الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من وحي الملهاة

نورجان سرغاية
كاتبة وناشطة مجتمع مدني

(Nourjan Srghaieh)

2024 / 10 / 31
الادب والفن


بينما كنتُ أسير في دروب الحياة، وجدتُ نفسي ذات ليلة غارقةً في عالم لم أتوقعه، عالم مظلم، غامض، يتداخل فيه الخير مع الشر، وكأنني على وشك أن أعيش مغامرة لا مفر منها.
في تلك اللحظة، ظهر أمامي دانتي أليغييري، الكاتب الذي لطالما أبهرتني رؤيته للآخرة في الكوميديا الإلهية. وعلى غير المتوقع، لم نكن وحيدين في هذه الرحلة؛ كان أبو العلاء المعري يرافقنا أيضاً. سرتُ معهما في غابة كثيفة، تغص بالخطايا والذنوب، حيث تتشابك فروع الأشجار كالأيادي الشريرة التي تحاول سحبنا إلى أعماق الظلام.
في تلك الغابة، لم يكن الشر يأتي من الخارج فقط. كانت كل خطوة نخطوها تُظهِر لنا أن الشر ينبع من الإنسان ذاته.
على ضفاف طريقنا، سمعتُ صوت دانتي يهمس قائلاً: "إذا كان العالم الحالي منحرفاً وضالاً، فابحثوا عن السبب في أنفسكم". كلماته تلك كانت كالخنجر تنكأ أفكاري لتذكرني أن الإنسان هو من يصنع الشر، مُلقياً باللوم دوماً على قوى خارجة عن إرادته، في محاولة يائسة لتنزيه نفسه عن أي مسؤولية….. وأنا في ذروة انغماسي في التحليل، باغتني أبو العلاء وتحدث بهدوء، وكأنما كان يسترجع أفكاره وبدأ يتمتمُ قائلاً: “هذا ما جناه أبي عليَّ وما جنيتُ على أحد.” ليؤكد لي أن الشر الذي يعانيه المرء قد يكون نتيجةً لتراكمات الماضي، لكنه في النهاية يأتي من أفعاله.
بعد أن تخطينا الغابة، دخلنا إلى مكان أعمق: "جحيم البشر". لم يكن الجحيم مكاناً ساكناً، بل بعيداً عن نور الإله…. هنا، كشف لي دانتي عن القلوب الملوثة بالحسد والجشع والغرور، وجدتُ فيها أرواحاً كانت يوماً طامحةً للنجاة، لكنها الآن تعاني الهلاك.
وفي خضم الألم والحسرة شعرتُ بأن هناك شيئاً يتحرك في الظلال، قوة خفية قادرة على تحويل هذا الجحيم إلى شيء مختلف. وبالعودة للحياة الأولى تراءى لي حال الفريقين في الجحيم والجنة، وبحسب نصوص ابن تيمية، فإن أغلب أهل النار على شاكلة نيوتن وغاليليو واينشتاين واديسون وغيرهم، رأيتُ العباقرة أولئك الذين استخدموا عقولهم في الدنيا وتحدوا النصوص الجامدة. في الجحيم، لم ينهزموا. بل بالعكس، كانوا يبنون عالماً جديداً، يستخدمون نيران جهنم كمصدر للطاقة، يبتكرون قباباً زجاجية تعزلهم عن الحرارة الحارقة. لقد كانوا عازمين على إعادة تشكيل واقعهم، كما فعلوا في الحياة الدنيا.
في المقابل، كانت الجنة تنتظر من يقطنها. هناك، وجدتُ الغرور والطمع يتسللان إلى أهلها. يتنازعون على الحور العين، وينهبون النعيم كما نهبوا الكنوز في الحروب. تحولتْ الجنة إلى مسرح للصراعات، يُقسمونها إلى إمارات، يسودها القتال على السلطة والنفوذ، تملأها الدماء والدمار. كانوا يعيشون في وهم دائم، معتقدين أن النعيمَ لن ينتهي، لكن مع كل خطوة، كانوا يقتربون أكثر من هدمه بأيديهم.
وفي لحظة الإدراك المتأخر، حين أصبح النعيم خراباً، انتابتهم موجة من الندم، وبدأوا ينتفون لِحاهم أسفا على تَفصيل فتاوى لرمي العقلاء منهم بالزندقة والفسوق كابن خلدون وابن سينا وابن رشد والفارابي والرازي، حينها لم يبقَ أمامهم إلا اللجوء لسكان جهنم والذين ابتدعوا العلم والصناعة والتكنولوجيا كي يمدوهم بغيض من فيض، لتُعاد الكَرة بفرض الشروط وتقرير المصير،
وتتبادل الجحيم مع النعيم الأدوار، يوم لا يُميز المرء سوى عمله لا نَسبه ولا بَأسه “ومن كان في هذه أعمى فهو في الأخرة أعمى وأضل سبيلا"..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة خروج ا?حمد عز وسط زحام الجمهور من عزاء الفنان مصطفى فهم


.. توافد الفنانين لتقديم واجب العزاء في وفاة الفنان مصطفى فهمي




.. في عيد ميلاد شاروخان الـ59.. «ملك بوليوود» يحتفل بسنوات من ت


.. حزن حسين فهمي أثناء تلقيه عزاء شقيقه من الفنانة ليلي علوي




.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت: حسن أبو عتمان الوحيد