الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الغربة في الشمال: صراع الوحدة وانتصار الروح
نادر فتحي خليل
2025 / 1 / 9الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة

الغربة في الشمال: بين متاهات الوحدة وضوء الانتصار
عشر سنواتٍ مضت، وكأنها عمرٌ بأكمله. عشر سنواتٍ وأنا أعيش في أقصى شمال الأرض، حيث كل شيءٍ يغطّيه البياض إلا قلبي، الذي تجمّد وسط هذه الحياة الصامتة، لكنه لا يزال ينبض، متمسكًا بشيءٍ من دفء الذكريات. أعيش هنا، في قبوٍ صغيرٍ تحت الأرض، وكأنني أختبئ من الزمن، من الحرب، من خوفي ومن نفسي.
حين ألقتني الحرب السورية كقطرة ماءٍ شاردة في هذا البرد القارس، لم أكن أعي أنني سأواجه شيئًا أكبر من الجليد الذي يحاصر المكان. لم يكن التحدي في مواجهة الطبيعة القاسية وحدها، بل في مواجهة الوحدة التي تغزل متاهة لا نهاية لها، متاهة تشبه غابات الفايكينغ التي تتشابك أشجارها وتبتلع كل من يحاول الهروب.
كنت كمن يسير في شارع طويل. البيوت من حولي مغلقة، والطرقات صامتة. لا أحد هنا ليكون شرطي المرور الذي ينظم حياتي، ليمنعني من السقوط في متاهة الغابة، متاهة الوحدة، متاهة الغربة. لكنني أدركت أنني الوحيد القادر على الوقوف عند منتصف الطريق، على إدارة إشارات حياتي بيدي.
الوحدة هنا ليست مجرد صمت يحيط بك، بل هي طوفان من الأفكار، من الذكريات، من الندم. كل قرار لم أتخذه في الوقت المناسب، كل فرصة تركتها تفلت مني، كل لحظة ترددت فيها عن قول كلمة أو اتخاذ خطوة. عشر سنوات، كم كبرت فيها، وكم مات داخلي من رغبات كنت أظنها خالدة.
في هذه الوحدة، تعلمت أن أكون مستمعًا لصوت نفسي، ذلك الصوت الذي كنت أهرب منه في زحمة الأيام. تعلمت أن أرى العالم بعينين جديدتين، أن أحاسب نفسي، أن أتحدث مع أحلامي التي ظننت أنها ذابت مع أول شتاء.
ولكن، رغم كل شيء، لم أستسلم. هنا، في هذا القبو البارد، بدأت أجمع شتاتي، قطعةً قطعة. لم يكن انتصاري على الغربة سهلاً، لكنني تعلمت أن الانتصار يبدأ من الداخل، من تلك اللحظة التي تقرر فيها ألا تكون أسيرًا للماضي ولا أسيرًا للخوف.
نعم، مرت عشر سنوات من العزلة، من الصمت، من الحزن. ولكنني الآن أقف على أعتاب السطر الأخير. أعيد كتابة قصتي بيدي، أقف وجهًا لوجه مع خوفي، وأنتصر عليه. لأن الغربة، رغم قسوتها، ليست النهاية، بل بدايةٌ جديدة لمن يجرؤ على المواجهة.
ها أنا هنا، في شمال الأرض، أعلن انتصاري على البرد، على الوحدة، على الفشل. أعلن انتصاري على كل شيء كاد يسقطني. لأنني، في النهاية، تعلمت أن أكون شرطي المرور في حياتي، ذلك الذي يقف عند منتصف الطريق ليمنعني من الضياع في متاهات الغابة.
غدًا، سأخرج إلى النور، وسأبدأ من جديد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هجوم وهجوم مضاد.. هل تتسع المواجهة بين إسرائيل وإيران؟ | #عم

.. إغلاق سفارة إسرائيل بستوكهولم وتعزيز التواجد الأمني

.. أنصار الله: عمليتنا تناسقت مع الهجمات التي نفذتها إيران ضد ا

.. صفارات الإنذار تدوي في مواقع شمال إسرائيل خشية من تسلل مسيرا

.. إيرتون كوستا حاضر مع بوكا جونيور بعد منحه تأشيرة خاصة
