، عسى ولعل تنفع في تنبيه عقول المغفليين ، هناك معلومة أود أن تعرفيه ويعرفها المتابعين ، أن مكتبتي البيتية تضم بين رفاتها كل ما كتب عن تاريخ الشيوعيين العراقيين منذ تأسيس الحزب في آذار عام ١٩٣٤ ، وكل مذكرات قادته والتي صدرت تباعا وفي حقبات زمنية متعاقبة من تاريخ العراق ، وقرأتها بتمعن وهدوء وتعاملت مع المعلومات بروح نقدية بناءة رغم حملها الكثير من الازعاجات والاستفزازات والاوجاع والتخلي عن المسوؤليات في المواقف والمنعطفات التاريخية وترحيلها أي لصقها بجملة تبريرات غير مقنعة وأدت بنا ما عليه وضعنا اليوم لاتحمد عقباه . كان همي الكبير في متابعة هذه السلسلة الطويلة من الاحداث التاريخية هو سبب هزيمتنا وحالنا المتشظي وموقفنا من السلطة والتحالفات وجوهر الصراعات الفكرية الداخلية والانشطارات والانشقاقات وموقفنا من الإحتلال والطائفية والفساد ، لكن للأسف الشديد وأقولها بقلب موجوع ويأس وخوف لم تشكل لي تلك التبريرات في صفحات المذكرات أي قناعة لي في سبب هزيمة اليسار هي هزيمتنا !.

١٠ . سؤال : كيف أستطعت أن تمارس أنشطة ثقافية في السويد .. وهل وجدت صعوبات ؟.

السويد بلد عجيب غريب في نظامه السياسي والضريبي ولهذا لم تكن هناك سهولة إنجاح أي مشروع ثقافي فكري بمعزل عن أجندة الدولة وخطابها السياسي . مفهوم الديمقراطية بهذا البلد فضفاض وأحيانا قريب إلى الفوضى . ذات مرة زار صحافي سويدي دولة ” كوبا ” وألتقى بالزعيم الشيوعي ” فيديل كاسترو ” ووجه له سؤال : في بلدي والغرب ينعتوك بالدكتاتوري ، أجابه وهل في بلد مثل السويد به ديمقراطية ؟. مضى من عمري ٣٤ عاما في مملكة السويد وبحكم عملي في مجالات التجارة ، أصبح لديه خزين معرفي ومعلوماتي عن سير مؤسسات الدولة في التعامل الضريبي وقوانين التصدير والاستيراد . لو كتب الله لي عمر إضافي سوف أوثق الكثير من المعلومات والحقائق والتعاملات في تجربتي بمملكة السويد !.

١١. سؤال : هل فكرت في العودة للعراق أم ألفت الحياة في السويد ؟.

فكرت وما زالت أفكر !. لكن أين المفر ؟. لا وطن حنون حتى يشرع لك أبوابه بالترحاب ضمن آلية قوانين ونظام حياة يحفظ لك دورك في المجتمع وتساهم في بنائه بعيداَ عن كل الاجندات . في سفرتي الاخيرة ، حاولت أن أعصر ذاكرتي وملاعب طفولتي في أزقة القرية وبيوتها وناسها ، كانت محاولة لاتقاد الذاكرة ، ولم تخونني رغم مرارة أربعة عقود في معرفة دلالة البيوت وساكنيها وذكرياتهم وحكايات عن الماضي ، تجولت في الطرقات التي ولدت بها وعبثت في درابينها أفتش عن ذاكرة البيوت ووجوه الناس وثمة أحلام أحن لذكراها ولم تخونني ذاكرتي في حصرها . مملكة السويد فيها أشياء مهمة للعيش الآمن وضمانات اجتماعية واقتصادية لكن تركيبة الناس والمجتمع وظروف الطقس المتقلبة على طول السنة كلها عراقيل أمام الألفة والاندماج . أما وضع العراق بهيكله العام لايسعد أحداً . الفساد مستشري ببنائه وبتفكير الناس . وصنع المحتل طبقة سياسية تعمل ليل ونهار من أجل تغييب وعي الناس ، وهي المسؤولة عن تدمير العراق منذ إحتلاله عام ٢٠٠٣ . ولا يمكن أن تستغني أحداً أو تعفيه من المسؤولية الإخلاقية والسياسية كاحزاب وأشخاص ومنظمات مجتمع مدني وغير مدني وتيارات مما شاركوا في العملية السياسية الطائفية وجلسوا في برلمان بول بريمر وصوتوا على دستور المحتل ،

١٢ . سؤال : ما هو تأثير البيئة المكان الأول على شخصيتك ؟.

البيئة كانت المكون الاول في تشكيل تباشير وعييه وأحساسي بالاشياء ، إنني ولدت في عائلة فقيرة قروية أمي وأبي أميين لا يقرأون ولايكتبون ولا يجيدون صنعة تمكنهم في إعالة عائلة كبيرة ، فكان العوز حول مستلزمات الحياة رغم بساطتها ، لكنها كانت معاناة حقيقية ، فطنت على حزن أمي الدامي وبقى معلقاً على مشجب طفولتي ، كنت طفلاً أمسك أذيال عباءة أمي السوداء إلى بيوت الجيران لاقامة مراسيم العزاء للمناسبات والشعائر الدينية ومرات عديدة يتملكني الخوف والبكاء ، وأنا أرى أمي من وطأة وشدة اللطم على وجهها يغمى عليها ، وفي وعيي آنذاك إنها ماتت ، كانت تعذب نفسها بالألم والوجع والانتقام ، عندما تعدد ” الملاية ” . حول العسكر وبريق لمعان النجمات على الاكتاف والموت ، تشعر حينها إنه المقصود أخيها الضابط الشهيد خزعل السعدي ، الذي قتلوه البعثيين والقوميين في إنقلابهم المشؤوم في ٨ شباط ١٩٦٣ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي السعدي
جلال عبد الحق سعيد ( 2024 / 10 / 27 - 23:12 )
مساء الخير
حوار شيق وممتع واتمنى لك عمرا مديدا ايها الرفيق المناضل
ملاحظة بسيطة
اعتقد كما اقتضت تقاليد المحاورات الصحفية عادة انه كان عليك استهلال هذا النص الحواري ببضع اسطر تعرفنا فيها على محاورتك الاخت الصحافية المصرية سماح عادل والذي يبدو لي من خلال الحوار انها واسعة الثقافة
تحياتي للجميع انت وهي وسائر قرائك
كن بخير دائما
جلال


2 - حوار شيق وقيّم
حميد كشكولي ( 2024 / 10 / 28 - 08:38 )
شكرا أبا بيدر على هذه الاضاءات الصريحة والجريئة
مضمامين محاورتك يمكن دراستها دراسة عميقة وواسعة
المنفى السويدي دكتاتورية من نوع غير مألوف وهي الدكتاتورية الاقتصادية

اخر الافلام

.. ما الذي تأمله تركيا من تقدم المعارضة في سوريا؟


.. مشاهد جوية تظهر دمارا في بلدة المطلة على الحدود اللبنانية




.. مجزرة بقصف إسرائيلي على تجمع للنازحين جنوب غزة


.. طفلة خائفة تصرخ: وينك يابا.. بعدما أضاعت عائلتها على طريق ال




.. البرلمان الفرنسي يحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء ميشال بارن