الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 12
عبدالرحيم قروي
2024 / 11 / 1الارشيف الماركسي
الحلقة 12
8 ـ تكوّن الدولة عند الجرمان
كان الجرمان، على حد قول تاقيطس، شعباً كثير العدد جداً. و يتيح لنا قيصر تكوين فكرة تقريبية عن عدد أفراد هذه أو تلك من الشعوب الجرمانية، فهو يحدد عدد الأوزيبيت و التنكتير المقيمين عند الضفة اليسرى من نهر الراين بـ 180000 شخص بمن فيهم النساء و الأطفال. و هكذا كان كل شعب يعد حوالي 100 ألف نسمة* ، أي ما يربو كثيراً مثلاً، عن مجمل عدد الإيروكوا في عهد ازدهارهم، عندما أصبحوا يشكلون خطراً على البلاد كلها، ابتداء من البحيرات الكبيرة حتى أوهايو و بوتوماك، رغم أن تعدادهم لم يبلغ الـ 20 ألف نسمة. و إذا حاولنا أن نرسم على الخارطة كيف كانت أشهر الشعوب المقيمة في جوار الريان موزعة حسب المعلومات التي وصلت إلينا، لشغل كل من هذه الشُعوب بمفرده ما يقارب بالمتوسط مساحة منطقية إدارية بروسية، أي زهاء 10000 كليو متر مربع أو 182 ميلاً جغرافياً مربعاً. و لكن Germania Magna** التابعة للرومانيين كانت تشمل حتى الفيستول حوالي 500000 كيلو متر مربع. و إذا كان متوسط عدد كل شعب 100000 نسمة، فلا بد أن مجمل عدد السكان في Germania Magna كان يبلغ خمسة ملايين. و هذا رقم كبير بالنسبة لمجموعة من الشعوب البربرية، و هو رقم قليل جداً جداً بالنسبة لأوضاعنا: 10 نسمات بكل كيلو متر مربع، أو 550 نسمة بكل ميل جغرافي مربع. و لكن هذا العدد أبعد من أن يشمل جميع الجرمان الذين كانا يعيشون في تلك المرحلة. فنحن نعرف أن شعوباً جرمانية من مجموعة القبائل القوطية أي من قبائل الباستارن و البوكين و غيرها كانت تعيش بمحاذاة جبال الكاربات حتى مصب نهر الدانوب بالذات، و كانت كثيرة العدد إلى حد أن بلينوس اعتبرها المجموعة الأساسية الخامسة من القبائل الجرمانية (150). إن هذه القبائل التي كانت تعمل قبل الميلاد بـ 180 سنة في خدمة برسيوس، ملك مقدونيا، قد توغلت في السنوات الأولى من حكم أوغسطوس حتى ضواحي أدرنة. و إذا قدرنا عددها بمليون شخص فقط، فإن عدد الجرمان كان يبلغ، أغلب الظن، عند بداية التاريخ الميلادي، ستة ملايين على الأقل.
و بعد إقامتها في جرمانيا، كان لا بدّ أن ينمو عدد السكان بسرعة متزايدة أبداً. و أن النجاحات المنوه بها أعلاه في ميدان تطور الإنتاج من شأنها وحدها أن تقدم البرهان على ذلك. إن اللقيات الأثرية في مستنقعات شليسفيغ تعود إلى القرن الثالث نظراً للنقود المعدنية الرومانية الموجودة فيها. و عليه كان إنتاج الأقمشة و المصنوعات المعدنية متطوراً و منتشراً في ذلك الوقت على سواحل بحر البلطيق، و كانت تقوم علاقات تجارية ناشطة مع الإمبراطورية الرومانية، و كان أغنى الناس يعيشون في نوع من البذخ. و كل هذه دلائل على أن كثافة السكان كانت أكبر هناك. و نحو هذه الحقبة من الزمن، يبدأ كذلك هجوم الجرمان العسكري العام على طول خط الراين و الحدود الرومانية المحصنة و الدانوب، من بحر الشمال حتى البحر الأسود، و هذا دليل مباشر على تنامي عدد السكان أكثر فأكثر، و على سعيهم إلى توسيع ممتلكاتهم. و قد دام الصراع ثلاثمئة سنة، و خلاله تحرك كل القسم الأساسي من الشعوب القوطية (باستثناء القوط السكاندينافيين و البورغوند) باتجاه الجنوب الشرقي، و شكل الجناح الأيسر من خط الهجوم المستطيل، و كان الجرمان الأعلون (الهرمينون) الذين شقوا طريقاً لهم حتى الدانوب الأعلى يشغلون وسط هذا الخط، و كان الجناح الأيمن يتألف من الإيسكيفيين الذين أطلق عليهم آنذاك اسم الفرنج، و الذين شقوا طريقاً لهم نحو الراين، أما الإينغيفون فكان من نصيبهم احتلال بريطانيا. و في أواخر القرن الخامس، كان الطريق إلى الإمبراطورية الرومانية المستضعفة، المنزوفة، العاجزة، مفتوحاً أمام الجرمان الغزاة.
لقد وقفنا أعلاه عند مهد الحضارة اليونانية و الرومانية القديمة. و هنا نقف عند قبرها. ففي جميع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، مر مسحاج السيادة العاليمة الرومانية المسوي في سياق قرون و قرون. و حيث لم تبد اللغة اليوناينة مقاومة، اضطرت جميع اللغات القومية إلى إخلاء المكان للغة لاتينية مشوهة. و زالت جميع الفوارق القومية، و لم يبق هناك لا غاليون و لا إيبيريون و لا ليغوريون و لا نوريكيون، فقد غدوا جميعهم رومانيين. و في كل مكان دمرت الإدارة الرومانية و دمر الحق الروماني التنظيمات العشائرية القديمة، و بالتالي آخر بقايا النشاط المحلي و القومي المستقل. و كانت المواطنية الرومانية الحديثة العهد لا تعرض شيئاً بالمقابل. و لم تكن تعبر عن أي قومية، إنما كانت فقط تعبيراً عن انعدام القومية. و كانت عناصر الأمم الجديدة تتمايز أكثر فأكثر بعضها عن بعض، و كانت الحدود الطبيعية التي جعلت فيما مضى من إيطاليا و غاليا و إسبانيا و إفريقيا مناطق متميزة لا تزال قائمة و تثبّت وجودها. و لكنه لم تكن هناك أي قوة بمقدورها أن توحد هذه العناصر في أمم جديدة، و لم يكن هناك في أي مكان أثر لقدرة على التطور و المقاومة، و بالأحرى للطاقة الخلاقة. و هذا الجمهور الهائل من الناس القاطنين في رقعة شاسعة من الأرض لم تكن تجمع بينهم غير صلة واحدة هي الدولة الرومانية، و الحال، صارت هذه الدولة مع مر الزمن عدوهم و مضطهدهم الألد. لقد قضت الأقاليم على روما، و روما ذاتها تحولت إلى مدينة إقليمية، مثل غيرها من المدن، إلى مدينة متميزة، و لكنها لم تبق سائدة، لم تبق مركز الإمبراطورية العالمية و لم تبق حتى مقر الأباطرة و نواب الأباطرة، فقد كان هؤلاء يعيشون الآن في القسطنطينية و ترير و ميلانو. و تحولت الدولة الرومانية إلى آلة هائلة معقدة، معدة بوجه الحصر لاعتصار الأتباع. و كانت الضرائب و أعمال السخرة في صالح الدولة و غير ذلك من الأتاوات تدفع بسواد الناس في لجة البؤس أعمق فأعمق. و هذا الظلم كانت تقويه إلى حد لا يطاق ابتزازات الحكام و الجباة و الجنود. هذا ما آلت إليه الدولة الرومانية و سيادتها العالمية: لقد بنت حقها في الوجود على صيانة النظام في الداخل و على الحماية من البرابرة في الخارج، و لكن نظامها كان شراً من الفوضى، و إذا البرابرة الذين كانت تدعي حماية المواطنين منهم، ينتظرهم هؤلاء كمنقذين.
و لم يكن الوضع الاجتماعي أقل مدعاة لليأس. فمنذ أواخر زمن الجمهورية، كانت السيادة الرومانية تقوم على استغلال الأقاليم المحتلة بلا رحمة و لا شفقة، و لم تقض الإمبراطورية على هذا الاستغلال، و ليس هذا و حسب، بل عمدت بالعكس إلى تنظيمه. و بقدر ما كان يأفل نجم الإمبراطورية، بقدر ما كانت تتزايد الضرائب و الأتاوات، و تشتد وقاحة الموظفين في النهب و ابتزاز الأموال. و لم تكن التجارة و الصناعة في يوم من الأيام من شأن الرومانيين، قاهري الشعوب.و لكنهم تفوقوا في الربا كل من جاؤوا من قبلهم و بعدهم. و كل ما توفر و بقي من التجارة زال بسبب بلص الموظفين، و ما سلم من التجارة، كان في الجزء الشرقي، في الجزء اليوناني من الإمبراطورية، الذي لا يشمله موضوع دراستنا. الإملاق العام، و تدهور التجارة و الحرف و الفنون، و انخفاض عدد السكان، و انحطاط المدن، و عودة الزراعة إلى مستوى أدنى، -تلك كانت النتيجة الأخيرة للسيادة الرومانية العالمية.
إن الزراعة التي كانت الفرع الحاسم من الإنتاج في العالم القديم بأسره، قد غدته الآن من جديد و أكثر مما في أي وقت مضى. و في إيطاليا، كانت المجموعات الشاسعة من العقارات (latifundia اللاتيفونديا) تشمل بعد سقوط الجمهورية جميع الأراضي تقريباً، و كانت تُستَغَل بطريقتين: إما بصورة مراع، يستعاض فيها عن السكان بالغنم و البقر التي لا تتطلب العناية بها غير عدد قليل من العبيد، و إما بصورة فيللات villas تمارس فيها جمهرة من العبيد أعمال البستنة على نطاق كبير، و ذلك سواء لتلبية حاجات السيد العائش في البذخ، أم للبيع في أسواق المدن. و قد أبقيت المراعي الكبيرة، بل زيدت رقعتها أيضاً. و انحطت عقارات الفيللات و بستنتها مع خراب أصحابها و إفقار المدن. و لم يعد استثمار اللاتيفونديات، القائم على عمل العبيد، يعود بدخل، و لكنه كان في تلك المرحلة الشكل الممكن الوحيد للزراعة الكبيرة. و من جديد، صارت الاستثمارة الصغيرة الشكل الوحيد النافع في الزراعة. فأخذت الفيللات تنقسم الواحدة تلو الأخرى إلى قطع صغيرة توضع، لقاء مبلغ معين، تحت تصرف مزارعين يتناقلونها بالوراثة، أو توضع تحت تصرف partiarii* كانوا بالأحرى إداريين أكثر منهم مستأجرين، و كانوا ينالون لقاء عملهم سدس المحصول السنوي و أحياناً تسعه فقط. و لكنه كان يعهد بهذه القطع الصغيرة في معظم الأحوال إلى colonus مستأجرين معمرين كانوا يدفعون كل سنة مبلغاً معيناً و كانوا مربوطين بالأرض و كان يمكن بيعهم مع قطعهم، صحيح أن المستأجرين المعمرين لم يكونا عبيداً، إلا أنهم لم يكونوا أحراراً، و لم يكن لهم حق عقد الزواج مع الأحرار، و لم يكن زواجهم يعتبر زواجاً شرعياً، بل مجرد مساكنة contubernium، مثله مثل زواج العبيد. لقد كانا أسلاف أقنان القرون الوسطى.
لقد ولى زمن العبودية القديمة. فلم تعد، لا في الزراعة الكبيرة و لا في مانيفاكتورات المدن، تدر دخلاً يبرر العمل المبذول، و زال السوق لأجل منتوجاتها. أما الزراعة الصغيرة و الحرفة الصغيرة اللتان انحط إليها الإنتاج الضخم من عهد ازدهار الإمبراطورية، فلم يكن من الممكن لهما إيجاد العمل لعدد كبير من العبيد. و لم يبق في المجتمع مكان إلا للعبيد العاملين في البيوت و للعبيد الذين يؤمنون حياة الأغنياء الباذخة. و لكن العبودية بسبيل الاحتضار كان لا يزال بمقدورها أن تدعم الفكرة القائلة أن كل عمل منتج هو من شأن العبيد و لا يليق بالرومانيين الأحرار، و الحال كان جميع المواطنين يتمتعون الآن بهذه الصفة. فكانت النتيجة، من جهة، ازدياد عدد العبيد المعتقين، الفائضين، الذين أمسو عبئاً، و من جهة أخرى، ازدياد عدد المستأجرين المعمّرين colonus و الأحرار المفتقرين (الذين يشبهون poor whites* في الولايات الأميركية التي كان يسود فيها الرق من قبل). إن المسيحية ليست مسؤولة أبداً عن زوال العبودية القديمة تدريجياً. بل أنها عاشت مع العبودية جنباً إلى جنب في الإمبراطورية الرومانية خلال قرون و قرون، و لم تعترض فيما بعد يوماً على تجارة الرقيق التي كان يتعاطاها المسيحيون: الجرمان في الشمال، و أهل البندقية على البحر الأبيض المتوسط، و لم تعترض فيما بعد على المتاجرة بالزنوج** . و لم تعد العبودية تدر دخلاً، فاضمحلت. و لكن العبودية بسبيل الزوال خلقت وراءها سهمها السام بصورة ازدراء الأحرار للعمل المنتج. كان ذلك مأزقاً لا مخرج منه انخرط فيه العالم الروماني: فقد أمست العبودية مستحيلة من الناحية الاقتصادية، و كان عمل الأحرار موضع ازدراء من الناحية الأخلاقية. فالأولى لم يبق بوسعها أن تكون الشكل الأساسي للإنتاج الاجتماعي و الثاني لم يعد بوسعه أن يكونه. و لم يكن من الممكن الخروج من هذا المأزق إلا بثورة جذرية.
و لم يكن الحال أحسن في الأقاليم. و لدينا أوفر المعلومات عن غاليا. فإلى جانب المستأجرين المعمِّرين، كان لا يزال هناك أيضاً فلاحون صغار أحرار. و كان هؤلاء الفلاحون، سعياً منهم لوقاية أنفسهم من استبداد الموظفين و القضاة و المرابين، يلجأون أحياناً كثيرة إلى حماية و رعاية شخصية قوية. و لم يفعل ذلك فلاحون منفردون، بل أيضاً مشاعات بكاملها، إلى حد أن الأباطرة أصدروا غير مرة القرارات في القرن الرابع بمنع ذلك. و لكن ما كان ذلك يؤمن لمن كانوا يفتشون عن الحماية؟ كان الحامي يفرض عليهم شرطاً مفاده أن يتنازلوا له عن الحق في ملكية أراضيهم على أن يضمن لهم بالمقابل التمتع مدة الحياة بهذه الأراضي. و هذه الحيلة تفهمتها الكنسية المقدسة و استخدمتها بفائق الجهد في القرنين التاسع و العاشر لكي توسع مملكة الرب و ممتلكاتها الأرضية بالذات. صحيح أن سلفيان، أسقف مرسيليا، كان لا يزال آنذاك، حوالي عام 475، يرعد و يبرق ضد هذا النهب و يروي أن اضطهاد الموظفين الرومانيين و كبار ملاكي الأراضي أصبح لا يطاق إلى حد أن كثيرين من "الرومانيين" يهربون إلى الأنحاء التي احتلها البرابرة، و أن المواطنين الرومانيين الذي يقيمون هناك لا يخشون، أكثر ما يخشون، غير الوقوع من جديد تحت السيطرة الرومانية (152). أما أن الآباء كانوا في ذلك الوقت غالباً ما يبيعون أولادهم عبيداً بسبب الفقر، فهذا ما يدل عليه القانون الذي صدر ضد هذه الممارسة.
و قد انتزع البرابرة الجرمان من الرومانيين ثلثي أراضيهم كلها، مكافأة عن تحريرهم من دولتهم بالذات، و تقاسموها فيما بينهم. و قد جرت القسمة وفق أصول النظام العشائري. و بما أن عدد الفاتحين لم يكن كبيراً نسبياً، فقد ظلت مساحات شاسعة من الأراضي بدون تقسيم، إما ملكاً للشعب بأسره و إما ملكاً لمختلف القبائل و العشائر. و ضمن كل عشيرة، جرى تقسيم الأراضي المحروثة و المروج بين مختلف الاستثمارات حصصاً متساوية و بالقرعة. و نحن لا نعرف ما إذا كانت قد جرت إعادة التقسيم بصورة دورية، على كل حال، توقفت بعد فترة وجيزة عمليات التقسيم الدورية في الأقاليم الرومانية، و أصبحت مختلف القطع ملكاً خاصاً يمكن التنازل عنه، allod. و بقيت الغابات و المراعي بدون تقسيم، لاستعمال الجميع. و هذا الاستعمال، و كذلك طريقة حراثة الأراضي المقسمة تحقق ضبطهما وفق العادة القديمة و بموجب قرار من المشاعة كلها. و بقدر ما كانت تستطيل إقامة العشيرة في قريتها بقدر ما كان يتزايد تخالط الجرمان و الرومانيين تدريجياً، بقدر ما كان طابع القرابة للصلة بين الناس يتراجع أمام الطابع الإقليمي. و قد انحلت العشيرة في المشاعة-المارك التي كانت لا تزال تظهر فيها أحياناً كثيرة جداً آثار منشئها من علاقات القرابة بين أعضاء المشاعة. و بصورة غير ملحوظة تحول التنظيم العشائري إلى تنظيم إقليمي، على الأقل في البلدان التي استمرت فيها المشاعة-المارك- في شمال فرنسا، و إنجلترا و جرمانيا و سكاندينافيا- و أصبح بالتالي قادراً على التكيف للدولة. و لكنه احتفظ مع ذلك بطابعه الديموقراطي الذي تكوّن بصورة طبيعية، و الذي يميز كل النظام العشائري و صان حتى الأزمنة الحديثة عناصر حية من هذا النظام حتى في ذلك الشكل المنحل الذي فرض عليه فيما بعد، و ظل لهذا السبب سلاحاً في أيدي المظلومين.
و عليه، إذا كانت صلة الدم في العشيرة قد فقدت شأنها بعد فترة وجيزة، فذلك لأنه هيئاتها قد انحطت و انحلت أيضاً سواء أفي القبائل أم في الشعب كله، نتيجة للفتوحات. و نحن نعرف أن السيادة على المخضَّعين لا تأتلف مع النظام العشائري. و هذا ما نراه هنا على نطاق كبير. فقد كان يتعين على الشعوب الجرمانية التي أصبحت سيدة الأقاليم الرومانية، أن تنظم إدارة هذه الأراضي التي افتتحتها. و لكنه لم يكن من الممكن لا قبول جماهير الرومانيين في الجماعات العشيرية و لا السيطرة عليهم بواسطة هذه الأخيرة. و على رأس الهيئات الرومانية للإدارة المحلية، التي ظل معظمها قائماً في البدء، كان ينبغي وضع بديل ما عوضاً عن الدولة الرومانية، و لم يكن من الممكن أن يكون هذا البديل غير دولة أخرى. و لهذا كان ينبغي لهئيات النظام العشائري أن تصبح هيئات للدولة، و ذلك بسرعة كبيرة، تحت ضغط الظروف. و الحال كان القائد العسكري هو الممثل المباشر للشعب الفاتح. و كانت حماية المنطقة المفتوحة من الخطر الخارجي و الداخلي تتطلب تعزيز سلطته. و هكذا آن الأوان لتحويل سلطة القائد العسكري إلى سلطة ملكية، و قد تحقق هذا التحويل.
لنأخذ مملكة الفرنج. هنا، عمد الشعب الفرنج الساليين الظافر يده كلياً، لا على العقارات الشاسعة التابعة للدولة الرومانية و حسب، بل أيضاً على جميع الأراضي الرحبة التي لم تُضم عند التقسيم إلا الممتلكات المشاعية للدوائر Gau الكبيرة و الصغيرة و للمشاعات-الماركات، و لا سيما جميع الغابات الكبيرة. و كان أول عمل قام به ملك الفرنج الذي تحول من مجرد قائد عسكري أعلى إلى عاهل حقيقي، هو تحويل ملكية الشعب هذه إلى مُلْكية الملك، و سرقتها من الشعب و منحها على سبيل الهدية أو الإقطاع إلى أعضاء فصيلته. إن هذه الفصيلة التي كانت تتألف في البدء من حاشيته العسكرية الشخصية و من سائر القادة العسكريين الخاضعين له، قد تزايدت، بعد حقبة قصيرة، بالرمانيين، أي بالغاليّين "المُرَوْمَنين" الذين سرعان ما أصبحوا ضروريين له بفضل مقدرتهم ككتبة و ثقافتهم، و معرفتهم للغة الكلامية الرومانية و اللغة الأدبية اللاتينية، و معرفتهم أيضاً القانون المحلي، كما تزايدت بالعبيد و الأقنان و المعتقين الذين كانوا يشكلون هيئة الخدم في بلاطه و الذي كان يختار من بينهم محظييه. و جميع هؤلاء نالوا قطعاً من الأرض التي تخص الشعب، في الآونة الأولى على سبيل الهدية في معظم الأحوال، ثم فيما بعد، على سبيل المكافأة بصورة bénéficium و ذلك في البدء، و عموماً، طوال حياة الملك (153). و هكذا أنشئ الأساس لأريستقراطية جديدة على حساب الشعب.
و فضلاً عن ذلك، لم يكن من الممكن حكم الدولة بوسائل النظام العشائري القديم، نظراً لسعة رقعتها. فإن مجلس الشيوخ، حتى و إن لم يكن قد زال من زمان، لم يكن بوسعه أن يجتمع، و سرعان ما استعيض عنه بالمقرّبين الدائمين من الملك. و تغطية للظواهر، ظلت الجمعية الشعبية القديمة قائمة، و لكنها أخذت هي أيضاً تتحول أكثر فأكثر إلى جمعية للقادة العسكريين الخاضعين للملك و للأريستقراطية الناشئة الجديدة. أما الفلاحون الأحرار الذين يملكون أرضاً و الذين كانوا يشكلون سواد الشعب الفرنجي، فإن الحروب الدائمة، الحروب الأهلية منها و حروب الفتح، و لا سيما الأخيرة منها في عهد شارلمان، قد استنزفت مواردهم و خربت بيوتهم ما فعلت بالفلاحين الرومانيين من قبل في أواخر عهد الجمهورية. و إن هؤلاء الفلاحين الأحرار الذين كان يتألف منهم الجيش كله في البدء، و الذين أصبحوا نواته الأساسية بعد الاستيلاء على أراضي فرنسا قد افتقروا في أوائل القرن التاسع إلى حد أن فلاجاً واحداً أو يكاد من كل خمسة كان بمقدوره المشاركة في الحملات. و عوضاً عن القوات من الفلاحين الأحرار الذين كان يستدعيهم الملك مباشرة، قام جيش مؤلف من ملزمين بالخدمة العسكرية من الأريستقراطية الناشئة الجديدة و يضم كذلك فلاحين أقناناً من أبناء و أحفاد أولئك الذين كانوا لا يعرفون سيداً غير الملك، و الذين كانوا من قبل لا يعرفون أبداً أياً من الأسياد، بمن فهم الملك. ثم أن الحروب الداخلية، و ضعف السلطة المكية، و تطاولات ذوي المكانة- فضلاً عن الكونتات Gaugrafen (154) الذين عينهم شارلمان و الذين كانوا يسعون إلى جعل مناصبهم وراثية، و أخيراً غزوات النورمانديين،- كل ذلك أنجز خراب الفلاحين الفرنج في عهد ورثة شارلمان. و بعد مرور خمسين سنة على وفاة شارلمان، كانت إمبراطورية الفرنج منبطحة عند أقدام النورمانديين، عاجزة عن كل مقاومة، مثلما كانت الإمبراطوية الرومانية قبل ذاك بأربعة قرون منبطحة عند أقدام الفرنج.
و لقد كانت بمثل هذه الحال تقريباً، لا بسبب عجزها أمام العدو الخارجي و حسب، بل أيضاً بسبب نظامها الاجتماعي الداخلي أو بالأصح بسبب انعدام النظام. و قد كان الفلاحون الفرنج الأحرار يعانون نفس الوضع الذي كان يعانيه أسلافهم المستأجرون المعمِّرون الرومانيون. و من جراء الخراب الذي ألحقته بهم الحروب و أعمال النهب، اضطروا إلى توسل حماية الكنيسة أو الأريستقراطية الناشئة الجديدة لأن السلطة الملكية كانت ضعيفة إلى حد أنها لا تستطيع حمايتهم. و لكنهم اضطروا إل دفع ثمن باهظ لقاء هذه الحماية. لقد كان ينبغي عليهم، شأنهم شأن الفلاحين الغاليين من قبل، أن ينقلوا إلى الحامي حق ملكية قطعهم من الأرض، و كان هذا يعيدها بدوره إليهم بصورة tenure حيازة مشروطة، بشروط مختلفة و متغيرة، و لكن دائماً مقابل تأدية الخدمات و دفع الأتاوات. و ما أن كانوا يخضعون لهذه التبعية حتى كانوا يفقدون حريتهم الشخصية أيضاً شيئاً فشيئاً. و بعد بضعة أجيال، كانوا بأغلبيتهم أقناناً. أما بأي سرعة اندثرت فئة الفلاحين الأحرار، فهذا ما يبينه السجل الذي وضعه إيرمينون بأملاك دير سان-جرمان-دي-بري الذي كان يقع آنذاك في جوار باريس و يقع الآن في باريس بالذات (155). فإن أملاك هذا الدير الشاسعة، الموزعة في الضواحي، كانت تشمل آنذاك في عهد شارلمان 2788 استثمارة يسكنها بوجه الحصر تقرياً فرنج ذوو أسماء جرمانية. و بين هؤلاء، كان 2080 معمراً و 35 ليتاً* ، و 220 عبداً و فقط 8 مواطنين أحرار! إن العادة التي كان الحامي يجبر بموجبها الفلاح على أن يتنازل له عن قطعة أرضه على سبيل الملكية، ثم لا يعيد بموجبها قطعة الأرض هذه إلى الفلاح إلا لأجل التمتع بها مدة الحياة، إن هذه العادة التي أعلنها سلفيان كفراً و إلحاداً، إنما أخذت الكنيسة تطبقها الآن في كل مكان ضد الفلاحين. و أعمال السخرة التي طفقت تصبح أكثر فأكثر ظاهر عادية أليفة، كان لها نموذجها المسبق سواء في angaries (الأنغاري) الرومانية أي الأعمال الإلزامية في صالح الدولة (156)، أم في الأتاوات المفروضة على أعضاء المشاعة-المارك الجرمانية لأجل بناء الجسور و الطرق و لأجل غير ذلك من الأهداف العامة. و هكذا عاد سواد السكان بعد أربعمئة سنة، كأنما بصورة كلية، إلى نقطة انطلاقهم.
و لكن هذا كان يبرهن فقط شيئين: أولاً، أن التمايز الاجتماعي و توزع الملكية في الإمبراطورية الرومانية في مرحلة الانحطاط كانا يتطابقان تماماً مع مستوى الإنتاج الذي بلغته الزراعة و الصناعة آنذاك، و كانا بالتالي أمراً محتماً لا مناص منه، و ثانياً، أن مستوى الإنتاج هذا لم يرتفع و لم يهبط بصورة جوهرية في سياق الأربعمئة سنة التالية، و لهذا أدى بالضرورة ذاتها إلى توزع الملكية ذاته و إلى نشوء طبقات السكان ذاتها. و في غضون القرون الأخيرة من وجود الإمبراطورية الرومانية، فقدت المدينة سيادتها السابقة على القرية و لم تستعدها في غضون القرون الأولى من السيادة الجرمانية. و هذا يفترض درجة منخفضة من التطور سواء في الزراعة أو في الصناعة. و هذا الوضع العام يؤول بالضرورة إلى ظهور كبار ملاكي الأراضي ذوي السيادة و السيطرة و الفلاحين الصغار التابعين. و ما أقل ما كان من الممكن أن تفرض على هذا المجتمع اقتصادات اللاتيفونديات الرومانية القائمة على عمل العبيد، من جهة، و الاقتصاد الكبير الجديد القائم على السخرة من جهة أخرى. و هذا ما تثبته التجارب الجليلة التي قام بها شارلمان بفيلاته الإمبراطورية الشهيرة، و التي زالت دون أن تترك أي أثر تقريباً. و هذه التجارب لم يواصلها غير الأديرة، و في الأديرة فقط كانت مثمرة. و لكن الأديرة كانت أجهزة اجتماعية شاذة قائمة التبتل، و قد كان بوسعها أن تعطي نتائج خارقة العادة، و لكنه كان لا بدّ لها لهذا السبب أن تبقى استثناء.
و مع ذلك تحققت خطوة كبيرة إلى أمام خلال هذه الأربعمئة سنة. و إذا كنا نجد في أواخر هذه المرحلة الطبقات الأساسية ذاتها تقريباً التي كانت قائمة في بدايتها، فإن الأفراد الذين يؤلفون هذه الطبقات قد تغيروا مع ذلك. فقد زالت العبودية القديمة، و زال الأحرار الذين حل بهم الخراب و الفقر و الذين كانوا يزدرون العمل بوصفه واجب العبد. و بين المعمِّر الروماني و القن الجديد كان يقف الفلاح الفرنجي الحر. و قد ولت إلى الأبد "الذكريات العميقة و النضال الباطل" للعالم الروماني المنقرض. إن الطبقات الاجتماعية في القرن التاسع لم تتكون في جو من تفسخ حضارة بسبيل الاندثار، بل في آلام مخاض حضارة جديدة. إن الجيل الجديد،-الأسياد منه و الخدم- كان جيلاً من الرجال بالقياس إلى سابقيه الرومانيين. و تلك العلاقات بين كبار ملاكي الأراضي ذوي الحول و الطول و بين الفلاحين التابعين لهم، التي كانت بالنسبة للرومانيين شكلاً يفصح عن هلاك العالم القديم بلا مرد، قد صارت الآن بالنسبة للجيل الجديد نقطة انطلاق لتطور جديد. و فضلا عن ذلك، مهما بدت هذه السنوات الأربعمئة عقيمة، فإنها تركت نتيجة كبيرة واحدة: القوميات العصرية، التكوين و التركيب الجديد للقسم الأوروبي الغربي من البشرية لأجل التاريخ المقبل. فإن الجرمان قد أحيوا أوروبا بالفعل من جديد، و لهذا لم يسفر تدمير الدول الذي جرى في المرحلة الجرمانية عن استعباد النورمانديين و المسلمين، بل عن استمرار تطور الإقطاعات bénéficium و علاقات الحماية commende (157) نحو الإقطاعية و عن ازدياد عدد السكان ازدياداً هائلاً إلى حد أنه أمكن، بدون ضرر، احتمال الخسائر الفادحة التي تسببت بها الحروب الصليبية بعد أقل من مائتي سنة.
فما هي إذن الوسيلة السحرية السرية التي نفح بها الجرمان قوة حياتية جديدة في أوروبا بسبيل الاحتضار؟ هل كانت قوة خاصة، عجيبة المفعول، فُطر عليها العرق الجرماني كما يزعم مؤرخونا الشوفينيون؟ كلا أبداً. فإن الجرمان كانوا، و لا سيما آنذاك، فرعاً آرياً موهوباً جداً في أوج ازدهار قواه الحيوية. و لكن ما جدد شباب أوروبا ليس مزاياهم القومية الخاصة، بل مجرد بربريتهم، و نظامهم العشائري.
إن كفاءاتهم و بسالتهم الشخصية، و حبهم للحرية، و غريزتهم الديمقوقراطية التي تحملهم على أن يروا في جميع الشؤون العامة شؤونهم الخاصة بالذات،-و بكلمة، إن جميع تلك الخصال التي فقدها الرومانيون و التي بفضلها وحدها دون غيرها كان يمكن تكوين دول جديدة من طمي و وحل العالم الروماني و دفع نمو القوميات الجديدة، -كل هذا، ترى، ماذا كان إن لم يكن السمات المميزة للإنسان الذي بلغ الطور الأعلى من البربرية، إن لم يكن ثمرة نظامه العشائري؟
و إذا كان الجرمان قد حولوا الشكل القديم لأحادية الزواج، و خففوا سيادة الرجل في العائلة، و أعطوا المرأة مركزاً أعلى من ذلك الذي عرفه يوماً العالم الكلاسيكي، فما الذي جعلهم قادرين على ذلك، إن لم يكن بربريتهم و عاداتهم العشيرية، و بقايا عهد الحق الأمي التي كانت لا تزال حية آنذاك؟
و إذا كانوا قد استطاعوا، في ثلاثين من البلدان الرئيسية على أقل،-أي في ألمانيا و فرنسا الشمالية و إنجلترا، أن ينقذوا خرقة من النظام العشائري الحقيقي بشكل المشاعات-الماركات و ينقلوها إلى الدولة الإقطاعية، و أعطوا بالتالي الطبقة المظلومة، طبقة الفلاحين، حتى في ظروف أقسى نظم القنانة في القرون الوسطى، تلاحماً محلياً و وسيلة للمقاومة، الأمر الذي لم يجده بصورة جاهزة لا العبيد القدامى و لا البروليتاريون المعاصرون، فعَمَّ نجم هذا إن لم يكن عن بربريتهم، عن طريقتهم في الاستيطان عشائر عشائر، هذه الطريقة الملازمة بوجه الحصر لعهد البربرية؟
و أخيراً، إذا كانوا قد استطاعوا أن يطورا و يرفعوا إلى درجة الشمول شكلاً ألطف للتبعية كان قائماً في موطنهم و كانت تنتقل إليه العبودية أكثر فأكثر في الإمبراطورية الرومانية، شكلاً، كما أشار فوريه (158) للمرة الأولى، يوفر للمستعبَدين الوسيلة لتحررهم تدريجياً بوصفهم طبقة fournit aux cultivateurs des moyens d affranchissement collectif et progressif * ، شكلاً يأتي من جراء ذلك أعلى بكثير من العبودية التي لا يمكن أن يتحقق فيها غير تحرير الفرد بمفرده على الفور و بدون مرحلة انتقالية (إن العالم القديم لا يعرف القضاء على العبودية بفضل ثورة مظفرة)، في حين أن أقنان القرون الوسطى أحرزوا بالفعل تدريجياً تحررهم كطبقة-فعَمَّ نجم هذا إن لم يكن عن بربريتهم التي بفضلها لم يرفعوا هذه التبعية عندهم إلى مستوى العبودية التامة: لا إلى الشكل القديم لعمل العبيد و لا إلى العبودية المنزلية الشرقية؟
إن كل ما لقح به الجرمان العالم الروماني من مثمر و صالح للحياة إنما كان نتاج البربرية. و بالفعل كان البرابرة وحدهم دون غيرهم قادرين على تجديد شباب عالم هرم يأفل نجم حضارته. و أن الطور الأعلى من البربرية الذي تطور الجرمان نحوه و بلغوه قبل هجرات الشعوب، كان بالضبط الأنسب لمثل هذا التطور. و هذا يفسّر كل شيء.
الهوامش:
(150) بلينوس. "التاريخ الطبيعي في 37 كتاباً". الكتاب الرابع، الفصل الرابع عشر.
(151) ليوتبراند من كريمونا "الثواب و العقاب". الكتاب السادس، الفصل السادس.
(152) سلفيان من مرسيليا. "De gubernatione dei" ("في حكم الإله". الكتاب الخامس، الفصل الثامن).
(153) Bénéfice (من اللاتينية bénéficium و تعني : عمل خير، منحة ، هبة، إحسان)، شكل من وهب الأراضي انتشر واسع الانتشار في دولة الإفرنج في النصف الأول من القرن الثامن. كانت قطعة الأرض المنقولة إلى الغير بشكل هبة Bénéfice تنتقل مع الفلاحين الأقنان العائشين فيها إلى الموهوب (bénéficiaire) لأجل التمتع بها مدى الحياة، شرط أن يقوم بخدمات معينة، هي في أغلب الأحيان خدمات عسكرية. في حال وفاة الواهب أو الموهوب، و كذلك في حال عدم قيام الموهوب بالتزاماته و إهماله استثماراته، كان ينبغي إعادة الهبة إلى الواهب أو إلى ورثته، و كان تجديد علاقات الهبة يقتضي تجديد عملية الهبة. و لم تكن السلطة الملكية وحدها تلجأ إلى توزيع الهبات، بل أيضاً الكنيسة و كبار ذوي النفوذ. أسهم نظام الهبة في تكوين طبقة الإقطاعيين، و لا سيما منهم النبلاء الصغار و المتوسطين، و في تحويل جماهير الفلاحين إلى أقنان ، و في تطوير علاقات التبعية الإقطاعية و تسلسل المراتب الإقطاعي. فيما بعد أخذت الهبات Bénéfices تتحول إلى إقطاعات وراثية. و قد كشف إنجلس في مؤلفه "عهد الإفرنج" دور نظام الهبة في تاريخ تكوين الإقطاعية.
(154) كونتات الدوائر (Gaugrafen) ، في دولة الإفرنج موظفون ملكيون معينون على رأس الدوائر أو الكونتيات . كانوا يتمتعون بالسلطة القضائية و يحصلون الضرائب و يشرفون على القوات المسلحة و يقودونها إبان الحملات. لقاء خدماتهم، كانوا يتقاضون ثلث الإيرادات الملكية في الدائرة المعنية، و يكافئون بقطع من الأرض. فيما بعد أخذ الكونتات يتحولون بالتدريج من موظفين يعينهم الملك إلى أسياد إقطاعيين كبار يملكون السلطة المطلقة و لا سيما بعد عام 877، أي بعد أن أقر رسمياً نقل وظيفة الكونت بالوراثة.
(155) المقصود هنا بوليبتيك (وصف للملكيات العقارية و السكان و الإيرادات) دير سان جرمان دي بري، المعروف باسم "بوليبتيك رئيس الدير أرمينون". يورد إنجلس المعطيات من البوليبتيك، على ما يبدو، من كتاب P. Roth " Geschichte des Beneficialwesens von den ältesten Zeiten bis ins zehnte Jahrhundert". Erlangen, 1850 (ب. روت. "تاريخ نظام الهبة منذ الأزمنة القديمة حتى القرن التاسع عشر". أرلنغن، 1850 ).
(156) الأنغاري angarie، أتاوات كانت مفروضة في الإمبراطورية الرومانية على السكان و تلزمهم بتقديم الخيل و الحمالين لأجل خدمة النقليات الحكومية . فيما بعد، اكتسبت هذه الأتاوات طابعاً أوسع و صارت عبئاً مرهقاً على السكان.
(157) العهدة Commende (من اللاتينية Commendare عهد، أوكل)، شكل من الأشكال المنتشرة في أوروبا ابتداء من القرنين الثامن و التاسع لانتقال الفلاحين إلى ما تحت "حماية" ("عهدة") الإقطاعيين، أو لانتقال الإقطاعيين الصغار إلى ما تحت "حماية" ("عهدة") الإقطاعيين الكبار بشروط معينة (مثلاً، تأدية الخدمة العسكرية و غيرها من الخدمات في مصلحة "الحامي"، تسليم العاهد أرضه و حصوله عليها من جديد بصورة وضع يد مشروط). كانت العهدة تعني بالنسبة للفلاحين الذين كانوا يكرهونهم بالقوة في كثير من الأحيان على هذا العمل، فقدان الحرية الشخصية ، و تعني بالنسبة للإقطاعيين الصغار الدخول في علاقات تبعية حيال الإقطاعيين الكبار، فأسهمت بالتالي من جهة في تحويل الفلاحين إلى أقنان ، و من جهة أخرى في توطيد نظام المراتب الإقطاعي.
(158) Ch. Fourier "Théorie des quatre mouvement et des destinées générales" 3-me éd, Œuvres complètes, t. I, Paris 1846 ( شارل فوريه. "نظرية الحركات الأربع و المصائر العامة". الطبعة الثالثة. المؤلفات الكاملة. المجلد الأول، باريس 1846). صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف تحت اسم مغفل في مدينة ليون عام 1808.
يتبع
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الشرطة الإيطالية تعتدي على متظاهرين مؤيدين لفلسطين في ميلانو
.. الحكومة تعالج الاختلالات المالية من جيوب المغاربة #المغرب
.. تغطية القناة الأولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لحزب
.. محمد نبيل بنعبد الله : صفقة أكبر محطة لتحلية المياه فازت به
.. علم الحراك الشعبي في سوريا لعام 2011 شوهد وهو معلقا خارج الق