الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصول الحوار... والفصل!

وسام سعادة

2002 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



حوار داخلي في الحزب الشيوعي اللبناني! حوار موضوعه الحوار، ما يكاد ينزل الى التداول حتى يسحب أو يصدر تنويه بحقه بطريقة تفقده الاندفاعة المطلوبة أضف الى الوهج والمضمون، وكأن الدعوة الى الحوار ليست إلا من قبيل رفع العتب أو في أحسن الأحوال من صنيع رغبة صادقة في جمع الشمل من دون امتلاك التصورات والأدوات التي تسمح بذلك، وفي مقدمتها التيقن الى ما يفترضه الحوار، أي حوار، من شروط وآداب ومن أجواء مساعدة، وما يتضمنه كل حوار أيضا من عملية تفاوض تستند في الأساس الى تعدد المصالح عند المتفاوضين.
إطلاق حوار داخلي في حزب مثل الحزب الشيوعي ليس عملية سهلة، وليس لنا أن نسترسل في تشاؤم غالبا ما تنضح به الأمور سواء في زمن ظهور الأزمة في شكل صراع حاد أو في زمن اتخاذها سمة الركود والتعطل عن العمل. كل ما يمكن قوله الآن هو إنه يتعذر الجمع بين اثنين: لعبة الحوار، ولعبة الفصل.
أما أن يكون الحوار الداخلي لعبة فمعنى ذلك أنه ينبغي له أن يستمر ويتواصل باتجاه تحققه في صيغة تنظيمية تكرسه، وترعاه، وتحميه، وذلك بخلاف مقررات المؤتمر الثامن التي شكلت تراجعا عن السابع لجهة التضييق على معنى ومستوى التعددية ضمن الحزب فانتهى بها الأمر الى نقل التعددية الحزبية بشكل غير مسبوق الى خارج الحزب.
والحوار الداخلي ككل لعبة لا بد أن يعي أطرافه شروط ممارسته وفي مقدمتها التيقن الى أنهم شركاء في اللعبة مع آخرين، والتعرف أو إعادة التعرف الى هؤلاء الآخرين في الشكل الذي هم عليه وبالتالي لا يمكنك أن تطلق الحوار الداخلي ثم تفصله في نفس الوقت عن الآلية المنهجية والتنظيمية التي من الأجدى أن تتولى شأنه وتجمع ما ينجزه في الفكر والسياسة ومسائل التنظيم. إن الحوار عشية المؤتمر الحزبي لن تقوم له قائمة إن ارتبط بذهنية متعجرفة تصوره لنفسها وكأنه تيمّن بعفو، مشروط، عن سجناء حق عام، صبيحة يوم العيد. كلا، الحوار المشروط ليس بحوار وإن كان للحوار شروطه، وأولها تقبل وجود محاورين، وتقبل كون المحاورين ضمن الحزب الواحد (أو الذي تجري إعادة توحيده) مفاوضين ينبغي أن تطال مباحثاتهم شتى الميادين بدءا من أكثرها أولوية وراهنية وإلحاحا، وبالتالي فلا بد لكي تنطلق لعبة الحوار، بجدية، أن تنتهي لعبة أخرى، عمرها من عمر هذا الحزب، وأثرها على هذا الحزب فادح الضرر، وهي لعبة ((الفصل)) وسواه من تدابير.
ثمة مناسبة اليوم للشروع حقا في عملية العبور بالحزب الى حيث الديموقراطية الداخلية التي تصون لحمته ولا تلحق به المزيد من التشظي لكن شروط هذه اللعبة هي الإقلاع عن لعبة التدابير التنظيمية وملحقاتها، التي تعبر عن أسوأ ما في تقاليد هذا الحزب مذ فصل مؤسسه وأمينه العام فؤاد الشمالي وتُرك يموت جوعا قبل أن يفتكره ويلتقطه محمد دكروب بعد ذلك بعقود، ووصولا الى ما حدث مع فرج الله الحلو في نهاية الأربعينات حين أجبر على تسطير ((رسالة سالم)) المخجلة في النقد الذاتي لأنه آثر العض على الجرح الى النهاية، من دون أن ننسى ما حدث مع رئيف خوري وهاشم الأمين وسواهم من ضحايا عمليات ((الفصل)) الستالينية البكداشية في الثلاثينات والأربعينات، وذلك قبل ان يكتب على الحزب الانتقال الى عمليات فصل استهدفت جيلا بأكمله من الرواد في الستينات، وطاولت، بدءا من أزمة الفرعية الأرمنية عام 1964، قادة ((التيار اللينيني)) أوهانس أغباشيان ونخلة مطران وادمون عون ونسيب نمر ثم تناولت عام 68 قسما من قيادة الحزب نفسها وفي مقدمتهم صوايا صوايا وحسن قريطم وبطرس عيد وعلى يد العملية الانقلابية التي مهدت للمؤتمر الثاني والتي يصر الفرقاء الأساسيون في ((الحياة)) الحزبية اليوم على تحريم مراجعة حيثياتها، باعتبار أن قمع الستالينيين حلال.
ليست هذه مناسبة لإيراد سجل بكل المفصولين في تاريخ الحزب الشيوعي، وانما المناسبة للقول في هؤلاء إنهم في معظمهم وسواء عادوا أو لم يعودوا الى حزب معتقدهم وعصبيتهم فقد أنهوا حياتهم مبدئيين، عصاميين، شرفاء، في حين كانت تطور بين كل فصل وفصل تقاليد الفساد الداخلي من أعلى الهرم وتسربا باتجاه قاعدته.
لا يفسّر تاريخ الحزب من طريق لعبة الفصل، لكن هذه اللعبة هي كذلك مؤشر هام، وبالذات يوم تضطر القيادة الحزبية للعودة إليها في تسعينيات القرن العشرين وبعد أن اعتقد من اعتقد أن هناك من تعلم الدرس. لم تتورع القيادة الحزبية عن فصل نقابيين من نوع أديب أبو حبيب وإسماعيل بدران عام 1997 ولم تبال كثيرا لما يرتبه ذلك بالنسبة الى عمل الحزب ضمن النقابات التي ليست، وبالمناسبة، في أحسن أحوالها.
أما في مرحلة ما بعد المؤتمر الثامن، وقد كان مؤتمر التسوية الفوقية ثم المجهضة بين المتشددين والليبراليين، فقد جاء الوعيد ثم التجميد ليتناول المهندسين المعترضين ثم لم تتردد قيادة الحزب ففصلت سبعة رفاق من كوكبة ((إعادة التأسيس)) باعتبار أن هؤلاء يقومون ((((بأعمال تخريبية)).
أما الأكثر جدية فكان إقدام هذه القيادة على اختيار الياس عطا الله من بين ((قوى الإصلاح والديموقراطية)) في الحزب ليخص دون سواه بقرار فصل باعتباره الرأس الكبيرة للمعارضة، هذا قبل أن يطيب لهم منذ مدة الفصل من تحت ببتر أربعة طلاب جدد عن الجسم الشبابي وكأن أبواب مقر الحزب في الوتوات تشهد تدافعا من أجل الانضمام الى صفوف الطليعة التي طلع علينا مكتبها السياسي بطريقة ظريفة في عرض عناوين الحوار وبالشكل الذي جرى اختصار المسألة الفكرية في مسألة ((التثقيف)) مثلا، وجرى اعتبار ما يدور على هذا الصعيد من خلاف وكأنه تباين حول الطبيعة الطبقية للحزب (لا نسقط العنصر الاجتماعي عن لحظ تناقضات التكتلات الحزبية لكن لا نعتقد أن أحدا من هذه التكتلات يمثل نقاوة الطبقة العاملة تماما مثلما لم نعد ((نعتقد)) أن هناك تكتلات في الموقع المقابل وناطقة باسم رأس المال الاحتكاري).
مهما يكن من شيء وبالوصول الى المضمون السياسي لورقة العناوين، فقد أحسن المكتب السياسي بتكثيفه الحديث حول موضوعة التحالفات والسياسة التحالفية للحزب.
حسنا فعل، فقصة الحزب مع التحالفات تستحق إفراد دراسة خاصة بها. وما يمكن قوله الآن إن أزمة الحزب السياسية هي في جزء اساسي منها إما ثمرة استبدال مبدأ التحالف بمبدأ الالتحاق والارتماء وإما ثمرة سوء التقدير و((سوء الطالع)) عند كل تحالف، ولا تجاوز لهذه الازمة من غير اسقاط تصورين ليسا في الواقع سوى وجهين لعملة واحدة: من جهة ينبغي نبذ التصور الذي يعتبر انه يكفي ان يجمعك مع الاطراف الاخرى قضايا مثل ما يعرف بقضايا ((السيادة)) والحريات و((المصالحة الوطنية)) لكي تندرج ضمن تحالف برنامجي على الصعيد الوطني ويصبح دوري شمعون مع حفظ الالقاب اقرب اليك من سعد الله مزرعاني، ومن جهة اخرى ينبغي التوجه رأساً وبحدة ضد التصور الآخر، والمريض، الذي يرى ان الحزب لن يتحالف الا مع من يماثله شكلا ومضموناً فيهدد بذلك بإخراج الحزب من السياسة وكأنه بمقدور الحزب الذي كان في عمق الحياة السياسية يوما ان يقوم بالانشطة المناطة بحركة الشعب مثلا، مع حفظ التقدير لهذه الانشطة.
كلا، الحزب الشيوعي اما ان يكون حزباً سياسياً، وفي عمق السياسة اللبنانية، او لا ضرورة له، ولا بد ان يصار الى التوفيق بين حاجة الحزب الى وحدته، والى سيادته مع حاجته في نفس الوقت الى اغناء البعد السيادي من القضية الوطنية اللبنانية، وتقدير نوعية الصلات مع الاطراف الاخرى ضمن هذا السياق.
وفي المحصلة فمن المطلوب ان يعود الحزب برمته وينسج علاقة تحالفية سليمة مع وليد جنبلاط تستقل عما يمثله الاخير من زعامة وحزب وطائفة، ومن الضرورة ايضاً لحظ مفارقة ان الوجه اليساري لجنبلاط عاد منذ سنة ونيف فبرز فعلا حين تقرب من الآخر ((اليميني)).
ليست المشكلة في علاقة الشيوعيين الوثيقة مع الحال الجنبلاطية، ولا المشكلة في ان تعود العلاقة فتستند الى تحالف، وان يكون هذا التحالف في آن مع ماضي جنبلاط كرفيق سلاح ومع حاضره، وانما المشكلة في اضاعة الحدود الفاصلة مع الحليف، وتغييب مساحة النقد والتعبير عن الاختلاف، والاختلاف ليس بالدرجة فقط بل يمكنه ان يكون اختلافا في طبيعة القوة السياسية نفسها من دون ان يعني ذلك انتفاء امكانية التحالف السياسي المبدئي بين قوة سياسية مختلطة طائفيا واخرى متمحورة طائفياً وجهوياً. اما ان آثرنا المكابرة باعتبار عدم جواز قيام تحالف واضح مع الجنبلاطية اليوم فان ذلك سيعود ويطرح المسألة من وجهة اخرى تتعلق بطبيعة الحزب الشيوعي الطائفية، وليس معنى ذلك النظر الى المقادير الديموغرافية فيه، بل النظر الى سمته العامة، هل هي مسيحية ام اسلامية.
كما لبنان انتقل الحزب الشيوعي من حزب يحمل سمة مسيحية الى حزب يحمل سمة إسلامية، واليوم يعاني الحزب جزئيا من معالم هذا الانتقال، من دون ان يكون الحل كما يتوهم البعض عودة سياسية الى السمة الأولى من خلال الالتصاق التام بلقاء قرنة شهوان، فبعد كل شيء يجدر أيضا تحديد ما يفصلنا عن القرنة، ليس فقط من حيث هي تجمع طائفي، ولكن أيضا من حيث وجوب رفض أمور عدة من بينها طلب القرنة جدولة الانسحاب السوري (ما لم يذكره الطائف) فضلا عن محدودية نظرتها الى موضوع الجنوب وعدم نقلها الاهتمام بالمسائل القومية من حيّز البلاغة الى حيّز أكثر تقربا من الممارسة.
أما في ما يتعلق بالشعار القيادي حول ((البديل الديموقراطي للنظام الطائفي)) فهذا الشعار، يشبه الفكرة المقابلة له التي تقول ان الطائفية جلبت الى لبنان الديموقراطية، من حيث انهما، على تناقضهما، يسيئان فهم مسألة ان الطائفية اللبنانية وبما هي الشكل المحدد للمستوى السياسي وللدولة في هذا البلد، هي أيضا شكل من أشكال الديموقراطية، وان كانت الديموقراطية الطائفية في تعريفها ديموقراطية معوقة، رثّة، تتطلب من القوى التغييرية ان تعمل فيها اصلاحات متواصلة.
ولكن كي يطرح الحزب الشيوعي على نفسه، فعلا، مهام تتصل بالفعل السياسي في الواقع اللبناني، فلا بد له من ابتداع صيغة تنظيمية خاصة تصلح شأنه وتربط بين كونه حزبا ديموقراطيا في حياته الداخلية وبين كونه حزبا معلقة عليه آمال كثيرة بتوسيع مساحات الديموقراطية في وطنه.
إن الجمع بين ديموقراطية الحزب ودوره الديموقراطي في المجتمع هو المسألة الأساسية التي تنبغي احالتها الى النقاش اليوم، وبمجرد احالتها يسقط تصوران فلا يعود هناك وجاهة تذكر لمن يريده حزبا جهازيا تستأثر فيه لعبة الفصل الى جانب لعبة النحو، وبين من يريده حزب تيارات مشرّعة. إذ ذاك يصبح بالإمكان الحديث عن وجوب تكريس المنابر الداخلية التي تعطي الأولوية لما يجمعها على ما يفرقها والتي توفر آلية مناسبة تمكن الأكثرية من فعالية التنفيذ وتعطي للأقلية القدرة على طرح نفسها بما هي كذلك وعلى العمل من أجل تداول القيادة، فما دام التداول القيادي مستبعدا تفتقد القيادة لأحد شروط شرعيتها.
وما لم يفكر بهذه الأمور بجدية، فعلينا ان نتوقع بعد بادرات الحوار فصول فصل جديد.

©2002 جريدة السفير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك