الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا خير فى مجتمعات تتعاطى الحب فى سرية مثل الممنوعات

منى نوال حلمى

2024 / 11 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا خير فى مجتمعات تتعاطى " الحب " فى سِرية كما تتعاطى " الممنوعات "
=============================================
اليوم 4 نوفمبر ، يكمل عيد الحب المصرى ، عامه الخمسين ، حيث اقترح " مصطفى أمين " فكرته فى عام 1974 .
وهكذا يكون اليوم هو اليوبيل الذهبى ، لعيد الحب ، فى نسخته المصرية .
ربما أستطيع مقاومة نداء الكلمات، عن قضية هنا، أو قضية هناك. ربما أستطيع إسكات القلم، وتجاهل إغراء الصفحة البيضاء، أمام ألوان الحياة .
مع "الحب"، تتوقف كل أجهزتي الدفاعية . تكفى طرقة واحدة على باب القلب ، أو باب البيت ، لكى أفقد صلابة مناعتى ، وأتوه وسط مدارات من الخيال ، والأمنيات المستحيلة .
أعترف، أنني أعاني، من حساسية غير عادية، في مواجهة، هذا الكائن، الواقعي جداً، الخرافي جداً، اسمه "الحب". وهذا ليس عيباً، فيما أظن. كلنا، لدينا ، حساسية زائدة، تجاه شئ مـا. البعض لديه، حساسية زائدة، تجاه الصخب، والضوضاء. البعض لديه، حساسية زائدة، تجاه مد البحر، أو ليالي اكتمال القمر. البعض لديه، حساسية زائدة، تجاه تغير المواسم. نقطة ضعف البعض، هي شجن الغناء في الخريف. والبعض، يظل جامداً، ولا يتحرك إلا بلمسة حنان.
ولست أدري، السبب بالتحديد. ؟. هل لأننى أقضى حياتى ، فى نسج الكلمات ، أنام ، وأصحو فى بيوت الشِعر.
القصيدة ، نفاذ لأحلى الأسرار، الموجعة، الموحية، المعتصرة رحيق الحياة .. وهـل هناك، مثل "الحب"، يحملنا الى آفاق الغموض ، والدهشة ؟ .
"الحب"، هو الهدية الكبرى، التي تمنحها الحياة للبشر،
في كل زمان، ومكان. "الحب"، هو القوة المحركة للكون ...
هو تلك الطاقة المحفزة ، للطبيعة على النماء، رغم الأعاصير، وعواصف الغبار. "الحب"، هو الدافع السحري، للتشبث بالحياة، وإتقان العمل، والحرص على الإبداع ، والتجدد ، والابتكار .
لولا " الحـب "، لما عرفنا أجمل الأغنيات والموسيقى ، وأروع حكايات التضحية والوفاء . ولما قامت، أعظم الثورات،
ولما اكتشفت مواطن الداء ، والشِفاء .
حينما تموت قصة حب، تبكي السماء ... وحينما يفترق حبيبان ، تتجهم الأشجار .. وحينما يتخاصم عاشقان ، يختفي الوجه المضي للقمر.
ليس عندى أدنى شك ، أننا حين نمشي، في جنازة حكاية عشق، تمشي معنا، الزهور، والبلابل، وأمواج البحر. قبور العشاق، ليست قبوراً. هي، حدائـق تغني بالذكريات. حولها الورود،
وتغريد الطيور ينشد فوقنا : " هنا يرقد رجل ، ذاق الحب حتى الموت " .. و " هنا بقايا امرأة ،
عشقت دون أمل ".
فى مجتمعاتنا ، لا يتكلمون بالسوء عن الخيانة ، والكذب ، والغش ، وقهر النساء ، مثلما يتكلمون بالسوء عن "الحب .
تعيش فى مناخ يحرم الحب، يجرم الحب ، يلعن الحب . نحن لا نسمع خيرا عن الحب ، الا فى الأغانى ، وعلى شاشة السينما .
"الحب ، عيب، وعار، وحرام، وفسق، واستهتار، ورذيلة، وخطيئة، وانحلال، وفساد، وانحطاط، وقلة أدب .
مبالغ خيالية تُنفق، لصنع أغنية حب واحدة، لا نعيش مليماً واحداً من ثمنها المكلف. هكذا الحب في الأغاني، باهظ الثمن جداً. لكن الحب، في الحياة، يكلف الرجل، أو المرأة ، سمعتها، وكرامتها. الرجل الذي يعلن، عن حبيبته، في بلادنا ، كأنه يعلن عن "فضيحة". والمرأة التي تعلن، عن حبيبها، كأنها تكتب بيديها صك إدانتها، وتقدم دليلاً مادياً، على مبررات إعدامها.
ما بين تمجيد "الحب"، في الأغاني ، وتأثيم "الحب" في الحياة ، تذبل ملايين القلوب، وتتعطل أجمل، وأسمى، المشاعر، والطاقات. وهذا الفصام ، يدفعنا الى الكذب ، والنفاق ، والعلاقات السِرية ، المختبئة وراء البيوت المغلقة ، ونحن نشعر بالحقارة والمهانة وتأنيب الضمير .
أن المجتمعات التي تعيش "الحب"، في كتمان وسرية، بينما تعلنه مثل أفيش فيلم ، أو اسم أغنية، مجتمعات مريضة، متخبطة، وتعيسة. وما أكثر الجرائم التى تنتج من هذه الازدواجية الأخلاقية ، والتناقضات العاطفية .
ليس من المعقول ، أن نحتفل بالعيد الخمسين ، لولادة عيد الحب ، وما زال هناك الاعتقاد أن "الحب" انحطاط ، ورذيلة، وفساد, وقلة أدب، وفضيحة، وفسق، واستهتار، وانحلال.
خمسون عاما مرت ، وما زالت الفتاة فى بلادنا ، تخفى مكالمات ورسائل ومواعيد الحب ، وكأنها تتعاطى الممنوعات والمخدرات . وحين يُكتشف أمرها ، تُعاقب جسديا ، ونفسيا ، وفى أحيان كثيرة ، يتم نحرها ، وتقطيع جثتها ، ورميها مثل كيس من القمامة .
خمسون عاما مرت ، وما زال الشاب فى بلادنا ، اذا أراد ممارسة الابتزاز الجنسى ضد
فتاة ، مدفوعا بالكبت ، فانه يستدرجها باسم الحب . وعندما تصدقه ، ينصب لها المصيدة ، ويصورها أثناء العلاقة الجسدية . ويظل يهددها بارسال الصور الى أهلها ، وبنشرها على الانترنت . وتفضل الفتاة الاستجابة لهذا الابتزاز ، حيث تدرك فى أعماقها ، أن المجتمع كله ، يجرمها ، هى ، لا الشاب . هى التى " أحبت " ، وانزلقت الى رذيلة ومعصية الحب .
الاحتفال الحقيقى ، بعيد الحب ، هو عندما نؤمن بأن " الحب " هو أرقى وأنبل العواطف .
وأن "الحب"، فضيلة، وأدب، وحضارة ، فلا نرجم أيا حبيبين، أو عاشقين، بالحجارة.
عيد الحب، الذي نشتاق إليه، هو أن نستطيع توفير "الأمن العاطفي"، لجميع النساء، وجميع الرجال، الأسوياء، الذي يرفضون الكذب، والزيف، والسرية.
هل يجئ يوم، نجاهر بحبنا ، دون خوف من الاتهامات، والإدانات ؟. هل نستطيع، أن نعيش كلمة واحدة، من كلمات، الأغاني التي تنهال علينا، كالسيول ليلاً، ونهاراً ؟. ومتى نعيش الحب، كما نتنفس بشكل طبيعي، سلس، خالٍ من العُقد ، و نزعات التملك ، والأوهام، والمخاوف ، والقهر الذكورى للنساء ؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد سقوط الأسد.. ظهور مصانع -الكبتاغون- علنا بدمشق في سوريا


.. بعد إغلاق 12 عاماً.. تركيا تعيد فتح سفارتها في سوريا




.. نواب أميركيون: العقوبات على سوريا مستمرة رغم سقوط الأسد


.. مسيرة لطلاب جامعة أمستردام للمطالبة بتعليق العلاقات مع إسرائ




.. كيف ستلبي الحكومة السورية المؤقتة طلبات الإدارة الأمريكية؟