الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد الزمير - الجذور الجيوسياسية للصراع بين أوروبا والشرق الأوسط

محمد الزمير
‏باحث ومُترجم نقوش في بوابة البحوث التاريخية والسياسية لوكالة ريا نوفوستي.

(أيمï زميٌ)

2024 / 11 / 12
السياسة والعلاقات الدولية


الجذور الجيوسياسية
للصراع بين أوروبا والشرق الأوسط.
محمد زمير
12 نوفمبر 2024.
قبل فهم طبيعة العلاقة بين أوروبا والمنطقة الشرق أوسطية، علينا أن نشرح بعض النقاط عن أوروبا من نظرة جيوسياسية، ونستعرض بعض الأجزاء المختصرة من تاريخها.
أوروبا من واقع جيوسياسي
أوروبا قارة صغيرة جدًا مقارنةً ببقية القارات، وتتصل بقارة آسيا، وقريبة من أفريقيا.
يوجد في أوروبا الكثير من الدول الصغيرة.
- منذ القدم، والمشكلة الأكبر التي تقف أمام أوروبا هي شُحّ الموارد والثروات الطبيعية، فأوروبا قارة فقيرة جدًا بالموارد، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل كثيرًا من شعوبها يخرجون منها بحثًا عن الثروات واستيطان أراضٍ أخرى.
- فكما نعلم، فقد استوطن الأوروبيون قارات كثيرة، استوطنوا الأمريكيتين، وأطراف أفريقيا، وأستراليا، بعد أن دمّروا حضارات عديدة فيها.
- لو أعدتَ قراءة عصور تاريخ أوروبا، منذ الإسكندر المقدوني مرورًا بالإمبراطورية الرومانية، مرورًا بالفترة الصليبية، ثم فترة عصر الكشوفات الجغرافية واكتشاف العالم الجديد، ثم الاستعمار وحتى اليوم، ستجد أن هدف أوروبا الرئيسي هو البحث عن الثروات.
- حتى الحروب الصليبية التي يعتقد البعض أنها حرب دينية، فقد كان هدفها الحقيقي هو الثروات ولو لبست ثوبًا دينيًا. ستجد هذه الحقيقة في أول خطاب للبابا أوربان الثاني، والذي أعلن فيه تدشين الحروب الصليبية، وتكلم في خطبته بالحرف عن فقر وشُحّ أوروبا، وضيق أرضها، وكيف أن المنطقة واسعة وكبيرة وغنية جدًا بالثروات، وفيها أنهار من عسل ولبن، حتى شمسها مختلفة عن شمس أوروبا.
- ثاني مشكلة تواجه أوروبا بعد مشكلة شُحّ الموارد، وهي أن فيها العديد من القوميات القائمة على اللغة، فهناك الإنجليز، والإسبان، والإيطاليون، والألمان، والهولنديون، والبرتغاليون. وهذه المشكلة يمكنها بسهولة جدًا أن تخلق صراعات بين القوميات في أوروبا حول الأطماع والثروات والموارد الطبيعية الموجودة في أوروبا أو خارجها.
- ستتأكد من هذه الحقيقة الثابتة لو بحثتَ في تاريخ الحروب الأوروبية، فجلّ الحروب الداخلية التي قامت في أوروبا حتى الحرب العالمية الثانية كانت بسبب الموارد والأطماع.
- من الصراع بين الإسبان والبرتغال حول الموارد في العالم، وكيف حلّ بابا الفاتيكان هذا الصراع، عندما قسم العالم كله بين الإسبان والبرتغال، فجعل غرب العالم لإسبانيا، وشرق العالم للبرتغال.
- كذلك الحروب الدينية في أوروبا كان سببها صراع المصالح، وليس الدين، وإن تغطت بثوب ديني.
- وحرب المائة عام، وحروب فرنسا وإنجلترا، وحروب هولندا والإسبان، وحروب نابليون وإنجلترا.
- حتى الحرب العالمية الأولى والثانية كانتا بسبب الأطماع على الموارد والمستعمرات في خارج أوروبا
- ولمن لا يُدرك حقيقة الحربين العالميتين الأولى والثانية، فخلاصتها أن ألمانيا كانت تريد من فرنسا وبريطانيا حصتها من ثروات العالم، وبعد انتصار بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الأولى، قامتا باقتسام الشرق الأوسط بينهما بمعاهدة المعروفة "سايكس بيكو"، ومنعتا ألمانيا من الحصول على أي شيء، وتمّ حصار وتقييد ألمانيا وفق معاهدة "فرساي" (وليس زيورخ)، التي وضعت ألمانيا في وضع سيئ ومهين، فالفقر والفساد حلّا في ألمانيا، وتلك المعاهدة خلقت أرضية خصبة لصعود هتلر الذي رفض هذا الوضع السيئ لألمانيا، وأعلن الحرب العالمية الثانية.
- وبالرغم من أن ألمانيا وإيطاليا وبقية دول المحور خسرت الحرب العالمية الثانية، وقيام الدول المنتصرة بإعادة اقتسام العالم بين المنتصرين، لكن المنتصرين في الحرب قرروا عدم تكرار نفس الخطأ السابق في الحرب العالمية الأولى لمنع قيام أي حرب في المستقبل، فقاموا بعمل مشروع مارشال، وإعمار أوروبا، وربط اقتصاد المنتصرين باقتصاد الدول المنهزمة لضمان نهوض تلك الدول، وبنفس الوقت يصعب على الدول المنهزمة الخروج من المسار السياسي للمنتصرين.
حلول أوروبا لمشكلتها الجيوسياسية
- عند إعادة قراءة تاريخ أوروبا، سنجد أن هناك محاولات عديدة لتوحيدها للتخلص من مشكلتها الطبيعية والجيوسياسية، ولكن كل تلك المحاولات فشلت.
- حاولت روما توحيد أوروبا، والكنيسة حاولت، ونابليون حاول، وكذلك هتلر، لكن كل تلك المحاولات فشلت، وأهم سبب من أسباب فشل تلك المحاولات لتوحيد أوروبا هو أن فيها العديد من القوميات.
- وفي الوقت الحالي، هناك محاولة قائمة لتوحيد أوروبا باسم الاتحاد الأوروبي (اليورو)، والتي كانت فكرة ألمانية، وتتحمل ألمانيا المسؤولية الكبيرة للحفاظ على الوحدة الأوروبية.
- وكما ذكرنا سابقًا، فإن أكبر خطر يواجه الاتحاد الأوروبي هو الفكر القومي، وصعود أحزاب اليمين المتطرف، وصعود خطاباتها وشعبيتها في أوروبا.
- لا بدّ لنا من توضيح نقطة أجدها ستفيدنا في موضوعنا، وهو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
- بريطانيا ليست في وضع جيد مع ألمانيا، حتى لو كان الطرفان يخفيان هذا الأمر. لو ركزتَ جيدًا على مواد الإعلام الألماني، وقارنتها بمواد الإعلام البريطاني، فسوف تجد حربًا خفية بين الدولتين. فعندما تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، فهذا يعني أنها تدفع دولًا أخرى للقيام بنفس الخطوة، وأكثر من هذا أن بريطانيا خرجت بسبب اللاجئين، وكما نعلم فإن مشكلة اللاجئين أصبحت القضية الأولى في أوروبا. أيضًا خروج بريطانيا يعني أنها جشعة وأنانيّة، وتريد أن تستولي على المصالح الخارجية لوحدها بدون مشاركتها مع بقية أوروبا. وهذه هي النقطة الأهم، بأن بريطانيا خرجت ليس بسبب أن الاتحاد الأوروبي مشكلة لها، بل خرجت من أجل الذهاب إلى الشرق الأوسط لوحدها من أجل استعادة تُركتها القديمة بعد انسحاب أمريكا من المنطقة.
- أعلم بأن الكثير سيقول: لكن الشعب البريطاني هو من قام بتلك الخطوة، وصوّت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهذا قرار شعبي ويجب احترامه، وهذا ينفي الكلام السابق.
- النظام الديمقراطي أكبر خدعة، هو مجرد نظام لجعل الشعب يشعر بأنه مشارك في صنع القرار السياسي وإدارة الحكم، وإعطاء شرعية شعبية لأي خطوة سياسية مقبلة، وحتى لا تشعر الشعوب بالملل والروتين. قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي قرار استراتيجي خطير، ولا يمكن لبريطانيا أن تتخذ تلك الخطوة الخطيرة بناءً على تصويت شعبي يصوّت من منطلق اعتبارات ساذجة ومُضحكة، فأكثر المصوتين البريطانيين صوّتوا على الخروج بسبب أن البولنديين يتحرشون جنسيًا بنسائهم! وللتأكد، دعونا نقرأ تسلسل الأحداث بدقة. في نهاية عام 2014، قامت بريطانيا بتغيير استراتيجية الأمن القومي لها، وهذه الخطوة جدًا مهمة وخطيرة، والتي الكثير لا يُدرك معناها الحقيقي. إنها خطوة كبيرة في أي بلد، وتعني أن بريطانيا ستعمل انقلابًا كبيرًا في سياستها، وتستعد للقيام بخطوة كبيرة. خروج بريطانيا كان لأجل إسرائيل والسعودية والشرق الأوسط. هذه هي الحقيقة، فأمريكا تنسحب من المنطقة، وستخلف تُركة كبيرة في الشرق الأوسط، وبريطانيا تريد الحصول على تلك التركة.
- ملاحظة: هل تتذكرون تصريح نتنياهو عندما قال إن الهولوكوست لم تكن فكرة هتلر، بل كانت فكرة إسلامية من قِبَل الشيخ الحسيني في فلسطين، هو من وضعها لهتلر؟ هل تتذكرون ماذا كان رد ميركل على هذا التصريح؟ ميركل كانت ذكية، وفهمت الرسالة الخفية من تصريح نتنياهو، وقالت: "لا تلعب بالتاريخ، ونحن نعلم جيدًا من قام بالهولوكوست". كيف يُمكن فهم تصريح نتنياهو؟ ما أسباب ذلك التصريح في هذه الفترة؟ ولماذا ردّت ميركل بتلك الطريقة؟ ماذا يعنيها؟ مع أنه من المفروض أن تكون سعيدة لأن هذا التصريح الرسمي يُخلّص ألمانيا من جُرم تاريخي ما زالت تدفع تعويضاته لحدّ اليوم؟
- إنها أول مرة في تاريخ إسرائيل تُصرّح بهذا التصريح الغريب والخطير جدًا، هذا التصريح الخبيث كان موجّهًا نحو الشعب الألماني وبقية الشعوب لأجل زيادة شعبية اليمين المتطرف بعد نفي تلك الجريمة عنهم. هذا يعني أن الفكر القومي لا يتحمّل تلك الجريمة، بل المسلمون، وبالتالي سيقود اليمين المتطرف نحو عدو وهمي (المسلمون واللاجئون) ليكون هو شعار حملاتهم الانتخابية ورفع حظّهم في الفوز في الانتخابات.
- إذًا من مصلحة إسرائيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والعودة إلى الشرق الأوسط، بعد انسحاب أمريكا من المنطقة، وتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع السعودية لحمايتها خصوصًا وهي في حرب مفتوحة مع اليمن، لأن السعودية هي مُديرة مشروع إسرائيل في المنطقة، وقمة المنامة بين دول الخليج ورئيسة وزراء بريطانيا، وخروج تيريزا ماي بتصريح "أمن الخليج أصبح من أمن بريطانيا أكثر من أي وقت سابق" يؤكد ذلك.
- هل تتذكرون حملة ترامب وبعض الجمهوريين في الانتخابات، وتصريحاتهم المُعادية للاجئين والمسلمين بشكل غير مسبوق في تاريخ أمريكا؟ هل سألتَ نفسك لماذا؟ الحقيقة أن تلك التصريحات لم يكونوا يعنيونها جيدًا، بمعنى آخر كانت تصريحات موجّهة نحو أوروبا، ولم تكن نحو الداخل الأمريكي لإحراج أوروبا، كان المقصود منها رفع شعبية اليمين المتطرف في أوروبا، كيف؟ عندما تقوم أعظم دولة في العالم، والدولة الديمقراطية الأولى، وقائدة حقوق الإنسان في العالم بتبنّي هذا الخطاب والتصريحات، فإنها ستعطي الآخرين الشجاعة في تبنّي مثل تلك التصريحات، وكسر الحاجز الذي يمنع أحدًا من قول مثل تلك التصريحات.
- أمريكا تُريد رفع شعبية اليمين المتطرف، وتُريد أن تُفكّك أوروبا كي تستطيع أن تقودها بخطاب جديد، فأمريكا غاضبة من أوروبا لأنها خسرت الكثير لحلفائها بدون أن تحصل على ثمن.
- كذلك تركيا مُشاركة في محاولة إفشال الاتحاد الأوروبي بسبب مشكلة اللاجئين، فهي تعمل على تدفق اللاجئين، وتستغل هذه المشكلة في انتزاع موافقة أوروبا على انضمام تركيا إليها، وهذا هو سرّ السياسة الغاضبة الألمانية تجاه تركيا.
ألمانيا وأوروبا
- ألمانيا لا تستطيع العيش بدون أوروبا واحدة، لذلك ألمانيا تملك الحُمولة الأكبر في الحفاظ على الاتحاد الأوروبي، وأكثر من تخاف من تفكك الاتحاد الأوروبي لأنه يعني عودة نفس وضعها قبل الحرب العالمية الثانية، وعودة الصراعات في أوروبا، فستُصبح ألمانيا ضعيفة خصوصًا أنها دولة لا تملك نفوذًا في العالم كما هو حال بريطانيا وفرنسا وأمريكا، ولا تملك مُستعمرات قديمة مثل حال بقية الدول. بريطانيا تستطيع العيش بدون أوروبا، كذلك فرنسا نوعًا ما، لكن ألمانيا لا يُمكنها ذلك. حاليًا سيكون عدوّ ألمانيا هو كل من يُحاول تفكيك الاتحاد الأوروبي.
- يكمن ضعف ألمانيا في ثلاث نقاط:
- ألمانيا لا تملك قوة نفوذ في العالم كحال بريطانيا أو فرنسا.
- ألمانيا لا تملك سلاحًا نوويًا.
- ألمانيا لا تملك حقّ الفيتو في مجلس الأمن.
- وأهمّ التحديات التي تواجهها ألمانيا: الحفاظ على الاتحاد الأوروبي، ووقف النزعة القومية المُتطرفة في أوروبا.
تاريخ أوروبا مع المنطقة
- منذ القدم وحتى اليوم، وطبيعة علاقة أوروبا مع المنطقة قائمة على الغزوات والهجمات العسكرية المُتكررة... لاحتلالها، ونهب ثرواتها ومواردها، ومُحاولات لاستيطانها، مهما اتخذت تلك الهجمات من أشكال مُختلفة. باسم توحيد العالم، أو روما، أو صليبية، أو حملة نابليون، أو الاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي والإسباني، وإنشاء الكيان الصهيوني، وحاليًا باسم نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ومُحاربة الإرهاب.
* أما طبيعة علاقة المنطقة مع أوروبا، فكانت قائمة على مُقاومة أوروبا والدفاع عن المنطقة.
حقّنا في فلسطين
* لماذا فلسطين دون غيرها؟ السبب هو جيوسياسي بالتقاء المنطقة بأوروبا. ففكرة احتلال الشام قديمة جدًا في أجندة أوروبا، الشام منطقة التقاء حضاري، وهي مركز ديني، فالقدس في وعي المسلمين والمسيحيين واليهود مُقدّسة، ولهذا السبب فكّر الصليبيون بفكرة احتلال الشام، وفكّر الإسبان، وفكّر نابليون أيضًا... لأن المنطقة تُحكم من فلسطين.
* لذلك... يجب أن يتخلّص سكان المنطقة من تلك الفكرة التي زُرعت في عقولنا بأن إسرائيل مشروع حديث بدأ من مؤتمر هرتزل... إسرائيل مشروع استراتيجي قديم جدًا للغرب، وقد اتخذ أشكالًا عديدة عبر التاريخ، حتى وصل للنموذج والشكل الحالي... إسرائيل حاليًا.
* وعليه، فعلينا أن نُدرك حقيقة جيوسياسية ثابتة:
* إذا سقطت فلسطين كحقّ لنا... ونجح الغرب في تثبيت روايته التاريخية المُزوّرة، ونجح في تثبيت زمنه الوهمي كشرعية للتواجد... فأوروبا ستكتسح المنطقة، وسيستوطنونها في هجرة كبيرة كما استطاعوا استيطان قارات أخرى... وستكون إسرائيل هي المُحاولة الناجحة الأخيرة للغرب بعد مُحاولات سابقة فاشلة.
* لن ينتهي صراعنا مع أوروبا، ما دامت أوروبا قارة صغيرة وفقيرة بالموارد، وفيها قوميات عديدة، لأنه لا حلّ لسكان أوروبا إلّا الخروج منها، وغزو ونهب الشعوب الأخرى، واحتلال أراضٍ جديدة بأيّ ثمن، وبالتالي سيستمرّون بغزونا، ولا خيار لدينا إلّا المُقاومة... أو هناك خيار ثاني، وهو الهجوم عليهم، لأن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجمعية العامة للأمم المتحد تعتمد قرارا يطالب بوقف فوري لإطل


.. مشاهد جوية للأنقاض بعد غارات إسرائيلية على مركز البحوث العلم




.. الدفاع المدني السوري يطلب تدخلا أمميا لتحديد مواقع سجون الأس


.. اكتشاف نفق سري ضخم تحت الأرض قرب مدينة القطيفة بريف دمشق




.. لهذا السبب.. أميركا تعلن بقاء قواتها في سوريا | #أميركا_اليو