الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الرؤية الاقتصادية... نقطة تحول في تاريخ المملكة العربية السعودية (2)
كاظم الحناوي
2025 / 1 / 4الادارة و الاقتصاد
في كتاب الدكتور عبدالرزاق السنهوري، قال إن الإسلام دين لا دولة؛ وقدّم منهجية لتطبيق الشريعة في البلاد الإسلامية، عبر إنشاء هيئة للشؤون الدينية، وهو يتبين حسب ما ذكر أن الجمع بين التخصصات الدينية والسياسية يؤدي في النهاية كما أثبتت الوقائع التاريخية إلى سيطرة الهيئات السياسية، ولكن السلطتين يجب أن تجتمع في القائد أو الملك، وكان يؤكد أن التقدم العربي لا يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن كما استغرق التقدم الغربي إذا ما وجد القائد القادر على ذلك والواقع يثبت في (التجربة السعودية) أنه قد أصاب في توقعاته؛ إذ إن أهم وأكثر الحركات الإسلامية تطرفا قد تُرَوَّض الآن. ورغم أني قد توقعت قبل عشر سنوات من الآن في قراءتي لمستقبل السعودية أنها تنحو إلى حصر الالتزام الديني بالأماكن الدينية في مكة والمدينة المنورة بنقاشات لا يمكن إخفاؤها، فإن كثيرا من الاستنتاجات قابلة للاستخدام والتطبيق والعبرة في مختلف التجمعات البشرية خارج النسق الغربي، على نحو يؤهلها لتكون قراءة لازمة لكل من يتصدى لعالم ما بعد النفط في الجزيرة والخليج العربي.
الصدمة والإمتاع
وبعكس الرؤية التي وضعها الأمير محمد بن سلمان الذي يصعب عبوره أحيانا على غير المتخصص وغير المطلع على المناخ التاريخي الذي وضع في إطار هذه الرؤية، فإنها حققت الصدمة والإمتاع معا. خذ مثلا موسم الرياض والمشاركين فيه. فإن لا أحد قادر على جمع هكذا عدد من النجوم في المجتمعات الغربية الأكثر تحضرا اليوم حيث يقول عنه المتضررون والمعادون لهذه الرؤية إنه نوع من هذر فارغ ذي مضمون سلبي، ومضيعة للوقت...
لكن الرؤية تقول إن فكرة فك أسر النساء مسألة في غاية الأهمية لديمومة المجتمعات البشرية، إذ هن بما يصفه الوهابيون بالثرثرة يصغن ذاكرة المجتمع، وينقلن ثقافته الجمعية عبر الأجيال، ويسجلن التاريخ الذي غالبا ما يسهو التاريخ الرسمي عن تسجيله، ويشكلن بذلك هوية المجتمع وشخصيته وحكمته وخبراته المتوارثة.
أما على الصعيد العملي، فإن تلك الأحاديث تبقى وسيلة بقاء وتضامن بين النساء، يتبادلن فيها الأفكار، وتفسير السلوك الاجتماعي للآخرين، ومشاركة التجارب المشكلة لوعيهن، بعيدا عن أسماع المتلصصين، هذا دون عظم قيمتها بنقل خبرات الأجيال في العناية بالصحة والأطفال والمنازل.
وتستحضر كتابات المستشرقين بدايات الأحكام القاسية على النساء إلى بدايات الحركة الوهابية، وتورد أمثلة مذهلة من أحكام كانت يفرضها شيوخ الدين والعائلات الثرية، وتقدم صورا مبتذلة عن المرأة المستقلة التي لا تقبل الخضوع للرجل، وتظهرها شريرة سيئة الخلق، وأن الرجل الذي يحترم زوجته، ويتعامل معها بندية لا يستحق لقب الرجولة، وكثيرا ما صورته تلك خطب شيوخ الدين بأشكال مهينة تثير السخرية، بينما وضعت المرأة كعورة داخل إطار الشيطنة والإفساد وقلة الاهتمام بمصالح العائلة.
ولو راجعنا الضربات التي وجهت للأحكام الوهابية منذ تبني رؤية 2030، من خلال التخلي عن نصوص الحركة الأدبية والأهازيج والأحكام (الشرعية)، لتظهر كيف تحولت الكلمة التي تقال في المرأة من وصف سلبي حول منظومة تواصل أساسية إلى صفة إيجابية، مع نشوء الحاجة إلى تفتيت سيطرة الحركة الوهابية على المجتمع السعودي.
الاستثمار في عالم ما بعد النفط
كانت المطالبات النسائية سر المواجهة والتحرر الأخيرة التي دعا لها المجتمع الدولي لرفع الحيف عن نساء كن ضحايا مواجهة العبث الأخلاقي والجنسي في أحكام شيوخ الحركة، بينما أعدت الرؤية لهن اليوم بمستقبل أكثر عدالة.
ولتجنب تدمير التراث الثقافي والتاريخي للسعودية، اعتبرت الرؤية أن تدمير المقابر والأضرحة أمر غير ملزم وواجب على المسلمين، دائما عملية الاهتمام بالتاريخ تكون على حساب الفتاوى المتخلفة، من هنا نجد تركيز الدولة على محاربة الظواهر الوهابية في الشوارع، وجعلهم يطبقون فتاويهم في بيوتهم دون التعدي على القانون، ليرفعوا عنهم شغلهم الشاغل تحقيق وتطبيق الشريعة على الأحياء ومن في القبور، وتجنب بحث قضايا المرأة والجهاد في الخطب، فقد وضعت لهم خطوط حمراء، كما أن الملك أولى بحماية مواطنيه فهو حاكم عليهم والله وليهم في الدنيا ولآخرة.
القسوة التي تعاملت بها الوهابية كانت تثير التساؤل، لذا على الدولة أن تقوم بواجبها الديني والشرعي بإقامة الحد على هؤلاء الخارجين على القانون بغرض ضمان ديمومة الثروة والنفوذ، والاستجابة من الشارع السعودي إنما هي ردة فعل طبيعية للقهر الذي يتعرض له المواطن في مطحنة الأرواح التي تسمى الأحكام الشرعية.
بالطبع، توقعاتنا لنهاية الحركة قبل عشرة أعوام قد تكون لم تدر بخلد العقول التي تشربت بالأوضاع التي كانت قائمة، وتربت عليها، ولم تعتد النظر في أصول الأشياء، لكنه واقع لا بد منه إذا رغب المرء بالخروج من أوهام كهف الوهابية والفورة النفطية والاتجاه نحو الاستثمار في عالم ما بعد النفط والاقتراب خطوة خطوة من الدولة المدنية.
|
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الأعلى في التاريخ..الاحتياطي النقدي كسر حاجز الـ50مليار دولا
.. هل المنافسة في الفردي أشد من القائمة.. وإيه تعليمات الأحزاب
.. الخزانة الأميركية تعلن تعليق عقوبات -قيصر-.. خطوة مهمة لبدء
.. الخزانة الأميركية: تعليق عقوبات قانون قيصر المفروضة على سوري
.. هل يمكن أن تكون الانتخابات العراقية مدخلًا لتغيير اقتصادي؟