الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختلاف الاجتهاد في القضاء الدستوري وأثره على الحقوق الدستورية

سالم روضان الموسوي

2024 / 12 / 19
دراسات وابحاث قانونية


وظيفة القضاء تتمثل في حماية القانون والدفاع عنه ضد ما يطرأ على نفاذه من عوارض، وقواعد المرافعات هي التي تبين كيفية التقاضي أمام المحاكم، وكيفية الدفاع عن الحقوق من حيث رفع الدعوى وإجراءات المرافعة والأحكام الصادرة وطرق الطعن فيها، ومن هذه المهام الجسيمة نجد ان الأهمية الكبرى لتلك القواعد في التطبيق العملي عندما نمارس مهامنا في الترافع بالدعاوى سواء كنا محامين أو أصحاب حقوق أو قضاة وغيرهم،
ويشير احد الكتاب الى ان قواعد المرافعات اذا ما اتسمت بالدقة وحسن التنظيم والصياغة، كانت هذه القواعد فاعلة في تحقيق النظام الاجتماعي والتوازن بين المتقاضين، وعلى النقيض من ذلك اذا ما شاب تلك القواعد التناقض والغموض يؤدي الى الاحجام عن التقاضي وانعدام الامن القضائي، وعلى وفق ما ذكره الدكتور نجيب احمد عبدالله ثابت الجبلي في كتابه الموسوم (الوسيط في قانون المرافعات دراسة مقارنة ـ منشورات مكتبة الوفاء القانونية في الإسكندرية ـ طبعة عام 2014ـ ص14)
اما إذا كانت القواعد الإجرائية تختص بالقضاء الدستوري فان أهميتها تكون أكبر، لأنها تتعلق بالطعن بعدم دستورية النصوص القانونية، فاذا ما اعترى تلك القواعد الغموض وعدم الفهم، سوف يؤدي الى هدر الفرص نحو تنقية المنظومة التشريعية من القوانين التي تخالف الدستور، ومن ثم يبقى الضرر قائم طالما تلك التشريعات نافذة وملزمة للجميع، لان الدعوى الدستورية دعوى عينية تتعلق بخصومة تجاه القانون أو النص القانوني المطعون فيه، وهذا ما يؤكد على ان الضرر عام ولا يقف عند شخص معين،
ويرى العديد من فقهاء القانون وشراحه بان من أثار الحكم الصادر من القضاء الدستوري المتعلق بعدم دستورية النص التشريعي يعتبر مصدر من مصادر القاعدة القانونية وعلى وفق ما أشار اليه الدكتور عصام أنور سليم في كتابه الموسوم (موقع القضاء الدستوري من مصادر القانون ـ منشورات دار الجامعة في الإسكندرية ـ طبعة عام 2018 ـ ص 121) ،
لذلك فان الاحكام التي تصدر عن المحكمة الاتحادية العليا متمثلة باختصاصها الدستوري (الرقابة على القوانين) لها أهمية كبيرة ومؤثرة في مجال حماية الحقوق الدستورية التي اقرها الدستور، وانها ملاذ المتضرر من تلك التشريعات المخالفة للدستور، الا ان الوصول الى الحكم الذي يقضي بعدم الدستورية او الذي يقرر الدستورية للنص التشريعي المطعون فيه لا يكون الا بوجود قواعد مرافعات (؛قواعد إجرائية)، الا ان قانون المحكمة الاتحادية العليا الصادر بالأمر رقم 30 لسنة 2005 المعدل، لم يتضمن أي قاعد إجرائية وانما فوض الامر الى المحكمة ذاتها لإصدار نظام داخلي يحدد كيفية اجراء التقاضي في الدعوى الدستورية، وعلى وفق احكام المادة (9) من القانون التي جاء فيها (لمادة (٩) (تصدر المحكمة الاتحادية العليا نظاما داخليا تحدد فيه الاجراءات التي تنظم سير العمل في المحكمة وكيفية قبول الطلبات واجراءات الترافع وما يسهل تنفيذ احكام هذا القانون وينشر هذا النظام في الجريدة الرسمية)
وعلى اثر ذلك صدر النظام الداخلي عام 2005 ثم استبدل بالنظام الداخلي رقم (1) لسنة 2022 وتضمن قواعد إجرائية تكون الأساس في عملية التقاضي، ومع ملاحظاتي عليه وموقفي من توافقه مع قانون المرافعات، الا انه اصبح امراً واقعا، لا مناص من التعامل معه،
وكان لذلك النظام الداخلي دور في التوجيه بكيفية إقامة الدعوى الدستورية او طلب الحكم بعدم الدستورية، ولاحظنا ان المحكمة في قرار لها بالعدد 210/اتحادية/2024 في 5/11/2024 قد نعت على المدعي بانه لا يجوز له إقامة دعوى مباشرة بالطعن بعدم الدستورية وانما يكون بطلب على وفق احكام المادة (19) من النظام الداخلي، وذلك عندما قضت برد دعوى مدير عام شركة نفط البصرة لإنه يمثل جهة رسمية ولابد ان يكون بطلب وليس بدعوى وان يقدمها الوزير المختص،
وكان لنا تعليق يخالف هذا التوجه للأسباب التي وردت في التعليق المنشور في وسائل الاعلام في حينه، وجاء في الفقرة الحكمية الاتي (عليه ولكل ما تقدم قررت المحكمة الاتحادية العليا ما يأتي: أولا: الحكم برد دعوى المدعي مدير عام شركة نفط البصرة / إضافة لوظيفته بخصوص الطعن بعدم دستورية الفقرة (٤) من المادة (۸۲) من قانون المصارف رقم (٩٤) لسنة ۲۰۰٤، كون المدعي ليس من الأشخاص المنصوص عليهم في المادتين (۹ و۲۰) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (۱) لسنة ۲۰۲۲ الذين يحق لهم الطعن بعدم الدستورية) حيث اعتبرت ان اقامة الدعوى تكون على وفق احكام المادة (20) من النظام الداخلي من (أي من الاشخاص الطبيعية أو المعنوية الخاصة أو منظمات المجتمع المدني المعترف بها قانوناً، الحق في إقامة الدعوى المباشرة أمام المحكمة الاتحادية العليا)
وملخص الادعاء ان الجهات الرسمية لا يجوز لها ان تقيم الدعوى المباشرة، لان اقامتها تكون حصراً للأشخاص الطبيعية والأشخاص المعنوية الخاصة، اما الجهات الرسمية فان المادة (19) من النظام الداخلي حصرت الية الطعن بالتشريعات بطلب وليس بدعوى التي جاء فيها (لأي من السلطات الاتحادية الثلاث والوزارات والهيئات المستقلة ورئاسة وزراء الاقليم والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظين الطلب من المحكمة البت بدستورية نص قانوني أونظام على ان يُرسل الطلب الى المحكمة بكتاب موقع من رئيس السلطة المعنية أو الوزير المختص أو رئيس الهيئة المستقلة أو رئيس وزراء الاقليم أو رئيس وزراء الجهة غير المرتبطة بوزارة أو المحافظ على أن يعلق النص المطعون فيه بمهام تلك الجهات وأثار خلاف في التطبيق)
ومع اننا اشكلنا على هذا الاتجاه في حينه، الا اننا وجدنا ان المحكمة الاتحادية العليا قد أصدرت حكماً جديداً قبلت فيه دعوى مباشرة اقامتها احدى الجهات الرسمية (رئيس مجلس الوزراء) من الناحية الشكلية، بينما في قرارها سابق المنوه عنه في أعلاه، قد حددت بان تلك الجهات ليس لها ان تقيم الدعوى بشكل مباشر وانما بطلب وعلى وفق الالية التي رسمها نص المادة (19) من النظام الداخلي، حيث اشارت الى تقديم الطلب يرسل بكتاب يوقع من الرئيس الأعلى للدائرة او الوزارة وان يتضمن هذا الكتاب تعليق ذلك الرئيس على النص المطعون فيه وماهية تعلقه بمهام تلك الجهة،
وما يتضح لنا بان المحكمة الاتحادية العليا في القرار الجديد قد اهملت ما ورد في المادة (19) النظام الداخلي وجعلت تلك الجهات الرسمية بمنزلة الأشخاص الطبيعية او المعنوية الخاصة، عندما قبلت الدعوى المباشرة المقدمة من رئيس مجلس الوزراء، مثلما قد خالفت اتجاهها الأسبق عندما رفضت دعوى جهة رسمية وحكومية لإنها تقدمت بدعوى مباشرة، وسببت قرارها بان تلك الجهة يجب ان تقدم طعنها بطلب على وفق المادة (19) من النظام الداخلي، وليس بدعوى مباشرة على وفق المادة (20) من النظام الداخلي،
وهذا التباين في الاجتهاد بحاجة الى توفيق بينهما من اجل ان يكون الأشخاص الطبيعية والمعنوية العامة والخاصة على دراية بكيفية الطعن، وكذلك من اجل حماية الحقوق الدستورية، لان هذا التغير في الاجتهاد يصعب الأمر على المحامي أو المستشار عند التصدي لتقديم مشورة قانونية وتراه يتردد كثيراً أو انه يضع أمام من يطلب المشورة بان هذه حتى وان كانت صحيحة ومتيقن منها ومستند إلى قرارات قضائية من اعلى محكمة فقد يتغير الاجتهاد بخلاف ما كان عليه.
مع التنويه الى ضرورة صدور قانون ينظم مرافعات الدعوى الدستورية وكيفية اصدار الأوامر الولائية وتنفيذ الاحكام الصادر في تلك الدعاوى وكيفية إزالة الغموض عند التنفيذ ويكون على شكل مدونة خاصة بالقضاء الدستوري الذي يندرج تحت اختصاص المحكمة الاتحادية في الفقرة (1) من المادة (93) من الدستور والمتعلق بالرقابة الدستورية على القوانين.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يحقق 20 مليون مشاهدة يثير الذعر.. هل تستخدم أميركا محا


.. جمعية الإغاثة الطبية في غزة: القطاع يعيش مأساة حقيقية




.. آخر العواجل | الجوع يهدد سكان غزة بالموت.. وغرفة عمليات سوري


.. الأمم المتحدة: كميات الوقود التي تسمح بها إسرائيل غير كافية




.. ألمانيا تعتقل مسؤولًا ليبيًا متهمًا بارتكاب جرائم حرب