الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا يريدون لصدّام أن يموت؟

سعد الشديدي

2007 / 1 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


مات صدام حسين. الرجل الذي أثارت تفاصيل موته جدلاً كبيراً لا يقل عن ذلك الذي أثارته تفاصيل حياته وما نتج عنها من كوارث سنبقى، نحن العراقيون، نسدد فواتيرها لعقود مقبله. وكما أراده البعض بطلاً في حياته صنعوا منه بطلاً في مماته. أذ على الصورة، التي كان يلّفها النقص والغموض دائماً، أن تكتمل.
الفرق بينه رمزاً وهو على قيد الحياة وبينه بعد أن ألتف حبل المشنقة حول عنقه يكمن في قدرته حياًعلى تحقيق ما يريده هو، أما بعد موته فهو في لعب الدور الذين يريد الآخرون له أن يلعبه. وجميعنا يعرف ما الذي كان صدام حسين يريده، ما هي أهدافه وكيف كان يسلك ليضرب ضربته ويصل الى ما يريد.
ولكن هل نعرف كيف سيستخدمه الآخرون بعد أن أعتلى منصة الأعدام، ما هي اهدافهم حقاُ وكيف سيصلون لها بتجييرهم أسمه ومواقفه وتاريخه السياسي الذي يمتدّ لأكثر من أربعين عاماً ؟
أكثرية من المراقبين والصحفيين والمحللين السياسيين العراقيين، العرب والأجانب يقطعون بما لا يقبل الشكّ بأن صفحة الديكتاتور قد طويت والى الأبد.
ولكن يبدو أن هناك من لايستطيع العيش بدون صدام حسين حياً كان أوميتاً. فمن هم هؤلاء الذين يرغبون بالأستمرار في أستغلال صورة صدام حتى موته؟ ولماذا يفعلون ذلك؟
أنهم في الحقيقة كثيرون ودوافعهم أكثر من أن تحصى.
وقد لا يستطيع أحدٌ أن يحددهم جميعاً ولكن بعضهم يفصح عن أسمه، بل يفضح نفسه، قبل وخلال وبعد حفلة اعدام الديكتاتور ما ظهر منها على شاشات الفضائيات وما خفيّ، ولن يستطيع أحدٌ أن يعرفه إلا ربما بمحض الصدفة أو تقادم المعلومات.
وأولهم المعسكر الذي يؤيد صدام حسين ويعتبره قائداً أطيح به ظلماً وعدواناً. أنهم البعثيون الذين استماتوا في الدفاع عنه،على الأقل في العلن، بعد أسقاطه على يد قوات الأحتلال الأمريكية. وهؤلاء يريدون العودة الى الحكم إن بصدام أو بدونه. من هؤلاء سنة وشيعة ومسيحيون. عرب وأكراد مستعربون، لا فرق، فما يجمعهم هو الهدف بأطاحة النظام الحالي والعمل بأساليب عسكرية على تقويضه. وقد بدؤا بالفعل بإعادة النظر بتراثهم الحزبيّ الذي أمتد لأكثر من 35 عاماً وأكتشفوا أن نقطة الضعف في هذا التراث تكمن في وجود صدام حسين على قيد الحياة في الظروف الراهنة. فأكثرية ساحقةً من العراقيين تشعر بالرعب من مجرد التفكير بعودة صدام حسين وحروبه ومجازره وتصفياته لرفاقه وخصومه. وكان صدام حياً يشكّل عائقاً أمام البعثيين لتحقيق هدفهم لأستعادة السلطة في العراق. ولا يستطيع أحد الأدعاء بأنهم جميعاً قد شعروا ببعض الراحة من التخلص من العقبة الكبرى التي تمنع عودتهم الى تسلّم مقاليد الحكم. ولكن أكثرهم قد يتفقون على أن صدام حسين ميتاً أكثر فائدةً لهم منه حياً. وقد قدم لهم شريط الفيديو المصوّر من زنزانة الأعدام مادة دسمة يستطيعون من خلالها تحقيق أكبر قدر من الفائدة اذا ما أحسنوا استخدامه. هذا المعسكر سيعمل على جعل صدام حسين أسطورة لا تنضب لأثارة المشاعر لدى جميع البعثيين السابقين الذين تركوا العمل السياسي من باب التقية السياسية ومن ثمّ تأجيج المعركة العسكرية مع قوات الأحتلال الأمريكية وقوات النظام العراقي الحاليّ. أنهم بحاجة "لأستشهاديين" جدد يسيرون على نهج الرمز الذي وقف على منصة الأعدام "دونما خوفٍ أو وجل".
أما المعسكر الثاني فهو أعداء الديكتاتور. ومنهم الأحزاب "الشيعية". وقد يبدو من المهم التنويه بأن صدام حسين يمثل لهذه الأحزاب ما يمثله يزيد بن معاوية، قاتل الأمام الحسين (ع)، لمنهج التشيع. فلا تشيع بدون يزيد. فلكي يبقى التشيع يجب على يزيد أن يبقى. وحتى تظلّ صورة الجريمة ماثلة في الأذهان علينا أن نُبقي على صورة المجرم. وهذه الأحزاب التي أرتدت رداء التشيع لا تستطيع العيش دون صدام حسين، ولو ميتاً. وهو ميتاً أفضل منه حياً وإن كان سجيناً، لأنهم كانوا يشعرون بأن عودته الى الحكم أكثر من ممكنة. فلا يعرف أحد كيف ستسير الرياح بعد أن أثبتوا أنهم مجرد هواة سياسة لم يستطيعوا قيادة العراق رغم الدعم اللامحدود الذي تقدمه لهم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها. ومن يتتبع ردود أفعال هذه الأحزاب بعد أعدام صدام حسين عليه أن يدقق في الطريقة التي أختاروها "للإبقاء" على الديكتاتور حياً في أذهان العراقيين. ويمكن مراجعة المقال الذي نشرته ووزعته مواقع شيعية لتصريحات جنرال أمريكي يوضح فيها الساعات الأخيرة من حياة الديكتاتور ويصفه بالضعف والأنهيار، وكذلك المقال الذي يتحدث عن تحولات في وجه صدام بعد موته وأنبعاث رائحة من نوع خاص من قبره بعد دفنه. الأمر الذي يعني أنهم لا ينوون طي صفحة صدام حسين وسنوات حكمه ولا يريدون لأحد نسيانه لأنهم بذلك أنما سيحفرون قبورهم بأيديهم فوجودهم مرتبط بوجود الديكتاتور تماماً كما ترتبط مأساة الأمام الحسين بيزيد بن معاوية وبالأمويين. وسنرى في الأسابيع والأشهر القادمة أستغلالاً كبيراً لصدام حسين من قبل هؤلاء والعمل على أستمرارية تقديم صورة للديكتاتور المعدوم معبأة بزجاجات من التدين بمساعدة قوى ما فوق الطبيعة التي لا يستطيع أحد من ذوي العقول التشكيك بها، لأنه سيعرض نفسه لغضب الله وأوليائه والميليشيات التي تعمل من وراء حجاب.
وأخيراً فأن ضربة "المعلم" التي لا تدانيها ضربة في موت الديكتاتور كانت تلك التي حققها الأمريكان. فقد أستطاعوا أستغلال موته بنفس الذكاء والمقدرة التي أستغلوا فيها حياته. وأثبتوا أنهم كانوا مصممين على الأستفادة من الرجل حتى اللحظة الأخيرة. وأنهم ربما سيستغلون تفاصيل موت صدام ليضربوا وبيد من فولاذ ليقضوا على أحد أعداءهم. فالفيديو الذي تسرّب من زنزانة الأعدام دقّ أسفين لا يمكن الخلاص منه بين ما يسمى "بالجماعات السُنية" وتيار آل الصدر. فبعد أن تمّ عزل تيار آل الصدر عن قوى وأحزاب الأئتلاف الشيعي العراقي من الناحية السياسية وتوجيه ضربات عسكرية محدودة لهم. جاء الفيديو الذي تمّ تسريبه لحظة الأعدام ليعزل الصدريين وبشكل لا رجعة فيه عمّن يمكن أن يساندهم من الأحزاب والحركات ذات الطابع "السنيّ". وقد يكون صدام قد عجز في حياته على القضاء وبشكل نهائي على ما يسمى بالتيار الصدري فأن الأمريكيين سينجحون بأستخدامهم لتفاصيل موت صدام حسين في تحييد ذلك التيار وعزله نهائياً ثمّ توجيه ضربة له تقصم ظهره. ولا ندري كيف سيستمر الأمريكان بأستخدام أسم وصورة صدام حسين في المستقبل ولكن لا شكّ في أنهم قادرون على تحقيق ما لا يستطيعه غيرهم في هذا الجانب.
بعد كلّ هذا يمكننا أن نتسائل أذا ما كانت صفحة الديكتاتور صدام حسين قد طويت بالفعل أم أن شبحه سيبقى يدور في شوارعنا وبيوتنا لأن البعض لا يريد له أن يموت لا لشئ إلا لأنهم سيموتون بموته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا