الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين النصر الأخلاقي والعسكري للثورة السورية

ثائر أبوصالح

2024 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


تثبت الأحداث في سوريا من جديد ما تؤكده الثورات عبر التاريخ؛ أن من ينتصر اخلاقياً ينتصر عسكرياً حتى لو طال الزمن، هذا ما حصل في الهند على يد غاندي، وهذا ما حصل بجنوب افريقيا على يد نيلسون مانديلا، واليوم نتمنى أن يحصل في سوريا؛ فالقضية السورية قضية أخلاقية من الطراز الأول؛ مفادها الخلاص من الاستبداد والفساد، وقيام دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق وكرامة السوريين. فقد خرج السوريون في آذار من عام 2011 ضد الظلم والدكتاتورية، وطالبوا بالحرية، ولكن النظام السوري شيطن الثورة من خلال اسلمتها، وساهمت دول إقليمية كثيرة في حرف الثورة عن مسارها، فتحولت الى حرب دامية كان نتيجتها قتل مئات الآلاف، وتهجير الملايين من أبناء الشعب السوري الى كل اصقاع الأرض.

اليوم، يعود أبناء الذين هُجروا عام 2011 وكانوا اطفالاً، ليستعيدوا زمام المبادرة، مستغلين الظروف الإقليمية والدولية الجديدة، وينطلقوا لاستعادة بيوتهم واراضيهم، تحت مظلة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، والمصنفة دولياً منظمة إرهابية، والجيش الوطني المدعوم تركياً، هذه المظلة المرفوضة سورياً ودولياً شكلت في بداية العمليات العسكرية اشكالية أساسية في طريقة تعاطي السوريين والتي تمثلت بالريبة والشك بما ترمي اليه هذه الهيئة، ويبدو أن قيادة هيئة تحرير الشام كانت تدرك ذلك جيداً، ولذلك أكدت ان هناك تحولات شكلية وجذرية في تركيبتها وفكرها، فعلى صعيد الشكل اعلن أبو محمد الجولاني الذي تنازل عن هذا الاسم واستبدله باسمه الحقيقي أحمد الشرع، انه سيقوم بحل هيئة تحرير الشام، اما على المستوى الفكري فيبدو انه حصل تغييراً في طريقة فهمهم للآخر المختلف، وباتوا يقبلون بالتعددية ويحترمون التنوع الديني والطائفي والاثني في سوريا.

هذه التغيرات التي أعلن عنها أحمد الشرع كان عليه ان يثبتها عملياً في سلوك الهيئة وليس في التصريحات فقط، فالبيّنة على من أدّعى وهو مطالب بأن يثبت أن التغيير حقيقي وليس تكتيكاً. وكان الامتحان الأول عند دخول حلب وطريقة تعامله مع السكان بشكل عام والمسيحيين والأكراد بشكل خاص، ويبدو أن الهيئة نجحت في الامتحان الأول بشهادة سكان حلب، وتكرر الامتحان في حماة عند دخول السلمية ذات الأغلبية الإسماعلية، وكذلك نجح في الامتحان بشهادة اهل السلمية، وقد شجعت القوى المتقدمة الجنود في جيش النظام على الانشقاق وعاملتهم بطريقة محترمة مما شجع الانشقاقات الآخذة بالاتساع بين صفوف جيش النظام، هذا إضافة الى البيانات التي صدرت عن الهيئة من تطمين لكل مكونات الشعب السوري، وخصوصاً الطائفة العلوية والتي تعتبر الحاضنة الشعبية للنظام، مع ان هناك قسم لا يستهان به من الطائفة العلوية لا يؤيد بشار الأسد.

ان استقبال الشعب السوري بكل طوائفه لقوات ردع العدوان يعد مؤشراً ايجابياً لما يعكسه من توق للخلاص من هذا النظام الفاسد، ولا يخفى على أحد، أن السوريين يقولون في سرّهم، انه وفي أسوأ الأحوال، ومهما بلغ السوء في هذه القوى، فلن يصلوا حتماً الى مستوى الإجرام والفساد الذي وصل اليه هذا النظام، فكيف وأنهم يرون منهم تعاملاً راقياً وداعماً بكل المقاييس. ان منظر فتح السجون في المحافظات المختلفة، رغم ما فيه من عدم مهنية في قضية التفريق بين السجين السياسي والسجين الجنائي، تكفي لتعطي الأمل للسوريين أن هناك فجراً جديداً بدأ بالبزوغ.

ان تجاوب المحافظات الأخرى مع هذا الحدث، يشكل ايضاً مؤشراً ايجابياً آخراً من حيث اتساع رقعة المحرر من تواجد النظام من جهة، ومن حيث ايمان السوريين بأن التغيير حقيقي وفرصة لا تفوّت للخلاص من هذا النظام، وما يتبعه من ميلشيات إيرانية عاثت فساداً وقتلاً في سوريا منذ عام 2011، فهبّت محافظات درعا والسويداء والقنيطرة واخرجت قوات النظام من حدودها الإدارية، واعلنوا عن قيام غُرف عمليات في الجنوب، وبدأت تخطط للتوجه باتجاه دمشق ليتم محاصرتها من الجنوب والشمال بعد سيطرة قوات ردع العدوان على محافظة حمص لإسقاط النظام بشكل نهائي. وبالتوازي خرجت قوات الجيش الحر والتي تشرف عليها القوات الأمريكية المتواجدة في التنف على الحدود العراقية السورية باتجاه تدمر لضمان عدم تحرك داعش المتواجدة شرقي حمص.

لا شك، ان التعامل مع الساحل السوري والذي تسكن فيه اغلبية علوية هو التحدي الأكبر والأهم لهذه القوى، فعلى هذه القوى اقناع الطائفة العلوية بالتخلي عن هذا النظام الفاسد والذي استغلهم من اجل البقاء على الكرسي غير آبهٍ بما حل بهم، حيث خسرت هذه الطائفة أكثر من مئة ألف شاب من شبابها في هذه المحرقة التي افتعلها هذا النظام للبقاء في السلطة. ان تخلي الطائفة العلوية عن هذا النظام يأتي من خلال الحوار والتطمين، وعدم تحميلهم مسؤولية جرائم النظام، والتأكيد على العدالة الانتقالية، من خلال محاكمة كل من تلطخت يداه بدماء السوريين من كل الطوائف، في محاكمة عادلة وحضارية. ان النجاح في هذه المهمة يمنع من النظام اشعال حرب طائفية تدمر البلاد وتقتل العباد، ولا شك انه سيجرب افتعال حرب من هذا النوع، لعلها تشكل بالنسبة له طوق نجاة، غير آبه بالخسائر سواءً على مستوى الطائفة العلوية أو من الشعب السوري عامة.

اما الامتحان الأكبر لكل القوى على الساحة السورية بعد سقوط النظام، والذي يبدو قريباً، يتمثل بمدى قدرة هؤلاء على إدارة سوريا، من خلال تشكيل مجلس حكم انتقالي يسعى الى صياغة دستور جديد للبلاد، والتحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية، والأهم من كل ذلك الاتفاق عل شكل النظام القادم الذي يجب أن يبنى على اسس علمانية، مدنية، ديمقراطية، والسؤال الملح هل ستقبل هذه القوى بهذه المبادئ ام سنقلب عليها؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثائر ابو صالح
جلال عبد الحق سعيد ( 2024 / 12 / 7 - 22:34 )
مساء الخير
كتبت تقول
ولكن النظام السوري شيطن الثورة من خلال اسلمتها
هذه مغالطة واضحة
المتأسلمون هم الذين ركبوا موجة الثورة وفقا للمخطط المرسوم
ليس في سورية فقط بل في مصر وليبيا وتونس واليمن
وبذلك انتفت عنها صفة الثورة
تحياتي

اخر الافلام

.. بعد تأجيل الزيارة مرات عدة: هل سيزور العاهل المغربي فرنسا قر


.. إسبانيا: الإفراج المشروط عن شرطي إسباني في مدريد تسبب في وفا




.. بعد تعثر رحلتها في ليبيا: قافلة الصمود المغاربية لكسر الحصار


.. ما هي مبادئ -دعاية الحرب-؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. إسرائيل تترقب هجوما واسعا.. فهل يدخل وكلاء إيران على خط الرد