الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس الذي لم ير المسرح

علي دريوسي

2025 / 1 / 15
الادب والفن


في بلد صغير يكتنفه الصخب، وبعد سنوات طويلة من الكفاح، جلس الرئيس "صديق الجولاني" على كرسي الحكم. كان ذلك اليوم مشرقًا في العاصمة، حيث تظاهر المواطنون تحيًة لقائدهم الجديد، الذي استطاع أن يُطيح بنظام ديكتاتوري استمر لعقود.

كان "الجولاني" مختلفًا عن قادة العالم الآخرين؛ رجل بسيط، لكنه يحمل عبئًا ثقيلًا على كتفيه. لقد عرف أن الحرية التي ناضلوا من أجلها ليست سوى بداية الطريق، وأن الأحلام التي رسموها على جدران الثورة لن تتحقق بين ليلة وضحاها.

كان الجميع يعرف عنه أمرًا واحدًا: "ليس لديه وقت لزيارة المسرح". كانت هذه الجملة تتكرر على لسانه في المؤتمرات الصحفية والاجتماعات، وكلما دعاه أحد لحضور عرض مسرحي.

في أحد الأيام، دعاه وزير الثقافة لافتتاح عرض مسرحي يُجسد رحلة الثورة. قال الوزير بحماسة:
"سيادة الرئيس، هذا العرض يروي قصتنا... قصتك! الجمهور ينتظر حضورك بفارغ الصبر."

لكن مالك، الذي كان يجلس خلف مكتبه المليء بالملفات، رفع رأسه وأجاب بابتسامة مرهقة:
"أنا آسف يا صديقي، لكن لا وقت لدي. الثورة لم تنتهِ بعد، والمسرح يمكن أن ينتظر."

تلك الكلمات انتشرت بسرعة في أنحاء البلاد. هناك من تفهم موقفه، وهناك من اعتبره تجاهلًا للثقافة والفنون. لكن الحقيقة أنه كان يعمل بلا كلل، يستيقظ قبل شروق الشمس ليجتمع مع مستشاريه، ويقضي ليله في دراسة الملفات التي تتعلق بإعادة إعمار المدن المنكوبة، وبناء المدارس والمستشفيات، ومحاربة الفساد الذي تسلل لسنوات طويلة إلى كل زاوية في البلاد.

لكن في ليلة من الليالي، قررت فرقة مسرحية ناشئة أن تعرض مسرحية بعنوان "الرئيس الغائب". كانت المسرحية تسخر من انشغال الرئيس المزعوم، وتروي قصة خيالية عن رئيس لا يجد وقتًا للفرح أو الاستراحة. انتشر الخبر كالنار في الهشيم، ووصل إلى الرئيس نفسه.

بدافع الفضول أو الغضب، قرر الرئيس أن يحضر المسرحية سرًا. تنكر كأي مواطن عادي، وجلس في الصفوف الخلفية، مراقبًا العرض. بدأ العرض بنقد لاذع لكن فكاهي، يتحدث عن قراراته، عن انشغاله الدائم، وعن غيابه عن الحياة الثقافية. ببطء، وجد الرئيس نفسه يبتسم، ثم يضحك بصوت مرتفع.

بينما كان العرض يقترب من نهايته، جاء مشهدٌ يعكس شخصية الرئيس في حوار مع مرآة. المرآة كانت تسأله: "هل حقًا لا تملك الوقت؟ أم أنك تخشى أن ترى نفسك؟". شعر الرئيس أن المسرحية قد سبرت أغوار قلبه.

بعد انتهاء العرض، ذهب إلى الكواليس والتقى بالممثلين كاشفاً عن هويته، مشيدًا بجرأتهم وموهبتهم. بينما كان يقف وسط تصفيق الممثلين وطاقم الكومبارس ودهشتهم وسعادتهم بحضوره قال الرئيس مبتسمًا:
"الثورة ليست فقط بندقية وأحلامًا سياسية. إنها أيضًا هذه اللحظات التي تُلهمنا، وتُذكرنا لماذا بدأنا كل هذا من الأساس. شكرًا لأنكم جعلتموني أرى الثورة من زاوية جديدة."

في اليوم التالي، أعلن المكتب الرئاسي عن حضور الرئيس لمسرحية "الرئيس الغائب". أثار الخبر دهشة الجميع، لكنه أعقب ذلك بإعلان جديد: "كل مواطن يحتاج إلى استراحة، حتى أنا".

ومنذ ذلك اليوم، قرر الرئيس تخصيص وقت أسبوعي لزيارة المسارح ومشاركة شعبه فنهم وأحلامهم. لأنه أدرك أن زيارة المسرح هي رمز للتواصل مع شعبه، وأن بناء وطن جديد يبدأ بالقلوب والعقول، تمامًا كما يبدأ بالبنية التحتية والقوانين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شجون الهاجري نجمة كبيرة في الخليج.. المخرج محمد سلامة يتحدث


.. الكلاسيكو - الناقد أحمد عثمان : الوداد قدم أداء عالي أمام




.. الكلاسيكو - الناقد أحمد عثمان : الهلال أفضل ..ويمكن هزيمة ا


.. الكلاسيكو - الناقد الرياضي أحمد عثمان يحلل أداء ريال مدريد




.. الكلاسيكو - توقعات مباراة الأهلي وبورتو ؟ أحمد السيد والناقد