الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
سيد درويش... رائد الأغنية الوطنية
فهد المضحكي
2024 / 11 / 16سيرة ذاتية
يُعد سيد درويش من أهم الموسيقيين العرب على مدار التاريخ، فهو في نظر الكثير من الباحثين مجدد الموسيقى العربية، وأطلق عليه «فنان الشعب»، والتحق في الخامسة من عمره بأحد الكتاتيب ليتلقى العلم ويحفظ القرآن، وبعد وفاة والده وهو في السابعة من عمره، قامت والدته بإلحاقه بإحدى المدارس، وبدأت تتضح موهبة درويش الفنية من خلال مدرسته وحصة الموسيقى.
كثيرة هي الكتابات التي تناولت شخصية سيد درويش الوطنية والفنية، ومن بينها الكاتب والناقد المصري محمد عبدالرحمن، إذ يشير في مقال نُشر على موقع «اليوم السابع،» إلى أن سيد درويش شهد بوادر الثورة المصرية في عام 1919، واستطاع في تلك الفترة أن يكون لسان حال الثوار، ومغذي روح النضال والمقاومة الشعبية ليصنع حماسة في نفوس المصرين لمواصلة الثورة ضد الاحتلال، والمطالبة بعودة زعيمه سعد زغلول ورفاقه من المنفى.
وينقل لنا عبدالرحمن عن كتاب «وجوه مضيئة في الأدب والفن» للكاتب عبده الزراع، عندما إندلعت ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني، من أجل الاستقلال، كان الشيخ سيد درويش يتصدر الجماهير في قلب المظاهرات والمسيرات، يقف مرفوع الصدر داخل العربة الحنطور، وبجواره بديع خيري، وهو يهتف بصوته الجهوري، بحياة الوطن والشعب والاستقلال التام أو الموت الزؤام، فيلهب حماس الجماهير، وكانت أغالي سيد درويش بمثابة منشور سياسي يغنيها الناس فور انتهائه من تلحينها، فكان بمثابة صحوة الضمير الوطني الذي يحرك الشارع المصري آنذاك.
في حين يخبرنا الكاتب أحمد البهى، أن الصدفة لعبت دورها في حياة سيد دروش عندما سمعه الأخوين أمين وسليم عطا الله وهما من أشهر المشتغلين بالفن آنذاك، وقرّرا أن يصحباه برفقتهم في رحلتهم الفنية إلى الشام عام 1909، وهناك تعرف على الشاعر عثمان الموصلي، الذي إعجب بموهبته الفنية الكبيرة وقرر أن يرعاه فنيًا، فحفظه التواشيح وعلمه الكثير من علمه.
في عددها 95 لشهر سبتمبر 2024، نَشرت مجلة الشارقة الثقافية رأيًا للدكتورة رانيا يحي تذكر فيه أن الملحن والمطرب العبقري المصري موسيقار الشعب سيد درويش حطم الأغلال التقليدية التي كانت تقيد الموسيقا والغناء، ونقل الموسيقا المصرية والعربية نقلة كبيرة. نشأ نشأة دينية وأجاد تجويد القرآن. لكنه ما لبث أن تحوّل إلى التلحين والغناء، والعمل في المقاهي والحفلات لإعانة أسرته. سافر إلى سوريا مع فرقه تمثيلية في عامي (1909- 1912م)، وأتيح له أن يدرس الموسيقا والتمثيل على أعلامها. ثم عاد إلى الإسكندرية، وانتقل بعدها إلى مسارح القاهرة، وقد ذاعت شهرته، فعمل بفرقتي (جورج أبيض)، و (سلامة حجازي )، ثم استقل بفرقته الخاصة. وقد ترك تراثًا خالدًا من الألحان والأغاني الجميلة، التي عبرت عن نبض فئات الشعب وحياة طبقات المجتمع المصري. وقد استعان بآلة تسجيل، ليسجل عليها ألحانه، وكانت أغانيه لسان حال الشعب المصري في ثورة (1919). ويكفي أنه واضع لحن النشيد الوطني المصري (بلادي بلادي).
لماذا أطلق على سيد درويش بـ«مطرب الثورتين» ؟ للإجابة على هذا السؤال، يقول الباحث والكاتب محمد فؤاد، حينما بدأت الإرهاصات الأولى لثورة 1919، شعر سيد درويش أنه وجد ذاته وفهم غاية وجوده فسخّر موهبته كاملة لخدمة الثورة والنضال الوطني ودعم حزب الوفد الممثل للثورة برئاسة سعد زغلول، حيث كان ذكر اسمه ممنوعًا بأمر الاحتلال الإنجليزي فقام درويش بغناء عدة أغاني ذكر فيها كلمة «سعد» و«زغلول» في معانٍ مختلفة مثل «يابلح زغلول» وجملة «نيلها جَى منه السعد» في أغنيته الداعية للثورة «قوم يا مصري» والتي تعد أشهر أغنية ثورية في التاريخ.
وخلال أحداث ثورة 1919 والتي استمرت أربع سنوات، شعر سيد درويش بأن الاحتلال يعمل على إجهاض الثورة بإحداث الفتن بين أفراد الشعب وبتهميش الفئات الكادحة منه فغنى أغاني الوحدة الوطنية مثل «الكترة» بعد نجاح الإضراب العام وأغنية «إوعى يمينك» وكذلك غنى للعمال والشيالين والبوابين.
أما بخصوص الثروة الثانية، ففي عام 1923 وبالتحديد في ليلة 10 سبتمبر وبعد سماع خبر الإفراج عن سعد زغلول والوفد المصاحب له وانتصار الثورة قام سيد درويش بالخروج من عزلته بعدد هائل من الألحان التي كان صاغها لأشعار بديع خيري ويونس القاضي وبيرم التونسي خلال فترة اختبائه من مطاردة الإنجليز له، ليهرع إلى المدرسة الإيطالية التي كان يستمع لموسيقاها وهو طفل، وقام بتحفيظ الألحان لكورال المدرسة ليتم استقبال سعد زغلول على ميناء الإسكندرية بتلك الألحان الوطنية الثورية للاحتفال بانتصار الثورة، واستمرت البروفات بطول اليوم حتى أصابه الإرهاق بسبب ذلك المجهود المُضني لينتقل إلى بيت عائلته في نهاية اليوم ويتوفى في نفس وقت وصول سعد زغلول والاحتفال بنجاح الثورة في الميناء لتكون أكبر جنازة وأجمل وداع للموسيقار خالد الذكر «السيد درويش البحر» بلحنه «مصرنا وطننا سعدها أملنا، كلنا جميعًا للوطن ضحية». وهو الذي قال يومًا ما «حينما يكون الوطن في حالة ثورة، فالفنان الذي لا يُسخّر فنه لتلك الثورة هو فنان (فالصو)».
في حوار أجرته معه مجلة «المجلة» يقول حفيد سيد درويش، محمد حسن درويش، إن ألحانًا للموسيقار محمد عبدالوهاب وغيره من كبار الملحنين تم اقتباسها من جده بشكل تجاوز المسموح به في بعض الأحيان. وأضاف أن جده أيقونة ثورة 1919 مات مسمومًا بزيت الزرنيخ الذي وضعه له الاحتلال الإنجليزي للتخلص منه عقابًا على تأجيجه لثورة المصريين بأغنياته، نافيًا شائعة موته بسبب جرعة مخدرات زائدة. مؤكدًا على أن الفيلم الذي قدمه كرم مطاوع مع هند رستم للسينما عن قصة حياة فنان الشعب قد أساء لجده وشوه صورته، وهو ما دفع أسرته لرفع دعوى قضائية ضد صناع الفيلم. وفي هذا الحوار أشار إلى صداقة سيد درويش بفناني عصره أمثال بديع خيري ونجيب الريحاني وعلي الكسار وبيرم التونسى.
كان سيد درويش يغضب لكرامته وليس من أجل المال، كان يمشي ذات مرة في شارع عماد الدين (وسط القاهرة) ولفت نظره محلات ومسارح تعرض رواياته دون أن يعلم، بينما كان هو ومؤلف الكلمات بديع خيري لا يملكان ثمن وجبة عشاء آنذاك، فقال لبديع: «ألحاني وأعمالك تذاع عند ناس آخرين ويكسبون منها كثيرًا ونحن لانملك ثمن عشائنا». وفي مرة أخرى كان سيد درويش بحاجة للمال فأخذ بعضًا من ألحانه والنوت الخاصة بها وذهب لشركة الإسطوانات، فعرضت عليه عشرة جنيهات، وعلى الرغم من احتياجه للمال، لكنه رفض العشرة جنيهات واعتبرها إهانة لموسيقاه التي كان يرى أنها تستحق أكثر من ذلك المبلغ بكثير، فانفعل وأخذ يقطّع في النوته الموسيقية وهو يقول: «مزيكتي لا تباع بهذا الثمن البخس».
و أما عن سر خلود أسم سيد درويش بعد مرور ما يقارب من قرن على رحيله. يقول الحفيد، لقد خرج سيد درويش من أسلوب التطريب إلى الغناء القومي الوطني وكان وطنيًا متعايشًا مع مشاكل وأعباء الشعب المطحون مع المحتل- وقتها - استقبل الناس ألحانه بترحيب شديد ولذلك لقبوه بفنان الشعب. لقد درس بالمعهد الإيطالي قديمًا وتعلم هناك كتابة النوتة وكذلك الغناء الإيطالي والأوبرالي، حيث كان يذهب لحضور الأوبرات العالمية، ولذلك نجح في تطوير موسيقاه كما نمى ذلك قدرات أخرى لديه منها القدرة على تلحين الأويريتات الكبيرة. وبلغ إبداع سيد درويش قمته في التوزيع والتلحين المسرحي من خلال رواية شهرزاد وهي الرواية التي خسر فيها ماديًا وباع نصف البيت من أجل الإنفاق على متطلباتها، وكان ذلك في آخر أيامه. ويضيف الحفيد، التوزيع والألحان التي قدمها سيد درويش في «شهرزاد»: نتحدى بها الألحان الغربي، كما أنه أول من وضع البوليفونية في الموسيقى الشرقية.
عاش سيد درويش ما بين عامي (1892 و1923)، أي أنه مات في قمة شبابه عن عمر 31 سنة، وعلى الرغم من وفاته في هذه السن الصغيرة إلا أنه استطاع خلال تلك الفترة أن يحدث ثورة في عالم الموسيقى بمصر والعالم العربي وتأثر به الكثير من الفنانين.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. البرلمان الأوروبي يطالب الجزائر بالإفراج عن الكاتب بوعلام صن
.. قائد أفريكوم يكشف الغاية من مذكرة التفاهم بين الولايات المتح
.. المغرب يفتح حدوه البرية مع الجزائر لاستلام 34 مغربيا
.. المغرب: عودة لداء الحصبة في البلاد وتسارع في ارتفاع الحالات
.. روما تبرّر طرد آمر جهاز الشرطة القضائية في ليبيا