الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2025 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يا له من شيطان بارع! أحياناً لا نملك إخفاء مدى دهشتنا وإعجابنا حين يأتي أحدنا بصنيع كنا نحسبه مستحيلاً. حينها ننعته بصفات العفريت أو الشيطان أو الجِن، هذا الذي عرف كيف يخادع الأقدار ويمكر على المشيئة الإلهية ومع ذلك ينجو بفعلته ويربح. عكس سائر البشر المُدجنين، المطيعين، الخائفين من معصية الأقدار وتحدي المشيئة الإلهية النافذة، هؤلاء الشياطين يملكون إرادة حرة يمارسونها حتى ضد أقدار الإله، مالك الملك، نفسه؛ يأبون الانقياد الأعمى لقوانينه ولا يتورعون عن الانشقاق ودهس التقاليد والسُنن البالية بنعال أحذيتهم المتسخة؛ هم يملكون الجرأة والاقدام وحب المغامرة إلى حد المقامرة بحياتهم، لكي يعيشوا بأنفسهم- لا كما يُملي عليهم آخرون- حاضرهم الذي سيصنعون منه مستقبلهم- مهما حذرهم الآخرون من سوء المآل ومهالك التمرد والانشقاق على الذات العَلية. تلك هي نعيم شياطين الإنس وجنتهم، أن يستمتعوا بحيواتهم كيفما يريدون ويحلوا لهم، بكرامة وعزة، لا في مذلة أو تقديس وطاعة عمياء لأوامر أو إملاءات أو أهواء أو قوانين أيٍ آخر- حتى لو كان مالك الملك نفسه.

يا له من شيطان بارع بحق! هذا الشرع لم يُسقط إلهه الأعلى المتغطرس فقط، لكنه أحكم أيضاً قبضة فولاذية على مُلكه وفرض هيبته وهيئته وكاريزميته على الكاميرات كما لو كان قد تَشَّرَب تقاليد الحكم أباً عن جد. كثيرون من الملوك والرؤساء والأمراء والسلاطين العرب المؤلهين من شعوبهم قد ولدوا وترعرعوا في قصور وبيوت الرئاسة والملك والإمارة والسلطنة والحكم لكنهم، رغم ذلك، قد لا يتقنون التفوه بجملة عربية صحيحة وموحية كما يفعل، أو يجيدون التحاور مع الآخرين بمثل مهارته ودماثته. ذاك الملك بن الملك، الذي تربى وترعرع داخل القصر الجمهوري، وتلقي تعليمه في أرقى المدارس والجامعات الوطنية والأجنبية، لم يملك يوماً الأرض السورية أو الأثر الدولي كما يفعل الآن هذا الصعلوك إرهابي البارحة، الذي ظل حتى الأمس مطارداً ومختبئاً تحت صخور الجبال من قنابل وعيون العالم كله. لكي نُعطي الشيطان حقه، دعونا نلقي نظرة على ديموغرافيا الأراضي السورية قبل أن يفرض بالقوة سيطرته عليها مباشرة. كذلك، دعونا نعود بالذاكرة إلى ما حل بالعراق من فوضى وحرب أهلية فور أن اختطف الشيطان الأمريكي من العراقيين إلههم الصدامي؛ كذلك، دعونا لا ننسى ما لا يزال يجري حتى الآن في ليبيا بعد إسقاط إلهها القذافي، أو اليمين بعد صالح، أو السودان بعد البشير. حقاً، يا لك من عفريت شيطاني يا أحمد الشرع- إلى الآن على الأقل!

من أخص خصائص الإله أن يكون هو عِلة ذاته، لا مَعلولاً لأي شيء آخر؛ يَخلق ولا يُخلق. كذلك، لابد أن يكون الإله هو القاهر، الحاكم المطلق، في ملكه ورعاياه؛ يكافئ بنعيمه المطيعين المخلصين منهم، ويُذيق المنشقين والمخالفين أبشع أنواع الذل والمهانة والتنكيل والعذاب. في ذلك، لن يختلف أحمد الشرع كثيراً عن بقية أعضاء مجمع الآلهة العرب. مثلهم، هو أيضاً علة ذاته، أوجد نفسه بنفسه ولم يُوجده أحد. كذلك، لأن هذا هو دأب الآلهة منذ الأبد، لابد، مثل نظرائه العرب، أن يخص بنعمه ومزاياه ورضاه المؤمنين به من رعاياه، وبغضبه ونقمته المنشقين عليه والخارجين على حكمه.

غير أن الشرع أمام مأزق صعب لم ينجو منه حكام عرب آخرون حاولوا لعب دور الألوهية على شعوبهم ودفعوا أثماناً باهظة كلفتهم وكلفت أوطانهم ليس بأقل من الخراب والهلاك. حتى يُصدق الرعايا في ألوهية الإله لابد ألا يكونوا شهود عيان على عملية خلق وتنصيب إلهاً عليهم- الإله لا يُخلق ولا يُنصب. الملوك والأمراء في منطقة الخليج والمغرب يمتد سلسال ألوهيتهم إلى أبعد من قدرة ذاكرة رعاياهم على الاستدعاء والتذكر، وهو ما يضمن لهم هالة من القداسة والتبجيل جديرة بها الآلهة من رعاياها. في المقابل، حين حاول جمال عبد الناصر ورفاقه صدام حسين والقذافي وعلي عبد الله صالح وأمثالهم الانتقال من مرتبة الثوار الشياطين المنقلبين ضد آلهتهم آنذاك إلى مرتبة الآلهة المعبودين من رعاياهم، كانت ذكرى الانقلابات لا تزال حية ونابضة في وجدان شعوبهم: "لقد شاهدناكم بأم أعيننا وأنتم تقتلوا بأيديكم آلهتنا وساعتها فرحنا وصفقنا وهتفنا ورائكم: حرية، كرامة، لا استعباد بعد اليوم! هل قتلتموهم لكي تحررونا من عبوديتنا لهم حقاً أم لكي تخلفوهم على عروشهم ونكون قد استبدلنا إلهاً بإله وعبودية بعبودية أخرى؟! هل هذا يصح؟! أليس الله واحد أحد، فرد صمد، لا يحيا ولا يموت، أم مجمع آلهة يتناحرون مثل البشر فيما بينهم لكي نصفق ونهلل للغالب، حتى يأتي الدور على آخر لنعاود التصفيق والتهليل وهلم جرا؟!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شوارب الدروز أسرار ورموز • فرانس 24 / #الدروز


.. ما دلالة تحريم شرب القهوة في أعراف العشائر السورية؟




.. إيران تعيد تسليح ميليشياتها.. وأميركا تستعد للعودة إلى الحرب


.. إمام عراقي سابق يحذر: الرجل العربي يعيش ازدواجية خطيرة | #ال




.. حصريا من قاعدة العديد القطرية: القصة الكاملة للتصدي لصواريخ